الطريق إلى الاجتماع الناجح


مرتضى معاش      [email protected]

تعبر الرواية الواردة عن أمير المؤمنين(ع):«أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله» عن أهمية الاستفادة من مختلف الخبرات الإنسانية المتنوعة في اتجاهاتها العملية ورؤاها الفكرية من أجل الوصول إلى حالة التكامل الرفيع والنضج الفكري والعملي، فكلمة أعقل تعطي معنى التصـــاعــد نحو المستويات الأعلى من خلال استثمار العقول الأخرى، فكلما استطاع الفرد أو التجمع الحصول على هذا الاستثمار كلما تكامل أكثر في تحقيق مستوى أرقى.

ولكن تبقى هنا حقيقة مهمة تنبع من سؤال جوهري وهو هل يمكن إيجاد حالة النمو والرقي..  وهل يمكن الاستمرار في حالة التكامل..؟

هذا الأمر بلا شك يعتمد على المنهج الفكري الذي يشكل أساس وقوام الحركة، وعلى الاستعداد النفسي والروح المعنوية لتقبل نتائج عملية استثمار الخبرات، وعلى وجود الوسائل والأساليب الفنية الجيدة لتحريك وتجميع العقول والأفكار.

ونفهم من الرواية الشريفة أن الاستفادة من عقول الآخرين لا تتم إلاّ بجمع العقول مع بعضها البعض (من جمع عقول..)  فيمكن أن نستنبط أن الاجتماع الذي يتحقق بين مجموعة من الأفراد ذوي الخبرات المتنوعة هو من أفضل الوسائل العلمية لتحقيق عملية التكامل، ومجرد تحقق الاجتماع وجودياً لوحده لا يكفي بل لابد من تحقق مجموعة من الشرائط النفسية والإدارية والقيادية والزمانية والمكانية حتى يمكن الاستفادة من عملية الجمع بالصورة الصحيحة.

تستخدم كلمة الاجتماع عادةً للدلالة على التئام عدد معين من الناس في مكان لمناقشة موضوع معين بهدف التوصل إلى هدف محدد.  لذلك تتنوع الاجتماعات بتنوع الأهداف ومرحليتها.  فقد يكون اجتماعاً صغيراً محدوداً على مستوى القيادة أو ما دونهم، وقد يكون عاماً على مستوى القاعدة العامة للمؤسسة أو الحركة وحينئذ يطلق عليه اسم المؤتمر.  وهذا من أهم أنواع الاجتماعات لأنه يهدف إلى جمع الخبرات التي تشترك معاً في الأهداف والاتجاهات لرسم الاستراتيجية العامة والاتفاق على الخطوط العامة للتحرك.  ويعتمد نجاح الحركة على مدى توظيفها لاجتماع المؤتمر وقيادته بنجاح وبالتالي تحقيق انتصارها الفعلي في خروج المشاركين وهم يشعرون بالرضا والتفاعل والاستمداد المعنوي والفكري والاندماج الاختياري بعمق مع واقع الحركة وطموحاتها.  فالاجتماعات تمثل الوسيلة الفعالة والمهمة للمشاركة الجماعية فعن طريقها يتم تبادل وجهات النظر والتنسيق فيما بينها وتوصيل المعلومات بين الأفراد والدراسة العلمية والموضوعية الموسعة للموضوعات المطروحة للنقاش.

قد يكون الاجتماع مجرد اجتماع لتواصل المعلومات بين مختلف اللجان والأفرع داخل المؤسسة أو بين الأفراد والمدراء، وهذا لاشك أفضل من عملية التبادل الكتبي والرسمي، لأن الاجتماع الذي يحمل طابع الحوار الشفوي ويلغي التقاليد الرسمية التي يتبعها الرؤساء أحياناً مع مرؤوسيهم بعد أن يتجاوز المراتبية التي ربما تفصل بينهم، يعطي الفرصة اللازمة لفهم المعلومات بشكل واضح وسليم وتحليلها بعمق بمناقشتها المتبادلة فيما بين المشاركين، مع ما يمكن للاجتماع أن يتيحه من إمكانية التعرف على صور التفاعل المتبادلة بين وجهات النظر المختلفة للمجتمعين.

وقد يهدف الاجتماع إلى استنتاج الأفكار وبلورتها حيث تداول الأفكار الذي يسمح لكل المجتمعين أن يشاركوا بأفكارهم ووجهات نظرهم مما يؤدي إلى الوصول إلى أفكار كثيرة ومثمرة، وهـــنا يتعين على إدارة الاجــــتماع أن تدير الأمور بصورة تسمح للجميع التعبير عن آرائهم بحرية ودون قيود يمكن أن يفرضها الآخرون.

الاجتماع الفعال

ويعتمد نجاح الاجتماع على مدى فاعليته وتحقيقه للرضا العام بين المشاركين فكثيراً ما ينفض المجتمعون وهم يحملون انطباعات متباينة عن نتائج الاجتماع، مثل كونه مضيعة للوقت وغير فعال..  ولكن الاجتماع الفعال هو الذي يحقق الأهداف المرجوة من عقده في أقصر وقت وخروجه بنتائج إيجابية ترضي غالبية المشاركين، وبالتالي فإن نجاح الاجتماع يتوقف على مدى قدرة الإدارة في تحقيق التوازن المطلوب بين تحقيق هدف اللقاء في أقصر وقت وبين قدرته على تحقيق رضا المشاركين.

ويتوقف نجاح الاجتماع مثل اجتماعات المؤتمرات غالباً على نوعية وكيفية التحضير الذي يشكل الأساس لعملية التنظيم والموازنة في إدارة المؤتمر أو اللقاء، فكثيراً ما تفشل الاجتماعات لسوء التحضير والإعداد أو كان يمكن أن تحقق نتائج أفضل لو كانت مسبوقة بتحضير أحسن، ويتضمن الإعداد والتحضير العناصر الأساسية التالية:

أولاً:  ضرورة تحديد أهداف الاجتماع بوضوح بعيداً عن العبارات الفضفاضة التي يمكن أن تزيدها غموضاً وإبهاماً وبعيداً عن الشعارات الرنانة التي يمكن أن تحول الاجتماع إلى شعارات يقضي على واقعية الاجتماع، فيجب أن تكون الأهداف محددة بكلمات واضحة يفهمها المشاركون من دون لبس يمكن أن يؤدي إلى التأويل أو الفهم المعكوس.  ولابد من تحديد الأهداف وصياغتها قبل عقد الاجتماع لأن تحديدها أثناء الاجتماع يمكن أن يستهلك الغاية الأساسية من عقده، كما لابد من وجود توافق قبلي على هذه الأهداف يشير إلى ما يجب أن يتحقق إلى ما يجب فعله، وإلاّ فإن فرض الأهداف على المشاركين قد يسلب الاجتماع روحه ويفقده غايته التي عقد من أجلها.

ثانياً:  وإذا أمكن تحديد الأهداف بوضوح فإنه يتم على ضوئه اختيار المشاركين ونوعياتهم، وبمقدار ما يكون الاختيار مناسباً وسليماً يكون الاجتماع أكثر نجاحاً، ولابد أن تكون عملية الاختيار موضوعية محايدة تقوم على مبدأ كون المشارك يحمل المؤهلات اللازمة للمشاركة وتناسبه مع الفائدة المرجوة من عقد المؤتمر، ولهذا لابد أن يكون الاختيار معتمداً على الانتقاء الشخصي والدوافع الذاتية التي تحرك الإدارة وخصوصاً عمليات الشطب والإلغاء التي يمكن للبعض من أصحاب النفوذ أن يستخدمها كورقة لتقوية نفوذه وحسر مخالفيه، وأن لا تحول الإدارة الاجتماع إلى مجرد وسيلة لتحقيق بعض الأهداف الآنية بحيث لا تهدف من عقد الاجتماع إلاّ تعبئة دعائية لصالحها، لذلك تصبح الدعوات إلى الاجتماع شكلية والمدعوون مجرد حضور شرف، وإذا تم الاستبعاد الشخصي والانتقاء المصلحي فإن الاجتماع يكون بعيداً عن الأهداف الجوهرية التي من أجلها عقدت المؤسسة اجتماعها أو مؤتمرها.  وإن عدم وجود معرفة بالاختيار المناسب قد يؤدي إلى مزيد من ضياع الوقت والجهود خاصة إذا كان حضور بعض المشاركين غير المؤهلين يمكن أن يعرقل سير الاجتماع أو تعطيله.  ولهذا يمكن للإدارة التحضيرية أن تعتمد بعض المواصفات المعينة للمشاركة مثل:  تعدد الاتجاهات المشاركة وتنوعها بحيث يشمل أكثر الأطراف التي يمكن أن تشترك أو تؤدي دوراً فاعلاً في إنجاح الاجتماع، وكذلك مراعاة الشمولية من تنوع التخصصات وتعدد الأفكار وتوازن التمثيل في مشاركة الأفراد من حيث ما يحملونه من سلطات وتفويض من قبل العاملين معهم، فكلما تنوعت المشاركة وشملت قطاعات أوسع كان أكثر قدرة على النجاح وخصوصاً المؤتمرات التي يعتمد نجاحها على الشمولية والمشاركة المتكاملة حتى يمكن تحقيق قدر أكبر من المساهمة الفعالة.  وبالطبع فإنه كلما كبر حجم الاجتماع كلما زادت مشاكله وصعب التواصل الفكري ولكن هذا لا ينفي أن الإعداد الجيد والإدارة الحكيمة يمكن أن توفر الأرضية اللازمة لنجاح الاجتماعات الكبيرة مثل المؤتمرات خاصة بعد أن يسبقها اجتماعات مصغرة مكثفة ترسخ أواصر الألفة وتقيم جسور التواصل الفكري بين الأفراد.

ثالثاً:  إن اختيار الزمان والمكان المناسبين يؤثر في نجاح الاجتماع، فقد لا يكون الزمان مناسباً بحيث يؤدي إلى تغيب المدعوين، أو يساهم التوقيت السيء في افتقاد التفاعل داخـــل الاجتماع، كما أن عدم انتظام أوقات جلسات الاجتماع قد يؤدي إلى سريان الفوضى وفقدان الانضباط، ولا شك أن التزام المشاركين بأوقات الاجتماع وتفريغ أنفسهم كلياً وإلغاء التزاماتهم الأخرى التي تضر بالنظام يمكن أن ينجح الاجتماع.  والمكان المناسب لعقد الاجتماع من كونه مقدوراً لحضور المشاركين ومريحاً في مساهماتهم يؤدي إلى إيجاد الأجواء السليمة للتفكير والإنتاج، فإذا كان المكان غير مريح أو سيء التهوية أو كثير الضوضاء مثلاً فإن ذلك يؤثر سلباً على الاجتماع.

رابعاً:  أحياناً يضيع وقت الاجتماع سدى ويخرج المجتمعون بلا نتيجة بعد أن استهلكوا الوقت في نقاشات غير مثمرة، وهذا يرجع إلى سبب رئيسي وهو عدم وجود جدول أعمال يبين الموضوعات التي يجب تغطيتها لتحقيق أهداف الاجتماع.  وعدم قيام الإدارة بإعداد تحضيري مناسب لجدول أعمال الاجتماع يساهم بشكل فعّال في الخروج بنتيجة مثمرة، لأن جدول الأعمال يحدد الأولويات وينظم أوقات المساهمة ويحتوي المناقشات الهامشية ويركز برنامج الاجتماع في موضوعات تستهدف الغايات الأساسية.

ولاشك أن التحضير الجيد هو السيد في نجاح الاجتماعات فكم من اجتماع امتلك كل عوامل النجاح ولكنه فشل فنياً لعدم وجود تحضير مسبق وإعداد إداري جيد، ولذلك فإن الإدارة الحكيمة تأخذ بنظرها كل الاعتبارات وتطرح أمامها كل الإشكاليات التي يمكن أن تواجهها.

وبعد التحضير الجيد تأتي عملية قيادة الاجتماع التي يشكل أسلوبها ركناً أساسياً في استثمار الاجتماع، وسنتطرق في مقال لاحق حول الأسلوب الأفضل لقيادة الاجتماعات.