أساليب التوازن بين الاستراتيجي و التكتيكي


فاضل الصفار     [email protected]

لا يكفي أن نمتلك جهازاً قوياً مسنداً بالمؤسسات والبرامج الاجتماعية لديمومة العمل واستمرار الأنشطة توصّلاً إلى الهدف.. بل لابدّ من أيجاد توازن دائم ومستمر بين الاستراتيجي والتكتيكي من الأعمال ثم توزيع الطاقات حسب جدول مرسوم كضمانة أساسية لذلك.

في كثير من الأحيان ينشغل العاملون بالتكتيكي على حساب الاستراتيجي غفلةً أو اضطراراً وهذه مشكلة كبرى يعاني منها أصحاب المؤسسات ورجال الفكر والتوجيه والإدارة على اختلاف أدوارهم ومهماتهم.. والسر واضح.. إذ أن التكتيك يلازم حياتهم ويعايشهم لحظة بلحظة ولأنه دائماً في مدّ نظرهم ويلحّ عليهم مطالباً بالمتابعة والإشراف لحلّ المشاكل ورفع المعرقلات..

فمثلاً البعض يعمل في مؤسسة سياسية تهدف إلى الوصول إلى الحكم أو المساهمة فيه كواحد من أهم أهدافها إلا أن القيّمين عليها ينشغلون في ممارسة أدوار وأنشطة تكتيكية تمنع من تحقيق ذلك إن لم تبعدهم مسافات ومسافات عنه.. وآخر يمارس دوره في مؤسسة دينية فكرية هدفها نشر الإسلام والتشيّع و الحفاظ عليهما أمام الهجمات الفكرية والثقافية الخطرة التي تشنّها جبهات استعمارية بشكلٍ مدروس وبأساليب متطوّرة ومتنافسة.. إلا أنه يقوم ببعض الأعمال التي قد تعطي إلى الأعداء سلاحا إضافيا لضرب الإسلام وتشويهه إن لم يكن أخطر.. و ثالث يرفع لواء الوحدة وتلاحم وجمع الطاقات وتوظيفها في سبيل العمل الإيجابي البنّاء في نفس الوقت الذي يصبح فيه هو من القائمين على أعمال التفرقة وزرع الصراعات هنا وهناك وقد لا يتفق مع أصدقائه فضلاً عن أعدائه وربما يغفل الإنسان عمّا يقوم به من دور إيجابي أو سلبي في حياته إلا أنّ التسمية التي تترتّب على هكذا أدوار يحصدها الجميع مغمورة بالمشاكل والأزمات الهاشمية التي تضيع فيها الأهداف الكبرى وتهدر فيها الطاقات.. هذا في الجانب السلبي وفي الإيجابي قد نرى البعض يمارس أدواراً هي إيجابية في نفسها إلا أنها أقل بكثير من مستوى الأهداف التي رسمها وأراد أن يسير وراءها.

من هنا كان من الضروري دائماً أن نلقي نظرة فاحصة على الأعمال التي نقوم فيها بشكل أفراد وجماعات.. ومؤسسات أيضاً ونوازن فيها بين الاستراتيجي والتكتيكي لكي نعطي الإستراتيجي حصته اللائقة به من التفكير والدراسة والعمل في نفس الوقت الذي نعطي التكتيكي حصته أيضاً وبذلك نكون قد ضمنا المستقبل واستطعنا إن نخطو إيجابيا خطوات سريعة نحو الأهداف العليا.. وهناك بعض النقاط التي قد توفّر بأيدينا إمكانية الموازنة فيها:

1- تحديد الأهداف ورسم أطرها لكي نضمن الأساليب الصحيحة التي تقودنا إليها فإن من تميّز عنده الهدف يتوضّح عنده الأسلوب أيضاً، فيعمل على ممارسة دوره بالأسلوب المرسوم ويترك الأساليب الأخرى التي لا تصبّ في خدمة الهدف.

2- تحديد الأولويات وتشخيص الأهم من الأفكار والأعمال عن المهم منها، ومن الواضح أن الأهم هو الذي ينبغي التوجّه نحوه في قبال المهم.

3- التركيز على بعض المبادئ المهمّة التي توفّر إلينا الاستمرار على التوازن بين الاستراتيجي والتكتيكي.. في طريق الاهتمام بالاستراتيجي أكثر لأنه الأكثر جذرية والأفضل إنتاجاً منها:

أ / التأكيد على تطبيق الأفكار في العمل وإن استلزم ذلك بعض الخسائر الآنية.. فمثلاً من يؤمن بنظرية الشورى كأفضل وسيلة للقرار والتخطيط الناضج ينبغي أن يمارس دوره من منطلق الشورى أيضاً ويكرّس هذا المبدأ في عمله وإن تصوّر إنها تعود عليه ببعض المشكلات المؤقتة.. و إذا لاحظنا أن النتائج الإيجابية التي تترتّب على تطبيق الفكرة مقابل بعض الخسائر التي قد تصيبنا جرّاء التطبيق نجد أن فوائد التطبيق أكثر بكثير من خسائر عدم التطبيق .

ب / إعطاء أهمية جيّدة للكادر والأفراد الذين يشاركوننا في العمل وإنجاز المهمات والاهتمام لتغذيتهم فكرياً ونفسياً لنضمن سلامة العمل وبقاء المؤسسة مستحكمة الروابط والعلاقات.. قد يتصوّر البعض أن الذي ينبغي أن نهتم به أكثر هو أداء الوظيفة وإنجاز العمل وإن كان على حساب الأفراد إلاّ أن هذا أمر يستدعي بعض التأمّل والتفكير.. لأن الاهتمام بالكادر وتربيته فكرياً ونفسياً يعود بنتائج أكثر نضجاً وإنتاجاً من العمل القائم على أفراد هم عاملون أكثر من كونهم مفكّرين.

ج / العمل على تحويل العمل الفردي في القرار أو في الممارسة إلى عمل جمعي تبلوره المؤسسات ولا يكفي في العمل المؤسسي التسميات والعناوين التي قد نضعها على الأعمال ما لم تتكرّس في نفس العمل الحالة الجمعية الشورية والتخطيط المشترك، ومتى ما تمكنّا أن نزرع في عقولنا قناعة أن العمل والمؤسسة والأهداف التي من أجلها أنشأت هي العنوان وليس الفرد  أو حتى الأفراد نكون قد خطونا خطوات جيدة نحو المؤسساتي.

قد تكون هذه من الأمور الصعبة بعض الشيء في ضمن أجواء اعتادت في الغالب على الأعمال الفردية وربط المؤسسات المهمّة بأفراد في القرار وفي المصير إلاّ أن هناك بعض الخطوات الأولية التي قد تعيننا على السير نحو المؤسساتية منها: ما ذكرناه من الاهتمام بالكادر والعمل على تربيته.. ومنها الابتداء بتفويض بعض الأدوار إلى الأفراد وإشراكهم في التخطيط والقرار ثم التطبيق وشيئاً فشيئاً ستتحقق عندنا نهضة نوعية وقفزة من العمل الفردي إلى الجمعي.

د / إيجاد الترابط بين المؤسسات المنتشرة هنا وهناك في العالم مع إيجاد التنسيق المشترك.. لتتم عملية الدعم والمساندة وتكميل إحداها الأخرى.. فالمؤسسة الفكرية التي مهمتها نشر الفكر والثقافة تسندها مؤسسة أخرى مالية وهذه الأخرى تدعمها مؤسسة علاقات وارتباطات وهكذا.. لتتشكّل جبهة عريضة من المؤسسات تقوّم بعضها بعضاً وتصونها من الضعف أو الفشل.

ومن بعد هذا يمكن أن نخطو خطوات أخرى بربط المؤسسات العاملة بشكل كلّي أو جزئي بمؤسسات أخرى أقوى تهتم بالشؤون الإنسانية والفكرية، الأمر الذي قد يوفّر بأيدينا قدرة على التماسك أكثر ومقاومة عمليات النسف أو الإلغاء.

و لكن هذا أمر يحتاج إلى دراسة أكثر وتشخيص الأهم من المهم فيه. ولعلّ من طرق ذلك إيجاد لجنة تنسيق وربط مهمتها فتح الطرق بين المؤسسات وتدعيم القواسم المشتركة ووضعها في قائمة الأولويات التي ينبغي العمل عليها مع تجميع ما قد نختلف عليه مؤقتاً أو دائماً.

هـ / تكريس كل ما تقدّم بعمليتين لهما الأهمية القصوى في إيجاد التوازن و نجاح التطبيق، هما.. التخطيط.. و المتابعة و التقييم. فإن الأعمال ما لم تحظ بالمتابعة ودراسة مواقع الخلل والنجاح تساق شيئاً فشيئاً إلى الإهمال وبالتالي تصبح الأفكار شعارات ينقصها العمل. في نفس الوقت تعطينا رؤية واضحة عن العمل و جرّه نحو التوازن بين الاستراتيجي و التكتيكي، مع تنزيه الأنشطة من الممارسات السلبية التي قد يقوم بها بعض الأفراد أو  المؤسسات ولا تصبّ في خدمة الأهداف العليا.

فإننا إذا تمكنّا من إيجاد حسّ المراقبة والفحص والتقييم في الأفراد أولاً ثم أوجدنا هيئة مهمتها ذلك ربما نكون قد فتحنا أمام هيئة التخطيط طرقاً معبّدة لرسم الأهداف و تحديد الأساليب الأفضل بروح عالية ونفس متفائلة، ثم الانــطلاق لفتوحات كبيـــرة مفعمة بالتجارب مستحكمة بالتعاون والتنسيق المشترك والمكللة بالنجاح.