الرحلة والهدف

عدنان عباس سلطان

شبكة النبأ: اللهم اني اشكو اليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، انت ارحم الراحمين، انت رب المستضعفين وانت ربي، الى من تكلني، الى بعيد يتجهمني، او الى عدو ملكته امري، ان لم يكن بك علي غضب فلا ابالي، ولكن عافيتك هي اوسع لي، اعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات وصلح عليه امر الدنيا والآخرة من ان ينزل بي غضبك، او يحل علي سخطك، لكن لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.

بهذه الكلمات التي تنّز منها المعاناة وتنضح من اعماق النفس الانسانية المتالمة كان الرسول الكريم (ص) يخاطب ربه ويتاسى بهذا الخطاب ويطلب المؤازرة والتعضيد والتوفيق لانجاز المهمة الانسانية الكبيرة، وكأنه يقف ليدفع الثمن مقابل الحرية عن كل المستضعفين في الارض، وعن كل المظلومين، كان ينطق بتلك العبارات فيما كانت جراحه الكثيرة تضج الما

وتنبض متآزرة مع الاحزان الثقيلة والاحباطات المتوالية.

عندما توفى ابو طالب تناولت قريش من رسول الله (ص) وضغطت عليه بكل وسائلها مما دفعه للخروج الى الطائف ومعه زيد بن حارثة فاقام فيها عشرة ايام، لكن الحال كان هناك اسوأ من التوقعات فقد تصدوا له بالاذى وقعدوا له كل مقعد حتى انهم امروا سفهائهم والصبية بقذف الحجارة عليه وظل يدور في انحائهم دون ان ياويه احدا منهم، لكنه استظل اخيرا تحت نخلة في اطراف مدينتهم والدماء تسفح من جسده الشريف.

وفي اثناء جلوسه هناك كان على مقربة منه عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله وله، فبادرا الى ارسال غلامهما عداس وهو نصراني من اهل نينوى ومعه عنب.

فلما وصل سأله الرسول من اي ارض انت؟.

قال: من اهل نينوى.

قال: من مدينة العبد الصالح يونس بن متي!.

فقال له عداس: وما يدريك من يونس بن متي؟.

فقال (ص): انا رسول الله والله سبحانه وتعالى اخبرني خبر يونس بن متي.

فلما اخبره بما اوحى اليه من شان يونس(ع) سجد عداس لله وعظم الرسول(ص).

فلما ابصراه عتبة وشيبة وما فعل مع الرسول سكتا حتى جاء اليهما وقالا له: ما شانك سجدت لمحمد وقبلت قدميه ولم نرك فعلت ذلك باحد منا؟.

قال: هذا رجل صالح اخبرني بشئ عرفته من شان رسول بعثه الله الينا يدعى يونس بن متي.

فقالا له لا يفتننك عن نصرانيتك فانه رجل خداع.

الحقيقة ان الرحلة المناضلة الى الطائف اكتسبت اصرارا على مواصلة الطريق مهما كانت النتائج وما يتمخض عنها فان الامر الشاق وتحمل جسامة الاحداث في بداية اية قضية انما تجعل في النفس البشرية حصانة كبيرة يتدرع بها الثائر وهو يتوقع المزيد من الاذى والتنكيل

وتزيد الايمان في القضية مهما كانت تلك القضية في نظرتها الانسانية سواء في الاصلاح او التغيير في صالح اليوم القادم.

فكيف بها وهي قضية ربانية نورانية تتمثل فيها ارادة الله وعدالته لصلاح الكون الانساني بقيادة البشر المختارون غير المسيرون وعلى عاتقهم خلافة الارض ليصلوا الى طريق الكمال الذي يريده الله سبحانه وتعالى؟.

ان العثرات الابتدائية التي تواجه الانسان في مشواره منذ بدء الطريق حالة ضرورية فليس تحقيق الذات او ذوات الآخرين بالحاجة التافهة او الهامشية التي يمكن التغاضي عنها او درجها في مربع الاهمال وانما يجب ان يكون كل شئ قضية طالما هي ضرورية للحياة وتمس الاخرين بالخير، فالرسالة الاسلامية قد واجهت من المصاعب بما لا يقاس مع ما تعرض له الرسول الكريم في الطائف، حيث ان الاذى كان محصورا بشخصه الكريم وهو وكما يعرف عنه لا يهتم باذى نفسه فقد كان يحزن من اجل الآخرين ان كانوا مسلمين او من معاندي قريش، وقد نزلت فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6)سورة الكهف.

وهو انما يكاد ان يقتل نفسه اسفا وحسرة على الاخرين الذين لم يهتدوا الى النور الذي انزله جبريل عليه وهو الهدى من عند الله سبحانه وتعالى وهو النور الوهاج الذي طغى على ظلامات الانسان من تسلط وجور وظلم وشرك بالله.

ان انارة عقول استندت الى عمق تاريخي في الطريق غير السوي ليس بالامر الهين واليسير وانما يكون ذلك من العسر بحيث يرى بانه اشبه بالمستحيل ان تغير العقول بمجرد ان يجئ بشئ عقلاني وذلك لان ذلك يرتبط بالعلائق المنجزة منذ آلاف السنين وما تكدس عليه من بنى واخلاقيات اجتماعية واقتصادية وتحديد في الطبقات الحاكمة والمحكومة اضافة الى الاعراف القانونية وما اسس مع الجهات البعيدة او الدول الاخرى من صيغة متوافقة مع كينونة المجتمع القريشي.

ولذا فان الرسالة قد لاقت عنت كبير وقاسي ازهقت فيه الانفس المحترمة في كلا الطرفين.

فهل كان ذلك العنت او القسوة قد ردت الرسول الكريم انملة عن عزمه في مواصلة المسيرة الثورية؟.

...................................................................

 المصادر:

من حياة الرسول الأعظم/ الامام محمد الحسيني الشيرازي

© جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 28 أيلول/2007 -15/رمضان/1428

[email protected]