لمحات من حياة الرسول الأعظم (ص)... الهجرة الى الحبشة

عدنان عباس سلطان

شبكة النبأ: الانسان بما هو انسان قد خلقه الله سبحانه وتعالى على هذه الكيفية فان الله سبحانه وتعالى اراد له ان يصنع الحياة ويبلغ كماله دون ان يعتمد على القدرة الالاهية إلا بحدود التعضيد او التوفيق، فان امر الله جلت قدرته ان اراد شيئا يقول له كن فيكون لكن الحكمة الربانية ارادت ان ان يسير الانسان بطريق الكمال من وحي العقل والبصيرة، ويجند معه الامكانات المتوفرة بصورها الطبيعية وان يخاطب العقول المتنوعة ليصل الى ارادة مضاعفة والنضال في السبيل القويم الذي هو حدود الله وتحقيق العدالة في الحياة وذلك بكون الحياة هي الجسر المؤدي الى الاخرى الكاملة التي ليس فيها الصراع والتزاحم والغلبة والخسران.

وهكذا كانت الرسالة التي نزلت على محمد بن عبد الله وبلغ بالنبوة (ص).

وبنتيجة الصراع الحتمي فان القوى المناهضة التي تربعت منذ عقود كثيرة على النظام الذي يحفظ مصالحها وغاياتها وكينونتها قد هبت كرجل واحد لوأد النظام الجديد المنبثق وهو يحمل روح التجديد والحداثة لما هو سائد من عادات وتقاليد واعراف وعبادات.

كانت الرسالة لم تبلغ بعد ما يؤهلها لمجابهة القوى المقتدرة وخصوصا في الفترة النشطة لإستنفارها ضد الدين الجديد، فرأى النبي(ص) ان يهاجر ثلة من الشباب من ذوي الامكانات المؤثرة للحركة الرسالية الى ارض الحبشة، ريثما تعمل الظروف الطبيعية وتؤدي فعلها وريثما تبلغ الرسالة مستقراتها في علم الناس، اي بمعنى اعطاء الرسالة حقها الاعلامي لتبلغ القبائل والمدن الاخرى لتكون لها سطوة فكرية وتامليه في االذهن المجتمعي.

فكانت الهجرة وعلى راسها جعفر بن ابي طالب (ع) ومعه سبعون رجلا.

عندما علمت قريش بامر خروجهم بعثوا باثرهم عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد الى النجاشي ليردوهم الى مكة.

ومن الطريف ان الاثنين الذين بعثوا باثر المهاجرين كانوا على عداوة!، الا ان المصالح المشتركة للنظام القائم هي اقوى من اي خلاف مهما عظم فان العشيرتين قد تصالحتا وبرئت كل واحدة للاخرى عن الذنب الذي اقترف بحقها، وهكذا تتّحد قوى الشرك لتكون امة واحدة ضد الايمان.

لكن النجاشي سال جعفر الرد على ادعاء عمر بن العاص بانه وجماعته من المهاجرين معه قد خالفوا الدين وسبّوا الآلهة؟.

قال النجاشي: ما يدعون هؤلاء عليكم؟.

قال  جعفر: ايها الملك، سلهم أعبيد نحن لهم؟.

فقال عمرو: لا بل احرار

قال فسلهم ألهم دين علينا او دماء تطالبوننا بها؟.

قال: لا مالنا عليم من دين وليست عليكم من دماء.

قال: آذيتمونا فخرجنا من بلادكم.

فانبرى عمرو بن العاص قائلا: ايها الملك خالفونا ديننا وسبوا آلهتنا وافسدوا شبابنا وفرقوا جماعتنا فردهم الينا لنجمع امرنا.فقال جعفر: نعم ايها الملك خالفناهم بأنه بعث الله فينا نبيا امر بخلع الانداد وترك الاستسقام بالازلام وامرنا بالصلاة والزكاة وحرم الظلم والجور وسفك الدماء والزنا والربا وامرنا بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى ونهانا عن الفحشاء والمنكر والبغي.

فقال النجاشي: بهذا بعث عيسى بن مريم(ع)... ياجعفر هل تحفظ شيئا من التنزيل على نبيك؟.

فقرأ جعفر سورة مريم، حتى بلغ ... وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا، فكلي واشربي وقري عينا.

فقال النجاشي هذا والله حق.

لكن عمرو قد عاد ناطقا برغبة عودتهم وردهم الى ارض مكة خائبين، مما اغضب الملك فضربه على وجهه فكان ذلك بمثابة الفشل النهائي لتلك المحاولة القرشية،.

ولم يزل جعفر ورفاقه في ارض الحبشة معززين حتى هادن رسول الله(ص) قريشا وصالحهم وفتح خيبر.

والهجرة عبرة عندما يكون النضال غير متكافئا فان القوى الاضعف ينبغي لها ان تتنفس ببطئ ريثما تتعافى وتقوى شوكتها وتدرس الوضع بروية وهدوء، وهذا ما يعرف وفق الفهم العسكري باعادة التنظيم، ومن ثم يكون استأناف النضال اكثر تاثيرا في مجابهة القوى الرجعية واكثر استحواذا على مواقعها.

....................................................

المصادر:

من حياة الرسول الاعظم/ الإمام الشيرازي (قده)

© جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27 أيلول/2007 -14/رمضان/1428

[email protected]