الرضاعة... لمحة من البدايات النورية للرسول الأكرم (ص)

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ: تقليب الماضي باي صفة او طريقة ومهما كان هذا الماضي فان ذلك التقليب هو نوعا اصيلا لتحري الحكمة والمعرفة من خلال تدقيق الافعال والمواقف السالفة ووضعها في الميزان العقلي وبذل الوسع من اجل الاستفادة منها في قابل الزمن، وهي حكم تنفع الدنيا والدين، ونقول او نتساءل:  كيف لو كان الماضي هو الماضي النوري الذي توهج بارادة ربانية ليضيء المشرقين ويهدي البشرية اجمعين لما فيه صلاحهم على طريق قويم؟.

وكيف اذا كان ذلك الماضي الوهاج ظل ممتدا مئات السنين وهو لم يتقولب في اي مرحلة من الزمن؟، فلا يستطيع المرء ان يسميه ماضيا وانما عنى على الدوام الواقع الراهن لاي زمن وعنى التطلع المستمر الى المستقبل في اي حقبة مرت على اهل الاسلام.

ونحن في موضوعنا هذا انما نقتبس من كتاب ** من حياة الرسول الاعظم** لمؤلفه الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي وناخذ منه قبسا من نور النبوة الشريفة نزين به ايامنا الكالحة بالخوف والغائمة بالماساة العراقية ولعلنا نتاسى بهذا الذكر العطر والنور الوهاج.

رضع النبي (ص) من آمنة عليها السلام وكذلك من ثويبة مولاة ابي لهب بلبن ابنها مسروح اياما، وبعد ذلك رضع مع حليمة السعدية وقد كانت ارضعت قبله عمه حمزه عليه السلام.

فكان(ص) يبعث الى ثويبة من المدينة ببعض الهدايا والاموال حتى ماتت، وماتوا اقربائها.

وفي التاريخ انه جاء عشر نسوة من بني سعد يطلبن الرضاع وفيهن حليمة فاصبن الرضاع كلهن إلا حليمة وكان معها زوجها الحارث المكنى ابي ذؤيب وكان لها منه ولد اسمه عبد الله، فعرض عليها الرسول فاخذته يتشاطر ثدييها مع عبد الله الى ان بلغ خمس سنين ويومين عندما اعادته الى امه.

وقد قدمت حليمة على رسول الله (ص) عندما تزوج فبسط لها رداءه، واعطتها خديجة اربعين شاة وبعيرا.

ثم جائت له يوم حنين فاكرمها.

وجاءه وفد هوازن يوم حنين وفيهم ابو ثروان او ابو يرقان عمه من الرضاعة وقد سبى منهم وغنم وطلبوا ان يمن رسول الله عليهم فخيرهم بين السبي والاموال فقالوا:

خيرتنا بين احسابنا واموالنا وما كنا لنعدل بالاحساب شيئا.

فقال رسول الله:

اما مالي وما لبني عبد المطلب فهو لكم، واسأل لكم الناس.

فقال المهاجرون والانصار:

ما كان لنا فهو لرسول الله(ص).

وابى بعض المؤتلفة قلوبهم من قبائل العرب وقبائلهم فاعطاهم إبلا عوضا عن ذلك.

روي عن ابي جرول زهير وكان رئيس قومه قال:

اسرنا رسول الله(ص) يوم فتح خيبر فبينما هو يميز الرجال من النساء إذ وثبت حتى جلست بين يدي رسول الله(ص) فاسمعته شعرا اذكر فيه حين شب فينا ونشأ في هوازن وحين ارضعوه.

امنن علينا رسول الله في كرم ********فإنك المرء نرجو وننتظر

امنن على بيضة قد عاقها قدر ******مفرق شملها في دهرها غير

ابقت لنا الحرب هتافا على حزن ******على قلوبهم الغماء والغمر

ان لم تداركهم نعماء تنشرها ***** يا ارجح الناس حلما حين يختبر

امنن على نسوة قد كنت ترضعها ** إذ فوك يملؤه من مخضها الدرر

إذ انت طفل صغير كنت ترضعها *****وإذ يرينك ما تاتي وما تذر

يا خير من مرحت كمت الجياد به**عند الهياج إذا ما استوقد الشرر

لا تتركنا كمن شالت نعامته ****** واستبق منا فإنا معشر زهر

إنا لنشكر للنعماء وقد كفرت ********وعندنا بعد هذا اليوم مدخر

فالبس العفو من كنت ترضعه *******من امهاتك إن العفو مشتهر

إنا نؤمل عفوا منك تلبسه ********هادي البرية ان تعفو وتنتصر

فاعف عفا الله عما انت راهبه ******يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر

فقال رسول الله (ص):

اما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لله ولكم.

وقالت الانصار: ما كان لنا فهو لله وللرسول.

فردت الانصار ما كان في ايديها من الذراري والاموال.

وجاء يوم حنين باخته من الرضاعة وهي الشيماء بنت الحارث فقالت:

يا رسول الله اني اختك من الرضاعة.

فبسط لها رداءه الشريف فاجلسها عليه وقال:

ان احببت فعندي محببة مكرمة وان احببت ان اعطيك وترجعي الى قومك؟.

فقالت تعطيني وتردني الى قومي. فاعطاها بكرامة معززة محترمة.

والى هذا نتلمس العبرة الكبيرة والوفاء والصلة الوثيقة بالماضي والحاضر والرؤية الشفافة للمجتمع وتمتين اواصر الاتصال بمحبة ونورانية تشع خيوطها المضيئة دياجير الحياة والنفوس.

وما احوجنا اليوم ان نستهدي بهذا الاخلاص والوفاء الى مجتمعنا عندما نكون في موقع المسؤولية وننظر بعين المحبة الى الناس الذين عانوا القهر والحرمان والخوف ان يدفعنا ذلك الى تضميد جراحهم وتسهيل ممارستهم للحياة والبناء والتقدم والنماء.

© جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 26 أيلول/2007 -13/رمضان/1428

[email protected]