سماحة المرجع الديني السيد صادق الشيرازي: فاجعة سامراء اختبار للمؤمنين والمسلمين

شبكةالنبأ: على أعتاب حلول شهر رمضان المبارك قام جمع من أساتذة وطلاب الحوزة العلمية من طهران وإصفهان وقم المقدسة بزيارة المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في بيته المكرم بقم المقدسة يوم الأربعاء الموافق للثاني والعشرين من شهر شعبان المعظّم 1428 للهجرة، فألقى سماحته عليهم محاضرة قيمة.

في البدء بارك لهم سماحته العشرة المهدوية المباركة وذكرى ميلاد الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

وأشار سماحته إلى قرب حلول شهر رمضان المبارك ودعاهم والمؤمنين جميعاً إلى استثماره والسعي لنيل أعلى الدرجات فيه؛ وقال: من مزايا هذا الشهر الشريف ومنن الله تعالى علينا وعليكم فيه أنه ـ وكما أخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ «أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة»(1).

وعلّق سماحته على هذا الحديث الشريف بالقول: إن النَفس والنوم فعلان عاديان للإنسان وهما من الأفعال التكوينية وغير الاختيارية خلافاً للصلاة والعبادات المتداولة الأخرى التي هي أمور اختيارية. ورغم أن التنفس والنوم ـ سواء عددناهما مصدرين أو اسمي مصدر ـ خارجان عن إرادة الإنسان واختياره ولكن تعلّق بهما الأجر في هذا الشهر للمؤمنين خاصة، وهذا يحكي عن مقام وفضيلة هذا الشهر؛ لذا ينبغي أن نغتنم الفرصة ونسعى لأن نبلغ في هذا الشهر أعلى درجات التقوى والقرب من الله تعالى، والتي هي بحسب الروايات بعدد آيات القرآن الكريم.

وأشار سماحته إلى المكانة الخاصّة للعلماء في الآيات والروايات والثقافة الاسلامية وقال: إن العلم الذي لا يقترن بالتقوى والشروط اللازمة لا ثمرة فيه، بل يبعد صاحبه عن الله تعالى؛ ففي الحديث الشريف: «إن العلم إذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلا كفراً ولم يزدد من الله إلا بعداً»(2) ولكن ـ في المقابل ـ اذا كان العلم مقروناً بالتقوى والطهارة والشروط اللازمة فسيكون لصاحبه مكانة رفيعة جدّاً، وقد مُدح كثيراً في القرآن وفي روايات أهل البيت سلام الله عليهم؛ فقد روي عن النبي صلّى الله عليه وآله أنه قال: «نوم العالم عبادة»(3).

واستنتج سماحته من ذلك أن العلماء ومبلّغي مذهب أهل البيت كافّة ـ باعتبار أن العلم مفهوم مشكك ذو درجات، ولكلّ بحسبه ـ يكون نومهم في هذا الشهر عبادة من جهتين؛ الأولى عامة مع سائر المؤمنين، والثانية خاصة بهم في هذا الشهر وكل الشهور.

ودعا سماحته الحضور من العلماء والمبلّغين إلى مهمّتين عامّتين ولكنهم ـ أي العلماء ـ أولى بهما وأقدر عليها، وهما:

1. تزكية النفس 2. تربية الغير.

أمّا عن المهمّة الأولى فقال: إنّ هذه النفس التي عبّر عنها في الروايات «أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك»(4) كانت موجودة بين جنبي حبيب بن مظاهر ـ ولكنه روّضها ـ كما كانت بين جنبي شمر بن ذي الجوشن ـ ولكنه أطاعها ـ وهي نفسها موجودة بين جنبي كلّ إنسان، فعلينا أن نكون حذرين يقظين ولا نغفل لحظة واحدة.

وقال سماحته: إن من خصائص تزكية النفس أنها لا تحتاج إلى زمان طويل ولكنها في المقابل بحاجة إلى عزم وتصميم حقيقي.

وأضاف: صحيح أن تزكية النفس تتطلب الانتباه والمواظبة والدقّة ولكن أياً من هذه الأمور لا يستغرق وقتاً كثيراً من الإنسان ويمكنه تنفيذها إلى جانب سائر فعالياته اليومية العادية. من جهة أخرى ثمة طرق مفيدة جداً ـ كمحاسبة النفس ـ توصل الإنسان إلى الهدف أسرع وأسهل.

ودعا سماحته في جانب آخر من حديثه الحاضرين للاعتبار من قصص الماضين، فقال: من الرواة الذين رووا اسماء الأئمة الإثني عشر سلام الله عليهم مع ذكر التفاصيل: علي بن أبي حمزة البطائني الذي كان وكيلاً خاصاً لإمامين معصومين هما الإمام الصادق والإمام الكاظم سلام الله عليهما، ولكنه انحرف بعدهما وأنكر إمامة الإمام الرضا سلام الله عليه رغم وكالته لإمامين معصومين وأدواره في هداية كثيرين إلى مذهب الحق وخدماته للإسلام؛ حتى إن الأحاديث الكثيرة التي رواها معتبرة عند العلماء.

وأضاف سماحته: من الواضح أن الوكيل الخاص للإمام المعصوم سلام الله عليه يختلف عن الوكلاء العامين ومراجع التقليد ولا شك أنه يحظى بمكانة متميزة، ومن ثم فان انحراف شخص كعلي بن حمزة هو ناقوس خطر بالنسبة لنا، ويبين أن النفس الأمّارة تمثل خطراً لأيّ شخص وفي أيّ مقام. فإذا كان وكيل الإمام المعصوم لم يسلم من هذا الخطر فهذا يدعونا لمضاعفة اليقظة والحذر وعدم الأمن من النفس بله الركون إليها.

وفي جانب آخر من حديثه أشار سماحته إلى الجرائم التي يرتكبها أعداء أهل البيت سلام الله عليهم ومنها هتك حرمة روضة العسكريين سلام الله عليهما في سامراء، وأجرى مقارنة بين ما تفعله اليهود والنصارى من تعظيم لكل ما يمتّ لأنبيائهم بصلة وما يفعله أعداء أهل البيت بمراقد ذرية النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله فقال:

حسب عقيدة المسيحيين أن النبي عيسى عليه السلام ولد في بيت لحم؛ ونرى اليوم أنه توجد في بيت لحم كنيسة عظيمة تحظى باحترام كبير من المسيحيين ويحجّ إليها سنوياً الآلاف منهم من مختلف مناطق العالم؛ ومن الخصائص البارزة لهذه الكنيسة صغر مدخلها بحيث يضطر الداخل إليها للانحناء والركوع وإن كان صبياً في الثانية عشرة من العمر، وصولاً إلى البابا الذي يمثل أعلى سلطة ومنصب دينيّ عندهم.

أما مسقط رأس مهديّنا الذي يصلّي خلفه المسيح فهكذا فعل به بعض من يحسبون أنفسهم مسلمين.

لا شكّ أن هذه المراقد الطاهرة سيعاد بناؤها يوماً ما بما هو أعظم من البناء السابق، وستعود صرخة التوحيد تنطلق ثانية من مئذنتي المنارتين لتدوّي في عنان السماء، ولكن ما حدث ـ على كلّ حال ـ امتحان لجميع المسلمين والمؤمنين، ولنا جميعاً.

كما ركّز سماحته على الحاضرين الاهتمام بهداية الشباب وتربيتهم؛ أي المهمة الثانية الرئيسية الملقاة على عاتق العلماء والمبلّغين بشكل خاص، فقال:

لينصبّ جهدكم على الاهتمام بالشباب والأحداث أكثر مما مضى، وليقم كلّ منكم بتربية مجموعة منهم.

وأضاف: لو لم يهتد زرارة وابن أبي عمير اللذين لم يكونا في أول أمرهم من الشيعة فكيف كان مصيرهم اليوم؟ فإذا رأيتم شاباً بعيداً عن طريق الحقّ فلعله أكثر استعداداً للهداية، فعليكم ببذل المزيد من الجهد والسعي من أجل هدايته وتربيته. فقد جرى التأكيد في الروايات على هذه الطبقة من المجتمع، ومنها ما روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه: «عليك بالأحداث فانهم أسرع إلى كل خير»(5).

وختم سماحته حديثه بالإشارة إلى الأهداف السامية التي بذل مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه مهجته في سبيل تحقيقها وهي ـ كما جاء في إحدى زياراته سلام الله عليه ـ «ليستنقذ عبادك من: الضلالة، والجهالة، والعمى، والشك»(6)، وقال:

فإذا كان هدف الإمام الحسين سلام الله عليه هداية الناس وإنقاذهم من الضلالة والجهل والعمى والشكّ، فإن وظيفتنا نحن ـ أهل العلم والمبلّغين ـ السير على خطاه والسعي لأن يخطو كل منا خطوة في تحقيق أهدافه سلام الله عليه.

© جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16 أيلول/2007 -4/رمضان/1428

[email protected]