العادات والتقاليد الرمضانية تثقل كاهل معظم الاردنيين هذا العام بسبب الغلاء

 استقبل الاردنيون شهر رمضان المبارك هذا العام بمشاعر متناقضة بين الفرح بالمناسبة الدينية المباركة وبين الخشية من تكاليفها الاجتماعية والاوجاع الاقتصادية وبخاصة غلاء الاسعار الذي طال جميع السلع وبخاصة الرمضانية.

ويحتفل الاردنيون بشهر رمضان وعادة ما يستقبلونه بالحفاوة والتكريم ويحيون أيامه ولياليه بالعبادات والطاعات الابتهالات واعمال البر والاحسان من زيارات أولي الارحام والاقارب واصلاح ذات البين والتي باتت جزءا من تقاليد رمضان وطابعه المميز.

وقبل الاعلان عن ثبوت رؤية هلال الشهر الكريم ببضعة ايام تهافت الناس الذين تسعفهم احوالهم المادية على شراء المتطلبات الرمضانية من مأكولات ومعلبات ولوازم صنع الحلويات والمشروبات المنزلية وغيرها لاستهلاكها فى وجبات السحور أو مآدب الافطار لأسرهم أو أسر الارحام والاقارب والجيران قياما بالواجب الديني والاجتماعي.

ويتطلب النهوض بهذه الواجبات نفقات مالية لاعداد موائد الافطار المنوعة وخصوصا المنسف وهو أشهر أكلة محلية وقوامه الارز واللحم واللبن وما يلازم الموائد من صنوف التمر والفواكه والحلويات والقهوة العربية.

وقال متسوقون تحدثوا الى (كونا) فى احد اسواق المؤسسة الاستهلاكية ان الشراء المبكر يوفر عليهم مبالغ مالية ولو بسيطة يستغلونها لسد الثغرات فى موازنتهم المضطربة خصوصا فى ظل غلاء الاسعار الذي لم يوفر سلعة الا اصابها.

وشهدت مراكز التسوق وكذلك الاسواق التابعة للمؤسسة الاستهلاكية المدنية والعسكرية فى شتى المناطق اقبالا لافتا للانتباه على شراء ما تعرضه من السلع الرمضانية خلال الايام الخمسة الماضية. وينصح ياسر القيسي وهو بائع فى محل تجاري كبير المواطنين بتوزيع المشتريات لتكون بمعدل مرتين اسبوعيا لأن عادة الشراء العشوائي تسبب ارتباك السوق وفى عمليات البيع وربما تغري بعض الجشعين برفع الاسعار.

وينتقد ابراهيم النجار تهافت المواطنين على شراء المتطلبات الرمضانية لأنه يؤدي غالبا الى رفع اسعارها كما ان سوء التخزين فى المنزل يعرض المواد الغذائية للتلف مضيفا بمرارة ان اندفاع غالبية هؤلاء للشراء ليس دليل عافية مالية بل دليل على الانانية والنفاق الاجتماعي الذي يأباه الدين الحنيف والمنطق السليم.

ويرى ان القوة الشرائية التي يظهرها المتسوقون هذه الايام تعود غالبا الى تزامن حلول الشهر الكريم مع دفع رواتب الموظفين والعمال فى القطاعين العام والخاص ما شجعهم على التسوق وشراء المواد الغذائية والمتطلبات الرمضانية. وطبقا لإحصاءات الجمعية الوطنية لحماية المستهلك يزداد الطلب على المواد الغذائية والسلع التموينية خلال شهر رمضان بنسبة 40 فى المئة تقريبا مقارنة بالأشهر الاخرى مما يثقل كاهل المستهلكين ويدفع بشريحة كبيرة منهم الى العوز.

واتفق المتسوقون على ان اسباب الغلاء الكبير قائلين انه ناجم الى حد ما عن ارتفاع اسعار السلع المستوردة فى الاسواق العالمية لكن السبب الأهم هو رفع اسعار المشتقات النفطية مرتين خلال شهرين ما ادى بصورة تلقائية الى تفشي الغلاء الذي طال معظم السلع والخدمات بدرجات متفاوتة.

واضافوا ان اضطرارهم لشراء متطلبات رمضان التي لا مفر منها يفتح شهية التجار المتعاملين بها لزيادة ارباحهم رغم الرقابة الحكومية التي تفرض عليهم اعلان اسعارهم للمستهلكين بصورة واضحة لكنها لا تحدد الاسعار الخاضعة للعرض والطلب. وتنفذ الحكومة الاردنية فى هذه الاونة خطة لالغاء دعمها لاسعار المحروقات على مراحل ليزول تماما بنهاية عام 2006 وقد نفذت مرحلتان منها فى شهري يوليو وسبتمبر الماضيين على التوالي تحت وطأة الزيادة الكبيرة فى اسعار النفط الخام عالميا وبسبب العبء الثقيل الذي تنوء به الموازنة العامة للدولة الاردنية بسبب دعم المحروقات.

ويشتري معظم الاردنيين هذا العام أقل قدر من "حاجات رمضان" كما يقول ابو فلاح احد المتسوقين فى سوق شعبي موضحا انه وأمثاله يمكنهم شراء قوت يومهم فقط ولا يحلمون بشراء مؤونة اسبوع وبخاصة فى رمضان بسبب جنون الاسعار.

وللتخفيف من حدة الغلاء وخصوصا فى شهر التكافل والتراحم بادر الديوان الملكي الهاشمي الى اعداد "قوافل الخير" التي بدأت تجوب المناطق المأهولة بالمواطنين "الاقل حظا" وهي تسمية حكومية تعني فى الواقع "الاكثر فقرا" فى البادية والارياف ومخيمات اللاجئين لتقدم اليهم مساعدات غذائية متنوعة تصون كرامتهم وتبعد عنهم شبح والحرمان فى موسم الفضل والاحسان.

لكن الاوجاع الاقتصادية لم تمنع الاردنيين من الفرح والابتهاج بقدوم شهر الخير كما يقول الشيخ طارق الزين مشيرا بيديه الى مظاهر الزينة من فوانيس او قناديل مختلفة الالوان والاحجام وكذلك هلال رمضان وهو شريط زينة كهربائي على هيئة هلال تتوسطه نجمة ويتلألأ على مداخل بعض البيوت وشرفاتها ومآذن المساجد وواجهات المحلات التجارية والمقاهي.

وقال تاجر الادوات المنزلية ماهر السماك ان اسعار الفوانيس تعتمد على حجمها وجودة صنعها وبلد المنشأ وتتراوح بين ثلاثة دنانير و40 دينارا بينما يتراوح سعر الهلال بين ثلاثة و10 دنانير.

كما تغص المقاهي بروادها فى الاحياء الراقية والشعبية سواء بسواء اذ يقضي الكثيرون شيبا وشبانا ومن الجنسين سهرات رمضانية أو عادية فى المقاهي المنتشرة فى هذه الاحياء والتي زاد عددها فى الاعوام الاخيرة بصورة ملحوظة اضافة الى الخيام الرمضانية.

وتتنافس المطاعم والفنادق والمقاهي الفخمة فى الاعلان عن فعاليات فنية تقدمها فى الامسيات الرمضانية بمشاركة مطربين ومطربات محليين ومن دول عربية يحضرها الموسرون فقط اضافة الى المسرحيات والامسيات الثقافية التي تنظمها جهات اردنية او سفارات بعض الدول العربية والاسلامية خلال الشهر الكريم.

© جميع الحقوق محفوظة  لشبكة النبــأ المعلوماتية  1426هـ  /  2005م

[email protected]