الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشورء الحسين 1435 هـ
عاشورء الحسين 1434 هـ
عاشورء الحسين 1433 هـ
عاشورء الحسين 1432 هـ
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

التمكين للجريمة وخداع الذات

نزار حيدر

 

عاشوراء (٥) السنة الثانية

 {وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالَّتمْكينِ مِنْ قِتالِكُمْ}.

 رُبّما ان من يباشر ارتكاب الجريمة واحدٌ او زمرة صغيرة، الا انّ من يهيئ الظروف ويُعدّ مسرح الجريمة ويمكّن المجرم من فعلته كثيرون جدا، ولذلك فانّ مرتكب الجريمة هو كالجزء الظاهر من جبل الثلج، وربما يكون أتفه حلقات الجريمة وارذلها، امّا الذي يهيئ ويخطط ويمكّن فيكون بمثابة العقل المدبّر في القصة.

 وقد تحدّث القرآن الكريم عن هذه الحقيقة في قصّة ناقة صالح عندما استخدم صيغة الجمع في ذكر القاتل، على الرغم من انّه واحدٌ فقط، فقال تعالى {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا}.

 لقد ساوى الاسلام بين ثلاثة في كل جريمة، فعَن أمير المؤمنين عليه السلام {العامِل بالظّلم، والمعينُ عليه، والرّاضي به، شركاءٌ ثلاثة} وذلك تأسيساً على قول الله عز وجل {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} وقولُه عزّ وجلّ {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} وصدق الامامُ جعفر بن محمد الصّادق عليه السلام الذي قال {لولا انّ بني أميّة وجدوا مَن يكتب لهم ويجيء لهم الفيء ويُقاتل عنهم ويشدّ جماعتهم، لما سلَبونا حقّنا}.

 وفي هذا النص من زيارة عاشوراء يحاول المعصوم ان يحدّد هوية أحد أخطر مصادر الجريمة، وهو الممهّد للمجرم بالتّمكين، فكيف يُمكّن أحدٌ لقاتل تنفيذ الجريمة؟.

 الف: بالّلسان، عندما يساهم المرء في تناقل الإشاعات والدعايات والأكاذيب ضد الضحيّة، فانّ ذلك يهيئ الأجواء الإعلاميّة والنفسيّة لمرتكب الجريمة، ما يهوّن عليه الفعل فيندفع لها وبدم بارد.

 ولهذا السبب حذّر الله تعالى من مغبّة المساهمة في إشاعة الفاحشة بين الناس لانها تهيّء وتمكّن لمسرح الجريمة فقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

 باء: بالبيان، والذي يوظّفه أهل الأدب والخطابة والقلم، إنّهم وُعّاظ السلاطين وأصحاب الأقلام المأجورة الذين باعوا شرف المهنة ورسالة البيان بثمنٍ بخسٍ من اجل إرضاء الحاكم الظّالم مقابل ان يرمي لهم بعض فتات موائده الخسيسة.

 جيم: بإشاعة الأسرار، وهي من أخطر انواع التّمكين، فالثرثار يهيئ اجواء الجريمة ويمكّن القاتل من حيث يشعر او لا يشعر، خاصّة في زمن الحرب وعلى وجه الخصوص زمن الحرب على الارهاب.

 دال: بالوقوف على التلّ متفرجاً، والّذين قال عنهم أمير المؤمنين (ع) في الذين اعتزلوا القتال معه: {خَذَلُوا الْحَقَّ، وَلَمْ يَنْصُرُوا الْبَاطِلَ}.

 قد يظنّ البعض ان الممهّدين بالتّمكين هم المجرمون فقط، وهذا ظنٌّ خطأ وتصوّر ليس في محلّه، فقد اكونُ انا وتكون انت من هذا الصّنف، لانّه دَورٌ قد يرتكبه حتى ذوو القلوب الطيّبة كما يقولون، من الذين ينشرون كل ما يصل لهم من اخبار وصور ومقالات وتحليلات وأفلام هي بمثابة تمكين وتهيئة لمسرح الجريمة من حيث لا يشعرون.

 انّ ما يؤسف له حقاً هو أنّنا تحوّلنا اليوم الى طابور خامس والى حصان طروادة بيد الأعداء خاصة الارهابيين التكفيريين، عندما تحوّلنا الى ضرعٍ يُحلب وظهرٍ يُركب ونحن نحسب اننا نُحسن صنعاً.

 انظروا ماذا ننشر يومياً من أكاذيب وافتراءات؟ وانتبهوا الى مساهماتنا في تهيئة الأجواء النفسيّة وتمكين القاتل من جريمته؟.

 الى متى نظلّ نُقدّم الخدمة المجانية للقاتل بمثل هذه المساهمات السّخيفة وتحت عنوان (كما وصلني)؟ والى متى نظلّ نقدّم رقابنا لسكّين الارهابيّين المجرمين القتلة بنشرنا للإشاعات والدعايات؟ هل نعلم انّنا بهذا الفعل ملعونون بالنصّ الوارد الذكر، لأننا مشمولون بصفة التّمهيد والتّمكين؟.

 هاء: انْ تُصدِّق كلّ ما تقرأْ او تسمعْ او تشاهدْ، ففي زمن الحرب ينبغي ان يكون الأصل هو التكذيب ما لم يثبُت العكس، فلا يجوز ان يحكمنا حسن الظن بمثل ظروف الحرب على الاٍرهاب، ولذلك أوصى أمير المؤمنين (ع) مالكاً بقوله {وَاتَّهِمْ فِي ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ}.

 انّنا اليوم في معرض حربٍ نفسيةٍ تعتمد الكذب والتزوير والتضليل بدرجة واسعة جداً، فلْنحْذرْ من السّقوط بشِراكهم وشِباكهم فنبتلعَ الطّعم من حيث لا نشعر ولا نريد.

 وَصدقَ أميرُ المؤمنين (ع) الذي قال متحدثاً عن هذه الحالات مجتمعة {وَاللهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ، وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ، وَيَفْرِي جِلْدَهُ، لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ، ضَعِيفٌ ماضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ}.

عاشوراء (٦) السنة الثانية

 {بَرِئْتُ اِلَى اللهِ وَاِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ اَشْياعِهِمْ وَاَتْباعِهِمْ وَاَوْلِيائِهِم}.

 إنّ التولّي والتبرّي فلسفة عميقة جداً في الاسلام، وفي منهج أهل البيت (ع) على وجه التحديد، أصّل لها القران الكريم بقوله {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ* وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} وفي قوله {بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} وقوله {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} وهي رؤية إنسانيّة قبل ان تكون دينيّة، لأنهما يعتمدان المشاعر والميول القلبيّة والعاطفيّة قبل اي شيء آخر، وقبلَ ان يرتّب المرء عليها أثراً ما، بالقول او الفعل، فالمرء بطبعه يميل بقلبه الى كلّ ما هو صحيح عقلاً ومنطقاً، وينفر ويبتعد عن كلّ ما هو سيّء عقلاً ومنطقاً ، الّا انّ الفارق، ربما، في البعد الإنساني لهذه النظرية عن بعدها الديني هو ان الثاني يُلزم المؤمن ان يرتّب أثراً على ميوله نحو أو ضدّ أمرٍ ما، فيما لا يرتّب البعد الإنساني، ربما، ايّ شيء على هذه الميول، ولذلك عُدّ التولّي والتبرّي احد الفروع العشرة للإسلام وتحديداً للتشيع لاهل البيت (ع).

 فما الذي يمكن ان يؤثّر ذلك في حياة الانسان؟.

 اولا: ان ايّ عملٍ يقدِم عليه الانسان هو نتاج فكرة تختمر في ذهنه أولاً، ولذلك فان قبول الاخر بعمل ما او رفضه يسبقه القبول بالفكرة التي انتجت هذا العمل او رفضها، ولهذا السبب فعندما يبرأ الانسان من عملٍ قبيح إنما يوطّن نفسه على البراءة من الفكرة التي أنتجتهُ، ما يعني انّه يبني ثقافة في سلوكه ترفض الخطأ ولا تقبل بالانحراف والظلم والتعدّي على حقوق الآخرين والجريمة وغير ذلك.

 انّ ما نراه اليوم من انتشار ظاهرة العنف والإرهاب باسم الاسلام إنّما سببُه هو ان الّذين يمارسونه قبلوا اولا بحالات مشابهة كان القومُ قد مارسوها في التاريخ فتحوّلت الى ثقافة تُحتذى والى سلوك في الشخصية يتقمّصه الخلف جيلا بعد جيل وكأنّه دينٌ يدانُ به، ولو ان هؤلاء أعلنوا البراءة من تلك السلوكيات لما تحوّلت اليوم الى ثقافة تتوارثها الأجيال وكأنّها مسلّمات دينيّة يجب عليهم الالتزام بها.

 ثانياً: كما انّ الفكرة التي تُنتج العمل والسلوكيات تتوطّن في عقليّة الرّجال، ولهذا السبب ينبغي علينا ان نتبرّأ او نوالي الرّجال الذين جسّدوا الفكرة، فمنَ الطبائع الانسانيّة البحث عن نموذج، او عن بطل، والذي يترك بضلالِه على شخصيّة المُعجَب شاء ام ابى، فاذا كان النموذج صالحاً فسيترك آثاره الصالحة على من يحذو حذوه والعكس هو الصحيح، ولذلك كانت فكرة التولي والتبري للتحكّم بشخصية الانسان.

 ولقد ساعد المشرّع عباده بان قدّم لهم النموذج الصالح ليكون بالنسبة لهم مقياساً في كل حركةٍ وسَكَنةٍ فقال تعالى {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} وقال تعالى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} وقوله عزّ وجلّ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} وقوله {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

 ان ما جرى في كربلاء يوم عاشوراء مثّلَ نوعين من القيم لا يمكن تقمّصها في شخصية واحدة ابداً، فامّا ان يوالي المرء الحسين (ع) ويتبرأَ من يزيد او بالعكس، امّا انّه يحاول ان يجمع بين الشخصيّتين في عمليّة خداع للذّات، فهذا ما لا يمكن ابداً، ومن الناحية العمليّة فإننا نقرأ على مرّ التاريخ انّ كلّ من والى الحسين (ع) تبرأ أوتوماتيكيا من يزيد، بغض النظر عن دينه او مذهبه او خلفيّته الثقافيّة او الفكريّة او حتى السياسيّة.

 هناك فئة واحدة فقط هي التي تحاول ان تجمع النّقيضين فتدّعي أنّها مع الحسين (ع) من دون البراءة من يزيد، وتلك هي التي تستبطن الولاء للثاني وتتظاهر بالولاء للأول، وهو نوع من انواع النّفاق الذي يلجأ اليه من لا يمتلك الشجاعة الكافية لإعلان البراءة من الحسين (ع) والولاء ليزيد.

 لقد تحدث الامام الحسين (ع) مرة في مسجد النبي (ص) في حياة أبيه عليه السلام عن خداع الذات هذا في موضوعة النبوة والإمامة بقوله {فمنْ زَعم انّه يُحبّ النّبي ولا يُحبّ الوصيّ فقد كذَب، ومن زعم انه يعرفُ النّبي ولا يعرفُ الوصيّ فَقَدْ كفر}.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/تشرين الثاني/2014 - 8/محرم/1436

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1436هـ  /  1999- 2014م

[email protected]