الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشورء الحسين 1434 هـ
عاشورء الحسين 1433 هـ
عاشورء الحسين 1432 هـ
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

مراسيم ذكرى أربعينية الإمام الحسين

استدعاء الماضي للمستقبل

د. علي المؤمن

 

التأسيس لمسيرة ذكرى أربعين الإمام الحسين

إن كل بذرة شرعية صالحة تنبت في الأرض لإحياء ذكر آل بيت النبوة (ع)؛ فإن السماء كفيلة بسقيها، والعشاق كفيلون بنمائها.

 ومسيرة المشاة السنوية الى مرقد الإمام الحسين بن علي (ع) في ذكرى أربعينيته؛ هي ممارسة شرعية، صالحة، وعظيمة في تأثيرها وشكلها ومضمونها.

 لقد بدأت المسيرة بشكلها المنتظم الحديث في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي؛ بأفراد ينطلقون من مدينة النجف الأشرف الى مدينة كربلاء المقدسة مشيا على الأقدام لمدة أربعة أيام؛ بمعدل 20 كيلومترا في اليوم.

 تبدأ المسيرة في يوم 16 صفر؛ حيث ينطلق الزوار المشاة في صباحه من النجف الى خان المصلى (خان الربع)، ويبيتون الليلة هناك. وفي يوم 17 صفر ينطلقون من خان المصلى الى خان الحماد (خان النص في ناحية الحيدرية حاليا)، ويبيتون ليلتهم في الخان. وفي يوم 18 صفر ينطلقون من خان الحماد الى خان النخيلة (خان الثلاثة أرباع)، ويبيتون ليلتهم فيه. وفي يوم 19 صفر ينطلقون من خان النخيلة باتجاه مدينة كربلاء، ويبيتون الليلة في كربلاء بجوار مرقد الإمام الحسين.

 جدير بالإشارة الى ان الخانات هي ثلاثة مباني قديمة تعود الى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين؛ وتقع في الطريق بين مدينتي النجف الأشرف وكربلاء، وتفصل بينهما مسافات غير متساوية؛ ولكن معدل المسافة بين كل خان وآخر هو 20 كيلومترا؛ إذ ان المسافة من مرقد أمير المؤمنين في النجف الى مرقد الإمام الحسين في كربلاء تبلغ حوالي 80 كيلومترا. وهذه الخانات بنيت خصيصا كأماكن لاستراحة الزائرين القادمين من النجف الى كربلاء وبالعكس. كما كانت تستخدم احيانا كمقرات عسكرية لحماية الزوار والمنطقة من قطاع الطرق والعابثين بالأمن. وبقيت هذه الخانات تستخدم للغرض نفسه حتى عام 1979؛ حين أقدم النظام البعثي الأموي على منع مسيرة المشاة من النجف الى كربلاء نهائيا. فأصبحت الخانات مهجورات؛ وأصابها التخريب بمرور الزمن. ولاتزال اليوم شبه مهجورة؛ بعد أن أخذت مئات المباني الحديثة والحسينيات والمخيمات المتراصة من النجف الى كربلاء محلها في خدمة الزوار.

 في صباح يوم 20 صفر (الذي يصادف ذكرى أربعين استشهاد الإمام الحسين) يدخل المشاة الى المرقد معزين بالذكرى الأليمة، ومواسين للإمام علي بن الحسين (زين العابدين)(ع) والسيدة زينب بنت الإمام علي (ع) وأرامل وأيتام آل البيت (ع) الذين وصلوا في مثل هذا اليوم الى كربلاء قادمين من عاصمة يزيد بن معاوية (دمشق الشام) ومعهم رأس الحسين (ع) ليدفنوه مع جثمانه الطاهر.

 وكانت هذه المراسيم التي أحياها الإمام زين العابدين والسيدة زينب ومن معهما في عام 61 للهجرة هي التي أسست لمراسيم ذكرى أربعينية الإمام الحسين سنويا. وكان معهم أفراد من بني أسد القاطنين قرب كربلاء. وظل بنو أسد محافظين على هذه المراسيم في الأعوام التالية.

 وإذا بدأت مراسيم إحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين بشكلها الحديث؛ أي السير على الأقدام من مدينة النجف الى مدينة كربلاء؛ بمبادرة أفراد من النجف قبل حوالي 150 عاما؛ فإنها تطورت الى جماعات بالمئات في اوائل القرن العشرين، واستمرت بحشود بعشرات الآلاف في أواسط القرن العشرين الميلادي. وهاهي تصل هذا العام الى 20 مليون مشارك في أكبر مسيرة راجلة متعددة الجنسيات عرفتها وتعرفها البشرية في تاريخها وجغرافيتها. هذا العدد الهائل الزاحف عبر طرق متعددة تمتد بمجموعها الى أكثر من 2000 كيلومتر داخل العراق، وحشود تنتمي الى اكثر من 70 دولة؛ لم تنظمها جهة أو حكومة، ولم تصرف على طعامها وشربها وسكنها وتداويها ونقلها أية جهة أو حكومة.

 صحيح إن الدولة العراقية بعد عام 2003 تسهر بقواتها المسلحة ودوائرها المدنية على حماية المراسيم، وتدافع عن مشروعيتها داخل مؤسسات الدولة، وتدعمها لوجستيا أحيانا؛ بل ويشارك معظم مسؤوليها في هذه المراسيم؛ كسائر المواطنين؛ الا أن الأهالي المشاركين في المسيرة؛ سواء المشاة أو القائمين على خدمتهم؛ لا يقبضون من الدولة العراقية وأية دولة أو جهة أخرى أي دعم مالي أو عيني.

 وقد وصل عدد هيئات الخدمة في الطريق بين النجف وكربلاء وحدها الى حوالي 7000 (سبعة آلاف) هيئة. ويصل العدد الى عشرة آلاف إذا أضفنا الهيئات في طرق العراق الأخرى؛ ولاسيما في مناطق الفرات الأوسط والجنوب والغرب والعاصمة بغداد.

لماذا يتحمل المشاة عناء المسير وخطورته؟

 أن العشق والولاء والإنتماء؛ كان ولايزال؛ يدفع معظم الناس الى المشاركة في هذه المراسيم العظيمة؛ لا جهلاً ولا رياءً ولا إيفاءً لنذر ولا طمعاً في جاه ولا طلباً لمال ولا إرضاءً لمخلوق؛ بل هو العشق الحقيقي الشرعي الواعي لآل البيت (ع)؛ والذي هو طريق هؤلاء العشاق الى الله تعالى؛ والذي تهون عنده النفس ويهون الولد والمال والوقت والمرض والتعب؛ وتهون كل ألوان المخاطر والعقبات والصعوبات. ومن عاش لذة هذا العشق والتحدي والفداء في أيام النظام البعثي الأموي؛ ولا سيما الفترة من صفر عام 1976 ومابعدها؛ يعي بدقة ماذا يعني هوان كل شيء من أجل آل البيت (ع). ويكفي إن أهالي مدينة النجف انتفضوا؛ وهم عزّل من السلاح؛ ضد نظام البعث الحاكم عام 1977؛ لأنه منعهم من أداء مراسيم المسيرة الراجلة. وكانوا يعلمون إن الخروج في المسيرة؛ وإن كانت سلمية ودينية صرفة؛ يساوي الموت؛ ولكنهم لم يأبهوا للموت، وخرجوا بعشرات الآلاف لإقامة المراسم. وكانت نتيجة انتفاضتهم مايقرب من 30 ألف معتقل وعشرة شهداء وعشرات المحكومين بالمؤبد أو السجن لمدد مختلفة. وكانت هذه الانتفاضة النجفية التاريخية نموذجا مشرقا لتطبيق مفهوم هوان الدنيا من أجل خط آل البيت (ع).

 وحين تحاول اليوم عصابات التكفير والعداء لآل البيت وبقايا البعث الأموي محاربة هذه المراسيم؛ عبر الدعاية والفتاوى والتهديد والتفجير والقتل؛ فإنها محاولات خائبة وخاسرة؛ لأن نظام البعث بجبروته وقوته وقسوته ظل حائراَ ومربكاَ أمام هذا الواقع؛ فكيف بهذه العصابات المطاردة في الصحاري والمختبئة في الجبال والكهوف؟!. والغريب إن هؤلاء يشاهدون ان الملايين تتضاعف سنويا. وسيرون ان الـ 20 مليون في هذا العام سيتحولون الى عشرات الملايين مستقبلا. فكم ستقتل هذه العصابات؟ وكم ستمنع؟ وعلى من ستؤثر؟

محاولة لاستشراف مستقبل ذكرى الاربعين

 نطرح هنا بعض الأرقام التي تفرزها المعادلات العلمية التي يمكن من خلالها استشراف مستقبل مراسيم ذكرى أربعينية الإمام الحسين؛ ليس بهدف التشدق بالعدد أو العدة، ولا من باب التمني أو الرجاء؛ بل إن الهدف هو علمي استشرافي صرف.

 لاشك إن هذه الأرقام ستفرح عشاق آل البيت وتستفز أعداءهم؛ ولكن نؤكد أيضا؛ ليس هذا هو الهدف من عرض الأرقام. وسيكون نموذج الإستشراف المستقبلي هنا هو العام 2033؛ أي بعد عشرين عاما فقط بإذن الله تعالى:

1- سيصل عدد زوار كربلاء في ذكرى أربعينية الإمام الحسين في عام 2033 الى حوالي 60 مليون زائرا؛ بيبهم 45 مليون مشارك في مسيرات المشاة. ومن بين الـ 60 مليون مايقرب من 30 مليون عراقي و30 مليون غير عراقي من حوالي 100 دولة.

2- سيصل عدد الزوار القادمين الى كربلاء من ايران الى حوالي 10 ملايين، ومن باكستان الى 4 ملايين، ومن الهند الى 3 ملايين، ومن افغانستان الى مليون واحد، ومن أذربيجان الى مليون واحد، ومن دول الجزيرة العربية والخليج الى 2 مليون، ومن لبنان وسوريا الى مليون واحد، والملايين الـ 8 الباقية من 85 دولة اخرى تقريبا.

3- سيبلغ عدد أتباع المذاهب السنية الثلاثة (الحنفية والشافعية والمالكية)؛ عراقيين وغير عراقيين؛ المشاركين في المراسيم الى 2 مليون شخص. وستكون لهم هيئاتهم ومواكبهم الخاصة بهم. وستكون هناك مواكب ضخمة خاصة بأتباع الطرق الصوفية السنية؛ ولاسيما من مصر والسودان والمغرب ونيجيريا.

4- سيبلغ عدد أتباع الديانات الأخرى المشاركين في المراسيم حوالي 200 ألف شخص؛ يتقدمهم المسيحيون ثم البوذيون والسيخ والهندوس والكونفوشيوسيون والصابئة. وهذا الموضوع ستكون له تبعات فقهية؛ ينبغي النظر فيها من قبل فقهاء الشيعة. بل أتوقع أن تفوق نسبة الهندوس والسيخ والبوذييين نسبة المسيحيين بكثير حتى عام 2050؛ وذلك لأسباب موضوعية كثيرة؛ نترك الحديث عنها لمقالات أخرى.

5- سيبلغ عدد الهيئات والمواكب المشاركة في الطرق الخارجية العراقية وداخل المدن؛ مايقرب من 30 ألف هيئة و موكب؛ بينها 25 الف عراقية و 5 آلاف غير عراقية.

6- سيبلغ طول الطرق التي تسير فيها المسيرات داخل العراق وخارجه مايقرب من عشرة آلاف كيلومترا؛ منها 3 آلاف كيلومترا في العراق، و7 آلاف كيلومترا في ايران وباكستان وافغانستان واذربيجان والكويت وسوريا ولبنان والجزيرة العربية. حيث ستكون هناك مواكب وحشود من المشاة تنطلق من داخل هذه الدول.

7- ستتحول مدينة النجف الأشرف الى أكبر محطة ترانزيت ومركز للإستراحة المؤقتة في العالم. إذ سيبلغ عدد زوار الأربعين المارين فيها الى حوالي 35 مليون زائر؛ تليها العاصمة بغداد بمعدل 10 ملايين زائر ترانزيت. وستبلغ عدد الرحلات القادمة الى مطار النجف الاشرف من كل أنحاء العالم الى 350 رحلة يوميا في الفترة من 10 صفر وحتى 17 صفر. وسيكون مطار النجف ثاني اكبر مطار في العراق يليه مطار كربلاء.

متطلبات المستقبل

 لا شك إن هذه الارقام المتضخمة المتوقعة (وفقا للمعايير العلمية الإستشرافية) في عام 2033؛ تلقي عبئاً كبيراً على عاتق الدولة العراقية وحكومتها الإتحادية، وعلى الحكومتين المحليتين في محافظتي كربلاء والنجف. وهو ما سيفرض عليها مايلي:

1- إنشاء هيئة حكومية عليا دائمة خاصة بمراسيم ذكرى أربعينية الإمام الحسين؛ بحجم وزارة؛ شبيهة بهيئة الحج؛ مهمتها الإشراف والرقابة والحماية والدعم والتنظيم؛ يرأسها مسؤول برتبة وزير؛ وتكون تابعة لرئاسة الجمهورية مباشرة؛ على اعتبار أن المتوقع هو تحول النظام السياسي في العراق من برلماني الى رئاسي. ويكون للمرجعية العليا في النجف الاشرف دور الإشراف الديني المباشر على الهيئة. ويمكن للهيئة استيعاب مراسيم الزيارات المليونية الكبرى الأخرى؛ كمراسيم العشرة الأولى من محرم (وصولا الى يوم عاشوراء) في النجف وكربلاء والكاظمية، والزيارة الشعبانية بين النجف وكربلاء، وذكرى وفاة الرسول الاعظم (ص) في النجف الاشرف، وذكرى استشهاد الإمام علي (ع) في النجف والكوفة وكربلاء، وذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم (ع) في بغداد والكاظمية. ويكون جزء مهم من واجبات الهيئة؛ تنظيم حركة الزائرين والمشاة من الخارج؛ عبر شركات متخصصة وحملات وقوافل. كما تنظم الهيئة زيارة العراقيين في ذكرى استشهاد الامام الرضا (ع) في ايران؛ والتي ستنشط كثيراً في الأعوام القادمة من داخل العراق باتجاه ايران.

2- إنشاء مطار في النجف يكون الثاني عراقيا بعد مطار بغداد؛ وفقا للمقاييس الدولية. وكذا تنفيذ مشروع مطار كربلاء بالمواصفات الدولية ذاتها. وكذلك إنشاء مدن استضافة كبرى في النجف والكوفة وبغداد. فضلا عن مضاعفة عدد الفنادق ذات المواصفات القياسية في النجف.

3- إنشاء مجمعات استضافة كبرى في كربلاء تحتوي على كل أنواع الخدمة المجانية؛ وتستوعب مايقرب من 30 مليون زائر. فضلا عن مضاعفة عدد الفنادق؛ ولاسيما ذات المواصفات القياسية.

4- إعادة تنظيم وبناء مدينتي النجف الأشرف وكربلاء القديمتين؛ بالشكل الذي يستوعب هذه التطورات الكمية والنوعية والشكلية في المراسيم الأربعينية.

5- توسعة المرقدين الشريفين للإمام الحسين (ع) وأبي الفضل العباس (ع)؛ وصولا الى إلغاء منطقة بين الحرمين والجدران المتقابلة لكلا المرقدين، وكذا الجدار المقابل للتل الزينبي وصولا الى منطقة المخيم؛ لتكون المنطقة المسورة وحدة واحدة؛ تضم مرقدي الإمام الحسين والعباس والتل الزينبي والمخيم والفنادق والأسواق المحيطة؛ لتكون أكبر مساحة مرقد في العالم بعد مرقد الإمام الرضا (ع). وذلك لتستوعب الـ 60 مليون زائرا متوقعا في عام 2033؛ خلال الفترة من 10 الى 20 صفر. علماً إن المساحات التي أشرت اليها؛ فيما لو فتحت على بعضها، وتم تسويرها كوحدة واحدة؛ فإنها تبقى أصغر مساحة من مرقد الإمام الرضا (ع)؛ في حين ان زوار الإمام الرضا لن يتجاوزوا الـ 15 مليون زائر في أكبر المناسبات؛ وهي مناسبة ذكرى استشهاده.

6- توسعة المنطقة الأمنية لمدينة كربلاء الى أكثر من 50 كيلومتر محيط بالمدينة؛ تجنبا لأي إعتداء محتمل؛ إذن أن المنطقة الغربية ستبقى حتى ذلك الحين حاضنة لجماعات التكفييرين والمعادين.

7- تحويل محافظتي النجف الأشرف كربلاء الى إقليمين؛ بكامل الصلاحيات الدستورية؛ لآن من شأن هذا النظام إعطاء المحافظتين استحقاقهما الموضوعي على كل المستويات؛ ولا سيما مايتعلق بكونهما مركزين للتجمهر الدولي الديني الكبير كماً ونوعاً؛ ونموذج ذلك الزيارة الأربعينية (محور حدثينا)؛ مما يتيح لهما فرص إعادة البناء والتنظيم والنماء الشامل والحماية الأمنية والثقافية والإجتماعية؛ بما يتناسب وخصوصيتيهما المتفردتين.

 ولاشك إن السنوات القليلة المقبلة سيترشح عنها كثير من بذور هذه التوقعات؛ وستشعر الدولة العراقية بأهمية إجراء الخطوات اللازمة لإستباق الاحداث. وكما يقول أمير المؤمنين الإمام علي (ع): ((العارف بزمانه لاتهجم عليه اللوابس)).

* باحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/كانون الأول/2013 - 24/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2013م

[email protected]