الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشورء الحسين 1434 هـ
عاشورء الحسين 1433 هـ
عاشورء الحسين 1432 هـ
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

المشي .. رمزٌ وعقيدة وثقافة

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: الخطاب المباشر والصريح، يمثل إضاءة فكرية لمساحة معينة من الاذهان، وسرعان ما تخبو وتنتهي، وربما يأتي وقت آخر أو مناسبة اخرى لتتكرر العملية، وهكذا؛ طريقة التعاطي بين ابناء البشر، مثال ذلك؛ الدعوة الى نصرة المظلوم أو التعاون أو التكافل أو الإحسان، وغيرها من القيم الاخلاقية والانسانية، وربما تُبتكر طرق وأساليب لطرح هذا الخطاب، لكن تبقى "الإضاءة " سمته الأساس، فهي تخبو على أرض الواقع مع انتفاء الحاجة اليه، ليظهر خطاب آخر.

بينما الخطاب الرمزي، أو "الرمزية"، يجسد الفكرة والرؤية، ويعطيها روحاً وديمومة لفترات طويلة من الزمن تواكب الاجيال، فيتخذونها قدوة ومناراً يهتدون بها الطريق لتحقيق اهدافهم. ولعل من أبرز عوامل نجاح القرآن الكريم، هو الاسلوب الرمزي الذي تضمنته طائفة كبيرة من الآيات الكريمة، وقدمت فيه الخطاب السماوي الى الانسان، فيما يتعلق بأمور عديدة، لاسيما السنن الإلهية في الحياة، مثل زوال الطغيان والبغي والانتصار الإلهي لمن يتحرك ويعمل على التغيير والإصلاح. وهو ما جعل هذا الكتاب السماوي، محط إعجاب وتبجيل أصحاب الديانات والمذاهب الفكرية والدينية في العالم.

وهكذا نجد شعوباً في العالم، اتخذت لها رموزاً لتخليد قضاياها المصيرية، فكان "الجندي المجهول" في الدول التي قاومت الاحتلال الالماني – النازي في الحرب العالمية الثانية، لأن هنالك مئات الآلاف من البشر سقطوا ضحية النزعات التوسعية والقومية للزعيم الالماني آنذاك "هتلر"، سواءً خلال القصف الجوي او في معسكرات الاعتقال والمعارك الطاحنة، لذا فان بعض الدول التي تعرضت للاحتلال، وتحديداً الدول المتأثرة بالفكر الماركسي في اوربا الشرقية، خلقت رمزاً يجسد استمرار مقاومة جيشها الوطني لقوات الاحتلال النازي، فظهر نصب "الجندي المجهول"، بعد الحرب العالمية الثانية، ليجسد للأجيال أن هنالك أناس قاموا ولم يستسلموا للاحتلال.

ورغم اندثار الفكر الماركسي وسقوطه من الناحية الرسمية على الأقل في اوربا الشرقية، وبلدان أخرى، إلا ان هذا الرمز ما يزال محط اعتزاز لدى الشعوب والاجيال، إذ انهم يجدون فيه هويتهم وعمقهم التاريخي، بل ويباهون به العالم، بأن لهم مفخرة ومنجز يعزز وجودهم ويكسبهم الاحترام أمام العالم.

ومثال آخر من الهند، وفي مسيرة "المشي" التي ابتكرها "غاندي" خلال نضاله لنيل الاستقلال لبلاده، فقد قرر في شباط عام 1930، الانطلاق من مدينة "أحمد آباد" المسلمة، مسيرة راجلة مع المئات من المناصرين والمضطهدين، باتجاه البحر لتحدي الاستعمار البريطاني الذي فرض عقوبات على من يستفيد من الملح دون إذن سلطات  الاحتلال، وكان البريطانيون قد فرضوا ضريبة جديدة على انتاج الملح، أثقل كاهل الشعب الهندي، فما كان من "غاندي" الذي أعلن بداية خياره في المواجهة السلمية، توجهه الى مصدر انتاج الملح والسيطرة عليه وانتزاعه من الاحتكار البريطاني. لذا عُرفت حركته فيما بعد بـ "مسيرة الملح"، حيث وصل في غضون أيام من "المشي" الى مدينة "داندي" الصناعية، وهناك رفع بيده صخرة ملحية من البحر، وأعلن تملك الشعب الهندي لصناعة الملح. ومنذ ذلك الحين، والشعب الهندي يستذكر هذه المسيرة الثورية على طريق التحرر والاستقلال.

فاذا كان لهذا الشعب وذاك، رمزٌ يفخر به أمام العالم، فان الأمة الاسلامية تفخر بمسيرة "المشي" نحو كربلاء المقدسة لزيارة مرقد الإمام الحسين، عليه السلام، على أنها رمز لقضية تفوق المطالب السياسية، لتشمل مطالب حضارية وانسانية. نعم؛ نجد التفاعل والاندماج الجماهيري – المليوني مع النهضة الحسينية وتخليدها وتكريسها في الثقافة والوجدان، لاسيما ما يتعلق بزيارة يوم أربعين استشهاد الإمام، عليه السلام، والتي تحولت بالحقيقة الى "أيام للزيارة الاربعينية". كما نجد التكريم والاحترام من لدن أوساط دينية وثقافية في العالم لهذه المناسبة، وبالإمكان الوصول الى كربلاء المقدسة بواسطة الحافلات او السيارات، ولن يقل من شأن المناسبة. إلا أن السير على الاقدام، وتجشم عناء المسافات الطويلة، ربما لأيام طوال، تمثل رمزاً لحجم القضية التي من أجلها ضحّى الامام الحسين، عليه السلام، بنفسه وأهله وأصحابه. ثم إن تجشم عناء المسافة وتحدي الصعوبات والعقبات لزيارة المرقد الشريف، دليل واضح على الأهمية القصوى لهذه الزيارة بالذات. تماماً كما يحب كل إنسان تكريم الشخص المضيّف بالمشي خطوات الى بيته، تقديراً لمبادرته الكريمة بدعوته الى مأدبة غداء أو غيرها.

هكذا فعل الصحابي الجليل، جابر ابن عبد الله الانصاري، عندما تحرك من المدينة المنورة صوب كربلاء في أيام أربعين الامام الحسين، عليه السلام، سيراً على الأقدام، وصادف وصوله القبر الشريف، وصول موكب أهل البيت، عليهم السلام، القادمين من الشام. ويروى عن جابر، أنه كان يكنّ حبّاً شديداً للإمام الحسين، عليه السلام، منذ صغره، وربما استلهم هذا الحب والودّ مما كان يظهره النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، امام المسلمين. وهكذا فعل الأئمة المعصومون، عليهم السلام. وهنالك أحاديث متواترة عديدة تحثّ على المشي لزيارة الامام الحسين، عليه السلام، منها ما يرويه بن قولويه في "كامل الزيارات"، عن جابر بن عبد الله الانصاري عن أبي الصامت قال: سمعت أبا عبد الله، (الصادق) عليه السلام وهو يقول: "من أتى قبر الحسين عليه السلام، ماشياً، كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة".

هذا الحديث وغيره، يعد بالحقيقة، اضافة الى انه تشجيع وتحفيز للزيارة على مر الاجيال، فانه يعبر عن مدى أهمية هذه الزيارة، وايضاً أهمية القضية الحسينية في حياة الأمة والانسانية، وهو يعاضد الحديث المشهور عن الإمام العسكري، عليه السلام، حول زيارة الأربعين، وعدّها، عليه السلام، من الصفات الخمس للمؤمن.

من هنا نلاحظ تزايد التفاعل الجماهيري – العالمي مع زيارة الأربعين عاماً بعد آخر، مما يؤكد أن المسلمين وغير المسلمين في العالم، بدأوا يتفكروا ويتدبروا أمر القضية الحسينية، وأهدافها السامية، بحيث إن قساوسة من الكنيسة الكاثوليكية، كانوا في زيارة الى مسقط رأس النبي ابراهيم، عليه السلام، في محافظة الناصرية، ضمن وفد خاص من "الفاتيكان"، فصادفت زيارتهم، الزيارة المليونية، فما كان منهم إلا أن ينخرطوا في "المشي" مع الملايين، ليعبروا عن إعجابهم بهذا "الرمز" الذي يزداد تألقاً يوماً بعد آخر، ويضخّ في الأمة روح التحدي والمواجهة والإصرار على التغيير والإصلاح، اقتداءً بالنهج الذي سار عليه الإمام الحسين ، عليه السلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/كانون الأول/2013 - 18/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2013م

[email protected]