الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشورء الحسين 1434 هـ
عاشورء الحسين 1433 هـ
عاشورء الحسين 1432 هـ
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

المشي الى كربلاء وخطوات التغيير

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: عملية التغيير الايجابي بحد ذاتها، محببة ومطلوبة عند الانسان، لأنها مدعاة للتطور والتحول من حال الى آخر، لذا يكون البحث دائماً عن فرصة مناسبة لتحقيق هذا التغيير وكسب ثماره في تحقيق التحول والتطور في الحياة، سواءً لمن يروم الخروج من شرنقة العزوبية وتشكيل أسرة جميلة وناجحة، أو من يريد تحريك عجلة الاقتصاد في حياته الخاصة بالخروج من دوامة البطالة، والانطلاق في رحاب العمل والانتاج، بمختلف اشكاله ومستوياته، أو من يريد أن يرتقي سلّم العلم والمعرفة، فينخرط في المراكز العلمية والاكاديمية، وهكذا...

بيد أن التفكير في كل ذلك يبدو نوعاً من التمني والترجّي، لأن الفرص لا تأتي أنّا طلبها الانسان. لكن عندنا فرصة سانحة وذهبية للتغيير والإصلاح تحل علينا كل عام خلال إحياء مناسبة أربعين الامام الحسين، عليه السلام، وتحديداً خلال مسيرة الزائرين صوب كربلاء المقدسة مشياً على الأقدام.

إن قيم الحرية والكرامة الانسانية والعفّة والإصلاح الذاتي التي صقلها الإمام الحسين، عليه السلام، بدمه وتضحياته الكبيرة، تمثل فرصة أخرى رديفة، ولعل هذا بحد ذاته، يعمق الإيمان ويكرس الوعي لدى الماشي الى كربلاء المقدسة، بأهمية وقيمة الخطوات التي يرفعها والمسافات الطويلة التي يقطعها، رغم المشقّة وتحمل الصعوبات والتحديات في الطريق. وعليه؛ فان فرصة التغيير والإصلاح تبدو كبيرة وعلى نطاق واسع، مادام "المشي" يجسد حركة جماهيرية واسعة، تشمل شرائح عديدة في المجتمع، بل ربما هي صور مكبرة للمجتمع المتفاعل والحيوي والطامح للأفضل والأحسن، لذا يمكننا أن نأتي الى مجالات التغيير في ثلاث دوائر؛ الفرد، المجتمع، الأمة.

الأولى: دائرة الفرد

كما أسلفنا، يرغب كل فرد في المجتمع بأن يحقق تغييراً ايجابياً في حياته، على الأقل في الجانب المادي والمعيشي، وعندما يكون في الطريق المؤدي الى قيم ومفاهيم انسانية وأخلاقية تجعله يسمو بشخصيته في المجتمع، تتحول هذه الرغبة الى تجسيد عملي على الأرض. لنلاحظ الشباب السائرين على الاقدام، فهم يتطلعون الى قيمة العلم والمعرفة في النهضة الحسينية التي كافحت بشدة الجهل والتضليل والتسطيح الثقافي. فقد زود الإمام الحسين، عليه السلام، المتجحفلين أمامه من أهل الكوفة، بما سمحت الظروف آنذاك، بالعلم والمعرفة، بما يتعلق بمنزلته من الإسلام ومن النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، كما بين لهم حقيقة الإسلام والقرآن، ومدى بعدهم عنها، بمعنى أنه، عليه السلام، ألقى الحجة كاملة عليهم، لئلا يقول أحدهم غداً: "لم أكن أعلم..".

إذن؛ العلم والمعرفة بكل شيء في الحياة، بما يحصن الانسان من محاولات التضليل والتغرير في زحمة التجاذبات الثقافية والفكرية في العالم، وتحديداً في بلادنا الاسلامية، وليس أدلّ مما نذهب اليه، العمل المكثّف على الشبكة المعلوماتية العالمية (انترنت)، الى جانب حركة التأليف والنشر وصناعة الافكار على شكل أعمال فنية وثقافية ودرامية وغير ذلك، وما يلقى ويطرح على موائد الندوات والمؤتمرات. فالماشي الى كربلاء المقدسة، يجدر به أن يمتلك الأجوبة الشافية والمفحمة على أسئلة لسبب مشيه وقطعه المسافات الطويلة، فضلاً عن الاجابة عن أي سؤال عما يتعلق بالنهضة الحسينية، وحياة الإمام الحسين، عليه السلام.    

هذا "الوعي الحسيني"، من شأنه ان يفتح الأبواب واسعةً الى رحاب العلم والمعرفة والبناء الذاتي، لأن الامام الحسين، عليه السلام، عندما أراد تمزيق غشاوة الجهل والتضليل، بمعنى رغبته في أن ينطلق الانسان في رحاب الحياة السعيدة، وإلا كيف يضمن الانسان لنفسه النجاح في شتى مجالات حياته، وهو يفتقد الخصال الحميدة والصفات الحسنة التي تكسبه حب واحترام الآخرين، أو يفتقد الثقة بنفسه وبقدراته؟

ثانياً: دائرة المجتمع

ما دامت الحركة جماهيرية، ومواكب المشي تتألف من آلاف الافراد على الطرق الرئيسية الى كربلاء المقدسة، فان فرصة التغيير والتطوير سانحة لمجموع الناس، وللمجتمع بأكمله، بغض النظر عن التقسيمات الجغرافية والانتماءات الاثنية التي تضمها هذه التظاهرة المليونية، لأن الفرصة، كما هي متاحة للانسان الفرد، سواء من هذا البلد أو من ذاك، او يتكلم بهذه اللغة أو تلك، فهي متاحة ايضاً لهذا المجتمع أو ذاك، فربما يستفيد ابناء المجتمع العراقي، كما يستفيد ابناء المجتمع الباكستاني او البحريني أو اللبناني، بل وابناء الجاليات في بلاد المهجر في شتى أنحاء العالم.

إن مجرد تزايد حجم الاستعدادات لاستقبال واستضافة الزائرين سنة بعد أخرى على الطرق الخارجية، من قبيل موائد الطعام المتنوعة وأماكن الإقامة والمبيت على الطريق وغيرها من خدمات وتسهيلات متعددة، تشكل لوحة متكاملة لمجتمع ناجح، بم تعنيه الكلمة من معنى.. فهنالك التعاون والتكافل والتفاهم والاحترام المتبادل، كما هنالك محاولات الإصلاح والتغيير لأي ظاهرة شاذة ودخيلة تصدر هنا وهناك، والى جانبها محاولات لتكريس قيم مقدسة وذات أهمية للجميع، مثل الحجاب عند المرأة، والالتزام بالفرائض الدينية في وقتها، والتعامل الحسن بين افراد هذا المجتمع الذي يجمعه الطريق والقضية خلال أيام معدودة. وإذن؛ بالامكان الاستفادة من هذه التجربة (الكربلائية) في المجتمعات الكائنة ضمن نطاقها الجغرافي. لنأخذ ثقافة تحمل المسؤولية.. فالجميع على الطريق، يجسدون الحديث النبوي الشريف: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". ولنقارن بين أبسط ظاهرة في مجتمعاتنا، وهي "الفقر" وحالة الاستعطاء المنتشرة في بلادنا.. كم هي نسبة التفاعل مع الفقير، بغض النظر عن تفاصيل حالته وحقيقته؟ وكم هو حجم المسؤولية لإزالة هذه الظاهرة والوصمة السيئة عن وجه المجتمع؟ ثم لنأت الى طريق "المشاية"، هل نجد ثمة محتاج الى طعام أو شراب أو مكان للراحة أو حتى مال أو أي شيء آخر..؟ ما الذي يجعل هؤلاء السائرين بأجمعهم غير محتاجين لأحد، بل الجميع مكتفون، الواحد يكفّي الآخر..؟

هذه المظاهر العفوية خلال زيارة الأربعين، من شأنها ان تفتح لنا أبوباً واسعة للتغيير والإصلاح في بلادنا، وحتى في المجتمعات الاسلامية الصغيرة في بلاد المهجر، انطلاقاً من مفهوم "المسؤولية"، أما ان يتحمل الانسان مسؤولية نفسه ويعني بمصالحه الخاصة، وذاتيته وما يتعلق به، ولا شأن له بالآخرين، فمن المستحيل تصور تغييراً كبيراً أو حتى بدرجة الإصلاح او التعديل في أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية.

ثالثاً : دائرة الأمة

اذا عرفنا أن مبادئ وأهداف النهضة الحسينية تستهدف الأمة بكاملها، ولم تكن تخاطب المجتمع الكوفي سنة 61 للهجرة، او حتى الموالين لأهل البيت، عليهم السلام، فما علينا سوى الاستبشار بانتشار هذا الشعاع الى جميع انحاء العالم، كما انتشر اسم الإمام وانتشرت رايته في القارات الخمس، بل حتى في أعالي وقمم الجبال وفي الأدغال، وكل مكان..

إن أمضّ ما تعانيه الأمة اليوم، هو التباعد والشقاق والتغرّب من الداخل، ولعل هذا ما يمكن عدّه من جملة أسباب تجعل مفهوم "الأمة" محصوراً اليوم في طيات الكتب وعلى ألسن المثقفين والمحاضرين، إنما الموجود مجموعة شعوب وبلاد ضمن حدود جغرافية تفصل فيما بينها، وربما تفصل بين البعض منها ثارات وحسابات دموية أو مالية او نزاع على أرض او غير ذلك. لذا فان من يحمل صفة "مسلم" بالكاد يعيش كريماً وعزيزاً في بلده وبين أبناء شعبه، ناهيك عن العيش في بلد آخر، وإن حمل هوية "الإسلام". ولكن..

هذا ليس كل شيء.. لأن مسيرة "المشي" الى كربلاء، والتوجه نحو مرقد الامام الحسين، عليه السلام، تحمل العراقي والكويتي والايراني والباكستاني وغيرهم، الى ما هو خارج نطاق الحدود الجغرافية والنفسية، فقد رسمت كربلاء، خارطة طريق واضحة المعالم لأمة متماسكة ومتفاعلة وقابلة للتطور والتقدم، استلهاماً من الهدف الذي أعلنه الامام، عليه السلام، وهو في طريقه الى مواجهة الانحراف والتضليل والتزييف، "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي...". فالاصلاح والتغيير نحو الأحسن للأمة بأكملها، أما آلية هذا الإصلاح، وهو السؤال العريض الذي طالما تطرحه الاوساط الثقافية والفكرية في بلادنا، وكيف يتحقق على نطاق الأمة، وليس شعباً على بقعة واحدة من الارض؟ فالامر متروك لمن يعنيه الأمر من علماء دين وخطباء وكتاب ومثقفين، لأن يستفيدوا من هذه الفرصة السنوية والسانحة، وتجربة التغيير والإصلاح على صعيد الفرد والمجتمع ثم الأمة، مستلهمين من مبادئ وقيم النهضة الحسينية، وايضاً من هذا الحضور المليوني الحاشد الذي يزداد سنة بعد أخرى، حيث نشهد دخول أعلام من دول اسلامية وغير اسلامية، تضم تحتها مواكب صغيرة واخرى كبيرة لمعزين أصروا على المشاركة في هذه المناسبة العالمية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/كانون الأول/2013 - 17/صفر/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2013م

[email protected]