الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشورء الحسين 1434 هـ
عاشورء الحسين 1433 هـ
عاشورء الحسين 1432 هـ
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

الحسين (ع)... درسٌ للتاريخ

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: التاريخ؛ يحمل تجارب الماضين الى الشعوب والأمم لتستفيد منها في حاضرها ولمستقبلها. هذه التجارب تتضمن الثقافة مثل اللغة والعادات والتقاليد، وايضاً الحضارة؛ مما توصل الى الانسان فيما مضى، من ابداع وتطور في العلوم المختلفة. من هنا نجد الشعوب في بلاد العالم تفتخر بماضيها وتاريخها، بل يندفع بعضها – مضطرة- لاختلاق تاريخ لها، حتى لا توصم بـ "البلد الحديث النشوء" او المقطوعة التاريخ والجذور.. وقد وجدت هذه المقولة مصداقيتها؛ "من لا تاريخ له، لا مستقبل له".

وعندما يتعلق بالأمر بالقضية الثقافية والحضارية، فان التعامل مع التاريخ سيكون استحقاق آخر، لأن الشعوب إنما تستمد هويتها وانتمائها، ومن ثم مواقفها المصيرية في حاضرها ومستقبلها من موروثها الثقافي والحضاري. والى ذلك يشير الينا القرآن الكريم في أكثر من آية بأهمية تتبع سيرة الماضين من الأمم، لأخذ العبرة والدروس مما توصلت اليه من نتائج في حياتها، وكيف تعاملت مع السنن الإلهية وحقائق الحياة؟ وكيف تعاملت مع الرسالات الإلهية التي بشرت الانسان بالتغيير والإصلاح والحياة السعيدة بعد الخروج من حياة العبودية للأصنام البشرية والحجرية؟ فهناك من نجح في الاختبار وواكب مسيرة الرسل، وهناك من أصرّ على الباطل والانحراف والضلال، فكان مصيره الهلاك، ليس بواسطة المعجزة الالهية وحسب، إنما بالاسباب المنطقية، فالظلم لن يدوم، مهما كان صاحبه قوياً، كما ان قيم الاخلاق والدين والمفاهيم الانسانية، هي التي تسود، مهما قويت النزعات في داخل الانسان نحو المال والجاه.

بمعنى أننا اذا قرأنا التاريخ ونظرنا اليه على أنه "كائن حي ينبض بالحركة" ، فان النتيجة تختلف عما اذا كانت القراءة على صفحات الكتب المنثورة على رفوف المكتبات. علماً أن "التاريخ" بالأساس يستدعي في الاذهان الاشياء القديمة والحكايات الماضية، وكل شيء يرمز الى التراث الجامد، فعندما نقرأ الحوادث التي جرت على الإمام علي أمير المؤمنين، عليه السلام، لا نقرأها حكايات مثيرة للعواطف والمشاعر فقط، لاسيما تلك التي ترتبط بمواقف الامام مع الايتام والارامل والمجتمع بشكل عام. وكذلك الحال مع واقعة الطف، واستشهاد الامام الحسين، عليه السلام. فالقراءة السطحية لهذه الواقعة – الفاجعة، لا تعدو مشهد المواجهة العسكرية بين معسكر الإمام ومعسكر عمر ابن سعد، واستشهاد اصحاب وابناء الإمام الواحد تلو الآخر، ثم إصابته، عليه السلام، بسهم غادر في قلبه وتعرضه للضرب بالسيوف على رأسه الشريف، ومن ثم فصل رأسه عن بدنه ونهاية المعركة. فقراءتنا لهذه الحوادث على أنها نابضة وحيّة وكأننا نعيشها، يختلف تماماً عما اذا كانت لشخصية عاشت قبل حوالي اربعة عشر قرناً من الزمن.

ومع جلّ تقديرنا واعتزازنا بالقدر الكبير من الجهد المبذول ثقافياً وفكرياً وبحثياً حول واقعة الطف، من أدب بأصنافه المتعدد، من شعر ونثر وقصة ومسرح، وايضاً البحوث والدراسات والمؤلفات التي تناولت الواقعة، فان البعض منها وقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه المؤرخون الماضون، عندما كتبوا التاريخ للتاريخ، وليس للاعتبار منه، ونقل هذه العبر والتجارب الى الاجيال اللاحقة. فما موجود، هو تعامل موضوعي بحت، ومعروف عن "الموضوعية" أنها تعني الحكم على الاشياء والحوادث والاشخاص كما هم، بغض النظر عن خلفية ثقافية وتاريخية اخرى، وبعيداً عن المقاييس والمعايير. في حين إن الامام الحسين، عليه السلام، وهو ذلك القائد الذي نهض بثورة عارمة ضد يزيد وطموحه لاغتصاب الخلافة الاسلامية، كان ايضاً في منزلة الأب لأطفال وله زوجة وأخوات وأسرة، وما يستتبع ذلك من مشاعر انسانية موجودة لدى جميع بين البشر، مثل الحب الجمّ للطفل  الرضيع، والحرص على سلامة الولد الشاب، والاهتمام بالزوجة والأخت من أن يصيبها مكروه، وأن تكون مصونة، كريمة دائماً. وعليه؛ فعندما نقرأ المقطع الخاص باستشهاد الطفل الرضيع في حجر الامام ، عليه السلام، وبتلك الطريقة الفجيعة، فاننا مدعوون، إضافة الى المواساة بالبكاء والنحيب في المجالس الحسينية، والتأثر الشديد من خلال نظم القصائد وكتابة القصة وغيرها، الى أن نفهم وندرك دوافع حمل الإمام طفله الرضيع أمام الأعداء، وهم على علم تام بقساوتهم وجفائهم، وهم الذين تنكروا له ونكثوا البيعة مع امام معصوم، وابن بنت نبيهم الوحيد ما بين المشرق والمغرب. فهل يرقّ قلبهم لطفل صغير..؟!

هذا السؤال، يقودنا الى دوافع اصطحاب الإمام أسرته وأهل بيته الى كربلاء، مع معرفته بمصيره، وهو ما اشار اليه العديد ممن نصحه بعدم الخروج في مكة والمدينة، إذن؛ القضية أعمق من أنها مسألة عاطفية، إنما هي مسألة بناء انساني وحضاري في الأمة طاله التصدّع بسبب الميول والحنين الى الجاهلية التي حاربها النبي الأكرم ، صلى الله عليه وآله، ومنها القسوة والفضاضة والخيانة وكل المفاهيم السلبية واللاإنسانية ، واستبدلها بالرحمة والاحسان والتعاون وغيرها من قيم الاخلاق والصفات  الحميدة.

هذه الصفات والخصال، نقرأها في التاريخ، وتحديداً في نهضة الإمام الحسين، عليه السلام، على أنها تجارب حيّة نابضة، كما تقرأ الشعوب الناهضة والتقدمة تاريخ أمجادها الذي سطره قادتها وعلماؤها، وما خلفوه من منجزات ومواقف. وللأسف الشديد نقول: أن البعض من المؤرخين والمفكرين المسلمين ينزلقون – ربما دون ارادة منهم- في الخط المغاير لهذه القراءة الحضارية للتاريخ، ويتحدثون عن الامام الحسين، عليه السلام، وعن يزيد، وعن واقعة الطف وكل التفاصيل، بل جميع الحوادث التاريخية ذات الصلة بالصراع بين خط الإصلاح والتغيير، وبين سياسة الأنظمة الجائرة، على أنها حوادث تاريخية تدرس بعيداً عن التفاصيل والمضامين، ويتشبثون في ذلك بالحديث المروي عن الامام الحسن المجتبى، عليه السلام، "لا مصيبة كمصيبتك أبا عبد الله..".

ولابد من التذكر، أن هذا التوجه هو الذي يفتح الطريق أمام الساعين لتحجيم نهضة الامام الحسين، عليه السلام، بين طيات الكتب ، وخنق الأصوات التي تنادي بالشعائر الحسينية ونشر القضية التي من أجلها ثار الإمام عليه السلام، من هنا؛ يجدر بنا الانتباه الى أننا نمتلك ثروة تاريخية كبيرة من شأنها تقديم الكثير الكثير من الدروس والعبر تفيدنا لتغيير الواقع السيئ في المجالات كافة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وايضاً في التغيير والبناء الذاتي على أمل العودة الى المسيرة الحضارية التي ابتعدت عنها الأمة أشواط بسبب انقطاعها عن تاريخها وماضيها المجيد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/تشرين الثاني/2013 - 9/محرم الحرام/1435

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1435هـ  /  1999- 2013م

[email protected]