الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

ركوب العار في زمن الخدعة

السيد محمود الموسوي

إذا مررت على واقع المسلمين اليوم في كل مكان ستجد أصداء للحراك الناهض الذي استل نوره من حركة الإمام الحسين (ع)، حيث غدت الحركة الحسينية المباركة معلماً راسخاً من معالم النهضة، وباتت المحرّك والزاد الأساس لأي شعب يريد أن يعمل للإصلاح ويسلك درب الحرية والكرامة.

إلا أن ذلك لا يعني أن تلك الحركات وذلك الحراك يبقى متّسماً بالضرورة بالسمات الحسينية بكل تفاصيلها، بل قد يصيب بعض الحراك انحراف عن مبادئ وقيم الإمام الحسين (ع)، خصوصاً أمام الإيقاع السريع لحركة السياسة وتحولاتها، وتقلبات الحياة وتبدل مواقعها وظروفها، ومن أهم ما يبتلى به المتصدون للتغيير هو الغفلة عن القيم الحسينية التي تفوّقت على المكاسب الآنية في سبيل الحصول على مكاسب الآخرة، والتي انتصرت للحفاظ على خط القيم مقابل خط المكاسب الدنيوية.

وقد حملت النهضة الحسينية معاني العزة والكرامة والحرية والحفاظ على الدين، مقابل ركوب العار الذي يمثل البحث عن المال، والسلطة، والجاه، إن ركوب العار قد تحاشاه الإمام الحسين عليه السلام ودوّن في أمره كلمة خالدة عندما قال وهو على صهوة جواده  في مواجهة جيش جرّار: (الموت أولى من ركوب العار، والعار أولى من دخول النار).

كلمة أصيلة وضع الإمام الحسين (ع) من خلالها مسألة تحاشي ركوب العار في قائمة أولويات لابد أن تشكل عقلية الحركات النهضوية، وهي أن الموت يقدّم على الإقدام على ركوب العار، فيدفع الإنسان حياته من أجل أن لا يساهم في العار ولا يؤسس له في الواقع، ولا يكون العار مستساغاً بحسب الواقع إلا إذا كان الخيار الآخر هو دخول النار، أي لمنع الإنحراف في العقيدة وفي السلوك، لأن الغاية من النهضة هي الفوز بالجنة. وهذه الكلمة تعزز خيار أن يكون الإنسان نظيفاً من أي فساد، لأنه يعمل من أجل القيم فلابد أن لا يساهم في ضرب القيم، حتى لو كان ذلك على حساب فقد مكاسب دنيوية أو مكاسب سياسية آنية.

وهنا تجلّت أهمية أن تضع الحركات قائمة أولوياتها نصب أعينها، ولابد أن تكون تلك الأولويات راسخة في وعي المجتمع ومستظهرة في ثقافته العامة، لكي لا يساهم في ركوب العار مع من فضّل الركوب.

في العادة يلجأ الطغاة إلى إلهاء الناس بالحاجيات الملحة والآنية، فيبرّزها كعناوين للمكاسب والاستحقاقات، كل ذلك في سبيل غض الطرف عن سياساته التي تؤسس لشريعة الظلم، وتشرّع الانحراف، وتدوس القيم، وتغيّب الحاجات الكبرى للأمة والمصالح العليا التي تبني مجتمع العدالة والأمن الحقيقي، وعندما لا تكون الحروف الحسينية النورانية نصب أعيننا، فإن المعادلات سوف تختلّ، والمسيرة سوف تنحرف، فيكون المنصب والكرسي بحد ذاته عنواناً للاستحقاق، ويكون الاسم عوضاً عن المسمّى، وتكون المنافع الشخصية مقدّمة على مصالح الأمة، ويكون مستقبل الفرد والجماعة أولى من مستقبل الدين وقيم الدين، فتداس كل القيم الربانية في ذلك الطريق، وهذا أصدق مصاديق (ركوب العار) بل والمساهمة فيه والتأسيس لشرعنته.

إن عملية ركوب العار أخطر من العار نفسه، لأن من يركبها من المنتمين إلى الإمام الحسين (ع) والحاملين رايته، إنما يصل بهم الأمر إلى شرعنة العار ولو من حيث لا يشعرون، وهذه هي الطامة الكبرى. فهو في هذه العملية يمر بعدة مراحل، هي:

1/ مرحلة الإنخداع بالعار والمشاريع المشابهة، تحت مسمّى دفع الضرر والإضرار الموهوم، فالشيطان وكذلك من يتولاه من البشر لا يدعون مشاريعهم ليرعاها الآخرون، إنما هم يتولونها ويصرون عليها لكي يقنعون المتصدين بأنهم أمام مفترق طريق، فإما الضرر (العاجل) وإما دفع الضرر (الموهوم)، فيكون الخيار هو المكسب (الآني).

2/ ثم مرحلة المساهمة في العار، ليثبت ولائه لهذا المشروع، ولكي يعطي رسائل الثقة (لأهل العار) فهو يتمسّك بكل ما أوتي من قوة بهذا الخيار، ليصبح استراتيجية مستدامة لتحركه، لا ظرفاً طارئاً.

3/ ثم المرحلة الأخطر وهي التبشير للعار باعتباره خير وصلاح، فبعد أن تتطبع العملية الإصلاحية بهذه المنهجية التي يصعب عليها التراجع عنها، ولكي تثبت صلاح خيارها، تلجأ إلى التبشير لهذا الخيار وتوسعة رقعته البشرية، لتحشوه في عقول الناس، فيصبح مقياساً للتفاضل بين الناس، وبين الخيارات، وبين المنهجيات.

تأتي ذكرى كربلاء الحسين (عليه السلام) في كل عام، لا لتكون مناراً لبناء الشخص وحسب، بل لابد أن تكون ذكرى تهزّ وعي المجتمع، وتؤثّر في الحراك السياسي من خلال قادته والمتصدين له، فتمنع خطوات الشيطان من أن تأخذ فعلها في العقل البشري. ولا يكون ذلك إلا بالتعاطي القيمي مع ثورة الإمام الحسين (ع)، والدراسة الجادة لها، والامتثال الخالص لما تدعوا له، فلا تكفي الشعارات وحدها، ولا يجدي محاربة بعض الشعائر تذرعاً بأنها تحجب قيم الإمام أو تشوش صورة الحركة الحسينية المقدسة، فالإنتماء الحقيقي يكمن في الامتثال، على الأخص في المواقف الكبرى التي تهم الدين ومصالح الأمة الإسلامية.

فلابد بين فترة وأخرى من وقفة مراجعة لكل المواقف وكل المعاهدات والمواثيق التي أبرمت أو سوف تبرم، وتضع في حساباتها القيم الحسينية التي لا حياد عنها، حتى لو كان ذلك على حساب المناصب، وحتى لو سبب ذلك عزلة في السياسة أو الاجتماع فإن ذلك (أولى من ركوب العار).

www.mosawy.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/كانون الأول/2010 - 21/محرم/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م

[email protected]