الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

الشعائر الحسينية... الجذور والمعطيات

محمد الصفار

 

شبكة النبأ: لم يشهد التاريخ مثيلاً لما جرى في كربلاء، فقد احتضنت هذه الارض أروع ملحمة على وجه البسيطة، ملحمة جسدت أعلى التضحيات وأرفع المبادئ وأسمى القيم حتى اصبحت علماً وشعاراً لكل أنسان يبغي الكرامة في الحياة، كما اضحت رمزاً لرفض كل انواع الطغيان والاستبداد، وبقيت هذه الملحمة جذوة لا يخمد أوارها في الضمير الانساني الحي.

كما بقيت المنبع الذي تستقي منه الثورات أهدافها وتستلهم مبادئها وتقتدي بأبطالها، فكانت بمثابة الروح التي تحرك الثورات التي تتفجر ضد الانظمة الفاسدة، فهي متجددة في كل زمان بسطوعها وتوهجها وروعتها وهي المثل الاعلى في التضحية والفداء في سبيل الحق والعدل. فمنذ أن سقط دم الامام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه وهم يرفعون راية الرفض بوجه الظلم، أصبحت كربلاء قبلة النفوس ومهوى للأفئدة.

ومنذ ذلك اليوم انطلقت الشعائر الولائية التي مثلت انعكاساً لهذا الرفض وامتداداً لتلك الثورة، وبقيت الدفقات الولائية التي تطلقها هذه الشعائر هي التي تعطي للثورة روح التواصل بينها وبين الاجيال وتصور المفاهيم التي ثار من اجلها الامام الحسين (ع).

وصارت الجماهير على امتداد التاريخ تزحف في يوم عاشوراء الى كربلاء لتجدد البيعة للأمام الحسين (ع) لأنها وجدت فيه أباً للأحرار ورمزاً للثوار.

وقد اكتسبت الشعائر الحسينية ديمومتها من حديث النبي (ص) : (أن لقتل الحسين (ع) حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً) وتشير المصادر التاريخية الى أن نشأة الشعائر الحسينية تعود الى الساعات الاولى بعد استشهاده (ع) واهل بيته واصحابه فقد نصت المقاتل والتواريخ على اقامة النوائح من قبل نساء الحسين (ع) بعد استشهاده في ساحة المعركة وفي الكوفة وفي المدينة والشام كما كان بعض الشيعة من اهل الكوفة يجتمعون حول قبر الحسين (ع) بالبكاء والنحيب وانشاد الاشعار الرثائية وكانت قلوبهم تحترق لما جرى عليه (ع) ويستشعرون الندم لذلك حتى انبعثت عندهم فكرة الثورة ضد السلطة الاموية الجائرة وهم الذين عرفوا بـ(التوابين).

وكان أبرزهم سليمان بن حرد الخزاعي والمسيب بن نجية وعبد الله بن سعد بن نفيل الازدي ورفاعة بن شداد.

وتعد هذه الاجتماعات والنوائح البواكير الاولى للشعائر الحسينية فقد ذكر ابن قتيبة الدينوري في الامامة والسياسة ج 2 ص 130 ان المختار بن ابي عبيدة الثقفي، كان اول من اقام مأتماً للأمام الحسين (ع) في داره بالكوفة في يوم عاشوراء وأرسل النادبات في شوارع الكوفة، للندب على الحسين (ع) وبعدها توالت المجالس والمآتم الحسينية.

فكان الشيعة في تلك السنوات يجتمعون في شهر محرم من كل عام في بيت من بيوت الائمة من أهل البيت (ع) في المدينة أوفي بيت أحد أصحابهم (ع) للبكاء على الحسين (ع) واستذكار يومه الدامي واستيحاء الفجيعة.

حيث ينشد أحد الشعراء قصيدة في رثاء الحسين وتقديم العزاء لأهل البيت (ع) وكان ابرز الشعراء في ذلك الوقت الكميت بن زيد الاسدي وأبي سفيان العبدي والسيد الحميري وجعفر بن عفان، ثم جاء بعدهم دعبل الخزاعي وديك الجن الحمصي.

وكانت هذه المأتم تقام بسرة فقد كانت الدولة الاموية تمارس ابشع الوسائل الارهابية بحق مقيميها ومن يحضرها من الشيعة في جميع الاقطار الاسلامية كما أقاموا حراسة مشددة حول القبر الشريف منعاً من وفود الزوار.

وأشتد هذا المنع واتخذت اجراءات صارمة بحق الزوار بعد ثورة زيد بن علي (ع) في الكوفة ومقتله فيها سنة (121) في أيام هشام بن عبد الملك فكان عقاب من يفد على قبر الحسين التعذيب حتى الموت.

لقد مرت الشعائر الحسينية بأدوار شتى على امتداد تاريخها الطويل وتعرضت لظروف قاسية نتيجة السياسات المتعاقبة فبعد اندثار الأمويين وزوال ملكهم، وجد الشيعة متنفساً في بداية الدولة العباسية لإقامة الشعائر فعقدوا المجالس وأقاموا المناحات وأظهروا الحزن فالعباسيون روجوا لدعوتهم على اساس الاخذ بالثأر للأمام الحسين (ع) من بني أمية وكانت دعوتهم للرضا من آل محمد (ص)، فاستغلوا نقمة المسلمين وسخطهم على الامويين نتيجة التنكيل والقمع والاضطهاد الذي لاقوه منهم، وما أن أعتلوا العروش وتسلموا زمام الخلافة حتى نكصوا على أعقابهم لأنهم وجدوا أن ثورة الحسين (ع) لم تكن ضد الامويين وحكومة يزيد الجائرة فحسب، وانما كانت ضد كل الظالمين والمستبدين في كل العصور فأصبح أسم الحسين (ع) يقض مضاجعهم ويهدد مصالحهم بصورة مباشرة وبنفس الاسلوب الذي هدد به مصالح بني أمية، فعمدوا الى محاربة هذا الاسم بأي شكل من الأشكال.

فقاموا بمداهمة أي بيت أو مجلس يذكر فيه أسم الحسين (ع) والتنكيل بمن فيه فمرت هذه الشعائر بأقسى من الظروف السابقة، وكانت حقبة حكم المتوكل اقسى فترة مرت بها الشعائر الحسينية، حيث امر المتوكل بهدم قبر الحسين (ع) وقطع أيدي زواره وارجلهم ورؤوسهم، ورغم كل هذه الهمجية والقسوة والقمع لم تستطع الدولة العباسية التي أوغلت في الدماء وملأت السجون أن تقمع هذه الشعائر التي هتفت بإسم أبي الاحرار، واذا كان الشيعة في تلك العصور القاسية التي مرت عليهم لم يستطيعوا أن يعبروا عن حزنهم العميق بمأساة كربلاء تعبيراً كاملاً فأن الظروف اختلفت عليهم ومال الميزان القوى لصالحهم فيما بعد.

فقد اهلك الله تلك الحكومة وأستطاع الشيعة لأول مرة إقامة العزاء بشكل كامل في بغداد حيث خرج الناس الى الشوارع وأغلقت الاسواق ونصبت المآتم ولبس السواد ووضعت جرار الماء لسقي الناس، ثم سار الناس حفاة الاقدام حاسري الرؤوس الى كربلاء لزيارة قبر الإمام الحسين (ع)، وكان ذلك في بغداد في يوم عاشوراء عام 353 هـ - 963م، في ايام معز الدولة البويهي.

وكذلك فعل أهالي كربلاء حتى التقوا عند قبر سيد الشهداء فأقاموا مواكب العزاء بشكل كامل وعلني، وصارت مراسيم العزاء الحسيني عادةً تتبع سنوياً وبقي البويهيون في السلطة مدة (133) سنة أي من سنة (334) هـ الى سنة (467) هـ.

فكانت اقامة هذه الشعائر تقام بحرية تامة وما أن جاء السلاجقة حتى أعلنوا الحرب على هذه الشعائر، وصار الشيعة يتخذون احتياطاتهم لإقامة العزاء الحسيني وقد حكم السلاجقة مدة (108) سنة أي من عام (467هـ) الى (575هـ)، وفي عهد الناصر لدين الله الذي ولي الخلافة سنة (575)، فقد تنفس الشيعة الصعداء بعض الشيء فقد أطلق لهم الحرية في اقامة الشعائر من مآتم ومناحات، وكانت هذه الشعائر تأخذ بالأتساع ففي القرن السابع للهجرة دخلت قراءة (مقتل الحسين (ع) لأبن نما الحلي، ثم للسيد أبن طاووس ضمن منهاج المجالس وهذان المقتلان هما أول المقاتل التي تتحدث تفصيلياً عن المآسي الدامية لواقعة كربلاء، وكان القراء يقرؤون المقتل بصوت شجي يستدر دموع المستمعين.

في عهد السلاجقة عادت على الشيعة أيام الامويين والعباسيين في حربهم على اقامة هذه الشعائر غير أن الوضع تغيير عند مجيء الصفويين الى السلطة، إذ أعطوا للشيعة مطلق الحرية في ممارسة شعائرهم ولكن ما إن أستلم العثمانيون مقاليد الحكم حتى اصدروا أوامرهم بمنع اقامة العزاء الحسيني، فأضطر الشيعة الى اقامة مجالس العزاء في البيوت بصورة سرية بالرغم من المنع الشديد الذي فرضته على مقيمي مجالس التعزية، وحينما غزا الوهابيون مدينة كربلاء ذلك الغزو الوحشي البربري عام 1802 واستباحوها قتلاً ونهباً وتهديماً وتحريقاً وأحرقوا المرقد الشريف بعد أن سرقوا كل ما فيه من كنوز ونفائس وقتلوا كل من وجدوه فيه، كانت صدور الشيعة موغلة جراء المظالم التي يتعرضون أليها والتكتم الشديد على اقامة شعائرهم، فزاد هذا الحادث الاليم الذي أعاد مأساة كربلاء عليهم مرة ثانية من حزنهم وغضبهم وتمسكهم بشعائرهم فأفرغوا فيها ما أمتلئ في صدورهم من غضب في خطبهم وقصائدهم ومراثيهم، التي امتزجت بشعائر العزاء الحسيني التي هي مصدر اصرار وتحدي للظلم والظالمين.

فما أن اعاد الوهابيون الكرة عام 1807 حتى تصدى لهم اهالي كربلاء وطردوهم بعد أن تحصنوا للدفاع عن مدينتهم، وبعد الاطاحة بالمماليك وسقوط داود باشا تم تعيين علي رضا والياً على بغداد، وكان هذا الوالي يميل الى التشييع ويحب الامام علي (ع) والأئمة من ولده (ع)، فسمح بإقامة العزاء الحسيني الذي أخذ بالنمو والتطور تدريجياً في ذلك العصر.

حيث كان الوالي يحضر بنفسه مجالس التعزية التي تقام في البيوت ثم امتدت اقامة المجالس الحسينية الى المساجد والمدارس الدينية وأضرحة الأئمة (ع)، بعد ان كانت مقتصرة على البيوت وفي ذلك الوقت نشأت مواكب المسيرات الشعبية (اللطم) وكان أول موكب هو للشيخ محمد باقر أسد الله المتوفي سنة (1840) في الكاظمية.

أما في كربلاء فأن اول موكب من (اللاطمين) كان بأشراف آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي وعنه أخذت وتوسعت ووصلت الى ما هي عليه الآن.

واستمرت مجالس التعزية وبقية الشعائر الحسينية تمارس بعد حكم الوالي علي رضا اذ كان الولاة بعده على خطة، حتى جاء مدحت باشا فحاول منع هذه الشعائر ولكن محاولته باءت بالفشل، وفي بداية القرن الماضي كانت هذه الشعائر قد ترسخت واخذت طابعاً جماهيرياً وخاصة في المدن المقدسة مثل النجف الاشرف والكاظمية وكربلاء المقدستين.

فالى جانب مجالس التعزية أقيمت مواكب (اللطم) وضرب السلاسل (الزنجيل) والتطبير والتشابيه، أي تمثيل واقعة الطف ومقتل الامام الحسين (ع).

وتم بناء أول حسينية في كربلاء عام 1906 ثم تعددت الحسينيات بعدها واستمرت المواكب الحسينية خلال الاحتلال الانكليزي للعراق، وبعد تأسيس المملكة العراقية عام 1921 أعلنت الحكومة العراقية يوم عاشوراء عطلة رسمية في عموم العراق.

لأول مرة وفي عام 1928 حاولت السلطات منع اقامة المواكب لكن الجماهير التي تعودت حناجرها على الهتاف (يا حسين) كسرت طوق المنع وخرجت المواكب لتؤكد ان ثورة الحسين (ع) لم تكن مجرد معركة بين فئتين في حقبة ماضية من الزمن بل أنها كانت تمثل رفضاً قاطعاً وتحدياً لكل انواع الظلم والاستبداد، وموقفاً ثورياً أعاد الى الانسان كرامته المهدورة.

فكانت هذه الشعائر تزيد مبادئ الثورة رسوخاً في الواقع الاجتماعي والسياسي وتؤكد أن كل زمان ومكان يحملان حسيناً ويزيداً وهما في صراع أزلي بين الحق والباطل بعد سلسلة من المحاولات اليائسة في العهد الملكي للتضييق على الشعائر الحسينية، عادت مواكب العزاء عام 1958 الى ممارسة هذه الشعائر، واقامة المأتم وحينما جاء البعثيون الى السلطة عام 1968 أظهروا في البداية تسامحاً تجاه العزاء الحسيني في محاولة لاستحالة الجمهور واحتواء مشاعر الناس، لكنهم بدأوا بعدها يضيقون الخناق تدريجياً في محاولة دنيئة لطمس الشعائر الحسينية وتقييد حركتها ومراقبتها وتحديد مدة المواكب في القيام باللطم، وكذلك تحديد مكبرات الصوت التي تنصب في الحسينيات والمواكب للعزاء.

كما كانت هناك محاولات لتمرير شعاراتهم البغيضة من خلال الشعائر الحسينية وفي عام 1975 منعت السلطة البعثية جميع المواكب الحسينية من القيام بشعائرها ليلة العاشر من محرم غير ان المواكب في النجف الاشرف ضربت القرار البعثي عرض الحائط وخرجت بعد منتصف الليل الى الصحن الحيدري الشريف لأداء مراسيم العزاء فحصلت مواجهات مع السلطة، تم خلالها اعتقال عدد من المشاركين في المواكب وفي العشرين من صفر من العام التالي قامت السلطة بمنع مسيرة السير على الاقدام من النجف الاشرف الى كربلاء لزيارة الاربعين، غير ان المواكب تحدت السلطة فخرج الألاف وواصلوا مسيرتهم الى كربلاء وفي العام التالي شددت الحكومة على منع هذه الشعيرة، غير ان الناس خرجوا على شكل مجموعة كبيرة وهي تهتف (يا حسين - يا حسين)، وتوسعت هذه المجموعة بانضمام بقية الناس اليها فتحولت الى تظاهرة جماهيرية عارمة وهي تهتف (لو قطعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفاً سيدي يا حسين).

وفي بداية الثمانينات شنت السلطة البعثية حملة شرسة ودنيئة ضد كافة الشعائر الحسينية وقامت باعتقال الكثير من الخطباء الحسينيين واعدامهم، ويمكننا القول أن فترة البعثيين كانت اقسى على هذه الشعائر من فترة الامويين والعباسيين.

وبانتهاء هذه الفترة المظلمة وزوال هذا الكابوس بسقوط الظلم عام (2003) عادت الحناجر العاشقة والقلوب الواله التي عشقت الحسين (ع)، تهتف بأسمة لتؤكد للتاريخ أن هذه الشعائر التي استمدت من ثورة سيد الشهداء ديمومتها لن تموت أبداً ما دام فيها ذكره وسيتوارثها الموالون جيلاً بعد جيل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/كانون الأول/2010 - 6/محرم/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م

[email protected]