الصفحة الرئيسية ملف المناسبة  | أتصلوا بنا

 

الإمام الشيرازي مايزال شمعة مضاءة تنير الطريق أمام صناع الفكر والحياة

  علاء الزيدي

 

جزيل الشكر لمجلة وشبكة " النبأ " الغراء، لمبادرتها الكريمة، المتمثلة في استكناه آراء الكتاب والمثقفين حول الإمام الشيرازي الراحل رحمة الله عليه.

لست بذلك المؤهل لتقييم هذه الشخصية الفذة، التي ربما لاتتكرر بتلك البساطة التي يتصورها الإنسان العادي. لكنني ألامس من بعيد، بعض الملامح التي تتبدى لي، بشأن إنجازات المرجع الراحل الكبرى، وتأثير مشروعه الثقافي والحضاري المتميز، على عموم الأمة، وأجيالها الشابة على وجه الخصوص.

لقد نشأنا، منذ المراحل المبكرة لشبابنا، مع المرحلة الشيرازية - إذا جاز التعبير - في الفكر الإسلامي والتعليم والتوجيه العقدي. وللمرة الأولى، كنا نرى ونعاصر مرجعا يتحدث إلى مجتمعه، وطبقاته الشابة على وجه التحديد، بلغة الحياة اليومية، نازلا ً بالفكر الإسلامي وبشكل خاص بالفقه الإسلامي، وفي أدق صوره أي فقه الحياة، من الأبراج العاجية للحوزات والمرجعيات التقليدية، إلى الميادين المفتوحة، التي تتلقف فيها الأفهام هذا الجديد الرائع، وتهضمه وتتمثله بأسرع من لمح البصر.

في المرحلة الشيرازية، كنا أمام مصطلح جديد وفهم جديد. تعرفنا على المسائل والقضايا المفترضة والمستحدثة، في زمن كان يسخر الكثيرون ممن يفترض ويتخيل، حتى لو كان افتراضه وخياله علميا، في حين أن الأمم المتقدمة لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، إلا لأنها افترضت وتخيلت وتصورت غير العادي وغير المألوف أولا، ثم عملت بجد على صنعه.

كان الإمام الشيرازي قدس سره الأول بلا منازع، من بين مراجع الدين البارزين، الذي يتحدث إلى الصبي واليافع والشاب، بذات درجة احترامه للكهل والطاعن في السن. ولم تكن هذه الخصلة عادية. فقد شهدت في شبابي العديد من صغار العلماء ممن يستنكفون من السلام على الشبان، ناهيك عن الحديث إليهم ! وليست هذه الميزة الشيرازية حسن خلق عاديا. بل كانت تأصيلا ً وتجذيراً لمنهج ثابت، ينطلق إلى المستقبل من بدايات المرحلة العمرية التي تتكون فيها شخصية الفرد المسلم، بل الإنسان بوجه عام. ولا غرو، فقد أفلح الشيرازي الكبير، بأسلوبه المميز هذا، في صناعة وتكوين المئات من الأطر والكوادر في مختلف صنوف الاختصاصات الفكرية والدينية والثقافية والسياسية، في العديد من الأقطار، ممن لايزالون يتحركون في مختلف أنشطتهم وفق المنهج الشيرازي المتسامح والمنفتح والحضاري والوسطي والمعتدل، منهج اللاعنف واحترام خصوصيات الآخر مهما كان مختلفا، واحترام قوانين وأنظمة المجتمعات المتنوعة، والرقي بالإنسان إلى مدى حضاري يمكنه من أن يكون مصداقا لحديث صادق آل محمد عليه الصلاة والسلام : كونوا لنا دعاة صامتين، أو كونوا لنا دعاة بغير ألسنتكم.

وإذا حاولت تجنب الإطالة، وفسح المجال لأساتذتي من الباحثين والمفكرين ليبدوا آراءهم، فيمكنني اختصار رأيي في إنجاز الإمام الشيرازي ومسيرته الكبرى، في أنه كان ومايزال شمعة مضاءة بلا توقف، تنير الطريق أمام صناع الفكر والحياة، ليغيروا المألوف المتجهم والمنغلق والمتخلف، ويستبدلوا به المنفتح والمتفائل والحداثي، سعيا وراء بناء مجتمع المليار مسلم، ودولة المليار مسلم، بكل أبعادهما الإنسانية وطبيعتهما اللاعنفية وإرادتهما الخير والنماء والتقدم للبشرية جمعاء.

في عالمنا الذي يعج بالمتطرفين والإرهابيين والقتلة، لم يستطع أحد حتى الآن أن يسد الثغرة التي تركها رحيل الإمام الشيرازي، المصلح والمجدد وداعية السلام والتسامح والتآخي، الذي جعل علوم الدين العصية على الفهم، أمرا تتلذذ بتناوله مدارك عباد الله البسطاء والعاديين والمنسيين، الذين تقوم على أكتفهم الحضارات وتتأسس الدول والإمبراطوريات.

أجدد شكري لكم على هذا الاستبيان، متمنيا لـ " النبأ " المزيد من النجاحات.

 

*كاتب وباحث عراقي

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 6

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1427هـ  /  1999- 2006م

[email protected]

  الصفحة الرئيسية ملف المناسبة  | أتصلوا بنا