الصفحة الرئيسية التاريخ يصنعه العظماء  | أتصلوا بنا

 

شذرات من أفكار الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده) من خلال كتاب: ماركس ينهزم

 

(... المشكلة في ماركس، أنه لم يكن فيلسوفاً، بالمعنى العلمي الفلسفي، وإنما أتخذ الفلسفة طريقاً، ومن ليس صاحب مهنة لا يعلم خصوصيات تلك المهنة.. ثم أنه وإن كان ملماً بالاقتصاد، لاشتغاله به برهة من الزمان، إلا أن اقتصاده كان رد فعل لفقره، وردود الأفعال يوجب غالباً الإفراط أو التفريط، وهذا ما وقع فيه ماركس، فإن إفراط الرأسماليين في زمانه، أوجب تفريطه).

نقرأ في استهلال الكتاب هذه الانطباعات عن ثكنة الفكر التي أتى بها ماركس:

(وبعد، لقد كتبت هذا الكتاب (ماركس: ينهزم) بغية إلقاء الضوء على ما بنى عليه ماركس اقتصاده من الفلسفة، فإن ماركس أتخذ فلسفة خاصة أساساً لاقتصاده الشيوعي، وفي نظري، إن في ذلك ارتكب أخطاءً ثلاثة:

الأول: في اصل هذه الفلسفة.

الثاني: في الاقتصاد الذي اتخذه، والذي اشتهر باسمه.

الثالث: في بناء هذا الاقتصاد على تلك الفلسفة، فحتى لو سلم أن اقتصاده صحيح وفلسفته صحيحة، إلا أن هذا الاقتصاد لا يبنى على تلك الفلسفة..

ولذا لما جاء دور العلماء الاقتصاديين بعده رأوا بطلان اقتصاده فأخذوا يدخلون عليه التعديلات بدون ثمر، فالهيكل العظمي للبقر مثلاً لا يصلح أن يكون هيكلاً عظمياً للإنسان، مهما أدخلنا عليه من تعديل، ولما وقع الحكم بيد (لينين) ورأى أن اقتصاده ليس قابلاً للتطبيق طبق شيئاً آخر، لاقتصاد ماركس، ولما جاء دور (ستالين) ومن بعده لم يبق من اقتصاد ماركس، حتى الألف والباء، وإن تشدد (ماو) في لزوم تطبيق ذلك لكن لم يكن تشديده إلا ذريعة لتنفيس ما في كامنه من الحقد ضد روسيا.. كما أن الماركسية صارت آلة بيد بعض الأحزاب في روسيا وغير روسيا، لأجل الحكم والسيطرة والاستعمار، أما المنطق والبرهان، أما الفلسفة والعلم، أما الإقناع والاقتناع، فليس عند ماركس اليوم عين ولا أثر، وهل فاقد الشيء يعطيه؟

ونقرأ ضمن عنوان (ماركس إلى الزوال) هذا التحليل الفكري الداعي إلى محاورة أكثر استدلالاً لأساسيات الفكرة الماركسية:

الفرق بين الفلسفة، والعلم هو أن العلم عبارة عن موضوع خاص يبحث حوله، فمثلاً يبحث العلم حول موضوع العدد، فيسمى بعلم الحساب، أو حول موضوع بدن الإنسان فيسمى بالطب، أو حول موضوع الأنجم والكواكب فيسمى بعلم الفلك، أو حول موضوع الأشكال والأضلاع فيسمى بعلم الهندسة..

أما الفلسفة فموضوعها عام لكل شيء لأنه يبحث عن الوجود والعدم، والواجب والممكن والممتنع، والماهية والوجود، والمبدأ والمعاد، إلى غير ذلك، وإذا الفلسفة تشمل جانباً من كل العلوم والعلوم لا تشمل الفلسفة.

من ذلك اشتق لفظ الفلسفة، لأنه من (فيلاسوفا) أي محب الحكمة والمراد بالحكمة، وضع الأشياء في موضوعها، كان الفيلسوف يضع سائر الأمور الكونية مواضعها المقررة ومنه أيضاً (السوفسطاء) بمعنى (الحكمة المموهة) حيث أن السوفسطائي، يموه الحكمة، كالذهب المموه الذي هو ليس بذهب وإن زعم الناس أنه ذهب، وهم الذين قالوا بخيالية الكون وينكرون البديهات، ولا يمكن البحث مع هؤلاء، إذ كيف يمكن البحث مع إنسان لا يستقر على شيء ولا يعترف بشيء.

ثم إن الغرب حيث لم يكن له مكتب خاص في الفلسفة، إلا دين الكنيسة... لم يتمكن من دحض فلسفة ماركس، ولذا أخذت فلسفة ماركس تتوسع، وإن أخذت نفس الماركسية تتقلص.

وفي مدة نصف قرن توسعت الماركسية إلى أن حكمت على ألف مليون إنسان...

أما الاقتصاد الماركسي فهو أيضاً أخذ في الاضمحلال والزوال بعد أن اصطدم بالاقتصاد الإسلامي، فإن اقتصاد ماركس، كان له وزنه في قبال الاقتصاد الرأسمالي، ولم يتمكن أي منهما أن يهزم خصمه عن الميدان لبناء كليهما على أسس فاسدة، فالرأسمالي يظلم العمال والفلاحين ويعطي الربح للرأسماليين، والشيوعي يظلم العمال والفلاحين، ويعطي الربح للدولة، أما وقد جاء دور الإسلام بنظريته الاقتصادية الصحيحة، فلم يتمكن اقتصاد ماركس من المقاومة وعلى هذا كان من نصيب ماركس السقوط في كلا فلسفته واقتصاده أمام الإسلام بفلسفته واقتصاده..

ولم يبق بيد ماركس إلا (حكومة بروليتاريا) أو الحكومة الاستبدادية الموغلة في الظلم... حيث أن سقوط أساسها (اقتصادياً وفلسفياً) وظهور بشاعتها وظلمها في الداخل واستعمارها في الخارج، لم يبق في جسدها عظماً سالماً، فليس إلا الحصار يقلع جذورها ليكون خبراً في ثنايا التاريخ.

وكذلك نقرأ ضمن عنوان (كيف يتكامل العلم) تحت فقرة (ماركس.. وأدوار الاجتماع) هذا الشرح المتعلق بما كانت عليه البشرية في بعض بقاع العالم من أحوال اقتصادية وعلاقات اجتماعية:

(ثم أن ماركس، جعل للتاريخ أدواراً خمسة، وهي:

1- دور الشيوعية الأولى، حيث أن البشر كانوا في حالة بدائية يصيدون معاً، ويأكلون معاً، ويقتطفون الثمار معاً، ويصنعون الكوخ معاً، ويعملون كلاً ويتمتعون بملذات الحياة من دون دين أو أخلاق أو طبقة أو دولة أو قانون أو ملك.. وهذه هي الشيوعية الأولى والتي يطلب ماركس من البشر أن يعودوا إليها.

2- ثم لما تغيرت عندهم وسائل الإنتاج بأن صارت عندهم الوسائل البدائية من سهم ورمح وما أشبه من الوسائل الحجرية البدائية، أخذ بعض البشر يستأثر بهذه الوسائل لنفسه.

وبذلك يتخذ الآخرين عبيداً لنفسه.. وهذا هو العهد الثاني للبشر أي (عهد الاستعباد والرق).

3- ثم تطورت الوسائل، وجاء دور وسائل الزراعة... حيث أن السادة ملكو هذه الوسائل الجديدة أمروا عبيدهم بزراعة الأرض، ولما فهم العبيد شيئاً من حياتهم المشينة أبو عن العبودية، فاضطر السادة إلى قبول العبيد كفلاحين عندهم مربوطين بالأرض، فكان الفلاحون يعملون في الأرض، لقاء شبعة بطونهم.

وإما الإنتاج فقد استولى عليه السادة وهذا هو الدور الثالث للبشر، أي دور الأرباب والرعية: ويسمى بدور الإقطاع..

4- ثم تطور وسائل الإنتاج إلى الماكنات البخارية، وملكها السادة السابقون، وتركوا الأرض، لأن ربح الصناعة أكثر، واتخذوا الفلاحين عمالاً عندهم فكانوا يعطون العمال شيئاً قليلاً ويستعبدونهم بالإنتاج، وفي هذا الدور الرابع بدء عهد رأس المال والذي استمر إلى عهد ماركس.

5- فاللازم الآن أن يتحرك العمال، ليحطموا رأس المال، ويبدأوا بالدور الخامس للتاريخ، بأن يستولوا هم على وسائل الإنتاج، فيكون من كل عملهُ، ولكل حاجته، ويكون العمال هم الآخذين بزمام الدولة، حتى لا يستولي رأس المال مرة ثانية عليهم.

وهذا هو دور (الشيوعية) وفي هذا الدور يُسقط كل الأبنية الفوقية للاقتصاد الرأسمالي أي الأديان والأخلاق والعائلة والقوانين وغيرها لأنها كلها كانت من ولائد الاقتصاد (الذي هو الأساس لكل ذلك.. فإن الاقتصاد هو المحرك الوحيد للتاريخ).

  الصفحة الرئيسية التاريخ يصنعه العظماء  | أتصلوا بنا