الصفحة الرئيسية التاريخ يصنعه العظماء  | أتصلوا بنا

 

الإمام الشيرازي (قدس سره) وشباب المسلمين

وائل قنص *

لم يكن الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) مرجعاً دينياً للطائفة الشيعية فحسب، وإنما مرجعاً ومربياً لأجيال المسلمين عموماً، وبانياً لخط فكري واضح، ومحدد في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية..

ومن غير الممكن الإحاطة بفكر الإمام الشيرازي في مقالة واحدة بل ولا في كتاب كامل، إذ أن فكرة شمل جميع مجالات الحياة بحيث أصبح من الضروري تناول فكره في كل مجال على حدة.

ولعل التخلف العميق للأمة الإسلامية كان أهم المحاور في فكر الإمام الشيرازي وكان همه واهتمامه، ورأى أن في إصلاح شباب الأمة أهم السبل للقضاء على التخلف المتعشعش في جسد الأمة والانتقال بها إلى سابق عهدها في مقدمة الأمم.

يقول الإمام الشيرازي أنه: أمام الإنسان المسلم أمران:

الأول: إصلاح دنياه بالعلم والعمل والجهاد والسعي المستمر لتحقيق مكانته المرموقة اللائقة، وخدمة مجتمعه بما يصب في تطور الأمة وازدهارها لتحتل مكانها المناسب لها بين الأمم.

والثاني: إصلاح آخرته بالعمل الصالح، وأداء الواجبات والطاعات التي فرضها الله تعالى على المؤمنين من صلاة وصيام، وذهاب إلى محافل القرآن الكريم، والتحلي بالصفات والأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة).

ويضيف الإمام الشيرازي: وأنتم أيها الشباب المؤمنون قد خصكم الله عز وجل بعظيم الأجر والثواب كما جاء على لسان رسوله الكريم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) حيث يقول: سبعة في ظل عرش الله عز وجل يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم (ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها، وأهرم شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله أجر أثنين وسبعين صدّيقاً).

الشباب والعلم:

يؤكد الإمام الشيرازي على أهمية طلب العلم من قبل شباب الأمة، ويشير إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام: (لطالب العلم عز الدنيا وفوز الآخرة).

وقوله عليه السلام: (ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، إنما الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك).

ويرى الإمام الشيرازي أن على شباب الأمة أن يقرنوا علوم الدنيا بعلوم الآخرة وأن يهتموا بدينهم اهتمامهم بدنياهم ومستقبلهم الدنيوي بل ويزيد، وأن يخصصوا جزءاً من وقتهم لممارسة شعائرهم الدينية، وأن يفتشوا عن مجالاتها كالهيئات والمجالس التي تدرس فيها العلوم الدينية ويحضروا فيها، وأن يتناولوا الجوانب المختلفة التي تخص دينهم وشعائرهم كأن تكون لهم دروس في تفسير القرآن الكريم، أو في التاريخ أو العقائد..

الشباب واستغلال أوقات الفراغ:

ومن القضايا التي يشرحها الإمام الشيرازي لشباب أهمية استغلال أوقات الفراغ في عمل مفيد لدينه ولدنياه، فيذكر الشباب بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يزول قدم عبد يوم القيامة من بين يدي الله حتى يسأله عن أربع خصال: عمرك فيما أفنيته، وجسدك فيما أبليته، ومالك من أين اكتسبته وأين وضعته، وحبنا أهل البيت).

ويتحدث الإمام الشيرازي عن ضرورة مساعدة الشباب لأسرهم في أوقات فراغهم ويشير إلى قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وهو خير الخلق: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم، ولا إهانهن إلا لئيم).

ويذكر الإمام الشيرازي بعضاً من أعمال الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) في مساعدة أسرته، إذ كان الرسول الكريم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ينقل العجين إلى خادمه ويشتغل أحياناً في البيت، ويطحن مع الخادم إذا أعيى، ويفتح الباب ويحلب الشاة ويعقل البعير ويحلبها، وهكذا أيضاً كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فقد كان يساعد فاطمة الزهراء عليها السلام في الطحن، وقال الإمام الصادق عليه السلام: (كان أمير المؤمنين عليه السلام يحطب ويستسقي ويكنس وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز).

ويحث الإمام الشيرازي شباب المسلمين على استغلال أوقات الفراغ  لما لذلك من فوائد كثيرة، إذ أنه يعني رفع العبء الذي يثقل كاهل الآباء والأمهات، كما نرى أن حصيلته تظهر في رفع مستوى البلاد الإسلامية، وبالتالي الاقتراب من تحقيق الاكتفاء الذاتي للأمة، والاستغناء عن خبرات وواردات الأجنبي الذي يكبلنا بمختلف القيود والشروط جراء استمراره في تأديتها لنا، رغم ما ندفعه من أموال وثروات مقابل ذلك، يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (أحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأفضل على من شئت تكن أميره).

كما أن البحث في نوعية العمل أمر مهم إذ يجب اختيار صفوة الأعمال، حيث خيّر الرسول العظيم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أمير المؤمنين عليه السلام كما جاء في المواعظ العددية فقال له: (يا علي أي الثلاث تختار، ألف شاة، أم ستة آلاف دينار، أم ستة آلاف كلمة، فقال عليه السلام: إن ستة آلاف كلمة أحب إلى نفسي، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) سأضع لك تلك الستة الآلاف كلمة في كلمات مختصرة: إذا رأيت الناس أقبلوا على كثرة العمل فعليك بصفو العمل).

كما يؤكد الإمام الشيرازي على استغلال الشباب لأوقاتهم بالتدريب على السلاح لأن في ذلك قوة للمسلمين ومنعة تهيب المعتدين، ويشير في هذا الصدد أي قول رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): (كل لهو في الدنيا فهو باطل إلا ما كان من رميك عن قوسك وتأديبك فرسك وملاعبتك أهلك فإنه من السنة).

كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم): (إن الله عز وجل ليدخل بالسهم الواحد الثلاثة الجنة: عامل الخشبة والمقوى به في سبيل الله والرامي به في سبيل الله).

ويقول الإمام الشيرازي: (ينبغي أن يلتفت الشباب المسلم إلى أهمية تعلم استخدام السلاح والتدرب على طريقة استعمالها ومعرفة مواصفاتها وخصائصها، وأن يلموا بالمعلومات التي تتعلق بها مما يراه الاختصاصيون ضرورياً في هذا المجال، حتى يكون شبابنا على استعداد دائم للدفاع عن حرمة الأمة الإسلامية، ودفع الأعداء الذين يريدون سلب الدين والدنيا من المسلمين متى اقتضى الداعي إلى ذلك.

كما يقول الإمام الشيرازي: (ولما كانت الدنيا هي دار العمل والآخرة دار الجزاء كما يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (إن اليوم عملٌ ولا حساب وغداً حسابٌ ولا عمل) فإن حسنة الدنيا والآخرة هي حصيلة العمل في الدنيا.

ومن هنا لا بد لنا من أن نعمل في مسيرين: عمل يرتبط بالدنيا، وآخر يرتبط بالآخرة، وليس المقصود فصل عمل الدنيا عن الآخرة، ليطغى حب الدنيا وزخارفها على حياتنا أو أن نبيع الأجلة بالعاجلة، بل علينا أن نعمل لما يصلح عيشنا في الدنيا في الوقت الذي لا يفسد آخرتنا أيضاً.

* صحافي سوري باحث في القضايا الاستراتيجية

  الصفحة الرئيسية التاريخ يصنعه العظماء  | أتصلوا بنا