التاريخ يصنعه العظماء

العــدد الخاص

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 

اللهم اهدِ قومي

عبد الله الضمين

منذ حداثة سني كانت تستهويني كتب وأفكار سماحةالإمام الشيرازي قدس سره وكنت أتطلع لكل جديد نشر لكي أقرأ آخر أفكار الإمام الشيرازي ونظرياته الفريدة في شتى المجالات
وكنت شغوفا لاقتناء مؤلفات سماحته لأنها تمثل الفكر الإسلامي وتحاول طرحه وتفهيمه وتفعيله لكل القارئين دون استثناء... وكنت أتطلع للقاء بسماحته فوفقني الله تعالى عندما كنت في مدينة قم المقدسة والتشرف بزيارة سيدتي فاطمة المعصومة (عليها السلام)
قررت على الفور أن أزور السيد الشيرازي وكان هذا اللقاء
كنت بصحبة ابن خالتي المقيم آنذاك في قم المقدسة ذهبنا لبيت السيد الجليل استقبلونا أحسن استقبال وترحيب وكان الزوار في باحة البيت بعضهم له مشكله يريد حلها والآخر له قضية يبتغي الانتهاء منها وبعضهم الآخر عنده مسائل شرعية وغيرها...
وبما أننا من خارج إيران قدمونا لسماحة السيد أولا دخلنا الغرفة التي يستقبل الإمام زواره فيها وبقينا ننتظر حتى جاء الإمام الشيرازي متقدما علينا بالسلام قمنا إجلالا له وسلمنا عليه وسألنا عن أحوالنا ووضعنا وكأنه يعرفنا من قبل وسألني عن اسمي واسم ابن خالتي العمل ـ وكنت آنذاك طالبا  جامعيا ـ فقلت له إنني أدرس في الجامعه وعن الزواج فقلت له أعزب فقال تزوج ولو بالبسيط اليسير...
 وبما أنني أحب مطالعة وقراءة كتبه القيمة قلت للسيد الشيرازي  رحمه الله ماهي آخر مؤلفاتكم فنحن نتابع كتبكم فقال: كتبي لااطبعها هنا ـ إيران ـ ممنوعة إنما في الكويت ولبنان وعلى الفور نادى خادمه وقال أعطهم كتبا وفعلا فهي طباعة لبنان وكان من الكتب التي اهداها لنا كتاب قرأته فقلت هذا عندي.
فطلب من الخادم أن يأتي بكتاب آخر لم أقرأه وقد تم ذلك.
وقد سألنا سماحة السيد الشيرازي عن بعض الأسئلة الشرعية فأجاب عليها ومما دار في النقاش قلت له سيدنا نحن نسمع عنكم أنكم مضايقون فقال : خصوصا هذه الأيام.
فقلت له لماذا سيدنا قال: أقول مثلما قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لقومه ((اللهم اهد قومي فإنهم لايعلمون))  ثم دعى وقال الله يهديهم للخير.
أقول هنا فقد كان كالجبل لاتهزه العواصف ولم يكن  مباليا على ما جرى عليه فلقد رأيته والبسمة تملأ ثغره الباسم وكأنه لم يجر عليه شيئ
فحبنها قال: ابن خالتي سيدنا أن الحسينية الفلانية التابعة لكم أغلقوها  والمبنى الفلاني  وأظنه ـ مدرسة حفاظ القرآن الكريم ـ قد أوقفوا بناءه...  وكأن سماحة السيد الجليل لم يعلم بذلك ونظرناإلى  وجهه الكريم ومازال محياه يبتشر.
وبعدها أوصانا الإمام الراحل بوصاياوهي
التقوى وقال بقدر الاستطاعة ـ اتقو ا الله ما استطعتم ـ وأوصانا بالتأليف والقراءة وإنشاءالمكتبات والتنظيم في الأمور كالهيئات وغيرها..
وفي هذا الصدد قال سماحته: بماذا جئتم إلى هنا؟ قلنا بالطائرة ومن طهران إلى قم بماذا جئتم؟ قلنا بالسيارة
فقال سماحته: من صنع الطائرة؟ ومن صنع السيارة؟ ومن صنع كذا وكذا
فقلنا: الغربيون
فقال لماذا المسلمون لم يصنعوا أبسط الأشياء والأمور ؟ فلهذا نحتاج إلى الوعي والتأليف والتأسيس وغيرها أين المسلمون سابقا وأينهم الآن؟
فكان سماحته ينظر إلى المستقبل من أجل الإسلام والمسلمين ولهذا ألف الكتب حول ذلك لانهاض المسلمين والامساك بزمام الأمور مرة أخرى
وبعد كلام دار عن المسلمين استأذننا الإمام الشيرازي وقبل الوداع قال لي ثانية تزوج بالزواج البسيط وطلبنا من سماحته الدعاء وذهبنا وهدايانا من الكتب معنا فهي خير هدية من خير مؤلف ربت مؤلفاته على الألف كتاب في شتى العلوم والفنون الدينية والإنسانية وما يثري عقل البشر...
وبقيت بعد هذه الزيارة في قم المقدسة أياما قليلة وذهبنا لزيارة مشهد الإمام الرضا عليه السلام وقضينا فيها بقية سفرتنا وكتب الإمام الشيرازي رحمه الله تعالى في حوزتي أقرأها وأستفيد منهاومن معارفه القيمة حتى قرأتها كلها ودعوت بالفرج لسماحة الإمام ليكون النفع أكثر لنا وللمسلمين في العالم وبقيت كلمته ترن بصدى أوسع في خاطرتي إذ يقول اللهم اهد قومي فإنهم لايعلمون .
وياليتهم أطاعوه و سمعوا كلامه..
وبعد خمسة عشر عاما من الإقامة الجبرية الظالمة يرحل الإمام الشيرازي عنا مظلوما ليودعنا ويظلم آخر ظلامة في تشييعه ليشابه بذلك الإمام الحسن عليه السلام في نعشه الطاهر والإمام علي عليه السلام في محنته والسيدة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام في دفنها والإمام الشهيد الحسين عليه السلام في غربته..
السلام عليك أيها الإمام المظلوم الراحل يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا محتسبا أجرك عند الله ورسوله وأهل بيته الطاهرين عليهم سلام الله أجمعين.