التاريخ يصنعه العظماء

العــدد الخاص

الأعداد السابقة

الصفحة الرئيسية

 

موقف لن أنساه?!

علي حسين وهاب

بعد الانتفاضة الشعبانية الباسلة، وأنتكاستها بعد تضافر جهود خارجية مع النظام الصدامي، فر الثوار المنتفضون إلى إيران والسعودية. وكنت ممن هاجر إلى الجهورية الإسلامية الإيرانية، ورغم ما عانيناه من صعوبات وعقبات سواء في السكن وإيجاد عمل ما، لكن ثمة أخوة سبقونا قبل الانتفاضة المجيدة وأستقر بهم الرحال في مدينة قم المقدسة، حيث قدموا لنا كل المساعدة والعون، ومن الواجب عليّ حقاً أن أذكر بعضهم لأن ذلك دين عليّ لن أنساه قط، إلا وهم السيد أبو جلال الأعرجي والشيخ أبو عزيز الهنداوي والسيد الخطيب البارع جاسم الطويرجاوي، إضافة إلى أخوة آخرين لم تسعفني الذاكرة بهم.

لكن هناك لقاء لا زال يعلق في ذاكرت، وأعتز به كثيراً، إلا وهو لقاء سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده) فقد ألتقيته في الأشهر الأولى بعد الانتفاضة، وكان الرجل في لهفة شديدة كي يستمع إلى كل حديث عن تلك البطولات التي سطرها أبناء العراق في الخامس عشر من شعبان، وبعد أن عرف عني كوني ضابطاً في الجيش العراقي وألتحقت مع الثوار راح يهتم كثيراً بأمري وجرى حديث طويل بيني وبينه، وكان يستمع لي وهو العالم الجليل والمرجع الكبير وأنا واحد من أبناءه وبشغف مفرط وتجدد اللقاء، وكان معه في مجلسه بعض الأفاضل من العلماء، لكنه ترك الحديث معهم، وقدمني إلى ضيوفه وراح يطري عليّ وعلى مدينتي التي ثارت ضد نظام صدام حسين، حيث قال وبالحرف الواحد هذا ضابط في الجيش وابن عشيرة معروفة لكنه ترك كل شيء وأنضم إلى الثوار... ودعا لي الإمام بأن يحشرني الله مع سيد الشهداء (ع) ويجعلني من أنصار الحجة المنتظر (عج)، وحملني تحياته إلى أهالي الطويريج المتواجد في مدينة قم المقدسة.

وتكررت لقاءاتي مع سماحة السيد المرجع (قده)، لا سيما حينما علم بأني مواصل عملي الجهادي في كوردستان العراق، طلب مني أن أزوره كلما قدمت إلى مدينة قم، وهو يسألني عن كل صغيرة وكبيرة، وما وصل إليه المقاتلون لا سيما في العمق العراقي...

لعل ما تركته في نفسي تلك اللقاءات التي لا زلت أتذكرها وبكل دقائقها، أن هذا الرجل العالم، والمجاهد حقاً، يحمل هموم العراق، وحب الوطن في قلبه، كانت روحه متعلقة بذلك البلد الذي هجره مرغماً، لقد ردد أمامي كثيراً، بأنه مشتاق لزيارة الحسين (ع) لقد عرفت سماحة بأنه يجاهد بقلمه ولسانه، فالبرغم من الجدران الضيقة التي تحيطه فهو واسع الأفق، يرى كل شيء في وطنه العراق، يعرف كل شيء عنه، لا يترك فرصة حتى يسأل عن كربلاء والنجف والديوانية، والبصرة، والناصرية.. كل هذه المدن وغيرها من مدن العراق تعيش في قلب هذا المرجع العظيم.

لقد كان فقدانه، فقدان ثروة علمية هائلة، ونيعاً ثراً لا ينضب من الثقافة والوعي السياسي والاجتماعي.

فأسكنه الله فسيح جناته في مقام محمود مع النبيين والصديقين وحسن ذلك مرفقاً.