q
{ }

قدم مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية تحت عنوان (الحكم الرشيد ومستقبل التنمية البشرية في العراق)، في ملتقى النبأ الأسبوعي، بمشاركة مجموعة من الباحثين والأكاديميين والقانونيين وذلك في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

 تطرق مدير الجلسة الفكرية الباحث والمدرس المساعد حمد جاسم محمد الخزرجي" الى ان أي نظام سياسي يسعى الى تحقيق أهداف عامة متعلقة بضمان الأمن والاستقرار، وتعزيز التنمية البشرية، عبر سياسات تعزز القدرة على الاختيار وتضمن الأمن وتقلص الفوارق الاقتصادية بين المواطنين، وتوفر الرفاهية والتعلم، وتجاوز الحرمان) في إطاري الحاضر والمستقبل (سواء ما تعلق منه بالرفاهية والأمن والقدرة على الاختيار، وبعبارة أوسع فان هدف أي نظام سياسي هو ممارسة إدارة صالحة للدولة والمجتمع الذي تحكمه، ولا يمكن تصور أن العراق ببعيد عن هذه الحالة، فنظامه السياسي يفترض به ان يلبي هذه المطالب، فهي جزء من مكونات وجوده، كما أن طبيعية الظرف الذي يمر به البلد يجعلنا لا نتغافل عن هذه الغاية، فالمواطن هو اللبنة الأساس في بناء الدولة، دولة المستقبل، إذا ما جعلت كغاية سياسية للقوى المختلفة الداخلة في اللعبة السياسية".

استخدم مصطلح الحكم الصالح منذ أكثر من عقد من الزمن تقريباً من قبل الأمم المتحدة ومؤسساتها لتقويم ممارسة السلطة السياسية في إدارة الشأن العام للمجتمع باتجاه التطوير والتنمية والتقدم، وقد عرف بأنه "ذلك الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة وكوادر إدارية ملتزمة بتطوير موارد وقدرات المجتمع وبتقديم الخدمات للمواطنين وبتحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم. وبين الخزرجي ان الحكم الرشيد هو أيضا ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع بما فيها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وإدارة الموارد الطبيعية والبشرية، وهو بذلك يعني مفهوما أوسع من مفهوم الحكومة، لأنه يتضمن عمل أجهزة الدولة الرسمية والمؤسسات غير الرسمية كمنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وتتحدد معالم هذا المفهوم ابتداء من إدارة وممارسة السلطات.

ووضح الخزرجي: فالدولة وحدها الكفيلة و القادرة على تجسيد التوازن بين المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتي تقوم على الترابط بين كافة مستويات النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي، بالاستناد الى نهج متكامل يعتمد على مبدأ المشاركة والتخطيط الطويل الامد في حقول التعليم والتربية والثقافة والإسكان والصحة والبيئة وغيرها، ويتوخى قدراً من العدالة والمساءلة والشرعية والتمثيل، ومن هنا نشأت العلاقة بين مفهوم الحكم الصالح الراشد والتنمية الإنسانية المستدامة، لأن الحكم الراشد هو الضامن لتحويل النمو الاقتصادي إلى تنمية إنسانية مستدامة.

وبين الخزرجي: اذا لم يعد الرأسمال المادي هو وحده الضامن الحقيقي لرفاه وسعادة الإنسان، بل لابد أن يكون هناك استثمار في الرأسمال البشري ذاته بغيت تحقيق الغايات الإنسانية الأسمى؛ بتجاوز المفهوم المادي للرفاه الإنساني، عليه فالتنمية البشرية عبارة عن صيرورة تؤدي إلى توسيع الخيارات أمام الناس، عبر وضع البشر في صميم عملية التنمية وجعلهم هدفها وموضوعها، مثلما تدعو إلى حماية الخيارات الإنسانية لأجيال المستقبل والأجيال الحاضرة.

ووضح الخزرجي: لقد عانى العراق لسنوات طوال من ضعف المشاركة ومركزية الدولة الشديدة الصرامة وعدم إعطاء دور كاف لهيئات الحكم المحلي، ناهيكم عن إبعاد مؤسسات المجتمع المدني من المساهمة وعدم توفر بيئة صالحة سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية لذلك، سواء على صعيد التشريعات او بسبب ضيق مساحة الحريات الخاصة والعامة وبشكل خاص الحريات الأساسية.. ان إدارة الدولة العراقية والمجتمع بصورة نموذجية، هي امور أساسية لتحقيق تنمية بشرية مستدامة، وان بناء القدرة على إدارة فعالة وسليمة باتت أولوية خصوصا وان العراق بعد احتلاله واجه تحديات جديدة، فضلا عن الفقر والامية، منها إن طروحات الإصلاح التي جاء بها التغيير السياسي للعراق (إزالة النظام الشمولي وإصلاح نظام الحكم، وإشاعة الحريات،...) صار يواجهه تحدي الانغلاق السياسي والطائفي- الاجتماعي،... وموقفنا من ضرورة تحقق حكم صالح وتنمية بشرية فاعلة في العراق يتم ذلك عبر تهيئة القدرات على تحقيق تنمية تعطي الأولوية لمعالجة الفقر، وفرض الامن والاستقرار، وتماسك المجتمع، وتولد فرص العمل المطلوبة وبمستوى معاش مقبول وتدعم دور المرأة، والحفاظ على البيئة.

وختم الخزرجي ورقته بالقول: إن العراق يواجه تحديات في مجال تطوير مؤسساته السياسية القادرة على إرشاد نموه الاقتصادي والاجتماعي في سبيل التنمية المستدامة، وعليه ان يعيد صياغة نظامه السياسي على نحو يثبت ويظهر شرعيته، ويؤمن المشاركة ويوفر حدا مقبولا من الاتفاق حول الأهداف السياسية، ويولد العوامل التي تدفع إلى التفاعل الإيجابي مع المجتمع المدني، ويشجع القادة السياسيين والمدنيين. وفي حقل الأعمال، عليه إطلاق أولويات اجتماعية واقتصادية ومتابعتها، ويرشد المتبقي من مؤسسات القطاع العام) طالما أن البلد قد اعتمد الإصلاح الهيكلي للاقتصاد (والمجتمع المدني إلى السير في خطى اجتماعية وثقافية واقتصادية تحقق المنفعة المستمرة للشعب.

بعدها طرح مدير الجلسة الحوارية الأسئلة على الحاضرين:

السؤال الأول: ما هي معوقات الحكم الرشيد والتنمية البشرية في العراق رغم وجود الامكانيات المالية الضخمة؟

الأستاذ الدكتور علاء الحسيني التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون" يجد ان المعوقات التي منعت من الوصول للحكم الرشيد والتنمية البشرية في العراق متعددة، اولها على الصعيد القانوني فنحن نحتاج الى اسس قانونية سليمة تبنى عليها عملية اختيار اصحاب القرار كي نصل للحكم الرشيد، فالعراق ومنذ عام 2003 لا نجد عنده اليات قانونية سليمة تفرز حكما رشيدا بل على العكس من ذلك نجد اليات كلها تنصب المحاصصة هذا بدوره أبرز برلمان معطل تتجاذبه الاحزاب. مضيفا" وكذلك انتجت لنا حكومة ليست بالمستوى المطلوب رافق ذلك ظروف امنية حرجة، هذا كله اسباب ربما دعت الى عدم الوصول للحكم الرشيد، هناك ايضا اسباب اقتصادية عصفت بالعراق منذ العام 2008 والى الان ازمة اجتماعية حقيقية لاسيما في المناطق الجنوبية والغربية من العراق ازمات صحية عادة ما تضرب العراق بين فترة واخرى". وموكدا على ان" هذه كلها عوامل اجتمعت ووقفت بوجه التنمية البشرية ومن بناء الحكم الرشيد، لا اتصور سنصل الى الحكم الرشيد بظل قانون الانتخابات الحالي ما لم تجرى عليه تغيرات تسمح للمستقلين وللكفاءات ان تصل للبرلمان".

من جانبه بيّن الباحث باسم عبد عون الحسناوي "إن الحكم الرشيد هو الهدف الذي تسعى إليه جميع الشعوب وخاصةً الشعب العراقي، مؤكداً على "إن تطوير الموارد الإنسانية الأكثر فعالية في تحقيق التنمية المستدامة يتمثّل في تحسين مستوى الصحة والتغذية والتعليم والتدريب المهني والمقدرة الإدارية، فالصحة والتغذية أساسيان بالنسبة الى التنمية البشرية المستدامة لوقعهما الفوري على استيعاب المعارف".

من جهته الدكتور قحطان الحسيني الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، بين أن الحكم الرشيد يحتاج الى مستلزمات مهمة منها، وجود حكومة مستقلة تتمتع بوحدة سلطة وبيئة مستقرة من الناحية السياسية، من سوء حظ العراق انه موجود بمنطقة مضطربة سياسيا خاصة وانه موجود بين إمبراطوريتين قويتين مختلفتين بالعقيدة وبالمنهج. واضاف الحسيني.. هذا الاختلاف سبب للعراق الكثير من المشاكل وجعله غير مستقر، الديمقراطية العراقية تمتد لعشرينيات القرن الماضي حيث كانت هناك انتخابات وحكومات لكن بسبب تعقيد المشهد الاجتماعي والاختلاف في الافكار والمصالح جعل التناحر والخلاف السياسي مستمر وغير منتهي، ففي ظل هكذا بيئة لا تتحقق حكومة ذات رشد.

وفي السياق ذاته قال الحقوقي احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات" في بداية حديثه ان كل شيء مرهون بالإرادة المتوفرة لدى الشعب والحكومة في آن واحد، فاليوم اذا ما كانت القيادة المتولية صاحبة القرار ارادتها وتوجهها ذاهب لترسيخ مبادئ العدل والمساواة القضاء على الطبقية، فان هذه الارادة هي التي توفر الحكم الرشيد، وحتى لو كان لدينا مئات القوانين ولا توجد عندنا ارادة لتطبيق هذه القوانين الصالحة ".

الشيخ مرتضى معاش المشرف العام على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام قال" الارادة الاجتماعية دون باقي الارادات هي التي تأسس للحكم الرشيد، فذلك الحكم يقوم على مجموعة اعراف وقيم موجودة في المجتمع، الحكم الرشيد، فالحكم الرشيد القائم على سبيل المثال في بعض دول شرق اسيا، هو نتيجة لتجارب ومعاناة مرت بها تلك المجتمعات وخصوصا من ناحية الفقر واستغلال الحاكم للفقراء وظلمه، ادى الى حتمية تشكل او ظهور الحكم الرشيد". واضاف معاش" الدولة العراقية بعد ثورة العشرينيات حيث قامت على أنقاض الدولة العثمانية، وهي تعيش شكل الدولة الحديثة لكن جوهر الدولة العثمانية في عمقعا، ولا زالت الى الان تعيش تلك الأعراف العثمانية، فأثناء مراجعتك أي دائرة حكومية الان تسترجع نفس القيم الموجود حيث الرشوة والفساد وحتى مبدا شراء المناصب الحكومية وهو شيء متوارث من الحكم العثماني". وان " المسؤولية الاولى تقع على عاتق النخب وعليها تغير تفكيرها لان الحكم الرشيد يخرج من رحم المعاناة الى ولادة جديدة، ليست لدينا ارادة اجتماعية لبناء الحكم الرشيد عندنا حالة من التضاد يزيد من حجم المعاناة والالم، وصلنا الى الاستنزاف والحرب الصفرية حيث الجميع ضد الجميع.

السؤال الثاني: هل يمكن للعراق في المستقبل من خلال حكم صالح تحقيق التنمية البشرية؟

الدكتور علاء الحسيني قال، لا يوجد شيء مستحيل فتحقيق الحكم الرشيد والتنمية ممكن، لكن يجب ان نجد حلول للمشاكل التي تعيق ذلك وشيوع ثقافة اجتماعية تسعى الى التغلب على المشاكل من الداخل تدريجيا، اليوم إذا ما أردنا ان نسعى الى تنمية مستدامة يجب انه نقضي على المعوقات التي تعيق ذلك. ومنها مشاكل التعليم اليوم نسبة لا يستهان به من ابناء المجتمع العراقي تحت خط الابتدائية هذا بالتأكيد معوق اساسي لحصول التنمية البشرية، هناك النظام الصحي عندنا في العراق متخلف الى ابعد الحدود لذلك اليوم عندنا كم كبير من الولادات اما معاقة عوق ولادي او ذهني او الإصابة بأمراض مستعصية، وهذا ايضا أكبر معوق للتنمية المستدامة لا يوجد بيئة صحية سليمة للعيش في العراق، ايضا البيئة الزراعة الصناعة متخلفة كيف نتغلب على تلك المشاكل كي نصل الى بيئة مستدامة يتم فيها اختيار ممثلي الحكومات المحلية والنواب والشخصيات الحكومية، وفق اليات صحيحة وسليمة ان نعيد النظر بالقاعدة القانونية العراقية من جديد حتى نحقق تنمية صالحة وناضجة.

الباحث باسم عبد عون قال، كي نطبق الحكم الرشيد يجب ان نحدد مصادر الثقافة الاجتماعية التي تعتمد عليها كالمصادر الدينية المصادر التاريخية النزعة العشائرية النزعة القومية كل هذه الاشكاليات كيف يتم تبويبها وان نستخلص منها المفيد ونناقش السيئ بالنتيجة ستنتج لدينا ثقافة الحكم الرشيد".

الدكتور قحطان الحسيني أجاب بلا، وذلك لغياب المقومات اللازمة لقيام الحكم الرشيد وغياب الارادة على المستويين العام والشعبي، أضف الى ذلك افراد الشعب العراقي على العموم يعيش في ظل العبودية وبالتالي لا يستطيع ان يفكر ويتحرر من القيود وهذه العناصر تمنع التنمية البشرية".

الحقوقي احمد جويد" غياب المتلازمتين الحق والكرامة تعطي صاحب القرار السياسي مساحة لا يستهان بها من التمادي على الحقوق، خاصة وان الحقوق تتشكل عبر الحق بالخدمات بالتعليم بالسكن بالصحة كل هذه الحقوق غير مسموح التجاوز عليها، وايضا الكرامة فلا ينبغي المساس بها، وفي حال صيانة تلك النقطتين لزاما تتحقق التنمية والصلاح".

الشيخ مرتضى معاش" قال المشكلة هي ان الكتل والجماعات والافراد لديهم نزعة تدميرية وهذا الامر يحتاج الى دراسة موضوعية للوقوف على اسبابه، واذا ما اردنا ان نحقق ذلك الهدف الرامي للإصلاح لابد ان تتقدم النخب بخطوات وبرامج واعية لانضاج التنمية البشرية، خاصة وان تلك المبادرات يمكن ان تتشكل بشكل فردي وجماعي ويمكن ان نبدأها من البيت والاسرة على امل ان تتطور وتتضخم، وخير مثال على ذلك محمد يونس في بنغلادش هذا الرجل سعى ان يقدم مبادرة بسيطة لدعم النساء المتعففات والارامل وبالتالي استطاع ان ينمي قدرات الكثير من اطياف المجتمع البنجلادشي".

التوصيات:

- اعادة النظر بثقافة المجتمع العراقي وصنع ثقافة بديلة لفسح المجال امام الأفكار التقدمية والكفاءات المبدعة.

- ان يكون الشعور بالتنمية ثقافة يومية يعيشها المجتمع.

- تحديد الحكم الرشيد على أي شيء تستند أيدولوجيته وافكاره.

- حوكمة الكتل والأحزاب السياسية ومراقبة ممارساتها وعدم افلات الفاسدين من العقاب.

- اعادة النظر بالخيارات الشعبية والتوجه نحو قيم المشاركة والتكافل، والتنصل من النزاعات الاستنزافية.

- نبدأ بتنشئة الطفل على قيم الحرية والمشاركة والتعايش السلمي.

- كل مواطن لابد ان يقدم مبادرة إنسانية تحقق سعادته الاجتماعية.

- على القوى الخيرة ان تتصدر المشهد وان لا تترك الساحة للقوى الشريرة.

- اعتماد شعار السلطة من اجل التنمية في مشاريع الأحزاب.

- بناء ثقافة ومسؤولية المبادرة في وعي الافراد واعتماد شعار: #انا_عراقي_انا_مبادر

اضف تعليق