q

بالرغم من أننا لا نريد المزيد من الجلد والانتقاد للشاشة الفضية (التلفزيون)، لما تقترفه في كثير من الاحيان، من آثار سلبية تتركها على السلوك والعادات والفكر على صعيد الفرد والمجتمع، لكنّا نجد انفسنا مضطرين للتأشير الى مخاطر جديدة تفرزها هذه الوسيلة الاعلامية على من يتسمّرون أمامها لساعات طوال. وإلا فان الباحثين في الشأن الاعلامي يشيرون الى الجوانب الايجابية لهذه الوسيلة الواسعة الانتشار والمجانية بالكامل، فهي:

1- تنشر الوعي والثقافة بما من شأنه تنظيم السلوك والعادات الحسنة، مثل النظافة والالتزام بنظام المرور واحترام العلاقات الاجتماعية وغيرها كثير.

2- تنشر الوعي السياسي وتبصّر المجتمع بمجريات الاحداث وتمكن المشاهد والمتابع من الاسهام من تجربة "المشاركة السياسية" والتأثير على عملية اتخاذ القرار.

3- تزيد من نسبة المعرفة والمعلومات العامة من خلال الوثائقيات والبرامج التعليمية والتحقيقات العلمية عن عوالم الحيوان والنبات والطبيعة.

بيد أن هذه الايجابيات في بعض البرامج التلفزيونية مهددة بشدة من ظاهرة اجتماعية هي بالحقيقة من إفراز الخطاب التلفزيوني نفسه. فمن الناحية النظرية نتحدث عن ايجابيات يتلقاها المشاهد من جميع افراد الأسرة، ولكن على صعيد الواقع نجد أن هذا التلفزيون الذي يستضيفونه يخترق لحمتهم الأسرية ويهدد علاقاتهم الحميمة، بسبب التضارب الموجود في مواد البرامج ومحتوياتها.

ظهور كيانات مستقلة داخل البيت الواحد

من المفترض ان تكون الشاشة الصغيرة – والكبيرة جداً احياناً- ضيفاً ممتعاً ومفيداً على الطفل الصغير والأم والأب والشباب في اطار الأسرة الواحدة، من خلال برامج تثقيفية وترفيهية جميلة، ربما تكون بعض برامج الاطفال ممتعة ومعبرة للكبار كما الصغار، لكن المشكلة تبدأ في برامج ذات توجيه خاص من لدن الكتاب والمخططين، وقبلهما اصحاب القنوات الفضائية وربما الأجندة التي تقف خلفها.

فعندما تحرص بعض القنوات الفضائية على بثّ مسلسلات مدبلجة تحمل عادات وتقاليد غير مألوفة لدى مشاهدينا، سيحدث الانقسام بين افراد الأسرة بين من يجب مشاهدة هذه المسلسلات ومن يحظر عليه ذلك، وهذا ينسحب ايضاً على مشاهد العنف والجريمة في عديد الافلام والمسلسلات الاجنبية، الى جانب المشاهد المثيرة للغريزة الجنسية. وإذن؛ لابد من وضع فواصل بين الاسرة الواحدة أمام هذه الشاشة الصغيرة، فالطفل الصغير عليه ان لا يرى مشاهد العنف والجريمة، والشاب يجب أن يشاهد المشاهد الجنسية، والابوين يجب ان لا يشاهدا المسلسلات التي تروج للخيانة الزوجية والتحلل والتطاول واستسهال المشاكل الزوجية على أنها أمر طبيعي، وغيرها من الافكار الموجهة الى مجتمع قائم على الافكار المحافظة والالتزام بالآداب والقيم الاخلاقية.

ومن أجل تفادي نشوب معارك كلامية، وانفجار العلاقات الأسرية وتدميرها، تقفز الى الامام فكرة اقتناء اكثر من جهاز تلفاز يكون واحداً مخصصاً للاطفال، والآخر للشباب واهتماماتهم الكروية والرياضية وغيرها، وآخر للفتيات لمتابعة المسلسلات العاطفية والاجتماعية.

هذا الحل ربما نجده في المجتمعات الغربية كونها تتبع الاسلوب العملي، ولا تفكر بالنتائج، علاوة على ايمانها بالحرية الفردية و"أن الانسان وحده مسؤول عن تصرفاته". وحسب معلومة قرأتها قديماً، بأن الشعب الاميركي يعد من أكثر الشعوب في العالم اقتناءً للتلفاز، ففي كل بيت هناك ثلاث أو اربع اجهزة تلفاز.

وإن لم نجد هكذا نمط من الحياة في مجتمعاتنا الاسلامية، بيد أن السيل الهادر من المسلسلات الموجهة والبرامج المثيرة، تمارس ضغوطاً شديدة على كيان الأسرة لتضاف الى تتحمله من ضغوط ومنغّصات الحياة اليومية بسبب مشاكل الخدمات والبطالة والسكن وغلاء الاسعار وغيرها، الامر الذي يدعو القائمين على الشأن الاعلامي والثقافي والمؤسسات الحكومية والدينية للعمل بجد على تفادي تطور المشكلة قبل أوانها.

للكبار والصغار أيضاً!

لاحظنا في الحقبة الماضية اسلوباً خاصاً في تسويق الصورة من خلال الافلام السينمائية والتلفزيونية والمسلسلات وغيرها، بتصنيف بعضها بانها "للكبار فقط"، بما يفهم منه احتوائها على مشاهد جنسية بدرجات متفاوتة، ثم ذهب البعض لوضع تصنيف آخر يستند على الفئة العمرية، بأنه لـ "18عاماً"! كما لو أن من يصل الى هذا العمر سيكون مصوناً من التأثيرات السلبية التي يتوقعها منتوجوا هكذا افلام ومسلسلات. وإذن؛ تكون المهمة سهلة على رب الأسرة في هكذا برامج، بأن يرحّل الصغار من أمام الشاشة، إما للنوم او لمتابعة دروسهم او أي وجهة أخرى، هذا ما كان في الماضي، أما الآن فان "الكبار" لن يكونوا بحاجة لاتعاب انفسهم باقناع الاولاد بالرحيل، إنما هم يتسللون بهدوء من الساحة، ويتخذ كل واحد منهم زاوية خاصة له محتضناً رفيقه العزيز (الموبايل) ليحمله الى عوالم أبعد بكثير مما لدى الشاشة الصغيرة.

ولا أجدني بحاجة الى تكرار التحذير عما يحمله هذا النمط من التعامل مع وسائل الاعلام والاتصال من قبل افراد الأسرة، إنما المهم والمطلوب لما نعيشه اليوم، تقديم البدائل حتى لانكون بحاجة الى الندم.

ان المؤسسات الثقافية والدينية المعنية بأمر الاعلام المرئي والتي تمتلك قنوات فضائية عديدة، مدعوة اليوم اكثر من أي يوم آخر لأن تقدم نموذجاً للشاشة الصغيرة الناجحة في آداب الضيافة عند كل أسرة، فتكون الصورة المتكلمة، موجهة لجميع افراد العائلة بنسبة كبيرة، مع الاحتفاظ بنسب أخرى تتعلق ببرامج خاصة للمرأة – مثلاً- أو برامج الاطفال. فالبرامج ذات المحتويات الثقافية والمعرفية من شأنها – اضافة الى فائدتها المرجوة والمخطط لها- أن تزيد من لحمة العائلة وتزيدها تماسكاً، لانها ستجذب اكبر عدد من افراد الاسرة، وربما سيتحدث الحاضر في البيت للغائب الذي يحضر فيما بعد مساءً – مثلاً- عما جرى وعرضته هذه القناة او تلك.

اضف تعليق