q

في آخرِ خطابٍ وجّههُ سيّد الشهداء الامام الحسين بن علي السبط عليه السّلام للقوم يوم عاشوراء عام ٦١ للهجرة في كربلاء، قال لهم؛

{انْ لَم يكُن لكُم دين وكُنتم لا تخافونَ المعاد فكونوا أحراراً في دُنياكُم}.

هذا يعني ان الحريّة هي أعظم وأقدس قيمة فطرَ الله تعالى الناس عليها، اذا غابت لم يبق شيءٌ للإنسان مهما كان عِلمهُ وديُنهُ وتقواهُ.

فالأملُ والرّجاءُ بلا حريّة، عبوديّة.

والدّين والتقّوى بلا حريّة، عبوديّة.

والقوّةُ والعلْمُ بلا حريّة، عبوديّة.

والعزّةُ، كذلك، بلا حريّة هي خدعة وأكذوبة كبرى، ولذلك قال الامام الشهيد عليه السلام {الا وانّ الدّعي بن الدّعي قد ركزَ بين اثنتين، بين السِّلّة والذِّلّة، وهيهات منّا الذِّلَّة} في إشارة الى ان الطّاغوت خيّر الامام، في حقيقة الامر وجوهرهِ، بين العبودية (الذِّلَّة) والحريّة التي ينتزعها السّيف (السّلة) ولذلك قال في خطابٍ آخر {موتٌ في عزٍّ خيرٌ من حياةٍ في ذُلٍّ} اي؛ انْ تموت حراً خيرٌ من ان تعيشَ عبداً.

كلُّ شيء بلا حريّة يَقودُ صاحِبٓهُ الى العبوديّة.

حتى عندما يصل المرء الى أعلى مراتب العلم ومعرفة الله تعالى؛ يتسافل ويسقط اذا فقد حريّته في لحظةٍ من الّلحظات فعبدَ هواهُ، مثلاً، او الطاغوت او الشيطان او حبّ الدّنيا او ايّ شَيْءٍ آخر، فلحظة عبوديّة واحدة تكفي لتدميرهِ ودحرجتهِ من أعلى المراتب الى أسفلِها، الى الحضيض.

ولعلّ في قصّة (بلعَم بن باعوراء) دليلٌ واضحٌ على هذه الحقيقة.

تقولُ القصّة القرآنيّة؛

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ* سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}.

ولذلك نُلاحظ في توقيع الامام صاحب العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرجهُ الشّريف) تركيزٌ على هذا المعنى بقوله {فأمّا مَنْ كان من الفقهاءِ صائناً لنفسهِ، حافظاً لدينهِ، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوامِّ أن يقلِّدوه}.

ولكلّ ذلك كان الهدف الاسمى لكلِّ الرّسالات السماويّة هو تحرير الانسان من ايّ قيدٍ يخدش حريّته ويدفعهُ للعبوديّة.

كما انّ كلّ المواثيق الدولية القديمة والحديثة سعَت، بنصوصِها، لتحرير الانسان من القيود الماديّة منها والمعنويّة.

فقال تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

وفي اعلان الاستقلال للولايات المتحدة الأميركيّة (٤ تموز ١٧٧٦) ورد الوصف بشكلٍ واضح من خلال النّص على ما يلي؛

[إنّ الجميع وُهِبوا من قِبَلِ خالقهِم حقوقاً معيّنة غير قابلة للتصرّف، من بينها (الحياة والحريّة والسعي لتحقيق السّعادة)].

وهذا يعني ان الانسان يُخلق حراً الا انّ قيوداً تتراكم وتتجمّع، بسبب ظروف وعوامل، لتقرض وتلثم من حرّيّتهِ شيئاً فشيئاً الى ان يفقدها بالكامل فيكون عبداً، والى هذا أشار أَمير المؤمنين (ع) بقوله في وصيّتهِ التي كتبها لابنه الامام الحسن المجتبى السّبط (ع) {وَلاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً}.

فالحريّة فطرةٌ والعبوديّة كينونة من إرادة.

هذا يعني انّ الانسان بحاجةٍ الى تنمية الحريّة في ذاتهِ بالتّثقيف والرّقابة والتّنبيه والإِشعار والتّرويض وغير ذلك، ولهذا السّبب يمكن القول انّها بحاجةٍ الى وقتٍ لتعود كجزءٍ عضويٍّ من شخصية الانسان، اذا فقدها يوماً ما لأيِّ سببٍ من الأسباب، خاصةً، اذا مرّت عليه ظروفاً تغافَل عنها بادئ الامر فينساها فيتطبّع على العبودية، فتراهُ، في هذه الحالة، ما ان يحرّرهُ مصلحٌ اذا به يحنّ الى العبودية في اوّل فرصة، كما حصل ذلك بالنّسبة لبني اسرائيل عندما استعجلوا العودة الى زمن العبوديّة بعد كلّ ذاك الجهد والعناء الذي عاشوه مع نبيّهم موسى (عليه السلام) ليحقّق حريّتهم ويُنقذهم من العبوديّة، اذا بهم يحنّون الى العهد البائد عندما رأوا مجموعة تعبدُ صنماً فسألوا موسى (عليه السلام) مثل ذلك، حتى قبل ان تجفَّ اقدامهم من ماء البحر الذي افترق كالطّود العظيم بمعجزةٍ من الله تعالى لينقذَهم من فرعون وجنوده، على حدّ وصف امير المؤمنين عليه السلام عندما قال له بعض اليهود: ما دَفَنْتُم نَبِيَّكُم حتّى اختلفتم فيه! فقال عليه السلام له: {إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنْهُ لاَ فِيهِ، وَلكِنَّكُمْ مَا جَفَّتْ أَرْجُلُكُمْ مِنَ الْبَحْرِ حَتَّى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ: (اجْعَلْ لَنَا إلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)}.

تقول القصّة القرآنية بهذا الصّدد؛

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ* إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ* قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ* وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}.

او كما شوهِدت هذه الظّاهرة هنا في الولايات المتحدة الأميركية، فعندما حرَّرَ إبراهام لنكولن العبيد، كان يراقب فيهم ميولاً عجيبة للعبوديّة، من خلال مُراقبة تصرّفاتهم التي تنمّ عن نزعةٍ للعبوديّة، الى ان تشبّعت نفوسهم وروحيّتهم بها، فيما لازال البعض منهم يحنّ اليها بتصرّفاته وبشعورهِ بالنّقص او ما يسمّيه البعض بعقدة الحقارة!.

انّ الحريّة هي القيمة المحوريّة التي يتحقّق بها الإبداع والتطوير وعلى مختلف الاصعدة، فالعلم لا يتطوّر ويتقدّم الا بالحريّة، حريّة التفكير وحريّة الافتراض والتجربة، فأوروبا، مثلاً، كانت تعيش في ظلامٍ دامس يَوْمَ انْ كانت الكنيسة تكمّم الأفواه وتكبِس على العقول وتهدّد العلماء والمفكّرين بتهمة الهرطقة التي كانت تقودهم الى الإعدام! فكانت تقتل التّفكير فتعدم التّجديد والتحديث وكلّ طريقةٍ ابداعيّة في التفكير تخرج عن المألوف وتتمرّد على الواقع المريض، سواءً على صعيد العلوم الانسانية، العقليّة والنّقلية، او على صعيد العلوم المادية، فأُعدم (جوردانو برونو) وهو فيلسوف إيطالي ورياضي وفلكي، عام ١٦٠٠ للميلاد بتهمة الهرطقة وذلك بسبب نظرياّته في الفلك وآرائه اللّاهوتية والفلسفيّة، كما قُتل حرقاً في مدينة تولوز عام ١٦١٩ المفكّر والمثقّف الحرّ (جوليو سيزار فانيني) ومات في السجن (بيترو بادانو) بتهمة الهرطقة كذلك، وكاد ان يُرسل (جاليلو) الى الِمقصلة بسبب نظريّته في كرويّة الارض لولا انّه تراجع عنها واعلن توبتهُ في اللّحظة الاخيرة، وهكذا غيرهم العشرات.

كما انّ احد اهم اسباب تطوّر مدرسة اهل البيت (ع) والحوزة العلميّة وتحديثها المستمر ومواكبتها لكلّ فنون وحاجات الزّمن على مرّ العصور، وبمختلف العلوم، هو حريّة التفكير والاجتهاد والاستنباط والنّقد والتّجريح، ولو كانت قد خيّمت عليها العبودية المتمثّلة، على مستوى العلم، بتكميم الأفواه وقمع الرّأي الاخر ومطاردة التفكير الحرّ، والحنين الى الماضي والتكلّس على ما وصل اليه السّلف، كما فعلت مدرسة (الصّحابة) لما حقّقت الحوزة العلمّية، برجالِها الافذاذ وفقهائِها الاعلام ومراجعِها العظام، كلّ هذا التقدّم الهائل والعظيم والمستمرّ في شتّى العلوم، وعلى رأسِها الفقه والاصول.

ان العبوديّة على مستوى الفكر والثّقافة والعلم تصنع سقفاً معرفيّاً هو أخطر اسباب التخلّف والتأخّر الذي يصيب الامم.

انّ مجتمعاً تغيبُ عَنْهُ الحرّية يُمكن قيادَهُ ويسهل انصياعهُ للحاكم، وليس، بعد ذلك، ماذا تكون طبيعة هذا الحاكم، ولذلك يحرص الحكّام الظّلمة تحديداً الى استعبادِ المجتمع بأيّة طريقةٍ من الطّرق وسلبِ حريّتهِ، خاصةً على صعيد حريّة العقيدة وحريّة التفكير وحريّة المعارضة، ليتسنّى لهم إحكام القبضة الحديديّة بلا منازع، وكثيراً ما يلجأ أمثال هؤلاء الحُكّام الى سياسة التّجهيل والتّخدير باسم الدّين لسلبِ حريّة المجتمع واستعبادهِ، كما فعلَ النّظام الاموي الشّمولي البوليسي.

فقد قضى هذا النظام على؛

اولاً؛ حريّة العقيدة، فمن جانب تبنّى عقائدَ خاصةً تصبُّ في خدمة أجنداتهِ السّياسية مثل عقيدة (الجبر) ليفرضها على المجتمع بكلّ الطّرق، ومن جانب آخر منع ايّة عقيدةٍ أخرى تخدش شرعيّة النّظام وتطعن فيها، ولذلك كان يشنّ حرباً شعواء على كلّ من يدعو الى عقيدة من عقائد أئمة اهل البيت عليهم السّلام [حتى لقد قيل ان الشّيعة، قبل تولية الامام محمد بن علي بن الحسين بن علي الباقر عليه السلام للإمامة لا يعرفونَ مناسك حجّهم وحلالِهم وحرامِهم، حتى كان ابو جعفر الباقر ففتح لهم أبواب العِلْمِ وبيّن لهم احكام الشّريعة المحمديّة الغرّاء، حتى صار الناس يحتاجون اليهم من بَعْدِ ما كانوا هم يحتاجونَ الى النّاس] كما يذكر ذلك المحقّق السيد محمد جعفر الحكيم في كتابه (تاريخ وتطوّر الفقه والاصول، في حوزة النجف الأشرف العلميّة).

ثانياً؛ حرّية التّفكير، فكانت قاعدتهم إشغال الامّة بالغزوات والحروب العبثيّة بذريعة نشر الاسلام في البلدان، وكلّ ذلك لمنعهم من الانشغال بالتّفكير الحرّ بحثاً عن حلولٍ لمشاكل الامة التي تراكمت فأنتجت الفتن الداخليّة بسبب السّياسات الظّالمة والمنحرفة التي انتجت طبقة من الفاسدين استولَوا على السّلطة، فالتفكير الحرّ ينتهي، في أغلب الأحيان، الى الإصلاح خاصّة بأساليب الثّورات التّحرّريّة، الامر الذي يُؤرّق الظّالمين.

فلقد أشار (عبد الله بن عامر بن كريز الاموي) وكان والياً على البصرة وقتها، على الخليفة الثّالث الى ذلك بقولهِ:

(رأيي لك يا أميرَ المؤمنين أن تأمرَهم بجهادٍ يُشغلهم عنكَ، وأن تجمّرهم في المغازي (الفتوح) حتّى يذلّوا لك، فلا يكون همَّة أحِدهم إلا نفسه، وما هو فيه مِن دَبرَة (القرحة التي تصيب الدَّابة) دابّته وقَمل فروهِ)!.

ثالثاً؛ حرّية المعارضة، من خلال ممارسة أشدّ انواع الارهاب، كما في الشّهادات التّاريخيّة الّتي ادلى بها أصحابها؛

[حدَّثَ (سُفيان بن عوف الغامدي) وهو أحد قادة مُعاوية بن ابي سفيان العسكريّين، قال: دعاني مُعاوية فقال: إنّي باعثُكَ بجيشٍ كثيفٍ أداةً وجلادةً، فالْزم لي جانبَ الفرات حتى تمرَّ

بهيتٍ فتقطعَها، فإن وجدتَ بها جُنداً فأغرِ عليهم، وإلا فامْضِ حتى تغيرَ على الأنبار، فإن لَمْ تجد جُنداً فامضِ حتى توغِلَ في المدائن.

إنَّ هذه الغارات، يا سُفيان، على أَهْلِ العراق تُرعبُ قلوبهم، وتُفرح كلّ مَنْ لَهُ هوىً فينا منهم، وتدعو إلينا كلّ مَنْ خافَ الدّوائر، فاقتل كلّ من لقيتهُ ممّن هو ليس على مثلِ رأيِك، وأَخرِب كلَّ ما مَرَرْتَ به من القُرى، وأَحرِبِ الأموال فإنّ حَرَبِ الأموال شبيهٌ بالقتلِ وهو أوجعُ للقلبِ].

ودعا مُعاوية بالضّحّاك بن قيس الفِهري وأمرهُ بالتّوجّهِ ناحيةَ الكوفةِ، وقال له: مَنْ وجدتَهُ مِنَ الأعرابِ في طاعةِ عليٍّ فأغِرْ عليه.

فأقبلَ الضّحّاكُ فنهَبَ الأموالَ، وقتلَ مَنْ لَقِيَ من الأعراب، حتى مَرَّ بالثعلبيّة فأغارَ على الحاجّ فأخذ أمتِعتهُم، ثمّ أقبلَ فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذُّهَلي، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود، فقتلهُ في طريق الحاجّ عند القطقطانة وقتل معهُ ناساً من أصحابهِ.

واستدعى مُعاوية بِسْر بن أرطاة، ووجَّهَهُ إلى الحِجاز واليمن، وقال له: سِرْ حتّى تَمُرَّ بالمدينة فاطرُدِ النّاس، وأَخِفْ مَنْ مَرَرْتَ به، وانهب أموال كلّ مَنْ أصبتَ له مالاً ممّن لم يكن دَخَلَ في طاعتِنا، فإذا دخلتَ المدينة فأَرِهِم أنّكَ تُريدُ أنفسَهم، وأخبِرهُم أن لا براءةَ لهم عندك ولا عذرَ حتى إذا ظنّوا أنّك موقِعٌ بهم فاكفُفْ عنهم، وأرهِبِ النّاس عنكَ فيما بين المدينة ومكّة واجعلها شَرَدات.

وقال له: لا تنزِل على بَلدٍ أهلهُ على طاعةِ عليٍّ إلا بسطتَ عليهم لسانكَ حتّى يَرَوا أنّهم لا نجاةَ لهُم، وأنّك محيطٌ بهِم، ثمّ اكفُفْ عنهُم وادعُهُم إلى البيعةِ لي، فمَنْ أبى فاقتُلْهُ، واقتُل شيعةَ عليٍّ حيثُ كانوا.

فسارَ وأغارَ على المدينةِ ومكّة، فقتل ثلاثين ألفاً عدا من أَحْرَقَ بالنّار.

من كلّ ذلك، نفهم كم هي عظيمةُ تضحية سيّد الشهداء عليه السلام في عاشوراء، عندما استرخصَ كلّ شيء ليحرّر الانسان، مرّةً اخرى، من العبوديّة ويحطّم كلّ القيود المادّيّة والمعنويّة التي تكبّل الانسان فيُستعبَد من قِبل تجّار الديّن والحروب والسّياسة.

فكانَ الحسينُ عليه السلام دقيقاً جدّاً عندما كتبَ في وصيّته التي تركها في المدينة المنوّرة عند أخيه مُحمّد بن الحنفيّة، يقول؛

{إنّي لَمْ أخرُج أشِراً ولا بطِراً ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلبِ الاصلاحِ في أمّة جدّي، أُريدُ أن آمر بالمعروفِ وأنهى عَنِ المنكر، وأسير بسيرة جدّي رسول الله (ص) وابي عليّ بن ابي طالب}.

فسلامٌ على سيّد الشهداء في العالمَين.

اضف تعليق