q
الشطر الثاني من العنوان يُعد أمنية كل فرد في المجتمع يتوق اليها ليعيش في ظروف طبيعية مع سائر الناس، في نفس الوقت هو طموح سياسي للرئيس والوزير والمدير والقائد الأمني، يريدها علامة نجاح، وإضفاءً لشرعية كونه "مسؤول"، و جدير بتوفير أهم دعامة يرتكز عليها النشاط الاقتصادي المسؤول عن تمشية الحياة اليومية للمواطنين...

الشطر الثاني من العنوان يُعد أمنية كل فرد في المجتمع يتوق اليها ليعيش في ظروف طبيعية مع سائر الناس، في نفس الوقت هو طموح سياسي للرئيس والوزير والمدير والقائد الأمني، يريدها علامة نجاح، وإضفاءً لشرعية كونه "مسؤول"، و جدير بتوفير أهم دعامة يرتكز عليها النشاط الاقتصادي المسؤول عن تمشية الحياة اليومية للمواطنين.

وبين هذا وذاك ثمة متطلبات واستحقاقات غير سهلة، لكن تستحق العناء، لاسيما في بلدان مأزومة بالأساس سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وحتى ثقافياً مثل؛ العراق.

التنوّع والصناعة الداخلية للسلم الأهلي

البلدان المبتلية بالنظام الديكتاتوري تُفرض عليها الاجراءات الأمنية في شقيها؛ السياسي المتعلق بالحكم، وما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية الذي هو محور حديثنا، ففي عهد النظام الصدامي كان محظوراً على المواطنين –مثلاً- إطلاق العيارات النارية في المناسبات الاجتماعية، فضلاً عن سائر الاوقات مهما كانت الدوافع، وذلك تحت طائلة المسائلة القاسية، وتحت شعار؛ الحفاظ على الأمن والاستقرار، فلم يكن من السهل إظهار موقف عدائي او كراهية إزاء شخص ما، وإن كان قاتلاً –مثلاً- كما هو اليوم.

هذا السلم الأهلي المصطنع والهشّ لن يفيد الناس في الحاضر والمستقبل، لان النار تبقى تحت الرماد، ولا أدلّ على هذا من انهيار هذا السِلم لمجرد انهيار النظام الصدامي وظهور حكومات متعددة ومستقلة بقواها وقوانينها، من داخل العشائر، ومن الجماعات السياسية، وحتى الدينية، بينما التنوع الفكري والقبول بالآخر ضمن المجتمع الواحد من شأنه بناء قاعدة رصينة بضمانة مستقبلية للسلم الأهلي.

وبما أن التنوع يمثل حقيقة كونية وانسانية، وان الانسان يجد من حقّه أن يختصّ لنفسه بفكرة معينة او مزاج معين، فان هذا الحقوق يشمل الآخرين، فالجميع يحبون لانفسهم ما يحب الفرد الواحد، طبعاً؛ هذا في سياق الحديث عن بناء ثقافة التنوع والتعدد لدى الانسان (الفرد)، وإلا فان القضية ترتبط أكثر بالجماعات وليس الافراد، فالخطورة تكمن في ايمان جماعة بالانفتاح على العالم، والاستفادة من التجارب والعلوم، والخبرات، بينما تؤمن جماعة اخرى بالمنهج المحافظ على القيم والتقاليد، او جماعة تؤمن باللين والسلام، بينما أخرى تؤمن بالعنف.

إن عدم اقتناع الجماعات بثقافة التنوع والتعدد ضمن المجتمع الواحد، يمثل المادة القابلة لاشعال مواجهة مسلحة في أي لحظة، أو خلق اصطفافات متقابلة بين افراد المجتمع الواحد، لغتها الاستفزاز والجدال العقيم، وهو ما نعانيه اليوم، حيث نجد ان هذا الاصطفاف اخترق حتى كيان الأسرة الصغيرة المكونة من أب وأم و أولاد، فهذا يؤمن بمنهج هذه الجماعة، وتلك توالي وتفدي نفسها لتلك الجماعة!

وهذا بحد ذاته يستدعي التفكير بانتاج السلم الأهلي داخلياً من خلال نشر ثقافة التنوع الفكري، وأن يَحظى الجميع بحقهم في إبداء رأيهم و افكارهم في شتى الأمور، وتسليط الضوء على الفوائد الجمّة التي تعمّ الجميع من هذه الثقافة، وأهمها توفير أفضل الاجواء للعيش المشترك والآمن، ولا أحد يحبذ لنفسه القلق على أمواله وعائلته ومستقبله المهني، بل وحياته وحياة أسرته، إنما مشكلة البعض في التقوقع داخل الفكرة الخاصة به وبما يحمل من قناعات وتوجهات يعدها الأصح دون غيرها، وعلى الآخرين اتباعه.

وكلما ارتفعت نسبة القبول بالآخر بين الافراد والجماعات، كان السلم الأهلي أكثر رسوخاً في الواقع الاجتماعي، واكثر صلابة أمام التحديات الداخلية والخارجية، لاسيما من جهات لا ترى مصلحتها في تحقيق السلم الأهلي، وأن يكون للناس دورٌ محوري في توفير الأمن والاستقرار بالبلد بشكل عام.

معايير لابد لها للتنوع

لا يمكن تصور افكار مجردة من القواعد والأطر، فلابد من قواسم مشتركة تجمع الافراد والجماعات على مسيرة واحدة نحو اهداف يرنو اليها الجميع، مثل؛ التنمية الاقتصادية، والتطور السياسي والاجتماعي في ظل هوية ثقافية وعقدية مشتركة، ولنا درساً من الاجراءات التي اتبعها أمير المؤمنين، عليه السلام، في فترة حكمه القصيرة والمشحونة بالفتن والحروب المفروضة عليه، فهو المعروف بحريته السياسية منذ الساعات الاولى من بيعته كخليفة للمسلمين، فقد أعلن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رفضه البيعة جهاراً أمام جموع المسلمين المؤيدين للإمام، وعندما علم بعزم أصحاب الجمل على محاربته، أصدر أوامره بعدم التسرّع بملاحقتهم، واعتقال رموزهم، وقمعهم لوأد الفتنة والتخلص من المنشقين –كما هي الاجراءات المتبعة اليوم– إنما بدأهم بالنصح والعِظة لتكون حجة عليهم على مر التاريخ، وكذا فعل مع الخوارج، وقبل الاثنين؛ مع أهل الشام، ومع شخص معاوية، حتى تعرف الاجيال القادمة الى يوم القيامة بأن المارقين والقاسطين والناكثين هم المسؤولون عن تدمير السلم الأهلي وإراقة دماء الآلاف من المسلمين، فالمعيار الذي حدده الإمام هو؛ الدين، وليس السلطة، او حتى شخصه هو، وعندما سمع من الخوارج احتجاجهم بالقرآن وأنه {إنْ الحُكمُ إلّا لله}، قال قولته المشهورة: "كلمة حق يُراد بها باطل"، ونهي الإمام الحسن، وأهل بيته من ملاحقة ومقاتلة الخوارج من بعده لأن "من طلب الحق فأخطأه ليس كمن طالب الباطل فأصابه".

إن الانتماء والهوية تمثل الخيمة الكبيرة الجامعة لمختلف التوجهات والاجتهادات، وهذا معمولٌ به في جميع بلدان "العالم الحُر"، فالافراد والجماعات أحرار فيما يبدونه من أفكار ضمن الانتماء والهوية الجامعة للمجتمع والدولة، لذا نجد أن الايديولوجيا النازية محظورة في المانيا مقابل الحرية لسائر الافكار والعقائد، ومنها؛ الاسلامية، وكذا الحال في الولايات المتحدة المدعية أنها رائدة في حقوق الانسان و رعاية التنوع والتعدد في كل شيء، حتى وجود جماعات مسلحة تتدرب وتتسلح في الغابات دعماً لايديولوجيات معينة، إلا أنها لا تنسى مطلقاً المصلحة العليا للدولة وهي "الأمن القومي"، فهو الخط الأحمر المطلوب على كل مواطن اميركي الحفاظ عليه، وإلا كان في عداد الاعداء.

في العراق ثمة قواعد ونظم قائمة على قيم دينية واخلاقية منذ اربعة عشر قرناً، وهيه كافية لتكون المعيار الاساس لتقويم أية فكرة او رأي او اجتهاد يصبّ في مصلحة الغالبية العظمى للشعب العراقي.

اضف تعليق