q
هناك أسباب عديدة تقف خلف هذا التدهور تتعلق بغياب الاستقرار السياسي وتشوه هوية الاقتصاد العراقي وتصلب النظام الاداري وصعوبة بيئة الاعمال وتردي البنية التحتية وشيوع الفساد في أغلب مفاصل الدولة. ان العمل على معالجة هذه الاسباب بشكل حقيقي يعني جعل العراق بيئة خصبة وجاذبة للاستثمار بشكل عام والاجنبي...

يحتل الاستثمار الاجنبي المباشر أهمية كبيرة في الاقتصاد، لما له تأثير كبير على مؤشرات الاقتصاد بما فيها البطالة.

بشكل عام توجد علاقة عكسية بين البطالة والاستثمار الاجنبي المباشر، أي كلما يرتفع الاستثمار الاجنبي المباشر تنخفض البطالة والعكس صحيح.

حيث يعني الاستثمار الاجنبي المباشر هو انتقال رؤوس الاموال الاجنبية من بلد المستثمر إلى البلد المضيّف ويتم توظيفها في الاقتصاد الحقيقي (سلع وخدمات) لا الاقتصاد المالي (اسهم وسندات).

إن توظيف رؤوس الاموال الاجنبية في الاقتصاد المالي لا يسهم في توليد فرص العمل كما في الاقتصاد الحقيقي، إذ ان التوظيف الاول يُركّز على تحقيق الارباح والفوائد بينما التوظيف الثاني يذهب لفتح المشاريع الاستثمارية مباشرةً وتوليد فرص العمل وتخفيض البطالة لذلك العلاقة بين الاستثمار الاجنبي المباشر والبطالة علاقة عكسية.

الاستثمار الاجنبي المباشر والنظام الاقتصادي

كما تجب الاشارة لعلاقة الاستثمار الاجنبي المباشر بالنظام الاقتصادي، حيث تزداد أهمية الاستثمار الاجنبي المباشر مع الرأسمالية وتقل مع الاشتراكية في الاقتصاد.

تعود زيادة أهمية الاستثمار الاجنبي مع الرأسمالية، لدعوة الاخيرة لإزالة المعوقات التي تقف أمام حركة الاستثمار الاجنبي فتكون مسيرته سلسلة وانسيابية وتزداد مع مرور الوقت خصوصاً إذا ما أصبحت هناك امتيازات (توفير أرض مثلاً) يتمتع بها إضافةً لإزالة المعوقات.

لم يكُن الأمر كذلك بالنسبة للاشتراكية، وذلك بحكم ان الاخيرة تجعل الدولة هي المسيطر على الاقتصاد بما فيه الاستثمار الاجنبي، مما يعني فقدان الاخير لحريته وخضوعه للمعوقات التي تحد من نشاطه فضلاً عن حرمانه من الامتيازات وصعوبة مسيرته وتقل أهميته أخيراً.

مسيرته قبل وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي

وهذا ما أثبته الواقع، وحسب بيانات البنك الدولي، حيث اختلفت مسيرة الاستثمار الاجنبي المباشر في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عن ما بعده كما موضح في الشكل أدناه.

حيث نلاحظ من خلال الشكل أعلاه، اختلاف مسيرة الاستثمار الاجنبي المباشر، صافي التدفقات الوافدة كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في العالم قبل سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991 عن ما بعده، حيث كان منخفضاً قبل السقوط بحيث لم تتجاوز أعلى نسبه له 1.10% من إجمالي الناتج المحلي الاجمالي في العالم، وذلك انسجاماً مع سيطرة الدولة على كثير من اقتصادات العالم والقيود الموضوعة أمام الاستثمار الاجنبي المباشر.

لكن بعد السقوط أخذت مسيرته بالتذبذب الحاد ارتفاعاً وانخفاضاً وكانت أدنى نسبه له 1.10% عام 2018 وهي تمثل أعلى نقطة لما قبل السقوط، وكان الاتجاه العام نحو الارتفاع وكانت أعلى نسبه له 5.30% من إجمالي الناتج المحلي عام 2006، هذا ما يعني ان القيود أمام الاستثمار الاجنبي المباشر في العالم أصبحت أقل بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتحسنت مسيرته وازدادت أهميته.

البطالة في العراق

تشير البطالة إلى نسبة أفراد القوى العاملة الراغبين والباحثين عن فرص العمل ولكنها غير متاحة أمامهم.

تشمل البطالة الذكور والاناث والفئات العمرية المختلفة ولذلك يُعبر عنها بـإجمالي البطالة كنسبة مئوية من القوى العاملة ويُمكن عرض مسيرة إجمالي البطالة في العراق من خلال الشكل أدناه

يتضح من خلال هذا الشكل أمرين:

الامر الاول، الاستقرار النسبي: أي ان مسيرة إجمالي البطالة كانت مستقرة نوعاً ما بل وانخفضت في السنوات الاخيرة خلال المدة 1991 – 2012.

الأمر الثاني، الارتفاع الحاد: أي ان مسيرة اجمالي البطالة قفزت لترتفع بشكل مفاجئ من عام 2012 وحتى أعلى نسبة 16.20% عام 2020 و 2021.

الاستثمار الاجنبي المباشر في العراق

نظراً لتبني العراق التخطيط الاقتصادي قبل عام 2003 كان الاستثمار الاجنبي المباشر، صافي التدفقات الوافدة كنسبة من إجمالي الناتج المحلي لاتذكر (صفر) إلا في عام 1991 شكلت نسبة متواضعة وهي 1.90% يُمكن القول إنها كانت بسبب انشغال الحكومة بآثار الغزو والانتفاضة التي حصلت في هذا العام ففسحت المجال للاستثمار الاجنبي المباشر.

لكن الأمر أصبح أفضل بعد السقوط حيث تحسن الاستثمار الاجنبي المباشر (صافي التدفقات الوافدة كنسبة) ليرتفع مباشرةً إلى 4.60% من اجمالي الناتج المحلي عام 2003 لكنه سرعان ما عاد لينخفض ويتراوح بين 0.80% و 1.60% حتى عام 2012 وذلك بسبب الفوضى وعدم الاستقرار وكما واضح في الشكل أدناه.

ثم انخفض بشكل حاد لتصبح نسبته في السالب خلال المدة (2013-2021) بمعنى ان التدفقات النقدية الوافدة إلى العراق والتي تعود للمستثمر الاجنبي أصبحت أقل من المسحوبة، وذلك للأسباب الأمنية بالدرجة الاساس التي تسبب في سقوط محافظات تحت سيطرة تنظيم داعش الارهابي وكانت النتيجة تدهور نسبة الاستثمار الاجنبي المباشر، كما موضح في الشكل اعلاه.

ربط البطالة والاستثمار الاجنبي المباشر

عند ملاحظة المسار العام في لكلا الشكلين للبطالة (2) والاستثمار الاجنبي المباشر(3) يمكن القول انهما يسيران بشكل متعاكس وخصوصاً عام 2013 فما فوق، بمعنى ان البطالة في العراق تعود لتدهور الاستثمار الاجنبي المباشر في العراق.

وهذا ما ينسجم مع ما تقدم ذكره، من وجود علاقة عكسية بين البطالة والاستثمار الاجنبي المباشر من جانب، وان الاستثمار الاجنبي المباشر له علاقة طردية مع الرأسمالية وليس كذلك مع الاشتراكية.

السؤال المطروح لماذا تدهور الاستثمار الاجنبي المباشر في العراق؟

هناك أسباب عديدة تقف خلف هذا التدهور تتعلق بغياب الاستقرار السياسي وتشوه هوية الاقتصاد العراقي وتصلب النظام الاداري وصعوبة بيئة الاعمال وتردي البنية التحتية وشيوع الفساد في أغلب مفاصل الدولة.

ان العمل على معالجة هذه الاسباب بشكل حقيقي يعني جعل العراق بيئة خصبة وجاذبة للاستثمار بشكل عام والاجنبي المباشر بشكل خاص، مما يدفع بمنحنى الاخير نحو الارتفاع.

ونظرا لوجود علاقة عكسية بين الاستثمار الاجنبي المباشر والبطالة سيؤدي ارتفاع منحناه بعد معالجة الأسباب أعلاه، إلى انخفاض منحنى البطالة وهذا هو المطلوب.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2023
www.fcdrs.com

اضف تعليق