q
تعهد تحالف المعارضة بإلغاء كثير من سياسات أردوغان في الاقتصاد والحقوق المدنية والشؤون الخارجية فيما يرى كثيرون أنها ستكون أهم انتخابات في تاريخ الجمهورية التركية الممتد لقرن من الزمان. وقد أعلن التحالف المؤلف من ستة أحزاب أن كمال قليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري هو مرشحه لمنافسة أردوغان...

ترى المعارضة التركية أن الفرصة الآن سانحة لإنهاء حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الممتد لعقدين إذ شرعوا من الآن في حشد الأتراك للتأكد من احتساب كل صوت في الانتخابات المقرر عقدها في مايو أيار المقبل ومنع أي تلاعب في عملية الاقتراع التي يتوقع أن تشهد منافسة محتدمة.

وتعهد تحالف المعارضة بإلغاء كثير من سياسات أردوغان في الاقتصاد والحقوق المدنية والشؤون الخارجية فيما يرى كثيرون أنها ستكون أهم انتخابات في تاريخ الجمهورية التركية الممتد لقرن من الزمان.

والانتخابات هي أكبر اختبار سيواجهه أردوغان في حكمه المستمر منذ 20 عاما، فالانتخابات لن تحدد من سيكون زعيما لتركيا فحسب، بل ستحدد كيفية حكمها واتجاه اقتصادها والدور الذي ربما تضطلع به في تخفيف حدة الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط.

وقد أعلن تحالف المعارضة الرئيسي في تركيا المؤلف من ستة أحزاب أن كمال قليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري هو مرشحه لمنافسة أردوغان على الرئاسة.

يقف كمال أوغلو، مرشح المعارضة التركية الذي سينافس الرئيس رجب طيب إردوغان في انتخابات 14 أيار/مايو، أمام بحر من المظلات والسترات تحت المطر ليعلن لأنصاره "عودة الربيع".

انهمر المطر الذي يجده المرشح "جميلا" بلا توقف على الحشد الذي تجمع في جنق قلعة بشمال غرب تركيا للاستماع إلى السياسي البالغ 74 عاما الذي تعلن لافتات حملته الانتخابية الزرقاء اللون "أنا كمال وأنا آتٍ".

واختيار جنق قلعة لم يكن من باب الصدفة بالنسبة لرئيس حزب الشعب الجمهوري وريث مصطفى كمال أتاتورك.

فهنا، عند مدخل مضيق الدردنيل، برز القائد الشاب أتاتورك عام 1915 قبل أن يصبح مؤسس تركيا، إذ خاطب قواته بمواجهة القوات الحليفة قائلا لها "أنا لا آمركم بالهجوم، بل آمركم بالموت".

ورفعت صورة عملاقة لأتاتورك على المنصة التي أقيمت في وسط المدينة، إلى جانب صورة لكيليتش دار أوغلو والعلم التركي.

ويطل المرشح على مؤيديه محاطا بنجمي حزبه؛ رئيسا بلديتي اسطنبول أكرم إمام أوغلو وأنقرة منصور يافاس اللذان هزما مرشحي إردوغان في أكبر مدينتين تركيتين في انتخابات 2019 البلدية.

وأعلن يافاس "مسيرتنا إلى السلطة تبدأ اليوم في جنق قلعة!" مضيفا "نخرج من الظلمة ونتقدم إلى النور".

وبمواجهة إردوغان الموجود في السلطة منذ عشرين عاما، يعد مرشح المعارضة الموحدة المؤلفة من ستة أحزاب تتراوح من اليمين القومي إلى اليسار، بالعدالة والديموقراطية والعودة إلى قدر من التواضع، ووعد بأن "سأبيع الطائرات الرئاسية الست عشرة وأشتري قاذفات مياه لأجهزة الإطفاء".

واختار كيليتش دار أوغلو رمزا لحملته شعار "أعدك"، فيردده في إعلانات حملته "أعدك" بأن يكون رئيسًا لـ"85 مليون" تركي.

تقول سلمى أوكين (63 عاما) المحاسبة المتقاعدة التي حضرت إلى المهرجان للتعرف على المرشح "صوتّ أحيانا للحكومة، لكننا نود أن نرى نظاما أكثر عدالة، سلطة أكثر عدالة لا تستهتر بالحقوق وتكون منصفة للجميع".

وقال رزان إيشتشن حاملا علمين تركيين "لم نعد نريد سلطة رجل واحد".

البصل رمز التضخم

يرفع البعض بين الآلاف المحتشدين بصلا، بعدما أصبح البصل رمزا للتضخم الحاد الذي بلغ 50% بحسب الأرقام الرسمية وأكثر من ضعف ذلك وفق الخبراء المستقلين.

وقال كيليتش دار أوغلو "أعرف مشكلات تركيا، نعرفها جميعا وسوف نجد لها حلا ... لدينا المعرفة والخبرة والقوة، وهذه القوة هي أنتم".

قبل 35 يوما من الانتخابات، تمنحه جميع معاهد استطلاعات الرأي تقدما على إردوغان من غير أن تضمن له الفوز من الدورة الأولى، ولا سيما بعد ترشح محرم إنجه بصورة مفاجئة، إذ أن المرشح السابق لحزب الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأخيرة قد يحرمه 5 إلى 8 بالمئة من الأصوات.

وبمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة والانتقادات الموجهة إليه بسبب بطء عمليات الإغاثة بعد زلزال السادس من شباط/فبراير، يضاعف إردوغان الوعود بإعادة الإعمار وبقيام "تركيا قوية".

وفي جنق قلعة، أعرب أردا تشاكيرر الطالب العشريني عن "تأثره الكبير" مؤكدا أنه سيصوت للمرة الأولى في أيار/مايو على غرار ستة ملايين من الشبان الأتراك، وهو واثق من أن "هذه الانتخابات ستحدد مستقبل تركيا".

وهو لم يعرف رئيسا غير إردوغان، ويؤيد بالتالي تعهد كيليتش دار إوغلو بولاية رئاسية واحدة، ويقول بهذا الصدد "هذا مهم جدا، لأنه بعدما يرتب أوضاع النظام، سيكون بإمكان رئيس أكثر شبابا خلافته".

وتقول سيما سور الأربعينية "لو لم نكن نحبه، لما جئنا إلى هنا، تحت المطر! لكننا نحبه من أجل المستقبل، من أجل أن تتحقق آمالنا".

وعند انتهاء المهرجان، يتوقف المطر ويغادر الناس حاملين أعلامهم التركية الحمراء ولافتة تؤكد للمرشح "ستفوز".

الانتماء إلى الطائفة العلوية

تحدث مرشح تحالف المعارضة التركي للانتخابات الرئاسية كمال كليتشدار أوغلو علنا للمرة الأولى عن انتمائه إلى الأقلية العلوية وكسر بذلك واحدا من المحرمات الرئيسية في تركيا.

وأكد كيليتشدار أوغلو في تسجيل فيديو بث على تويتر "أعتقد أن الوقت حان لأناقش معكم موضوعًا خاصًا وحساسًا جدا .... أنا علوي أنا مسلم مخلص".

كان العلويون ضحايا لتمييز ومذابح في تركيا في الماضي، وما زال بعض السنة المتشددين يتبنون موقفا معاديا لهم.

وكيليتشدار أوغلو الذي يمكن أن يصبح أول رئيس تركي علوي، وعد في حال انتخابه في أيار/مايو بوضع حد للتمييز و"الخلافات الطائفية التي تسبب آلاما" في تركيا ذات الأغلبية المسلمة والدستور العلماني.

وقال مراقبون إن كيليتشدار أوغلو المولود في منطقة ديرسم المتمردة تاريخيا (سميت لاحقا تونجلي في الشرق) ويشكل الأكراد والعلويون أغلبية سكانها، سيجد صعوبة في إقناع الناخبين السنة المحافظين.

ورحب عدد من معارضي الرئيس أردوغان بمن فيهم المحافظون برسالة كيليتشدار أوغلو.

وقال صلاح الدين دميرتاش الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديموقراطي الموالي للأكراد والمسجون منذ 2016: "من الممكن العيش على هذه الأراضي بدون تمييز وفي أجواء من المساواة والأخوة والسلام".

وكتب حزب السعادة الذي أسسه نجم الدين أربكان راعي الرئيس أردوغان لكنه انتقل إلى المعارضة "يمكننا وضع حد لهذا النظام المشبوه معًا من خلال اختيار الأخلاق والعدالة والصدق بدلاً من الاستقطاب وسياسة الهوية".

لكن وزير الداخلية سليمان صويلو اتهم مرشح المعارضة بمحاولة تقديم نفسه "كضحية". وقال "لسنا نحن من نقول إنه لا يمكن انتخاب علوي ... إنها ليست مشكلة بالنسبة لنا. تغلبنا على كل ذلك".

وكان أردوغان هاجم في الماضي الأقلية العلوية متهماً أفرادها ب"الهيمنة" على القضاة في تركيا وبابتكار "ديانة جديدة".

خلال الحملة الانتخابية الحالية لم يهاجم رئيس الدولة علنا خصمه بشأن هويته الدينية. لكنه ألمح مع ذلك في أوائل نيسان/أبريل إلى هذه النقطة بعد أن داس كيليتشدار أوغلو عن طريق الخطأ على سجادة صلاة بدون أن يخلع حذاءه.

وقال في اجتماع في اسطنبول إن "الذين لا يعرفون اتجاه الصلاة يمشون بأحذيتهم على سجادة الصلاة. سيظهر لهم الاتجاه الصحيح يوم 14 أيار/مايو".

تصويت الشباب

وكشف استطلاع للرأي أجراه معهد "تاغ" للأبحاث أن 51,8 بالمئة من الناخبين يأملون في فوز زعيم حزب الشعب الجمهوري (حزب المعارضة الرئيسي) كمال كيليتشدار أوغلو بالرئاسة مقابل 42,6 بالمئة يؤيدون إردوغان.

يمثل كيليتشدار أوغلو الذي يظهر مبتسمًا على ملصقات حملته تحت شعار "مرحبًا أنا كمال أنا آت!" تحالفًا من ستة أحزاب من اليسار إلى اليمين القومي. ويحظى بدعم ضمني من حزب الشعوب الديموقراطي الموالي للأكراد (10 إلى 13 بالمئة من الناخبين) الذي يقبع زعيمه صلاح الدين دميرتاش في السجن.

وبينما يجوب رئيس الدولة البلاد ويبدو حاضرًا في كل مكان على شاشة التلفزيون، يخاطب كيليتشدار أوغلو (74 عاما) الاقتصادي والموظف الحكومي السابق كل شريحة من شرائح المجتمع على تويتر عبر رسائل فيديو، من مطبخه ذي الإضاءة الضعيفة، متوجها إلى النساء المحافظات.

وقد بلغ عدد المشاهدات لآخر تسجيل له 3,3 ملايين.

وقالت مجموعة أوراسيا الاستشارية للمخاطر السياسية في مذكرة مؤرخة في 22 آذار/مارس إنه منذ الإعلان عن ترشحه واصل رئيس حزب الشعب الجمهوري "توسيع قاعدته" (من 30 إلى 40 بالمئة من النوايا للتصويت) بينما تتراجع نسبة التأييد لإردوغان (من 60 إلى 50 بالمئة).

وأضافت أن "التحدي الرئيسي لكيليتشدار أوغلو يتمثل باستقطاب الناخبين المناهضين لإردوغان - الذين يشكلون الأغلبية - من دون بدء المعارك داخل المعارضة".

وسيكون على كمال كيليتشدار أوغلو أن يحسب حساب عودة ظهور محرم إنجه وهو مرشح هزم أمام إردوغان في 2018 وقرر إفساد اللعبة.

والتقى إنجه الذي اختفى بدون أن يحيي مؤيديه عشية الدورة الأولى، مرشح حزب الشعب الجمهوري هذا الأسبوع ، بهدف التوصل إلى اتفاق محتمل.

لكن في الوقت الحالي، حسب خبراء السياسة بمن فيهم أولئك العاملون في معهد ميتروبول، يمكن أن يجذب هذا العائد الشباب الذين يرون أن رئيس حزب الشعب الجمهوري لا يتمتع بشخصية قوية.

مع ذلك، سيكون تصويت الشباب أحد العناصر المهمة في هذه الانتخابات. ف70 بالمئة من الناخبين هم دون سن 34 عامًا وستة ملايين شاب تركي سيصوتون للمرة الأولى في 14 أيار/مايو.

أخيرًا يفترض أن يظهر النائب السابق سنان أوغان (يمين متطرف) في الدورة الأولى.

وإلى جانب الأزمة الاقتصادية الخطيرة (نسبة التضخم تجاوزت 50 بالمئة وبلغت أكثر من 85 بالمئة في الخريف) التي تؤثر على دخل الأسرة، كشف الزلزال عن ثغرات الدولة القوية التي يحلم بها إردوغان.

وتصاعدت المخاوف من احتمال وقوع مخالفات في الانتخابات بسبب الاضطرابات الناتجة عن الزلازل المدمرة التي ضربت جنوب شرق تركيا في فبراير شباط الماضي، مما أسفر عن مقتل نحو 50 ألفا وتشريد الملايين.

وقال يجيت (26 عاما)، وهو طالب من جنوب تركيا، إنه سيسافر إلى مدينته أنطاكية يوم الانتخابات في 14 مايو أيار للتأكد من عدم قيام أي شخص بالتصويت باسم والديه، اللذين لقيا حتفهما في الكارثة.

وأضاف "سأنتظر عند صندوق الاقتراع للتأكد من عدم تصويت أي شخص آخر مكانهما".

وقال إدريس شاهين، نائب رئيس حزب الديمقراطية والتقدم التركي، إن تحالفا مؤلفا من ستة أحزاب معارضة يأمل في الإطاحة بأردوغان يعتزم اتخاذ تدابير لضمان نزاهة الانتخابات منها الاستعانة بخبراء مثل المحامين في اللجان لمراقبة التصويت.

وقال إن مسؤولي حزبه بدأوا مراجعة قوائم الناخبين الصادرة في 31 ديسمبر كانون الأول الماضي ومقارنتها بالسجل المحدث في منطقة الزلزال للتأكد مما إذا كان المواطنون الذين غيروا أماكن إقامتهم بعد الزلزال مسجلين في مراكزهم الانتخابية الجديدة إلى جانب إزالة أسماء الأشخاص الذين لقوا حتفهم من السجلات.

وأضاف شاهين أن المراقبين ينبغي تمكينهم من منع أي محاولات للتلاعب بأصوات الأشخاص الذين لقوا حتفهم في الزلزال وما زالوا مقيدين في السجلات.

وقال "لم يتضح بعد ما إذا كان بعض المواطنين قد لقوا حتفهم في منطقة الزلزال أو ما زالوا أحياء. يجب أن يتوخى مندوبونا الحذر حيال هذه السجلات" مضيفا أن عدد هؤلاء الأشخاص يتراوح بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف على أقصى تقدير.

وقالت أحزاب معارضة إن مخالفات انتخابية حدثت في الماضي وانتقدت إجراءات اتخذها المجلس الأعلى للانتخابات وتأثير أردوغان على وسائل إعلام.

واحتلت تركيا المرتبة 123 من بين 167 دولة في عام 2019، وفقا لمشروع النزاهة الانتخابية، وهي دراسة أكاديمية تقارن الانتخابات في أنحاء العالم.

ومع ذلك، لم تكن هناك اتهامات بوقوع تزوير كبير في الانتخابات الرئاسية الماضية التي أجريت عام 2018، ووافق مرشح المعارضة على نتائجها. وقال حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان إنه ملتزم بإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحترم إرادة الشعب.

ويراقب الانتخابات التركية عادة مئات الآلاف من المتطوعين في جميع أنحاء البلاد التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة.

نبأ غير سار للمعارضة

اعتقدت المعارضة التركية أنها قامت بالمهمة الأصعب من خلال توحيد قواها بشكل غير مسبوق ضد الرئيس رجب طيب اردوغان، لكنها لم تحسب حساب محرِّم إنجه الذي أعلن الترشح بمفرده قبل سبعة أسابيع من الانتخابات الرئاسية.

بالنسبة لكثيرين في تركيا، لا يزال محرّم إنجه الخطيب المفوّه الذي رفع آمال معارضي اردوغان في الانتخابات الرئاسية عام 2018.

لكن إنجه توارى عن الأنظار من دون أن يحيي مؤيديه مساء الجولة الأولى التي شهدت إعادة انتخاب رجب طيب اردوغان بحصوله على 52,6% من الأصوات ليتواصل حكمه المستمر منذ عام 2003.

إلا أن المرشح السابق عن حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة التركي الرئيسي، أعلن في منتصف آذار/مارس أنه سيترشح أيضا هذا العام، هذه المرة تحت ألوان حزبه "الوطن".

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة سابانجي في اسطنبول بيرق إيسن لوكالة فرانس برس "هذا نبأ غير سار للمعارضة".

وتمكن تحالف المعارضة المشكل من ستة أحزاب ذات توجهات مختلفة، من تجاوز خلافاته والاتفاق في بداية آذار/مارس على ترشيح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو.

وحصل الأخير على تأييد ضمني من حزب الشعوب الديموقراطي الداعم للأكراد، وهو القوة السياسية الثالثة في تركيا، ما دفع بعض المحللين إلى القول إن المعارضة قد تنتصر في الجولة الأولى على الرئيس اردوغان الذي أفل نجمه.

يضيف بيرق إيسن "نظرا لقدرته على جذب أصوات ناخبي حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير (التشكيلان الرئيسيان لتحالف المعارضة)، يمكن أن يلعب إنجه دور المفسد ما سيقود إلى جولة انتخابية ثانية".

في الانتخابات الرئاسية لعام 2018، تم تفضيل أستاذ الفيزياء والكيمياء السابق الذي أصبح نائبا برلمانيا، والمعروف حتى ذلك الحين بخطبه المثيرة في البرلمان التركي، على كمال كيليتشدار أوغلو الذي يُعتبر أقل قدرة على حشد الجماهير، لمواجهة رجب طيب اردوغان.

لكن هزيمته في الجولة الأولى بعد حصوله على 30,6% من الأصوات صاحبها إحراج كبير: فبدلاً من الإقرار بهزيمته علنا، اكتفى محرم إنجه ببعث رسالة موجزة إلى صحافي بارز اعترف فيها بفوز اردوغان.

ونشرت تلك الرسالة في إحدى الصحف، ما قوّض شعبيته.

بعد فشله في إزاحة كمال كليتشدار أوغلو من رئاسة حزب الشعب الجمهوري بعد بضعة أشهر، أسس محرم إنجه (58 عاما) حزبه القومي العلماني في أيار/مايو 2021.

أظهر المرشح ثقته بنفسه هذا الأسبوع عند تقديم ترشيحه لهيئة الانتخابات.

وقال إنجه الذي واصل الجمعة جمع مئة ألف تزكية ضرورية من ناخبين، "ستذهب الانتخابات إلى جولة ثانية، وسأنُتخب رئيسًا في الجولة الثانية بأكثر من 60% من الأصوات".

يعتقد المحللون أن محرم إنجه الماهر في التواصل، له صدى بين الناخبين الشباب الذين سئموا من الرئيس اردوغان وغير مقتنعين بترشيح كمال كيليتشدار أوغلو، الموظف العام الكبير السابق البالغ 74 عاما والذي يقدم نفسه على أنه "قوة هادئة".

يقول بيرق إيسن "يبدو أنه يتمتع بشعبية خاصة لدى أبناء الجيل زي الذين يمكن أن يجذبهم بسهولة المرشحون المناهضون للوضع الراهن".

ويتابع "بالنسبة لهؤلاء الناخبين، لا يجسّد كيليتشدار أوغلو أي تجديد".

لكن مراقبين يعتبرون أن محرم إينجه ليس له فرصة للفوز بمفرده على الرئيس اردوغان الذي يحمل وزر الأزمة الاقتصادية وتداعيات زلزال السادس من شباط/فبراير الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص ودمر مدنا بأكملها.

والأسوأ من ذلك أن ترشحه لن يؤدي إلا إلى الإضرار بتحالف المعارضة.

يقول الصحافي السياسي دنيز زيرك "من غير المرجح أن يستقطب إنجه أصواتا من الحزب الحاكم".

ويضيف "من هو أكبر مستفيد (من ترشحه)؟ إنه اردوغان".

ما زالت المعارضة تحاول إقناع محرم إنجه بالانسحاب من السباق.

ويعتبر عمري بكر من مركز أوراسيا غروب للدراسات أن "قراره وقرار حزب الشعب الجمهوري بشأن دفن الأحقاد من عدمه سيكون مفتاح مصير كيليتشدار أوغلو في الجولة الثانية".

لخص كاتب العمود التركي غوفينتش داغوستون عبر صحيفة بيرغون اليومية اليسارية الشعور المشترك في صفوف معارضي الرئيس اردوغان، متوجها لإنجه بالقول "انسحب على الفور. ترشحك لن يجلب لك أي نجاح".

الأكراد يتطلعون إلى دور حاسم

قد يلعب الأكراد الذين يشعرون منذ فترة طويلة بالتهميش في السياسة التركية دورا حاسما في انتخابات مايو أيار التي ستشهد تنافسا قويا والتي ستحسم ما إذا كان الرئيس رجب طيب أردوغان سيستمر في الحكم بعد أكثر من عقدين في السلطة.

وتظهر استطلاعات للرأي توزانا دقيقا بين التحالف الحاكم لأردوغان وبين المعارضة، ومن ثم قد يلعب حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد دورا في تحديد شخصية الرئيس التالي على الرغم من أن مسعى قضائي لحظره قد يعني أنه قد يعيد تشكيل نفسه تحت مظلة حزبية جديدة.

وأدى ارتفاع معدل التضخم وانتقاد الناس لطريقة تصدي الحكومة للزلزال المدمر الذي وقع في فبراير شباط وأودى بحياة 48 ألف شخص على الأقل في تركيا إلى جعل أردوغان وحزب العدالة والتنمية يواجهان أصعب تحد انتخابي منذ صعود أردوغان إلى السلطة لأول مرة.

وعكف أردوغان لسنوات يخطب ود الأكراد الذين يشكلون نحو 20 بالمئة من سكان تركيا، وكسب تأييد جنوب شرق البلاد الذي تقطنه أغلبية كردية باتخاذه إجراءات لدعم حقوق الأكراد والتقدم الاقتصادي ومحاولة إنهاء الصراع مع المسلحين الأكراد.

لكن الدعم الكردي تراجع بشكل مطرد بعد أن اتبعت حكومة أردوغان نهجا قوميا أشد صرامة، ومع تواصل خصوم الحكومة مع حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد لدعم كمال قليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي تدعمه أحزاب المعارضة كمرشحهم لإلحاق الهزيمة بالرئيس.

وفي ظل استطلاعات رأي تظهر تمتع حزب الشعوب الديمقراطي بأكثر من عشرة بالمئة، قد يلعب الحزب دورا رئيسيا في الانتخابات التي ستحدد الزعيم التالي لتركيا واحتمالات المضي قدما في نهج أردوغان الاقتصادي الذي حقق نموا وطفرة في الإنشاءات في السابق لكنه جعل الأتراك يواجهون الآن تضخما بلغ 55 بالمئة.

وسجنت السلطات آلافا من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي ومشرعيه ورؤساء البلديات أو تم تجريدهم من مناصبهم في السنوات القليلة الماضية.

وفي عام 2019، تعاون حزب الشعوب الديمقراطي مع المعارضة لإلحاق الهزيمة بمرشحي حزب العدالة والتنمية الحاكم في انتخابات رئاسة بلديات المدن الكبرى.

وقال فهاب كوشكون، أستاذ القانون في جامعة دجلة في ديار بكر "لا أعتقد أن ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي سيجدون صعوبة في التصويت لصالح قليجدار أوغلو، نظرا إلى جهوده الأخيرة لبناء جسور مع كل من الناخبين الأكراد والمحافظين".

وفي الوقت الذي أقامت فيه المعارضة جسورا مع الأكراد، تحالف حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان مع حزب الحركة القومية منذ عام 2015 حين انهارت عملية سلام استهدفت إنهاء التمرد في جنوب شرق تركيا. وحزب الحركة القومية معارض قوي للحركة الكردية ومطالبها بالحقوق الثقافية.

واتهم بعض سكان ديار بكر التي ضربها الزلزال، وإن يكن بدرجة أقل من مناطق أخرى، الحكومة بالتقصير.

لكن هناك التحديات القانونية التي قد تعرقل دور حزب الشعوب الديمقراطي الذي فاز أيضا بنحو 12 بالمئة من الأصوات في الانتخابات العامة عام 2018.

فهناك قضية أمام القضاء الآن قد تمنع الحزب من خوض انتخابات مايو أيار بسبب اتهامه بوجود صلات له بمسلحين أكراد. وطلب الحزب الذي ينفي هذا الاتهام تأجيل جلسة المحكمة في 11 أبريل نيسان مستندا على أنها ستعرقل استعداداته للانتخابات.

ولم يعلن مسؤولو الحزب عما سيفعلونه إذا لم يتم إرجاء جلسة المحكمة، لكن تقارير صحفية قالت إنه سيوجه أنصاره للتصويت لحزب مستقبل الخضر واليسار الصغير الذي تبنى شعارا حزبيا شبيه بحزب الشعوب الديمقراطي.

أبرز الشخصيات في انتخابات تركيا

وفيما يلي وصف لشخصيات بارزة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية:

المرشحون للرئاسة:

- الرئيس رجب طيب أردوغان

تولى أردوغان (69 عاما) السلطة قبل 20 عاما مع خروج تركيا من فترة تضخم هائل. وتعهد بتشكيل بحكم رشيد بعد اتهام الائتلاف الحاكم حينذاك بسوء الإدارة. وفي ذروة نجاحه، تمتعت تركيا بازدهار اقتصادي طويل الأمد وارتفعت مستويات معيشة سكانها البالغ عددهم 85 مليون نسمة.

وسجل أردوغان الذي شغل المنصب لأطول فترة بين رؤساء تركيا أكثر من عشرة انتصارات انتخابية ونجا من محاولة انقلاب عام 2016. وشكل البلاد وفقا لرؤيته عن مجتمع متدين ومحافظ ودولة تلعب دورا إقليميا حاسما رغم ما يقوله منتقدون إنه استخدم المحاكم في ملاحقة المعارضة.

وقد تصبح انتخابات مايو أيار أصعب اختبار لأردوغان حتى الآن بعدما تسببت سياساته الاقتصادية غير التقليدية على مدى سنوات في أزمة غلاء معيشة. وبعد الزلازل المدمرة في فبراير شباط، اتهم معارضون حكومته بأن استجابتها لعواقب الزلازل جاءت متأخرة وبأنها سمحت لمقاولي البناء بالتحايل على القوانين ولولا ذلك لأمكن إنقاد أرواح كثيرة.

- كمال قليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري

اختار تحالف المعارضة قليجدار أوغلو (74 عاما) زعيم حزب الشعب الجمهوري مرشحه للرئاسة في فبراير شباط. وبينما استمر ظل أردوغان يطارده طوال مسيرته المهنية، فشل في سد الفجوة مع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية منذ أن تولى عام 2010 زعامة حزب الشعب الجمهوري، من يسار الوسط.

ودخل قليجدار أوغلو، وهو موظف حكومي سابق جاد وكان مشاكسا أحيانا، البرلمان عام 2002 تحت مظلة حزب الشعب الجمهوري الذي أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك وهو الحزب الذي سعي لتجاوز قاعدته الشعبية التقليدية من العلمانيين ليجتذب الأتراك المحافظين.

لكن استطلاعات الرأي تظهر أن ساعة قليجدار أوغلو ربما حلت الآن. فقد ذاع صيته عام 2017 حين قاد مسيرة للمعارضة من أنقرة إلى إسطنبول احتجاجا على سجن أحد نواب حزبه. وقاد لاحقا مسعى لتشكيل تحالف مع الحزب الصالح، القومي الوسطي، مما ساعدهما على الفوز في الانتخابات البلدية بإسطنبول وأنقرة عام 2019 فيما أصاب أردوغان بصدمة.

- محرم إنجه، زعيم حزب الوطن

يُنظر إلى محرم إنجه (58 عاما)، مدرس الفيزياء السابق ومدير إحدى المدارس، أن فرصته في أن يصبح رئيسا ليست كبيرة. وصعد نجمه أثناء 16 عاما في البرلمان نتيجة خطاباته المناهضة لأردوغان. وكان مرشح المعارضة الرئيسي للرئاسة عام 2018. وحصل إنجه في هذه الانتخابات على 30.6 بالمئة من الأصوات تاليا لأردوغان الذي حصل على 52.6 بالمئة، لكنه اجتذب ناخبين يمينيين من خارج قاعدة حزب الشعب الجمهوري العلمانية ذات التوجه الغربي.

وخسر مرتين قبل ذلك أمام قليجدار أوغلو في المنافسة على رئاسة حزب الشعب الجمهوري. وفي عام 2019، استقال من الحزب بحجة غياب الديمقراطية داخله وخلافات بشأن السياسة الخارجية، وأسس حزب الوطن.

- سنان أوغان

احتمالات فوز سنان أوغان (55 عاما) في الانتخابات ضئيلة أيضا. وأوغان أكاديمي سابق أسس مركز (تركسام) البحثي، ودخل البرلمان عام 2011 تحت مظلة حزب الحركة القومية اليميني المتطرف. وفشل في محاولة زعامة الحزب عام 2015 وطُرد لاحقا من الحزب. وأعلن ترشحه للرئاسة الشهر الماضي دون الانضمام إلى حزب أو تشكيل آخر.

حلفاء أردوغان:

- دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية

ساعد دولت بهجلي (75 عاما)، الزعيم القومي المتطرف، أردوغان في الحفاظ على قبضته على السلطة حين دعم محاولته للانتقال إلى الرئاسة التنفيذية في استفتاء عام 2017. وبدأ حزب الحركة القومية بزعامة بهجلي، المعارض الشديد لأردوغان في السابق، العمل مع الرئيس وحزب العدالة والتنمية بعد محاولة انقلاب عام 2016. وتوطدت العلاقات بينهما خلال فترة تصاعد العنف بين الجيش التركي ومسلحي حزب العمال الكردستاني. والكراهية لحزب العمال الكردستاني والموقف المتشدد من الأحزاب الموالية للأكراد هي جزء أساسي من خطاب بهجلي.

رموز المعارضة:

- ميرال أكشنار، زعيمة الحزب الصالح

تقود ميرال أكشنار (66 عاما)، وزيرة الداخلية السابقة، ثاني أكبر حزب في تحالف المعارضة وهو الحزب الصالح، القومي المعتدل من تيار الوسط. وتزايد ذيوع صيتها منذ 2016 حين طُردت من حزب الحركة القومية بعد محاولة فاشلة للإطاحة ببهجلي. وتجذب الناخبين المحافظين وغيرهم ممن أحبطهم تحالف حزب الحركة القومية مع حزب العدالة والتنمية. وضغطت من أجل العودة إلى النظام البرلماني الذي استبدله اردوغان بنظام رئاسي عام 2018.

وبعد معارضة مبدئية لترشيح قليجدار أوغلو، عادت إلى التحالف بعد إقناع قليجدار أوغلو بأن يصبح رئيسا بلديتي إسطنبول وأنقرة نائبين للرئيس إذا فازت المعارضة في الانتخابات الرئاسية في مايو أيار.

- صلاح الدين دمرداش، زعيم حزب الشعوب الديمقراطي

مازال صلاح الدين دمرداش (49 عاما)، الزعيم السابق لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، شخصية سياسية محورية رغم وجوده في السجن منذ عام 2016. وتشير استطلاعات رأي إلى أن تحالف المعارضة بحاجة إلى دعم من حزب الشعوب الديمقراطي لإلحاق الهزيمة بأردوغان. وفي الأشهر القليلة الماضية، دعا حساب دمرداش على تويتر الذي يتابعه أكثر من مليوني مستخدم قليجدار أوغلو ليكون مرشح المعارضة.

وحُكم على دمرداش بالسجن ثلاث سنوات لإدانته بإهانة الرئيس ويواجه الآن عقوبة محتملة بالسجن مدى الحياة في محاكمة مع أكثر من 100 سياسي آخر من حزب الشعوب الديمقراطي متهمين بالتحريض على احتجاجات 2014 التي أودت بحياة العشرات.

- علي باباجان، زعيم حزب الديمقراطية والتقدم

باباجان (55 عاما) هو نائب سابق لرئيس الوزراء وحليف مقرب سابق لأردوغان. استقال من حزب العدالة والتنمية عام 2019 بسبب خلافات حول توجه الحزب. وأسس حزب حزب الديمقراطية والتقدم الشهير باسم ديفا (العلاج) وحث على إجراء إصلاحات لتعزيز سيادة القانون والديمقراطية. وحظي وزير الاقتصاد والخارجية السابق بتقدير المستثمرين الأجانب.

- أحمد داود أغلو، زعيم حزب المستقبل

انفصل داود أوغلو (64 عاما)، رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق، عن حزب العدالة والتنمية عام 2019 وأسس حزب المستقبل. وفي العقد الأول من حكم حزب العدالة والتنمية، تبنى داود أوغلو سياسة خارجية لا تعتمد على المواجهة وترفع شعار "صفر مشكلات مع الجيران". وانتقد منذئذ ما وصفه بجنوح نحو الاستبداد في ظل الرئاسة التنفيذية.

- أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول

بعد خمس سنوات من توليه رئاسة حي في إسطنبول عن حزب الشعب الجمهوري، برز رجل الأعمال السابق أكرم إمام أوغلو (52 عاما) في مارس آذار 2019 حين ألحق الهزيمة بمرشح حزب العدالة والتنمية في انتخابات بلدية إسطنبول. وحُكم عليه بالسجن لأكثر من عامين في 2022 لإدانته بإهانة مسؤولين عموميين وسيُحظر عليه العمل السياسي إذا تم تأييد الحكم.

- منصور ياواش، رئيس بلدية أنقرة

ألحق المحامي والسياسي القومي، منصور ياواش (67 عاما)، الهزيمة بمرشح حزب العدالة والتنمية في السباق على رئاسة بلدية أنقرة عام 2019 كمرشح عن حزب الشعب الجمهوري مدعوم من تحالف معارض. وتولى سابقا رئاسة حي في أنقرة عن حزب الحركة القومية لمدة عشر سنوات حتى عام 2009. وترك حزب الحركة القومية وانضم إلى حزب الشعب الجمهوري عام 2013.

اضف تعليق