q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

لماذا يشكل الاستهلاك المفرط أعظم أزماتنا؟

مفهوم الزهد والاستهلاك في نهج الإمام علي (ع) (2)

لماذا يغرق الانسان في عالم الأشياء وبالنتيجة يصبح عبدا لها، لذلك (الزهد ثروة) لأنه لابد أن تتغير رؤية البشر لهذه الحالة الذاتية التدميرية، البشر يستحضرون وينتجون حالة من التدميرية الذاتية دون أن ينظروا إلى العواقب المستقبلية، ومستقبل الأجيال القادمة، إنهم يقتلون أنفسهم بأنفسهم بهذا الأسلوب في التفكير والعيش...

(أزهد في الدنيا تنزل عليك الرحمة)

إن العالم اليوم يعيش أزمات كبيرة جدا، سياسية واقتصادية ومناخية وكوارث وصراعات وحروب، وليس هناك أفق لحل هذه الازمات، ونلاحظ أمرين في هذه الأزمات:

الأول: إن صناع القرار والنخب الموجودة في العالم لا تمتلك رؤية لقيادة العالم، وليس لها منهج واضح واقعي فعال من أجل تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي والنفسي والاجتماعي لمختلف فئات الناس، بل هناك افتقاد للرؤية، وغالبا ما تصطدم الرؤية التي يطرحونها بجدران من الفشل والخيبة والاحباط.

الثاني: إن العالم يعيش اليوم حالة من القلق المستمر، بسبب عدم وجود مستقبل واضح في هذا العالم، المجتمعات والناس، خصوصا في المجال الاقتصادي، مع العلم أن هذا العالم تطور تكنولوجيا بشكل هائل، حتى وصل إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي، لكننا نلاحظ أن العالم يزداد شكًّا وقلقا وعدم وضوح لأفق المستقبل، فلابد من المفترض أن يكون هذا التقدم الحاصل في مختلف العلوم طريقا لرفع الشك والقلق، وتحقيق الاستقرار والاطمئنان والسعادة لمختلف الناس ومختلف دول العالم.

استنساخ التجارب الفاشلة

ولكن لا يزال القلق موجودا، إذن ماذا يجب أن يفعل العالم، وماذا يجب أن تفعل النخبة وصناع القرار؟، لابد أن يعكسوا الرؤية وينتقلوا إلى بعد ثانٍ في معالجة القضايا والمسائل العالقة، ولا يكونوا متمسكين في نفس الأفكار والنظريات والاستراتيجيات التي تتكرر باستمرار لدى صناع القرار أنفسهم، ويصرّون عليها وعلى استنساخ الأفكار نفسها، وبالتالي استنساخ التجارب الفاشلة.

لابد أن تعكس رؤيتك للحلول، فلو أنك وجدت خللا في النتائج التي تتوقعها في الحياة، فلابد أن تبحث عن أصل المشكلة وتجده، من خلال تغيير رؤيتك في طريقة معالجتك في التعامل مع هذه القضية، مثلا إذا كنت تجد نفسك في حالة صحية غير جيدة، فلابد أن تراجع المختصين، وتعرف ما هو الغذاء الذي تأكله ويؤدي بك إلى هذه النتيجة؟، فعليك أن تغيِّر طريقة غذائك، فإذا فعلت هذا سوف تجد حلّا آخر.

الوقوع في مستنقع التضخّم

عليك أن لا تبقى متمسكا بنفس الطريقة، فإذا كان أسلوب عملك في الدائرة الرسمية، أو في المحل، أو في أي مكان آخر، ووجدت أن هذا الأسلوب غير ناجح، فعليك أن تغيّر طريقتك وأسلوبك، أنظر برؤية ثانية، كذلك الأمر فيما يحدث بالعالم، فالمشكلة الاقتصادية التي نعيشها اليوم تتكرر باستمرار، لعدة سنوات، ولذلك نلاحظ عالم اليوم قد وقع في مستنقع التضخم الهائل، حيث الارتفاع في الأسعار مستمر مع انخفاض القوة الشرائية، فأصبح معظم سكان العالم يعيش فقيرا ولا يستطيع أن يحصل على أبسط الأشياء بسبب حالة التضخم المزمنة.

انخفاض النمو الاقتصادي

ماذا فعلوا لغرض مواجهة التضخم؟، قاموا برفع أسعار الفائدة، فحبسوا رأس المال في البنوك، وبالنتيجة أدى ذلك إلى الركود وإلى انقطاع الاستثمار وتفشي البطالة وبالتالي إلى انخفاض النمو الاقتصادي، لكن هذه ليست حلولا للمشكلات، لأنها حلول وقتية تتكرر باستمرار، إذن لابد من البحث عن رؤية أخرى، وهنا كما ذكرنا في الحلقة السابقة عن الإمام علي (عليه السلام):

(والزهد ثروة)، الثروة ليست في تراكم المال ولا في وجود المعادن، وليست في الأراضي والعقارات التي تمتلكها، ولا في آبار النفط والذهب والفضة وما تمتلكه من موارد طبيعية، الثروة الحقيقية تكمن في كيفية الإدارة المعتدلة لهذه الثروة، لو أننا نلاحظ الكثير من بلدان العالم نجد أنها تمتلك الثروات الكبيرة، ولكن في الواقع هي أفقر الدول ومن أكثر الدول التي تعاني من الفساد، ما السبب في ذلك؟

إن هذه الدول فيها سوء إدارة، وهذا يحدث بسبب عدم وجود الأكفاء الذين يديرون هذه الدول وثرواتها، وعدم وجود عقل إداري تخطيطي ناضج يستطيع أن يعالج هذه الأمور بحنكة وحكمة وفهم ومعرفة وعلم، لذلك تصبح هذه الموارد مهدورة، فـ (الزهد ثروة)، يقصد بهذا أن المعالجة وأسلوب التعامل يجب أن يتم من خلال جعل المادة وسيلة لتحقيق غايات كبيرة.

ليس كل مادة هي ثروة، لأن المادة وسيلة لتحقيق غايات كبيرة للفرد وللمجتمع، والزهد ثروة معناها أن لا تتعامل مع بأسلوب تملّكي احتكاري، هيمني، وتريد أن تحتكر الأموال وتصرفها في الترف واللهو والإسراف والتبذير وشراء الماديات الكثيرة، فلابد من القيام بعملية إدارة الثروة بأسلوب صحيح.

لهذا يوجد عدد من المشكلات الأساسية التي يعيشها العالم وهي:

المشكلة الأولى: هناك زيادة على الطلب

فهناك أزمات اقتصادية مستمرة ومتصاعدة سببها الزيادة الهائلة في الاستهلاك، وزيادة الطلب تعني الشراهة في الاستهلاك، بسبب النزعة المادية المتضخمة، فأصبح العرض لا يكفي لسد الطلب، والاستهلاك بات كبيرا، لأن ثقافة الاستهلاك تؤجَّج وتلتهب بسبب الماكنات الإعلانية والإعلامية للشركات الكبرى.

استهلاك ما ترغب به العين

لذلك أصبحت التجارة العالمية هائلة جدا، وانتشرت السلع غير الجيدة، والسلع التي لا يحتاجها الإنسان بشكل كبير، فالإنسان أصبح لا يستهلك حسب ما يحتاجه، وإنما يستهلك السلع حسب ما تراه عينه، أي يستهلك السلع بعينه، أو بسمعه، حين يسمع أن السلعة الفلانية جيدة أو جميلة أو لذيذة، فيذهب ويقتنيها، فيتم تكديس السلع، لهذا أصبح العالم يعيش حالة من التكديس الكبير.

وهذا يستنزف موارد الأرض بشكل هائل، وأصبح العالم (البحار والمحيطات والغابات والصحاري)، عبارة عن مكب نفايات مكدسة وسلع كثيرة موجودة في كل مكان ولا يستطيع هذا العالم أن يستوعب كل هذا التكديس والزيادة على الطلب.

المشكلة الثانية: استنزاف الموارد الطبيعية

استنزاف الموارد الطبيعية الى حد هائل بالهدر والتبذير والاسراف واغراق الأرض بالنفايات، واستهلاك الأراضي الزراعية مما يؤدي الى تدهورها، وتدمير الغابات الطبيعية من أجل الزراعة، والصناعات الكبيرة تستنزف مياه الأنهار، والبحار أصبحت مكبّا للنفايات، وبؤرا للتلوث، وهذا الاستنزاف الكبير واستخراج المعادن بشكل كبير بسبب التنافس في الصناعة، وتصاعدت مبيعات المنتجات الكثيرة بسبب كثرة الطلب الذي تشجع عليه الشركات الرأسمالية، تشجع الاستهلاك فيزداد الطلب، مما يؤدي الى تزايد عملية استنزاف الموارد المستخرجة من الأرض، لذلك يعيش العالم اليوم كمّا هائلا من التلوث بسبب هذا الاستخراج الهائل للكثير من الموارد.

هنا سنلقي نظرة ونقدم بعض الأرقام والإحصاءات حول معنى استنزاف الموارد الطبيعية، فنحن نعيش مع الطبيعة، فنستهلك الهواء والماء، والطبيعة هي التي تولّد لنا الأوكسجين وتؤمّن لنا موارد العيش السليم، فالطبيعة هي أساس حياتنا، وهذه مواردنا.

طبيعة بلا موارد

تقول الإحصاءات إنه هناك مليون نوع من الحيوانات معرَّض لخطر الانقراض، حيث تختفي موارد ومساكن هذه الأنواع أو تصبح ملوثة، وتقول التقارير العلمية الصادرة مؤخرا إن أحد أسباب انتشار الأمراض الوبائية في العالم هو إزالة الغابات، حيث أدت إلى هجرة الحيوانات، فأصبحت على احتكاك مع البشر وأدى ذلك إلى انتشار الأوبئة بين البشر، هكذا نلاحظ الآثار الجانبية الهائلة التي تتولد عن عملية تدمير واستنزاف الموارد.

إن إزالة الغابات والتصحّر يؤديان إلى خلق أراض قاحلة، في حين أنها كانت مزدهرة ذات يوم، هذا الاستنزاف للزراعة أدى إلى تدهور كثير من الأراضي، وهذا التدهور يستمر ويتصاعد مما يؤدي إلى أنه يصبح من الصعب إطعام الأعداد المتزايدة لسكان الأرض، لأن تدمير الموارد الطبيعية واستنزافها بشكل مستمر سوف يؤدي بالنتيجة إلى فقدان هذه الموارد، وبذلك فإن البشر يصبحون بلا موارد تديم حياتهم.

تقول الإحصاءات إننا فقدنا ما يقارب 13% من كافة أنواع الكائنات البرية المعروفة في العالم حيث تقلص عددها بنسبة 69% بالمتوسط خلال الـ خمسمائة عام الماضية، يقول البروفيسور أنثوني بارنوسكي أستاذ علم الأحياء بجامعة كاليفورنيا ببركلي: "لن يستغرق الأمر الكثير من الفترات التي يبلغ كل منها 50 عاما حتى نصل إلى مرحلة تتعرض فيها تلك الأنواع للانقراض".

ويعني ذلك انه حتى البشر سوف يتعرض للانقراض، ما دام هناك تصاعد واستمرار في الاستنزاف والاستهلاك للموارد الطبيعية، فإنه هذه النسبة المئوية تزداد في كل سنة، إلى أن نصل إلى مرحلة الصفر، فلا يبقى شيء، فالإنسان بنفسه هو الذي يدمر نفسه ويدمر حياته ويدمر مستقبل الأجيال القادمة.

وهكذا نلاحظ كيف أن الإنسان لا يستفيد من هذا الموارد، بل يقوم بتدميرها من خلال القمامات والنفايات، فهناك نفايات بمقدار 11 مليون طن من البلاستيك وحده تُلقى أو تُرمى في البحار، وهذه الكميات تدخل في أجواف الحيوانات مما يدمرها ويقتلها.

المشكلة الثالثة: يتسبّب الاستهلاك في أزمات مناخية وكوارث كبرى

فحين يكون هناك استهلاك كبير مفرط وهائل ستكون هناك صناعة هائلة وانتاج حاجات لا يحتاجها الإنسان، فيكون هناك طلب كبير، وفي نفس الوقت يوجد هناك من يلبي هذا الطلب من خلال استمرار الصناعة التي تعتمد على الوقود الأحفوري، كالفحم والنفط والغاز وأنواع الوقود كافة.

هذه الصناعات تولد المزيد من التلوث الذي يتحول إلى تراكم غيوم من الانبعاثات في الجو، فتؤدي إلى اختلال المناخ الطبيعي وعدم توازن دورة الطبيعة الصحيحة ودورة الأمطار، ولايكون لدينا شتاء وصيف وربيع وخريف معتدل متساوٍ، وحياة طبيعية في المناخ، لكن هذا التلوث أدى إلى الاحتباس الحراري، مما أدى بالنتيجة إلى ارتفاع درجات الحرارة، وهذا بدوره أدى إلى قلة الأمطار وإلى انتشار الجفاف في العالم.

وتتوقع تقارير الأمم المتحدة أن يواجه العالم بسبب التغيّر المناخي والاحتباس الحراري بحلول سنة 2030 نحو 560 كارثة كل سنة، أي بمعدل كارثة ونصف في كل يوم.

عواصف وسيول وزلازل هائلة وعواصف ترابية وأعاصير كبيرة بسبب تغيّر المناخ تأتي وتجرف كل شيء، وقد رأيتم في الأشهر الماضية العواصف والسيول الكبيرة التي أدت إلى تهجير مليون إنسان في باكستان.

وفي العراق كما يقول المختصون أنه من الآن إلى سنة 2050 سوف تحدث فيه 300 عاصفة ترابية في السنة، بسبب الجفاف والتصحّر الذي تسبب به التغير المناخي، وتجريف البساتين وعدم وجود الأشجار وزحف التصحر، كل هذا بسبب الهدر والطغيان في استهلاك الموارد الطبيعية.

وأرجع التقييم العالمي أسباب هذا الوضع إلى عدم تحرك الدول والحكومات لاتخاذ قرارات حاسمة تتعلق بالسياسة والتمويل والتنمية لكبح التغيرات المناخية.

الجفاف الحضاري

فهذا التغير المناخي وهذه النزعة الاستهلاكية الضخمة القائمة على الاستنزاف والاستهلاك وعلى الصناعة العمياء والانتاج الأعمى، دون أن يفكر أحد بالعواقب، أدى إلى هذه النتائج الكارثية، فالعالم يتجّه نحو إحترار يتراوح بين 2,1 و2,9 درجة مئوية، لكن خبراء من خارج الهيئة الأممية يحذّرون من أن الرقم أعلى بكثير، مع تسجيل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العام 2021 رقما قياسيا جديدا.

فالبشرية تسير على المسار الحتمي لتجاوز 3 درجات مئوية من الاحترار العالمي بحلول عام 2030، ما قد يتسبب في انقراض ملايين الأنواع. وهذا يعني أن العالم سوف يعيش في فرن، حيث لابد أن يتعايش الإنسان مع درجات حرارة عالية.

هناك بعض الدول ليس فيها شتاء، دول كانت تنزل فيها الثلوج، أما الآن ليس فيها ثلوج وليس فيها شتاء، حتى أصبح الشتاء ربيعا في كثير من الدول، وأصبح الربيع صيفا والخريف صيفا أيضا.

ومن نتائج هذا الاستنزاف والاستهلاك هو الجفاف بسبب الاحتباس الحراري، جفاف حاد يستمر 20 عاما بإمكانه أن يؤدي إلى انهيار حضارات عن بكرة أبيها.

والآن يعاني نحو ملياري شخص من صعوبة الوصول إلى الماء، وهذا الأمر في حالة تصاعد وسوف يتعقد أكثر في المستقبل، وحجم النقص في المياه بالعالم سيصل في سنة 2030 إلى 40%.

فإذا بقي الوضع على حاله واستمر عدم سقوط الأمطار، والاستغلال الكبير المفرط للمياه الجوفية، فإن ارتفاع الحرارة بدرجة واحدة سوف تؤدي إلى أن يفقد 7% من سكان الأرض 20% من مواردهم من المياه المتجددة، وهكذا سوف يحصل الانقراض الجماعي بسبب الاستهلاك الأعمى الذي تشترك به كافة المجتمعات.

ازمة الاستهلاك وخطر البدانة

ونلاحظ أن كل هذه الأزمات تولّد أزمات ثانية، فالاستهلاك الأعمى والمفرط وعدم وجود نمط حياة معتدلة طبيعية، يؤدي إلى انتاج أزمات أخرى كأزمة البدانة فالإحصاءات تقول بأن السمنة تضاعفت في العالم بنحو ثلاثة أضعاف منذ عام 1975، وكما يبدو هذا رقم هائل وهو يعني إن الاستهلاك الشرِه ازداد ثلاثة أضعاف، ويبقى مستمرا بالازدياد.

في عام 2016 كان أكثر من مليار أو قريب من المليارين شخص في العالم من البالغين (18 سنة أو أكثر) يعانون من فرط الوزن وازدياد السمنة، وهذا ما حذرت منه منظمات دولية من وباء الوزن الزائد الذي تسبب بأمراض خطيرة وكثيرة، كأمراض القلب والسرطان وارتفاع ضغط الدم وازدياد الوفيات الناجمة عنها، كل هذا وغيره الكثير يحدث بسبب الاستهلاك الكبير من قبل البشر دون أن يكون لديهم تأمل لبناء أسلوب اعتدال في حياتهم.

في أوروبا وحدها فقط، تحصد السمنة البدانة وحدها، حياة مليون ومئتي ألف شخص سنويا، وأصبحت معدلات الارتفاع تتصاعد بشكل كبير، معدلات الوزن الزائد والسمنة وصلت إلى مستويات وبائية في جميع أنحاء المنطقة، وهي آخذة في الارتفاع، حيث يعاني ربع البالغين في أوربا من الوزن الزائد. مما يمثل أكثر من 13% من الوفيات في المنطقة. وتسبب السمنة ما لا يقل عن 13 نوعا من السرطان.

كل هذا سببه ارتفاع الاستهلاك الكبير للغذاء، وللحياة غير الطبيعية، وارتفاع معدل الاستهلاك المفرط، وارتفاع استهلاك الغذاء السيّئ، والسكَّر المضاف في العصائر.

أصبح الإنسان يريد كل شيء، فيذهب إلى المطاعم ليأكل ويشرب ويلتذ دون أن يلاحظ الثمن الذي يدفعه، فهو في الحقيقية لا يدفع المال ثمنا عمّا يستهلكه، وإنما يدفع الثمن من نفسه، وجسده، وصحته، وحياته.

ارتفاع معدل استهلاك السعرات الحرارية

قالت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إن عدد السعرات الحرارية التي يستهلكها الفرد على مستوى العالم ارتفع بنسبة تسعة في المائة في المتوسط خلال العام الماضي، أي إلى 2960 سعرة في اليوم. يتماشى هذا الاكتشاف مع اتجاه يُظهر أن الناس في جميع مناطق العالم يتناولون المزيد من السعرات الحرارية منذ عام 2000. شهدت أوروبا وأمريكا الشمالية استهلاك معظم السعرات الحرارية في العام الماضي بمعدل 3540 سعرا في اليوم.

أن 866 مليون شخص يعملون في الزراعة اليوم. هذا الرقم يمثل أكثر من ربع سوق العمل العالمي وقيمته 3.6 تريليون دولار. ومقارنة بعام 2000، فإن هذا يمثل "زيادة بنسبة 78 في المائة في القيمة الاقتصادية، ينتجها عدد أقل من الناس بنسبة 16 في المائة".

منذ عام 2000، نما إنتاج المحاصيل الأولية، مثل قصب السكر والذرة والقمح والأرز، بنسبة 52 في المائة من عام 2000 إلى عام 2020 ليصل إلى 9.3 مليار طن.

وزاد إنتاج الزيوت النباتية بنسبة 125 في المائة خلال تلك الفترة، مع زيادة إنتاج زيت النخيل بنسبة 236 في المائة.

نما إنتاج اللحوم، بقيادة الدجاج، بنسبة 45 في المائة، بينما شهدت الفواكه والخضروات نموا بنسبة 20 في المائة أو أقل.

من بين العدد المذهل من الحقائق التي قدمتها منظمة الأغذية والزراعة، يعتبر قصب السكر أكبر محصول في العالم من حيث الحجم، حيث يبلغ 1.9 مليون طن سنويا ويأتي محصول الذرة في المرتبة الثانية- 1.2 مليون طن. حيث يُستهلَك السكر بشكل كبير في العصائر والأغذية المصنَّعة التي تسبب مختلف الأمراض بسبب الاستهلاك الأعمى.

بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت الصادرات الغذائية العالمية إلى 1.42 تريليون دولار، بزيادة 3.7 مرة منذ مطلع القرن.

أكبر الدول المصدرة للأغذية في العالم من حيث القيمة الإجمالية هي الولايات المتحدة وهولندا والصين.

تبلغ مساحة الأراضي الزراعية 4.74 مليار هكتار من سطح الكوكب، بما في ذلك المروج والمراعي، فضلا عن المحاصيل.

وعندما تنمو الزراعة بهذه الطريقة غير المعتدلة والمفرطة ستؤدي إلى استهلاك التربة وتدميرها، وتؤدي إلى استهلاك المياه، وتلوث الجو بالانبعاثات الغازية.

كم عدد السيارات في العالم؟

يعتقد بعض محللي وخبراء صناعة السيارات أن عدد السيارات في العالم 2022 قد تجاوز بالفعل 1.7 مليار، ويستمر الرقم في النمو بمعدل مذهل. ولفهم معدل النمو ووضعه في المنظور الصحيح عليك معرفة أن العالم كان موطنًا لحوالي 670 مليون سيارة في عام 1996، و 342 مليون سيارة فقط في عام 1976.

إذا استمر معدل النمو المذهل هذا حيث يتضاعف الرقم كل 20 عامًا فيمكننا أن نتوقع رؤية حوالي 2.8 مليار مركبة على هذا الكوكب في عام 2036.

وفقًا لأحدث التقديرات، يبلغ عدد سكان العالم 7.9 مليار حاليًا ويظل يتزايد بسرعة، ومع بلوغ عدد السيارات في العالم 1.7 مليار سيارة على الطريق، فإن هذا يجعل لكل شخص حوالي 18% من سيارة أي حوالي سيارة لكل خمس أشخاص، ولكن هذا قبل حذف الأطفال وكبار السن وأي شخص آخر ليس لديه أو لا يريد امتلاك سيارة.

إنه انتشار غير متساوٍ بالطبع مع ارتفاع عدد السيارات لكل فرد في الغرب مقارنةً بالشرق النامي، لكن هذه الأرقام سوف تتغير بشدة في العقد القادم، ومن هنا جاء الازدهار المستمر في عدد السيارات العالمي.

هذا نوع من الاستهلاك المفرط الذي يدل على عدم الحاجة، وهو نوع من الترف القاتل الذي يدمّر البشر. هذا يؤدي إلى تدمير الأعصاب وتدمير الصحة الجسدية، ويزيد من تلوث الهواء، نتيجة زيادة الاستهلاك الأعمى، فماذا يفعل الإنسان بكل هذه الأشياء؟

إنتاج التدمير الذاتي

لماذا يغرق الانسان في عالم الأشياء وبالنتيجة يصبح عبدا لها، لذلك نحن نؤكد على أن (الزهد ثروة) لأنه لابد أن تتغير رؤية البشر لهذه الحالة الذاتية التدميرية، البشر يستحضرون وينتجون حالة من التدميرية الذاتية دون أن ينظروا إلى العواقب المستقبلية، ومستقبل الأجيال القادمة، لا يفكرون بذلك، إنهم يقتلون أنفسهم بأنفسهم بهذا الأسلوب في التفكير والعيش.

تشير الآية القرآنية الى ذلك: (ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ...) البقرة 85. لنلحظ هذا التعبير (تقتلون أنفسكم)، هذه تدميرية ذاتية، فعندما تريد أن تربح فقط، وتنتج حتى يستهلك الآخرون ما تنتجه، فإنك تقوم بتدمير نفسك، لأن هذه الطريقة عبثية في الحياة، وهذا غياب للتعقّل.

لذلك نؤكد على منهج الإمام علي (عليه السلام) في الزهد والعيش ببساطة، مواصلة العيش بحسب الحاجات ووفقا للاعتدال المناسب للحياة الطبيعية، حتى نحافظ على أنفسنا، حتى نحيي أنفسنا ولا نقتلها، وحتى نحمي الطبيعة ونحمي ابناءنا وأجيالنا المقبلة، وإلا ما هي فائدة الأمراض، فهل الإنسان يأكل لكي يمرض، أم يأكل لكي يعيش حياة سليمة صحية؟

تعقّل النفع والضرر

هذا يعني غياب المفهوم العقلاني للحياة لمسألة النفع والضرر، مثلا الإنسان الذي ينتج الخمر حتى يربح، فهو في الحقيقة ينتج الضرر، ولا ينتج النفع لأن الخمر لا ينفع بل مضرّ، والمخدرات مضرة، وحتى الإنتاج الكثيف لكثير من السلع سوف يكون مضرّا إذا تجاوز الحاجة المطلوبة، فهذا ليس فيه نفع وإنما هو ضرر وغياب للنفع، لأن النفع محدّد بغايات، فالإنسان يجب أن يعيش سعيدا مستقرا سليما معتدلا في حياته.

قد يقوم أحدهم بإنتاج مواد سيئة ورديئة ويقوم ببيعها للناس بسعر قليل، فلا ينتفع هو ولا ينتفع الناس، وإذا أصبح هذا النوع من البيع أو التجارة ثقافة فإنه هو وعائلته سوف يأكل من هذه النفايات أيضا، لذلك لابد أن نؤكد على مفهوم النفع العقلاني وليس الربح المادي البحت.

فعن الإمام علي (عليه السلام): (لا ترغب في كل ما يفنى ويذهب فكفى بذلك مضرة)، فلا تنغمس في استهلاك الأشياء المضرة، الأشياء المعدومة التي لا نفع فيها، وابحث عن الأشياء المفيدة والجيدة، التي تغذيك وتمنحك الصحة الجيدة، ولا تأكل الأشياء الرديئة التي ينتج عنها ضرر.

وعن الإمام علي (عليه السلام): (الزهد أن لا تطلب المفقود حتى يعدم الموجود). لنفرض أننا بحسب الأرقام والإحصاءات التي طرحنا القليل منها، أننا جعلناها في هذا الميزان، أي أنك تطلب الشيء المفقود ولا تطلب الموجود عندك، تضعه في الميزان وتقرأه فكيف سيكون العالم؟

هذه الرواية تعلمنا كيف نتعامل مع الأشياء الموجودة لدينا من حيث الحاجة أم عدم الحاجة لها، وكيف يؤدي هذا إلى تحقيق التوازن في العالم وفي الطبيعة وصحتنا وفي نفسيتنا ويحقق لنا السعادة والاستقرار والازدهار والعيش بسلامة واطمئنان دون قلق.

عنه (عليه السلام): (أزهد في الدنيا تنزل عليك الرحمة)

وللبحث تتمة..

اضف تعليق