q
أسعار السلع الأساسية قد ساعدت في ارتفاع معدلات التضخم في المقام الأول. علاوة على ذلك، يُشير خبراء النقد إلى أن معدل نمو المعروض النقدي في الولايات المتحدة قد تراجع. في حقبة سابقة، كانت لتكون هذه البيانات وحدها كافية لمنع بنك الاحتياطي الفيدرالي من رفع معدلات الفائدة إلى مستويات هائلة...
بقلم: جيم اونيل

لندن ـ في شهر يناير/ كانون الثاني من هذا العام، أعربتُ عن تفاؤلي بأن الركود في مختلف أنحاء العالم الغربي (وخارجه) أصبح أقل احتمالًا، وقد دعمت المؤشرات العالية التواتر منذ ذلك الحين بالفعل التوقعات الإيجابية. هذا صحيح بشكل خاص في الولايات المتحدة والصين، بعد أن قامت باستئناف أنشطتها الاقتصادية، ولكنه ينطبق أيضًا على أوروبا القارية والمملكة المتحدة (بدرجة أكثر تواضعًا)، والعديد من الاقتصادات النامية والناشئة.

ومع ذلك، على الرغم من المؤشرات الإيجابية الأخيرة، ظهرت عدة مصادر جديدة لعدم اليقين. أولاً، لم تعد هناك أدلة كافية على الانخفاض المستمر لمعدلات التضخم في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، الأمر الذي دفع محافظي البنوك المركزية إلى التحذير من أنهم قد يضطرون إلى استئناف تشديد السياسة النقدية بشكل عاجل. وقد أبلغ رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول الكونجرس للتو أنه بعد خفض حجم الزيادة الأخيرة في معدلات الفائدة من 50 نقطة أساس إلى 25، قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تنفيذ زيادات أكبر. وبالنظر إلى الأهمية المركزية للسياسة النقدية الأمريكية في الاقتصاد العالمي، فإن مثل هذه التغييرات ليست بالأمر الهين.

لقد تراجعت الأسواق المالية على النحو الواجب، وذلك في ظل ارتفاع توقعات أسعار الفائدة قصيرة الأجل بشكل حاد. وفي الوقت الراهن، تتوقع الأسواق أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة فوق 5٪، ويتوقع بعض المراقبين ارتفاعًا يبلغ 6٪. وفي كلتا الحالتين، سيتعين على المستثمرين تجاوز العديد من العقبات لسنوات عديدة قادمة، بما في ذلك في مجال الأسهم.

سوف تظهر الإشارة القوية التالية في العاشر من مارس/آذار، عندما يُصدر مكتب إحصاءات العمل الأمريكي بيانات تشغيل العمالة لشهر فبراير/شباط. سيقوم المشاركون في السوق بفحص تقرير مكتب إحصاءات العمل الأمريكي بحثًا عن أدلة على زيادة الضيق في سوق العمل، مما قد يعني ضمنًا المزيد من الزخم التضخمي المُحتمل. عقب صدور تقرير الوظائف مباشرة، سنحصل على التحديث الشهري التالي لأسعار المستهلك. إذا كانت هذه التقارير تشير إلى استمرار ارتفاع معدلات التضخم، فلا يمكننا استبعاد انتشار حالة من الهلع والخوف على نطاق واسع في الأسواق المالية.

فقد يُساهم التقريران القادمان في تجديد المخاوف المرتبطة بالانخفاض الحاد (الركود مع زيادة حادة في معدلات البطالة) الذي كان موضع نقاش في النصف الثاني من عام 2022. قد تؤدي الأدلة على استمرار التضخم إلى زيادة الضغوط المفروضة على بنك الاحتياطي الفيدرالي للمبالغة في تشديد سياسته النقدية باسم إثبات مصداقيتها بشأن استقرار الأسعار. وكيفما كان قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي، ستحذو العديد من البنوك المركزية الأخرى حذوه.

أنا لا أحسد محافظي البنوك المركزية أو المتنبئين المحترفين في مثل هذه الظروف. فقد أصبحت وظائفهم صعبة على نحو متزايد. ومع ذلك، لا تزال المؤشرات الرئيسية الأخرى للتضخم مُشجعة إلى حد ما. وعلى الرغم من استئناف الصين لأنشطتها الاقتصادية، فإن العديد من أسعار السلع الأساسية العالمية لم تنتعش بشكل كبير، وقد استمر بعضها في التراجع. كما انخفضت مؤشرات أسعار السلع الأساسية بنسبة 20٪ تقريبًا على أساس سنوي، وسجلت بعض المؤشرات الحاسمة، مثل الغاز الطبيعي الأوروبي، تراجعًا ملحوظًا.

لا ينبغي التغاضي عن هذه المؤشرات، نظرًا إلى أن أسعار السلع الأساسية قد ساعدت في ارتفاع معدلات التضخم في المقام الأول. علاوة على ذلك، يُشير خبراء النقد إلى أن معدل نمو المعروض النقدي في الولايات المتحدة قد تراجع. في حقبة سابقة، كانت لتكون هذه البيانات وحدها كافية لمنع بنك الاحتياطي الفيدرالي من رفع معدلات الفائدة إلى مستويات هائلة. وفوق كل ذلك، بدأت العديد من مؤشرات سوق الإسكان - مثل الانخفاض الواسع النطاق في أسعار المساكن - في الإشارة إلى أن الاقتصاد يعرف انتعاشًا نسبيًا.

وبالنظر إلى هذه الإشارات الأكثر تشجيعًا، إذا كانت تقارير التوظيف الشهرية وتقارير أسعار المستهلك القادمة أكثر إيجابية مما كان متوقعًا، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي والأسواق المالية سوف يتنفسان الصعداء. وسيظل الانخفاض الآمن - أو "عدم الانخفاض" - احتمالًا واردًا.

بطبيعة الحال، لا تزال العديد من القضايا الأخرى تُشكل تحديات هائلة. بداية، لا تزال الحرب الروسية في أوكرانيا تُشكل مصدرًا عميقًا لانتشار حالة من عدم اليقين العالمي. في هذه المرحلة، لا أحد يملك أي فكرة عن موعد أو كيفية انتهاء القتال، ناهيك عن العواقب الاقتصادية التي ستترتب عليه، خاصة على أسعار السلع الأساسية.

يتمثل المصدر الثاني لعدم اليقين في الانتعاش الاقتصادي في الصين. فقد أعلن صُناع السياسة الصينيون مؤخرًا عن خطة لبلوغ هدف يتمثل في نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5٪ تقريبًا (المعدل حسب التضخم) هذا العام، وهو أقل مما يتوقعه العديد من المتنبئين نظرًا لقوة الانتعاش الذي أعقب جائحة فيروس كوفيد 19 والذي شوهد في أماكن أخرى. علاوة على ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان انتعاش الصين سيواجه بعض العوائق بفعل التحديات الهيكلية الأخرى، لاسيما تلك الناشئة عن سوق العقارات فيها. سيكون لدى مراقبي الصين الكثير من القضايا التي يتعين عليهم متابعتها والتفكير في حلها قبل حلول نهاية العام.

وأخيرًا، نجد اليابان، حيث استقال هاروهيكو كورودا من منصبه كمحافظ لبنك اليابان بعد عشر سنوات من توليه هذا المنصب. لكن هل سيؤدي تغيير المحافظ إلى ابتعاد بنك اليابان بشكل أسرع عن السياسات النقدية المتساهلة للغاية وسياسات سوق السندات التي أشرف عليها كورودا؟ بالنظر إلى المدة الطويلة التي عمل فيها بنك اليابان على إتباع سياسة التيسير الكمي وآثارها على الأسواق المالية في الداخل والخارج، فإن أي تحولات جديدة ستُخلف بلا أدنى شك عواقب بعيدة المدى.

* جيم اونيل، الرئيس السابق لإدارة الأصول في جولدمان ساكس ووزير خزانة بريطاني سابق، ورئيس مجلس إدارة شاتام هاوس، عضو في لجنة عموم أوروبا للصحة والتنمية المستدامة.
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق