q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

عناصر بناء الدولة الحديثة

المواطن، الجماعات المعاصرة، السلطة الشرعية

شرعية التمثيل وشرعية الانجاز، وهذا كما هو معروف من خصائص الحكومة الديمقراطية. واستدراكا اقول ان هذه الخصائص لا تتوفر في العراق بدرجة تكفي لوصف نظامه السياسي بانه ديمقراطي بشكل مريح، فهو اقرب الى نظام الاوتوقراطية الانتخابية، كما هو متداول في الدوائر الاكاديمية العالمية...

كتب الصديق الاستاذ الدكتور عامر حسن فياض مؤخرا مقالا قيما بعنوان "انتباهات أولية في هندسة بناء الدولة وإدارة الحكم" قال فيه:" وفي الرؤية السيسيولوجية تتلخص عناصر بناء الدولة الحديثة القابلة للحياة على فرد مواطن وجماعات عصرية وسلطة شرعية وليس على شعب وأقليم وحكومة وإعتراف دولي. لان الفرد المواطن هو غير الفرد من الرعايا وغير الفرد من الاتباع وغير الفرد من الزبائنية. ولان الجماعات العصرية (أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني) هي غير الجماعات التقليدية وغير جماعات المصالح والضغط. ولان السلطة السياسية توصف بالسلطة الشرعية عندما تقوم على ركني المقبولية بالانتخابات واستمرار الرضا والمقبولية بالمنجزات"، وللتوضيح اذكر للقارئ النقاط التي جعلتني اشيد بهذا المقال واعتبره قيما.

النقطة الاولى، ان عنوان المقال استند الى مفهوم الهندسة السياسية وهو يتحدث عن "هندسة بناء الدولة". وهذا امر مهم. لان بناء الدولة لا يتم بالشعارات السياسية والمواقف العاطفية والانطباعات الشخصية والايديولوجيات. انما يتم بالعلم، واقرب العلوم الى بناء الدولة هو "الهندسة" وبخاصة الهندسة المدنية والهندسة المعمارية، وتطبيق منهجياتهما في مجالات بناء الدولة المختلفة، ودمجهما بعلوم السياسة والاقتصاد والاجتماع وغير ذلك.

النقطة الثانية انه استبعد الدرس التقليدي المتعلق باركان الدولة والقائل بان الدولة تتالف من الشعب والاقليم والحكومة والاعتراف الدولي، ليس لخطأ ذكر هذه العناصر ولكن لأن التوقف عندها وعدم المضي خطوة اخرى الى الامام يعيق عملية بناء تصور نظري-علمي لبناء الدولة الحديثة، فما بالك بالدولة الحضارية الحديثة. وهذه انتقاله مهمه من استاذ بمستوى الدكتور عامر، حيث انني وجدت بعض مدرسي العلوم السياسية يتمسكون بمقولات هذه العلوم القديمة ويرفضون تطويرها محتوى ومصطلحا بحجة انهم لا يجدون الافكار الجديدة، مثل فكرة الدولة الحضارية الحديثة، في كتب العلوم السياسية والقانون الدستوري المعتمدة في الجامعات.

النقطة الثالثة، وهي الاكثر اهمية، ان العناصر التي ذكرها الدكتور عامر لبناء الدولة الحديثة تشكل العناوين الرئيسية المفتاحية لخارطة طريق بناء الدولة، اضافة الى عناصر اخرى اذكرها متى ما تطلب سير البحث ذلك.

العنصر الاول هو الفرد المواطن. لا جدال في ان "الفرد" هو اللبنة الاولى في بناء الدولة، لكن هذه اللبنة لا تكون مناسبة لبناء دولة صالحة ما يتحول الفرد الى مواطن. فلا يولد الافراد مواطنين، وانما يتم اكتساب صفة "المواطنية" بالتربية والتنشئة السياسية اللاحقة التي يتلقاها الفرد الطفل في المدرسة. فاذا ما تمثلها هضمها واستوعبها وتصرف بموجبها اصبح مواطنا، واذا توفر على خصائص اخرى اصبح مواطنا فعالا. وبالنتيجة يكون "المواطن الفعال" هو البنة الصالحة الاولى لبناء الدولة الحضارية الحديثة.

العنصر الثاني هو الجماعات العصرية، وفي مقدمتها الاحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني. والجماعات العصرية هي المساحة التي يتحرك فيها المواطن الفعال. فاذا لم تتوفر هذه الجماعات تعذر على المواطن الفعال ان يقوم بدوره الايجابي في بناء الدولة الحضارية الحديثة. واذْ ذكرتُ الاحزاب ضمن الجماعات المعاصرة فيجب ان استدرك بالقول ان معظم الاحزاب الفاعلة الموجودة في العراق حاليا لا تجسد خصائص الجماعات العصرية وانها اقرب الجماعات التقليدية ولذلك لا يمكم الاعتماد عليها في بناء الدولة الحضارية الحديثة.

اما العنصر الثالث في قائمة الدكتور عامر فهو "السلطة الشرعية" التي تستند الى نوعين من الشرعية هما: شرعية التمثيل وشرعية الانجاز، وهذا كما هو معروف من خصائص الحكومة الديمقراطية. واستدراكا اقول ان هذه الخصائص لا تتوفر في العراق بدرجة تكفي لوصف نظامه السياسي بانه ديمقراطي بشكل مريح، فهو اقرب الى نظام الاوتوقراطية الانتخابية، كما هو متداول في الدوائر الاكاديمية العالمية.

.............................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق