q
الديمقراطية البدائية في وادي الرافدين". ولنا ان نتحفظ كثيرا على المصطلح، فقد كان الاجدر فيه ان يكون بدايات الديمقراطية في العراق. والفرق كبير بين مصطلحي "الديمقراطية البدائية" و"بدايات الديمقراطية" حيث لا نعرف بداية للديمقراطية في العالم غير ما نعرفه عنها في العراق...

يغيب عن بعض الاذهان الى وقت متأخر جدا، ان الديمقراطية اختراع عراقي قديم يضاف الى قائمة المخترعات الاولى المنسوبة عن حق الى الحضارة السومرية أولى الحضارات البشرية بعد الطوفان الذي حصل في العراق في عهد النبي نوح عليه السلام.

ولعل الباحث الاميركي ثوركيلد جاكوبسون، وفي حدود اطلاعي المتواضع، هو اول من اشار الى الجذور العراقية للديمقراطية، ما ينفي نسبتها الشائعة في الكتب المدرسية الى اثينا. وهذا ما يستحق ان نفخر به كون بلدنا مهد الحضارة الانسانية في مختلف جوانبها.

فقد نشر جاكوبسون بحثا قيما في العدد ٣ المجلد ١١ من مجلة دراسات الشرق الادنى الصادر في ١٩٤٣، اي قبل ٧٩ سنة، حول ما سماه "الديمقراطية البدائية في وادي الرافدين". ولنا ان نتحفظ كثيرا على المصطلح، فقد كان الاجدر فيه ان يكون بدايات الديمقراطية في العراق. والفرق كبير بين مصطلحي "الديمقراطية البدائية" و "بدايات الديمقراطية" حيث لا نعرف بداية للديمقراطية في العالم غير ما نعرفه عنها في العراق.

يقول جاكوبسون: توجد مؤشرات توضح ان العراق القديم في عصر ما قبل التاريخ كان منظما من الناحية السياسية وفقا للقواعد الديمقراطية، على عكس ما ال اليه الحال في المراحل التالية حيث كان الحكم فيها اوتوقراطيا.

وذكر ان الادلة الموجودة توضح ان الشؤون العامة كانت تدار من قبل مجلس الكبار لكن السيادة العليا كانت تتمثل في مجلس عام مؤلف من الذكور البالغين الاحرار. يقوم هذا المجلس بحل النزاعات التي تحصل في المجتمع، ويتخذ القرارات في الامور المهمة مثل الحرب والسلام، وكان بمقدوره اذا تطلب الامر ان يفوض احد اعضائه السلطة العليا.

وفي عام ٢٠٠٩ نشر الباحث جون كين كتابه الضخم "حياة وموت الديمقراطية" الذي استغرق تأليفه عشر سنوات من البحث والتنقيب حتى توصل الى ان الديمقراطية مرت بثلاث مراحل هي:

مرحلة الديمقراطية المجلسية التي وُلدت في العراق القديم. ومرحلة الديمقراطية التمثيلية التي ولدت في اسبانيا اثناء ما يسمى بحرب الاسترداد بين العرب المسلمين والإسبان المسيحيين. والديمقراطية الرقابية التي ولدت بعد الحرب العالمية الثانية.

يرد جون كين دعوى اليونانيين من ان الإغريق هم الذين اخترعوا الديمقراطية، وان كلمة dmokratia هي كلمة إغريقية الأصل. بل يقول ان اصل هذا المصطلح وأين استخدم للمرة الاولى مازال غامضا لكنه يؤكد في نفس الوقت ان المصطلح ليس اختراعا إغريقيا. ويقول انه بالامكان تتبع جذور الكلمة الى عصور سبقت تعود الى نصوص ما يعرف ب Linear B التي كانت مستخدمة في الحضارة الميسينية، قبل سبعة الى عشرة قرون، الى حضارة العصر البرونزي المتأخرة (١٥٠٠-١٢٠٠) قبل الميلاد. وليس من الواضح متى بدأ الميسينيون بدأوا باستخدام كلمة (dmos) التي تعني الناس، ولا كلمة (damokoi) التي تعني الموظف الذي يعمل بالنيابة عن الناس.وليس من الواضح ايضا فيما اذا كانت هاتان الكلمتان تعودان الى الكلمة السومرية dumu التي تعني السكان او الابناء او الأطفال.

ويزداد الامر غموضا مع الاكتشافات الحديثة التي تؤكد ان ظاهرة الممارسة الديمقراطية للحكم عن طريق المجالس هي الاخرى ليست ابتكارا يونانيا. فقد عرفت هذه الممارسة في المناطق التي تشمل العراق وسوريا وإيران، ثم انتقلت الى الهند بعد عام ١٥٠٠ ق. م، ثم انتقلت الى المدن الفينيقية في ببلوس وصيدا، قبل ان تظهر في اثينا في القرن الخامس قبل الميلاد. وانا اتفق مع ملاحظة جون كين من ان هذه التطورات تؤكد ان البشر قادرون على ابتكار مؤسسات مصممة خصيصا لتمكينهم من اتخاذ القرارات لأنفسهم وبأنفسهم، اذا لولا هذه القدرة المودعة في الانسان لما استخلفه الله في الارض، ولما قبل حمل الإمانة حينما عرضها الله على السماوات والأرض والانسان، فقبلها الانسان، وحده.

ومع ابتكار السومريين لنظام الحكم عن طريق المجالس الشعبية حوالي سنة ٢٥٠٠ ق م بدأت الحقبة الاولى للديمقراطية والتي انتشرت في المنطقة المسماة اليوم بالشرق الأوسط التي يقع العراق في قلبها وامتدت لاحقا لتشمل اثينا وروما في القرن الخامس قبل الميلاد لتعني "الحكم الشرعي للمجلس المؤلف من المواطنين الذكور" دون ان تشمل النساء والعبيد و "الأجانب" الذين كانوا يؤلفون الأغلبية من سكان اثينا٠

وشهدت هذه الفترة ابتكارات سوف تعتبر فيما بعد عناصر حيوية للديمقراطية. ويسجل جون كين ان العديد من هذه الابتكارات حدثت في العالم الاسلامي، مثل الوقف، فيما علماء الاسلام اللغة القديمة للديمقراطية وأكد على الفضائل المشتركة مثل التسامح والاحترام المتبادل والتعامل مع الطبيعة بشغف. وفات كين ان يذكر ان العمود الفقري لكل ذلك هو اعلان الاسلام ان الانسان هو خليفة الله في الارض، اضافة الى تأكيده على مفهوم الشورى الذي ربما كان امتدادا لفكرة المجالس الشعبية الحاكمة في دول المدن السومرية، ولا غرو في ذلك حيث ان الكتابات السومرية تعلن ان "الملوكية هبطت من السماء" ما يكشف عن اعتقاد بان هذا النظام من الحكم ذو مصدر سماوي (=الهي).

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق