q
أمــام المتصدين فرصــة واحدة هي المبــادرة منــذ الآن إلى بــدء عملية تنميــة اقتصاديــة، تشــكل أرضيــة خصبــة لتنمية سياســية توصل إلى نظــام ديمقراطــي حقيقــي، يتولى إدارة عمليــة التنميــة ودفعهــا إلــى الأمام، الديمقراطية فــي كل دولها، بطيئة في إنجازها، بفعل ســلوك مسارات قانونية عبر قنــوات إدارية روتينية، بينمــا الأنظمــة الفرديــة تتســم بســرعة الإنجــاز...

للديمقراطية، أكانت مذهباً فلسفياً أم مجرد وسيلة إدارة وحكم، مزايا عديــدة، وهــي فــي أســوأ حالاتها، أفضل من أحســن دكتاتورية قائمة. هــذا كلام عــام لا يخلــو مــن بعــد عاطفي أو حكم تعميمي.

في المفهوم العــام، فــإن النظــام الديمقراطي يحقق العدالة في الفرص والســلم، بوصفه نظاما لإدارة شؤون المجتمع، وتحقيــق الاســتفادة الفضلــى مــن المــوارد البشــرية والطبيعيــة، وهو أيضــا حكم الشــعب أو أغلبيته، من خــلال صناديــق الاقتــراع وغيرها الكثيــر مــن المزايــا، التــي لا تتوفر فــي الأنظمــة الفرديــة مهمــا كان مســتوى العدالة فيهــا. لكن كل هذه المزايــا لا يمكــن أن تتحقق إلا بتوفر شــروط عدة، منها مســتوى معقول من التنمية السياسية والاقتصادية.

ومن الأولــى تنبثق تفرعــات كتوفر وعــي ســليم فــي المجتمــع، بحيــث يتحــول إلى رأي عام ســليم بإمكانه أن يحســن اختيــار مــن يمثلــه فــي إدارة الحكــم، وكذلك توفــر ثقافة الديمقراطية والسلوك المدني، وهو مــا لا يمكــن تحقيقه إلا مــن خلال جهــود واســعة ومتعــددة المصادر، تســبقها تنميــة اقتصاديــة تنتشــل الناس من البطالة والعوز، وتجعلهم متقبلــين لحديــث الديمقراطيــة والحريــات وغيرهــا.

فــي غير ذلك ســيقاطع الأغلبيــة الانتخابات بعد انعــدام الثقــة بالنظــام المتبلــور، والــذي يطلــق عليــه بالديمقراطي وهو في أولى خطوات مســيرته نحو هذا النظــام. وعندمــا تذهب أقلية صغيرة إلى صناديق الاقتراع، يفقد النظــام أهــم توصيفاتــه بأنه يمثل حكم الأغلبية.

إذا افترضنا جزافاً أن ما لدينا من نظام حكم هــو ديمقراطي مبتدئ، فإن عدم تطوره خلال السنوات التي تقتــرب من العشــرين، دليل واضح علــى أن مقومات قيام هــذا النظام غيــر متوفــرة، بــل أن مواصفــات الوضــع القائم أفرغت النظام حتى من "نوايــاه" الديمقراطية، وحولته إلى نظام مشوه لا يؤدي إلا مزيد مــن الإحبــاط واليــأس والخــراب السياسي والأمني والاقتصادي.

أمــام المتصدين فرصــة واحدة هي المبــادرة منــذ الآن إلى بــدء عملية تنميــة اقتصاديــة، تشــكل أرضيــة خصبــة لتنمية سياســية توصل إلى نظــام ديمقراطــي حقيقــي، يتولى إدارة عمليــة التنميــة ودفعهــا إلــى الأمام.

الديمقراطية فــي كل دولها، بطيئة في إنجازها، بفعل ســلوك مسارات قانونية عبر قنــوات إدارية روتينية، بينمــا الأنظمــة الفرديــة تتســم بســرعة الإنجــاز، بأوامر مباشــرة مــن الحاكــم يجــري تجنيــد كل الإمكانيات لتنفيذها.

هذا النظام لا يكون بالضرورة قمعيا متوحشا كما عشناه، بل على شاكلة نظام مهاتير محمد في بداية الثمانينيات، الذي انتشل بلده من حروب داخلية وفقر، بصرامــة الأداء، حتــى بــات مهيــأ للديمقراطية.

فــي نظامنــا الحالي، يمكــن لرأس الســلطة التنفيذية أن يحقق تقدما اقتصاديــا وخدميــا باتباع أســلوب الملفات، فيوكل ملف الطاقة مثلا إلى لجنة خبــراء تنفيذيين بصلاحيات مفتوحة، ويقوم بمتابعتها شــخصياً بإجراءات صارمة بحق كل معرقل، وكذلــك الحــال مــع باقــي الملفات التــي تحتاج إلــى إجراءات ســريعة لحلها. أما اســتمرار التعويل وجد على الوزارات والمؤسســات الحالية المهترئــة والمنخورة بفســاد اللجان الاقتصاديــة للأحــزاب والروتــين وتضارب القوانين والتعليمات، فلن يحقق شيئاً سوى استمرار التدهور، وترسيخ الفســاد، وتعميق الإحباط والسخط الشعبي أكثر وأكثر. هــل سيســتطيع رئيــس الحكومــة القادم تحقيق ذلك.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق