q
أدت موجة حَرّ شديدة شهدتها أجزاء من الصين إلى تفاقم ظروف الجفاف وإذكاء حرائق الغابات، وخرج العديد من مناطق الصين قبل وقت قريب من موجة حَرّ، اتسمت بشدة منقطعة النظير، واستمرت على مدار شهرين، وأعقبتها إحدى أسوأ موجات الجفاف على مر حوالي 60 عامًا...
بقلم: سمريتي مالاباتي

خرج العديد من مناطق الصين قبل وقت قريب من موجة حَرّ، اتسمت بشدة منقطعة النظير، واستمرت على مدار شهرين، وأعقبتها إحدى أسوأ موجات الجفاف على مر حوالي 60 عامًا. ويسعى باحثون في الوقت الراهن إلى فهم الظروف التي فاقمت حدة هذه الظواهر المناخية القاسية، نظرًا إلى أن العديد من التوقعات المناخية جاءت قاصرة في هذا الصدد.

فحول ذلك، يقول صن شاو، اختصاصي علم المناخ من الأكاديمية الصينية لعلوم الأرصاد الجوية في بكين: "لم نتوقع اشتداد موجة الحر إلى هذا الحد"، شدة موجة الحَرّ تلك، والجفاف الذي شهده البلد يسلطان الضوء أيضًا على أهمية تنقيح النماذج المناخية ودراسة الظواهر المناخية القاسية المتعددة معًا للوصول إلى تقييم أفضل لآثارها. من هنا، تقول وانج أيهوي، اختصاصية علم الغلاف الجوي، من معهد فيزياء الغلاف الجوي في الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين: "تتسبب الظواهر المناخية المُركبة في المزيد من الكوارث". ومثال على ذلك، تفاقَم الجفاف في حوض نهر اليانجتسي سريعًا بسبب تضافُر التأثيرات الناجمة عن ارتفاع درجة الحرارة وقلة الأمطار.

وقد انتشرت موجة الحَرّ سالفة الذكر في وسط الصين، وشرقها وجنوبها منذ منتصف شهر يونيو الماضي وحتى أواخر شهر أغسطس، وهي تُعد الأطول والأشد منذ بدء تسجيل بيانات الأرصاد الجوية في عام 1961. إذ واجه ما يقرُب من مليار شخص درجات حرارة تتجاوز 35 درجة مئوية، كما ذاق 360 مليون شخص وطأة وصول درجات الحرارة إلى أكثر من 40 درجة مئوية في نقطة ما خلال موجة الحَرّ.

علاوة على ذلك، شهدت منطقة حوض نهر اليانجتسي في جنوب الصين أسوأ موجة جفاف على الإطلاق خلال الفترة بين شهري يوليو وأغسطس الماضيين. فوفقا لشاو، تراجع حجم هطول الأمطار في تلك المنطقة، التي يقطن بها ما يقرب من ثلث سكان الصين، بنسبة 80% مقارنة بمتوسط هذا الحجم على مدى 30 عامًا في تلك الفترة من السنة. كما ارتفعت درجات الحرارة عن المتوسط هناك بمقدار يتراوح بين درجتين و4 درجات مئوية. كذلك توضح أيهوي أن موجة الجفاف كانت عاتية إلى حد أنها أدت إلى انخفاض منسوب المياه في بحيرة بويانج، كبرى بحيرات المياه العذبة في الصين، من 19 مترًا شهر يونيو الماضي إلى 9 أمتار في نهاية شهر أغسطس.

وقد تخلل فترة هذه الأحوال الجوية القاسية نشوب لحرائق الغابات في غير موسمها، وهطول كثيف للأمطار في بعض البؤر، أدى إلى فيضانات مفاجئة، على حد قول فانج كيان، اختصاصي علم المناخ من جامعة فوجيان للمعلمين في مدينة فوتجو الصينية، والذي أضاف قائلًا: "لقد كان عامًا غريبًا للغاية".

مرتفعات جوية

وفقا لأيهوي كان السبب المباشر وراء السماء الصافية، ودرجات الحرارة المرتفِعة التي سادت موجة الحر مرتفَعًا جويًا، يُعرف باسم مرتفَع غرب المحيط الهادئ شبه الاستوائي. وقد اتسم بالقوة، وحام فوق حوض نهر اليانجستي بدلا من البقاء شرقًا في صورة مرتفع جوي أصغر، كما هو معتاد في تلك المنطقة. وتوضح أيهوي أن هذا المرتفع الجوي اعترض قدوم الهواء البارد من الشمال، وحال دون وصول الرطوبة من المحيط الهندي إلى حوض النهر.

ويفيد وينجو كاي، اختصاصي علم المناخ من «هيئة البحوث الأسترالية» في مدينة ملبورن الأسترالية، بأن منظومات المرتفعات الجوية شبه الاستوائية تبددها عادة سلاسل الجبال الشاهقة، مثل جبال الهيمالايا، إلا أن العديد من المرتفعات الجوية اتصلت ببعضها بعضًا هذا العام لتطوق الكرة الأرضية عند خط عرض معين. ولعل هذا يُفسر موجات الحَرّ التي شهدتها أيضًا أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

وقد صرح وانج هويجون، اختصاصي علم المناخ من جامعة نانجينج لعلوم وتكنولوجيا المعلومات في الصين، بأن المرتفع الجوي تزامن أيضًا مع سلوك غير معتاد للرياح الغربية التي تهب حول العالم عند خطوط العرض الوسطى. إذ جلبت هذه الرياح أمطارًا إلى شمال الصين، وتجاوزت في أغلب الوقت جنوب الصين.

كما أسهمت درجات حرارة سطح المحيطات في وقوع أحداث مناخية قاسية. فعلى سبيل المثال، أدى انخفاض درجة حرارة المياه في أجزاء من المحيط الهادئ إلى حدوث ظاهرة «لانينيا» المناخية. ووفقا لهويجون، يرى علماء الأرصاد الجوية أن هذه الظاهرة ستتكرر للسنة الثالثة على التوالي. وتؤدي هذه الظاهرة عادة إلى انخفاض درجات حرارة سطح مياه المحيط الهادئ، فضلًا عن هطول أمطار أقل على نهر اليانجتسي.

ظواهر مناخية مُركبة

كان تلاقي عدة ظواهر مناخية قاسية بمنزلة نداء تنبيه لبعض الباحثين في الصين. فوفقًا لأيهوي، التي تعتزم العدول عن دراسة الظواهر المناخية القاسية بمعزل عن بعضها بعضًا، ينبغي إيلاء المزيد من التركيز والاهتمام لدراسة الظواهر المناخية المُركبة، مثل الجفاف. ولتحقيق ذلك، من المتوقع أن يتزايد اعتماد الباحثين على النماذج المعقدة التي تحاكي أنظمة الأرض.

يعتزم شاو بدوره دراسة أثر الظواهر المناخية المتداخلة في تضخم الكوارث المناخية، من موجات الحَرّ والجفاف، إلى العواصف، والأمطار الغزيرة، والعواصف الثلجية، وموجات البرد المفاجئة. فيقول: "في الماضي، انصب تركيزنا على أخطار بعينها، لكن مستقبلًا ينبغي لنا أن نولي مزيدًا من الاهتمام للمخاطر المركبة".

اندلعت الظواهر المناخية القاسية التي شهدها هذا العام على خلفية أحداث الاحترار العالمي. فمع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، من المتوقع أن تصبح المناطق الشمالية القاحلة في الصين أكثر رطوبة، وأن تصبح المناطق الجنوبية الرطبة أكثر جفافًا (K. Fan et al. Environ. Res. 16, 034061; 2021). في ذلك الصدد، يقول جانج تشيانج، اختصاصي علم الأرصاد الجوية المائية من جامعة بكين للمعلمين، إن أحداث هذا العام تصدق على صحة هذه التوقعات حتى الآن.

فمنذ عام 1951، ارتفعت درجات الحرارة في الصين بمقدار 0.26 درجة مئوية كل عقد، وهو معدل أعلى من المتوسط العالمي لارتفاع درجات الحرارة. ويرى كاي أنه لا يزال يتحتم علينا تحليل دور الاحتباس الحراري في الظواهر المناخية الأخيرة. بيد أنه بشكل عام، يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة تبخر الماء، وهو ما قد يُسرِع وتيرة تحوُّل المناخ إلى ظروف جفاف أكثر حدة.

اضف تعليق