q
لا يوجد بلد يمكن أن يتطور حقا ما لم يتم تثقيف مواطنيه، فهل على الإنسان أن يكون مثقفا لكي يتفادى الفقر؟ سؤال من الصعب أن نبتّ في الاجابة عنه تطبيقيا، لكن من الأمور المتفَّق عليها، أن الإنسان والمجتمع بشكل عام كلّما طوَّر نفسه وثقافته وأفكاره وصار أكثر وعيا...

غالبا ما يرتبط الفقر بالواقع المادي للإنسان، ويعرَّف الواقع المادي بأنه مجريات حياة الناس الملموسة المرتبطة بالعمل وطريقة العيش والحصول على الموارد التي تديم حياة الإنسان، فإذا حصل فقر في هذه الموارد، سوف تصعب الحياة من حيث المأكل والمشرب والملبس والمنام، وهذا ينعكس على إنتاجية الإنسان بمختلف أشكالها، ولا يؤثر ذلك حصرا على الجانب المادي، بل يتعداه إلى الإنتاجية الفكرية والأوضاع المعنوية وما شاكل.

مفردة الفقر في معناها المتعارف هي النقص في الأشياء أو شحّتها، وخصوصا الأموال أو الأشياء المادية، لكن واقع الحال يشير إلى أن الفقر تسلّل إلى أشياء أخرى غير مادية ومنها ثقافة الفرد، فقد يكون الفرد غنيا في ثقافته ومصادره الفكرية، وقد يكون العكس من ذلك، بمعنى هناك إنسان فقير ثقافيا، وحين يكون الناس فقراء للثقافة، سوف نكون أمام مجتمع فقير ثقافيا، ويترتب على هذا النوع من الفقر نتائج كثيرة تجمع بين المادي والمعنوي والفكري.

يقول نجيب محفوظ: (الثقافة أن تعرف نفسك، أن تعرف الناس، أن تعرف الأشياء والعلاقات، ونتيجة لذلك ستحسن التصرف فيمَ يلمّ بك من أطوار الحياة)، لذا فإن الفقير ثقافيا، سوف يكون فقيرا في سلوكه، وفقيرا في الحلول التي يعالج من خلالها مشاكله في الحياة، ويمكن القول هنا، إن المثقف كلما ارتفعت ثقافته تعدَّدت الحلول والمعالجات لمشاكله، والعكس يصح تماما.

وبهذا المعنى فإن الفقير ثقافيا سوف تصعب مجريات حياته أكثر فأكثر، لأنه غير قادر عقليا على التصدي للأزمات والمشكلات التي تواجهه.

الثقافة هل تجعل الإنسان غنيا

بهذا المعنى يبرز تساؤل مهم، هل الثقافة تعني الغنى للإنسان، من خلال إسهامها في قدرته على معالجة مشكلاته الاقتصادية والسلوكية وغيرها؟، الجواب يتلخّص بأن الفقر الثقافي يكبّل الإنسان، من حيث التفكير والقدرات والبحث عن الحلول، ويغلق أمامه الأبواب التي تقوده إلى حياة أفضل، وهذا يقودنا إلى القول بأن الفقر الثقافي يمكن أن يكون سمة من سمات الأفراد والمجتمعات أيضا، فهل المجتمع غير المثقف يكون فقيرا حتمًا؟

إن الثقافة بالمفهوم العام والمبسّط لها، هي أداة فكرية تساعد الفرد والمجتمع على التعامل الصحيح مع مجريات الحياة المختلفة، كما أنها تساعد على تحسين العلاقات المختلفة بين الناس، كما أنها تُسهم بطريقة وأخرى في تحسين وعي الطبقة السياسية في المجتمع، ما يعني أننا سنكون أمام نتائج جيدة في حال كان السياسيون مثقفين، لأنهم في هذه الحالة يسعون إلى تقديم ما هو جيد للناس، على أمل تأييدهم وتشجيعهم والالتفاف حولهم.

هكذا يمكن أن يمتد تأثير الثقافة إلى السياسي، مثلما يمكنه التأثير في مفاصل الحياة المختلفة، وقد قدّمت لنا تجارب تاريخية وآنية في دول ومجتمعات عديدة، إثباتات تؤكّد أن المجتمع المثقف يكون أفضل في حياته من المجتمعات الأخرى، وهو ما ينطبق على الفرد أيضا، فالشخص المثقف يختلف بشكل كلي عن الفقير في ثقافته بسبب محدودية تفكيره، وشحّة النوافذ التي تنفتح أمامه عبر ثقافته المحدودة وتفكيره النمطي.

على العكس من ذلك الإنسان المكتنز ثقافيا، حيث تتعدَّد أمامه الفرص للعبور من واقع مزرٍ إلى واقع أكثر لياقة بالإنسان، لذلك يسعى العلماء والمصلحون منذ زمن بعيد إلى التنبيه على أهمية أن يكون الإنسان مثقفا، وأن يكون المجتمع مثقفا، وأن يكون السياسي مثقفا، لأن الثقافة باختصار هي فرس الرهان الفائز في الحياة، وعدم امتلاك الثقافة تعني الفقر بأنواعه، فالفقير ثقافيا سوف يكون بالنتيجة فقير ماديا.

كنْ مثقفًا لكي تكون غنيّا

بعضهم قد يرفض الربط بين الفقر والثقافة، وهناك من يقول بوجود أغنياء غير مثقفين، وهو أمر لا يجافي الحقيقة ولا يبتعد كثيرا عن الواقع، نعم هناك أغنياء لا يمتلكون الثقافة الجيدة، وليس هناك ارتباط بين شرط الثقافة والغنى، بيد أن هذا الكلام لا يمثل القاعدة الثابتة التي تؤكد على أن الإنسان لكي يكون غنيا لابد أن يتحلى بالثقافة العامة بدرجة معينة.

وهذا يعني أيضا، إذا عثرنا على ثري غير مثقف فهذا لا يمثل النتائج الطبيعية الصحيحة، بل هو حالة شاذة وقليلة أو نادرة، وهناك من يؤكد أن مصير الأغنياء غير المثقفين على المدى الطويل هو الفقر المادي إضافة للفقر الثقافي.

يقول نيلسون مانديلا: (لا يوجد بلد يمكن أن يتطور حقا ما لم يتم تثقيف مواطنيه)، فهل على الإنسان أن يكون مثقفا لكي يتفادى الفقر؟

سؤال من الصعب أن نبتّ في الاجابة عنه تطبيقيا، لكن من الأمور المتفَّق عليها، أن الإنسان والمجتمع بشكل عام كلّما طوَّر نفسه وثقافته وأفكاره وصار أكثر وعيا من غيره بشؤون الحياة، فإنه مرشَّح للغنى المادي والمعنوي أكثر من غيره بكثير.

وهذا يعني بالنتيجة أن الفقر الثقافي مشكلة يجب أن يتخلص منها الفرد والمجتمع بشكل عام، بمعنى علينا أن نفكر بطريقة جدية كأفراد أو كمجتمع، على أهمية محاربة الفقر الثقافي، فهو يشكل سببا واضحا من الأسباب التي تعرقل حياة الأفراد والمجتمعات معا، وتجعلها أكثر تعقيدا وصعوبة، لهذا يجب معالجة الفقر الثقافي لكي نقضي على أنواع الفقر الأخرى.

اضف تعليق