q
بعد مرور هذا الكم من السنوات لا يزال ملف البنى التحتية من الملفات الشائكة والمعقدة، فجميع الإجراءات المتخذة في هذا الاتجاه، لا تمتلك أبسط مقومات وخطط الوصول لدولة الحد الأدنى من الحقوق والخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، ولا يزال ذات المسمار الصدأ الذي تصلب عليه اماني الملايين...

بعد عبورك الحاجز الأمني في منطقة الابراهيمية في كربلاء وعلى بعد سبعمئة متر او أكثر بقليل ستجد على يمين الطريق المؤدي الى مركز المدينة، لوحة تعريفية كبيرة، خط على وسطها بخط كبير برعاية وزير التعليم العالي والبحث العلمي آنذاك علي الاديب، سيتم تشييد مبنى المستشفى الجامعي بسعة 600 سرير.

وقد اتضح فيما بعد ان المشروع الذي وضع حجر أساسه في تشرين من عام 2012، اتضح انه مشروع تمريضي وتعليمي واقتصادي في نفس الوقت، عبر اسهامه بتشغيل آلاف من الايدي العاملة خلال مراحل التنفيذ، ومثلها او اضعافها بعد عملية الإنجاز، الى جانب كونه إضافة صحية كبيرة الى المحافظة التي يئمها الملايين من الزائرين سنويا.

المشروع بوشر فيه من قبل الطواقم الفنية والهندسية التابعة للشركات المنفذة وتم تثبيت اغلب الاساسات الكونكريتية، لكن ما حال دون الاستمرار فيه هو الهجوم الإرهابي الذي اجتاح بعض الأراضي العراقي وما عقبه من حالات تقشف، احتجت بها الحكومة العراقية، لعدم الاستمرار في بناء المشروعات الاستراتيجية بدافع الانشغال بمصروفات الحرب التي لا تعرف متى تحط اوزارها.

وانتهت الحرب وعادت قوانين الموازنات الضخمة تُعد ويصوت عليها من قبل البرلمان العراقي، لكن الحياة لم تعد لهذا المرفق الصحي الذي طالت مدة حمله ولم نر ولادته حتى اللحظة!

من يقرأ السطور الأولى من المقال قد يصاب بالصدمة ما بين تاريخ الشروع بالتنفيذ وتاريخ الكتابة عن المستشفى التي لا تزال مجرد اسم معلق في الهواء، وسيأتي اليوم الذي ترفع فيه اللوحة التعريفية ليتم حجبه عن الأنظار وبالنتيجة سينسى حتما ويمحى من الذاكرة الجماهيرية.

الذاكرة الجماهيرية يمكن ان تتناسى بعض الهموم والويلات التي حصلت لها على مر السنوات الماضية، لكنها حاضرة وحية عندما يتعلق الامر بما يهم حياتها وتحديدا على المستوى الصحي، اذ يشهد قطاع الصحة انحدارا كبيرا، وهو ما لا يمكن تغافله من قبل الافراد الذي يكتوون بنيران المستشفيات الاهلية والعيادات الخاصة التي افرغت الجيوب دون رحمة، ولا تزال تلاحق المواطن المسكين لتستمر ماكينتها الفاحشة في ارعاب الأهالي وابتزازهم من نوع آخر.

النموذج المذكور أعلاه هو واحد من مآت المشروعات المتلكئة في عموم البلاد، وإذا كنا قد رأينا هذه اللافتة وعرفنا بمكان واسم المشروع، ومدة الإنجاز، فبالتأكيد هنالك عشرات المشروعات التي لا تصل هذه المرحلة وتبقى في ادراج الوزارات والدوائر المعنية، دون الاكتراث او السعي لتنفيذها على ارض الواقع.

ومثل هذا الامر ينطبق على المدارس في المحافظات العراقية، فالكثير منها تم تهديمها بهدف إعادة تشيديها ولم يتم ذلك، ولا تزال الأنقاض شواهد شاخصة على العشرات من مدارس المحافظة، ولم يعرف مصير البناء لغاية الآن، وهل سيتم اعتماد خطة للبناء في الأشهر القادمة، ام نكتفي بالدوام المزدوج الذي تسجل عليه الكثير من الملاحظات؟

المحزن في الموضوع ان هذه المشروعات خُصصت لها المبالغ المالية وصرف جزء يسير منها، ومن المؤمل ان تصرف الأجزاء الأخرى على مراحل مراعية نسب الإنجاز فيها، ولا يزال الفرد العراقي يتابع تعاقب الدورات والحكومات مع بصيص امل بأن يأتي البرلمان الجديد بحكومة أفضل من سابقاتها تحرك المياه الساكنة لهذه المشروعات وتحدد مصير الأموال المخصصة لها.

ولا يمكن لمثل هذه الحكومات التي انبثقت متعثرة بعد نيلها ثقة البرلمان وفق معايير التوافقية لا الكفاءة والنزاهة، لا يمكن ان تحاسب الجهات المقصرة وتتعقب الخلل وتسعى لحل المشاكل وفق الالتزامات الدستورية، لكن الذي يحصل وفي جميع الدورات وقبل انتهاءها تبدأ الحكومة بتبرير الفشل بمختلف الاسباب والقوالب الجاهزة من تهم بالعمالة والتخوين بحق جهات لا تريد الخير للعراق والعراقيين وهي من منعتهم تحقيق التقدم في مجال الاعمار والبناء.

بعد مرور هذا الكم من السنوات لا يزال ملف البنى التحتية من الملفات الشائكة والمعقدة، فجميع الإجراءات المتخذة في هذا الاتجاه، لا تمتلك أبسط مقومات وخطط الوصول لدولة الحد الأدنى من الحقوق والخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، ولا يزال ذات المسمار الصدأ الذي تصلب عليه اماني الملايين من البشر الحالمين برؤية لافتة جديدة تشرح الأقسام التي يحتويها المستشفى والعاملة فيه محذوف منها اسم معالي الوزير الذي لم يفلح بهذه المهمة وخدمة جمهوره.

اضف تعليق