q
للحيوانات والنباتات والطحالب التي يجري صيدها أو جمعها من الأنهار والبحار والمحيطات، دور في تحقيق الأمن الغذائي، لا يزال الباحثون وصناع القرار يهملونه حتى يومنا هذا. وقد حان وقت الإقرار بهذا الدور. إذ يجب عليهم الإقرار بمنافع الأطعمة الزرقاء بالنظر إلى قدرتها على القضاء على الجوع ومساعدة العالم على التحوُّل إلى نظام غذائي مستدام...

من المزمع أن يجتمع قادة العالم؛ من أجل مؤتمر قمة النظم الغذائية الذي تعقده الأمم المتحدة. ويُرتقب أن يستضيف فعاليات المؤتمر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بهدف تقديم الدعم الضروري لإعادة مساعي تحقيق أهداف التنمية المستدامة الرئيسية التي وضعتها الأمم المتحدة على الطريق الصحيح. ويتمثل أحد هذه الأهداف في القضاء على الجوع بحلول عام 2030. فوفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني ما يقرب من 700 مليون شخص (حوالي 9% من سكان العالم) من الجوع. ومن بين هؤلاء، يحتمل أن 250 مليون شخصٍ على مشارف الوقوع في براثن مجاعة. فحتى قبل جائحة «كوفيد-19»، لم يُحرَز سوى تقدم محدود في القضاء على الجوع. من ثم، ما لم يتخذ المندوبون في القمة إجراءات قوية ومُنسَّقة، فسوف يعاني 840 مليون شخص من الجوع بحلول عام 2030.

وتسلط الدوريات الصادرة عن «نيتشر بورتفوليو» Nature Portfolio، الضوء على السبل التي يمكن من خلالها لمنظومات الأغذية المائية – التي تسمى أحيانًا بنظم الأطعمة الزرقاء – أن تساعد في القضاء على الجوع، وإسراع خطى تأسيس نظام غذائي عالمي مستدام حقًا (انظر: go.nature.com/3nw8qbf).

ويأتي هذا المجهود البحثي في إطار «مشروع تقييم منافع الأطعمة الزرقاء» Blue Food Assessment، وهو مبادرة لتعاوُن ما يزيد على 100 باحث. كما أنه أول تقييم منهجي لكيفية إسهام الأغذية المائية في تحقيق الأمن الغذائي، إذ يساعد على بناء منظور أشمل لمنظومة الغذاء العالمية، لا يقتصر على الأغذية التي تنتجها الزراعة.

وتتضمن الأطعمة الزرقاء الأسماك والحيوانات الصدفية المائية، لكنها تشمل كذلك مجموعة متنوعة من الحيوانات والنباتات والطحالب التي تُجمع من الأنهار، والبحار، والمحيطات، وتوفر البروتين وعناصر غذائية قَيِّمة أخرى لأكثر من 3.2 مليار شخص.

وللوصول إلى معرفة أدق بالقيم الغذائية لهذه الأطعمة الزرقاء، وضع كريستوفر جولدن من كلية هارفارد تي إتش تشان للصحة العامة في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية، وفريقه البحثي، توصيف العناصر الغذائية لـ 3753 نوعًا من الأطعمة المائية (بما في ذلك الأسماك، والقشريات، ورأسيات الأرجل). ووجدوا1 أن العديد من فئات هذه الأطعمة المائية (بما في ذلك المحار والأسماك من منطقة البحر المفتوح) تكون في المتوسط أغنى من لحم الأبقار، والخراف، والدجاج، والخنازير، بالعناصر الغذائية السبعة التي خضعت للتقييم؛ وهي (الأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة طويلة السلسلة أوميغا 3، وفيتامينيّ أ وب 12، والكالسيوم، واليود، والحديد، والزنك).

على مستوى العالم، يُعزى ربع إجمالي انبعاثات الدفيئة إلى صناعة إنتاج الغذاء، بينما وجدت جيسيكا جيفارت، من الجامعة الأمريكية في واشنطن العاصمة، وفريقها البحثي، أن صناعة بعض أشكال الأطعمة المائية المُستزرَعة تُنتج انبعاثات أقل من تلك التي تُنتجها صناعة الأطعمة التي تُجمع أو يجري صيدها من البرية. على سبيل المثال، تنتج صناعة الأطعمة القائمة على الحيوانات ذوات الصدفتين المستزرعة (مثل المحار وبلح البحر) والروبيان انبعاثات أقل في المتوسط من صناعة الحيوانات المناظرة التي يجري صيدها من البرية.

وعلى مستوى العالم، تُوفر المصايد والمزارع السمكية الصغيرة الغذاء لمليار شخص، كما تكفل الوظائف لـ100 مليون شخص من أصحاب الحرف ومن الهيئات التعاوُنية. إذ تنتجان أكثر من نصف الأسماك التي يجري اصطيادها حول العالم وثلثي الأطعمة المائية التي يتغذى عليها البشر.

مع ذلك، فكما أفادت ريبيكا شورت من مركز ستوكهولم لدراسات التكيّف، وفريقها البحثي3 سقطت هذه المجتمعات من حسابات العلم وصناع السياسة على حد سواء. وقد أبرزت دورية Nature في السابق أن الأشخاص من أصحاب الحرف أو من المجتمعات التعاونية الصغيرة لا تتوفر لهم الأدوات الحكومية أو السياسية، كما لا يتناولهم الباحثون بالدراسة على النحو الكافي (انظر: Nature 586, 336; 2020). وقد أنتجت ريبيكا وفريقها البحثي 70 دراسة حالة من جميع أنحاء العالم توضح الطرق العديدة التي تُنتج خلالها الأطعمة الزرقاء على النطاقات الصغيرة - بدءًا من الصيد لأجل إطعام أسر منفردة، وصولًا إلى المشروعات الصغيرة المترابطة في شبكات أوسع، ربما تحت إطار جمعيات تعاونية.

وغالبًا ما تكون المجتمعات الساحلية من بين أفقر المجتمعات في بلدانها وأكثرها عرضة للتأثر بتغيُّر المناخ والتغيرات التي تطرأ على الاقتصاد العالمي. على سبيل المثال، دمجت ميشيل تيخيلار، من مركز حلول المحيطات بجامعة ستانفورد في كاليفورنيا، وفريقها البحثي بيانات حول المخاطر الناجمة عن تغيُر المناخ، وقابلية 219 دولة وإقليمًا للتأثر بتلك المخاطر، ومدى تعرضها لها. وتوصل الباحثون إلى أن النظم الغذائية المائية الأكثر عرضة للخطر بسبب تغير المناخ توجد في أفريقيا، وجنوب آسيا، وجنوبها الشرقي، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ4.

كما أن الطلب المتزايد سريعًا على الأسماك يعزز المخاطر التي تتعرض لها المجتمعات الساحلية. وقد تضاعف هذا الطلب منذ بداية القرن الحادي والعشرين. وعلى حد ما أفادت به روزاموند نايلور وفريقها البحثي، وهي بدورها باحثة من جامعة ستانفورد، فمن المتوقع أن يشهد هذا الطلب زيادة أخرى بمقدار الضعف تقريبًا بحلول منتصف القرن5. ومن شأن ذلك أن يفيد البعض، الذين سترتفع دخولهم، لكنه قد يقلل استهلاك آخرين للبروتين إذا قلّت الأسماك المتاحة للأكل والشراء التي يجري صيدها في مناطق محددة.

وجدير بالذكر، أنه في مؤتمر القمة العالمي للغذاء قبل 25 عامًا، تعهد حوالي 10 آلاف مشارك من حوالي 200 دولة بالقضاء على الجوع، امتثالًا لهدف مباشر يتمثل في خفض عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية إلى النصف بحلول عام 2015. وهو ما لم يتحقق إلى الآن. وقبل ذلك، كان مؤتمر الأغذية العالمي لعام 1974 الذي انعقد في روما قد أصدر إعلانًا جريئًا بأن لكل إنسان "حق راسخ في أن يتحرر من الجوع وسوء التغذية". وكانت هذه كلمات حماسية، لكن لم تصاحبها إجراءات بناءة.

ولدى المندوبين في القمة فرصة ثمينة أخرى للعمل حتى لا يكرر التاريخ نفسه. إذ يجب عليهم الإقرار بمنافع الأطعمة الزرقاء بالنظر إلى قدرتها على القضاء على الجوع ومساعدة العالم على التحوُّل إلى نظام غذائي مستدام.

اضف تعليق