q
الجدل الداخلي في أروقة النظام والدولة العميقة حول تداعيات التمسك بالسقف العالي المطالب بشطب اسم "حرس الثورة" من لائحة العقوبات والمنظمات الإرهابية أو الداعمة للإرهاب. وهي تداعيات قد تهدد مصير المفاوضات التي قطعت شوطاً كبيراً وباتت قريبة من نتائجها النهائية. وتهدد أيضاً رهانات النظام والحكومة على نتائج الاتفاق...
حسن فحص

أطلق وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارته إلى العاصمة اللبنانية بيروت أخيراً، تصريحات لافتة حول "الموقف المساعد" لقيادة "حرس الثورة" بأنها لن تشكل عائقاً أمام التوصل إلى تفاهم يعيد إحياء الاتفاق النووي إذا لم ينجح الفريق المفاوض في إخراج هذه المؤسسة من لائحة العقوبات والمنظمات الإرهابية، وأنها لا تمانع البقاء على هذه اللائحة مقابل خروج إيران من دائرة العقوبات الاقتصادية.

وكشفت هذه التصريحات عن أبعاد مهمة حول الجدل الدائر داخل النظام، وحراجة الموقف الذي وصلت إليه المفاوضات، وأيضاً الحالة الدقيقة والهشة التي وصلت إليها الأوضاع الداخلية في إيران والحاجة الملحّة للنظام والدولة للتوصل إلى اتفاق يُخرج إيران من العقوبات، بما يسمح بوضع آليات سريعة لمعالجة الأزمات الاقتصادية التي باتت تشكل تهديداً حقيقياً للاستقرار الداخلي، وتهدد بانفجار قد يصعب على الأجهزة الأمنية احتواؤه ومعالجة تداعياته.

كلام عبد اللهيان حينها، أثار ردود أفعال داخل الأوساط المتشددة، إلا أنها بقيت محصورة في دائرة المواقف غير الرسمية، وكان أبرزها الموقف الذي أعلنه ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي في جريدة "كيهان"، حسين شريعتمداري، الذي طالب وزير الخارجية بالاعتذار أو تصحيح الموقف، واتهمه بـ"القصور" في فهم موقف القيادة وعدم القدرة على التمييز بين "الإيثار" و"التنازل".

في المقابل، لم يصدر عن مؤسسة النظام والجهات المعنية في "الحرس" أي موقف رافض لكلام الوزير، ما يوحي بأن التوجه العام للنظام لا يعارض أو يتعارض مع ما صدر عن الخارجية التي تُعتبر الجهة المعنية بمتابعة ملف التفاوض.

وكما تقول الحكمة الشعبية "لا نار من دون دخان" أو "لا دخان من دون نار"، فإن هذا الكلام لوزير الدبلوماسية الإيرانية، يكشف عن أمرين أساسيين.

الأول، يتعلق بالجدل الداخلي في أروقة النظام والدولة العميقة حول تداعيات التمسك بالسقف العالي المطالب بشطب اسم "حرس الثورة" من لائحة العقوبات والمنظمات الإرهابية أو الداعمة للإرهاب. وهي تداعيات قد تهدد مصير المفاوضات التي قطعت شوطاً كبيراً وباتت قريبة من نتائجها النهائية. وتهدد أيضاً رهانات النظام والحكومة على نتائج الاتفاق وانعكاساته على الأوضاع الاقتصادية، وما يمكن أن تحققه إيران على صعيد استعادة أموالها المجمَّدة في الخارج واستخدامها في عملية ترميم الاقتصاد الذي وصل إلى مستويات خطيرة وبات على حافة الانفجار والانهيار، بخاصة أن الانفراجة التي شهدتها الأشهر الأخيرة نتيجة التساهل الأميركي في تطبيق العقوبات، لم تستطع تحقيق تحول في المعالجات الاقتصادية.

أما الأمر الثاني، فيحمل رسالة للإدارة الأميركية، بإمكانية التفاوض على مستويات مختلفة تحت هذا السقف، أو تقسيم التفاوض حولها على مراحل، خصوصاً أن هذا المطلب يُعتبر من خارج إطار اتفاق عام 2015، كأن تبدأ الأمور بإخراج "الحرس" من لائحة المنظمات الإرهابية، مع إبقائه على لائحة العقوبات الاقتصادية، مقابل خطوة إيرانية تلغي تصنيف إيران لقوات القيادة الوسطى الأميركية "سنتكوم" كقوات إرهابية. أو أن يتم إخراج هذه المؤسسة من اللائحتين معاً باعتبارها جزءاً من القوات العسكرية الإيرانية الرسمية وما تمثله من ثقل اقتصادي محوري في النظام، مع الإبقاء على الذراع الخارجية لها المتمثلة في "فيلق القدس" المسؤول عن النشاطات الإيرانية في منطقة غرب آسيا، بخاصة الشرق الأوسط على لائحتي العقوبات والإرهاب.

من الواضح أن الليونة التي برزت في كلام عبد اللهيان تعبّر عما يدور في كواليس النظام وقيادة الحرس حول مسار المفاوضات ومصيرها، بالإضافة إلى ما تكشفه عن وجود نقاشات حول جدوى وتداعيات التمسك بالمطلب المتعلق بالحرس وربط المفاوضات ومصير الاتفاق بهذا الأمر. والخوف من أن تتشكل حالة شعبية وسياسية واجتماعية وحتى اقتصادية تحمّل "الحرس" والنظام مسؤولية إفشال المفاوضات ومساعي إنهاء العقوبات التي تشكل النافذة التي تساعد في الخروج من دائرة الآثار السلبية للعقوبات وما وصلت إليه الأمور على الصعيد الاقتصادي، والتي قد تدفع باتجاه الانفجار الاجتماعي بعدما باتت الأوضاع المعيشية لغالبية الإيرانيين تُصنَّف دون خط الفقر أو عند هذا الخط، فيما تتجمع الثروات لدى أقل من ثمانية في المئة منهم.

وعلى الرغم من إعلان الحكومة الإيرانية أنها لن تساوم على الخطوط الحمراء للنظام التي رسمها المرشد، وستدافع عن المصالح الاستراتيجية والقومية، فإن معضلة التفاوض حول مصير العقوبات ضد "حرس الثورة" تضع القيادة الإيرانية أمام معضلة حقيقية في تقدير "حافة الهاوية" الفاصلة بين الدفاع عن هذه المؤسسة بما تمثله من مصلحة قومية واستراتيجية، والمصالح الأوسع للشعب الإيراني والانتعاش الاقتصادي وأيضاً استمرارية النظام واستقراره. وفي هذه الحالة، سيكون النظام أمام أزمة اختيار، فهل سيضحي بإمكانية استعادة آليات النمو الاقتصادي والاندماج في المجتمع الدولي، أم سيلجأ إلى تقديم تنازل مؤلم مقابل إعادة ترتيب أولوياته الداخلية والخارجية؟

قد لا يكون صعباً أو مستبعداً لجوء طرفي الأزمة، أي واشنطن وطهران، للبحث عن مخارج لهذا المأزق، بخاصة أن التوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي بات ضرورة وحاجة لكلا الطرفين، وهذا ما تكشفه حدة النقاشات التي تدور في أروقة القرار في الإدارة الأميركية أيضاً، سواء في وزارة الدفاع ومواقف قائد الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، أو الأصوات المعترضة في الكونغرس على أي صفقة مع طهران تؤدي إلى خروج حرس الثورة من لائحتي العقوبات والإرهاب.

https://www.independentarabia.com

اضف تعليق