q
يعد هدر الغذاء من أكثر المسائل انتشاراً في مختلف دول العالم. إذ تصدرت هذه المشكلة أول اهتمامات الأمم المتحدة نظرًا إلى تداعياتها السلبية بيئيًا واجتماعياً واقتصادياً. ووفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يهدر سكان العالم ثلث الغذاء الموجه للاستهلاك البشري، وتقدّر الكمية المهدورة من الغذاء عالمياً حوالي مليار و300 مليون طن...

يعد هدر الغذاء من أكثر المسائل انتشاراً في مختلف دول العالم. إذ تصدرت هذه المشكلة أول اهتمامات الأمم المتحدة نظرًا إلى تداعياتها السلبية بيئيًا واجتماعياً واقتصادياً. ووفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يهدر سكان العالم ثلث الغذاء الموجه للاستهلاك البشري، وتقدّر الكمية المهدورة من الغذاء عالمياً حوالي مليار و300 مليون طن سنويًا، تصل قيمتها إلى 980 مليار دولار أميركي.

هذا وتعتبر الفواكه والخضروات، وخاصة الخضروات الجذرية من أكثر أنواع الأغذية المهدورة، وتصل نسبة هدرها إلى ما بين 40 إلى 45 %، تليها اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان بنسبة 35%، ثم الحبوب والبذور الزيتية بنسبة 30%. ويتم تسخير 38% من إجمالي الطاقة المستهلكة في النظام الغذائي العالمي لإنتاج أغذية مفقودة أو مهدورة.

وبحسب تقارير المنظمة الدولية، يساهم الهدر المنزلي في هذه المشكلة، لأنّه يهدر سنويًا أطناناً من الأطعمة نتيجة سوء التخزين أو تكديس كميات منها تفوق حاجة الأفراد، بينما يعاني أكثر من 820 مليون شخص من الجوع.

انطلاقاً من هذه المشكلة الإجتماعية، كيف نستطيع الحدّ من هدر الغذاء؟

إذاً ما هي أسباب فقد وهدر الغذاء؟ وجدت الأبحاث أن الأسباب الرئيسة لفقد الغذاء هي ضعف البنية التحتية والسياسات التنظيمية والممارسات السيئة في الزراعة وما بعد الحصاد، والمشاكل المترتبة خلال نقل الغذاء وتوزيعه.

أما على مستوى المستهلك، فيعتبر هدر الغذاء مشكلة سلوكية مستمدة من عاداتنا وأعرافنا وتقاليدنا وسلوكياتنا، إذ تهدر كميات ضخمة أثناء الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية واللقاءات الأسرية وفي المطاعم والفنادق. يسهم الافتقار إلى الوعي، واعتماد أساليب تسوق سيئة ومفرطة، وعدم التخطيط للوجبات إلى زيادة الهدر.

كيف تحدّ من هذه المشكلة الغذائية؟ تتعدد الوسائل المساعدة للتخفيف من مشكلة هدر الغذاء، وتنقسم إلى معالجات حكومية وفردية، ولعلّ أبرزها: وضع سياسات دولية لتفادي مشاكل الزراعة والحصاد، اعتماد أساليب متطورة لنقل الغذاء وتوزيعه.

التسوّق بذكاء وحكمة من خلال وضع قائمة تسوّق مفصلة بالمكونات المطلوبة وتجنب الإفراط في الشراء، مراقبة تاريخ انتهاء صلاحية الغذاء ووضع الأطعمة الجديدة في الخلف والقديمة في الأمام، تخزين الغذاء بطريقة آمنة وفي الأماكن الصحيحة، فالأكياس أو العلب التي تحتوي على الغذاء المخزّن، يجب أن تكون محكمة الغلق. وكذلك، للغذاء المبرّد والمثلّج، يجب التأكد من برودة الثلاجة والبراد على الدوام.

عدم التخلّص من بقايا الأطعمة فيمكن استخدامها في عمل وجبات جديدة، أو الالتزام بتخزينها بطريقة ملائمة من أجل إعادة استعمالها في وقت لاحق، عدم الإكثار من كمية الغذاء في الطبق، فعلى الشخص وضع الكمية التي يحتاجها دون زيادة، فهذا يُساهم بضبط السعرات الحرارية المستهلكة ويحدّ من كمية الأطعمة التي يتم هدرها.

تجنّب طهي أكثر من وجبة في الوقت نفسه والتركيز على خيار واحد لعدم التخلص من فائض الغذاء، التبرع بالغذاء لبنوك الأطعمة لمساعدة الأشخاص الأكثر حاجة وبالتالي تفادي الهدر.

هدر الأغذية والموت جوعًا!

من المفارقات في عالمنا المعاصر، الذي يدعي المدنية والتحضر، معاناة أكثر من مليار إنسان من الفقر والجوع، في الوقت الذي يتم فيه فقد أو تبديد ثلث مجموع الأغذية قبل أن يصل للمستهلكين، وهدر الأغذية يمثل في الوقت ذاته هدرًا للعمل والمياه والطاقة والأراضي والمستلزمات الأخرى التي استخدمت في إنتاجها.

هدر الأغذية وحقوق الإنسان وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) "يُقصد بفقد الأغذية وهدر الأغذية ذلك النقص الذي يحدث لكميات الأغذية المعدَّة للاستهلاك البشري في المراحل اللاحقة من سلسلة التزويد. ويجري فقد الأغذية أو هدرها عبر السلسلة الغذائية كلها، من الإنتاج الأولي وحتى الاستهلاك في المنزل".

وهدر الأغذية يمثل اعتداءً صارخًا على حقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحق الأصيل في الحياة وما يتعلق به من ضرورة الحصول على القدر الكافي من الطعام والشراب، وهدر الأغذية يفضح المنظمات والدول التي تتاجر بحقوق الإنسان وتزعم أنها تدافع عنها.

كما أنه يعكس جانبًا من الخلل بل ومن الظلم البين في توزيع الخيرات والثروات الطبيعية التي تسعى بعض الدول للاستيلاء عليها واحتكارها. وفي الوقت الذي يصاب فيه ملايين البشر بالسمنة، ويهدر فيه نحو ثلث الأغذية، يعاني أكثر من مليار نسمة من الفقر المدقع والجوع!

وهدر الأغذية مشكلة عالمية تتطلب تضافر الجهود لمعالجة شقين أساسيين وهما: الإفراط في استهلاك الأغذية وإهدارها، والشق الثاني التوزيع العادل للثروات والخيرات وضمان حد الكفاية وحصول جميع البشر على القدر الكافي من الطعام والشراب.

وحديث البعض عن شح الموارد الطبيعية وندرتها وعجزها عن تلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من البشر تكذبه الإحصائيات العالمية التي تظهر وبجلاء حجم السفه والإسراف في استهلاك الموارد الطبيعية في المناطق الغنية من العالم، والندرة والحرمان في مناطق أخرى، والله عز وجل يقول عن الأرض {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} سورة فصلت: 10.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي (ص) قال "ما آمن بي من بات شبعانَ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه وهو يعلم به". صحيح الجامع: 5505.

أسباب هدر الأغذية في أنحاء العالم مختلفة ومتعددة، ويأتي في مقدمتها الجشع والطمع والرغبة في الاستئثار بالثروات والخيرات، والاستهلاك المفرط للأغذية في المجتمعات الغنية، ومجتمعات الوفرة يتم فيها إهدار كميات كبيرة من الأغذية، وشرائح كبيرة في هذه المجتمعات لا تلقي بالًا لمعاناة ملايين الفقراء في العالم، وهدر الغذاء في هذه المجتمعات يتم بسفه وحماقة منقطعة النظير، فقد وصل السفه في عدد من الدول إلى هدر الأغذية بشكل ممنهج بل وفي أجواء احتفالية، ومن الأمثلة الصارخة على ذلك مهرجانات هدر الغذاء التي تقام سنويًا في عدد من الدول الغربية والشرقية، ويقوم المشاركون فيها بإهدار ملايين الأطنان من الأغذية.

وهدر الأغذية في بعض الدول أصبح وسيلة من وسائل الاحتجاج على انخفاض أسعار المنتجات الغذائية وخفض الدعم الحكومي المقدم للمزارعين ومنتجي الحليب وغيرهم، فالمزارعون في بعض الدول يقومون بإتلاف مئات الأطنان من المحاصيل الزراعية احتجاجًا على انخفاض أسعارها، وفي دول الاتحاد الأوروبي قام مربو الماشية بسكب ملايين اللترات من الحليب على الأرض احتجاجًا على انخفاض الأسعار وخفض الدعم المقدم لهم.

إحصائيات مستفزة

إحصائيات هدر الأغذية في العالم مفزعة ومستفزة في نفس الوقت لأن آثارها لا تقتصر على الجانب المالي وحسب، لكنه يترك آثارا بيئية تتمثل في الإسراف في استخدام المواد الكيميائية المستخدمة في إنتاجه مثل الأسمدة والمبيدات الحشرية، وقود النقل، ناهيك عن أن الأطعمة الفاسدة تتسبب في انبعاث غاز الميثان وهو واحد من أشد غازات الدفيئة ضررًا وتأثيرًا في تغير المناخ، فغاز الميثان هو أقوى بـ 23 مرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي فللكثير من المواد الغذائية التي تلقى في مدافن النفايات مساهماتها الكبيرة في ظاهرة تغير المناخ.

وإحصائيات الأمم المتحدة المتعلقة بهدر الأغذية أظهرت النتائج الآتية:

يهدر أو يفقد ما يناهز ثلث الطعام المنتج للاستهلاك الآدمي كل عام حوالي 1.3 مليار طن.

يهدر الزبائن في الدول الغنية من الطعام 222 مليون طن (أي ما يقارب إنتاج منطقة جنوب الصحراء الكبرى الذي يقارب 230 مليون طن سنويًا).

تصل كمية الغذاء المهدر سنويًا إلى ما يوازي أكثر من نصف الكمية محاصيل الحبوب عالميًا (2.3 مليار طن عامي 2009 و2010).

فقدان الغذاء هو أحد أكبر عوامل إهدار الموارد، بما في ذلك المياه الأراضي، الطاقة، العمالة، رأس المال، بالإضافة إلى انبعاث الغازات الضارة مما يتسبب بالاحتباس الحراري وتغير المناخ.

في البلدان النامية، يفقد الغذاء في المراحل الأولية من عملية إنتاجه بسبب القيود المالية والإدارية والتقنية المفروضة على تقنيات الحصاد والتخزين ومرافق التبريد.

في البلدان التي تتمتع بمعدلات دخل متوسطة أو عالية، يفقد الغذاء في المراحل الأخيرة من سلسلة التوريد بسبب نمط الاستهلاك نفسه، على عكس الحاصل في البلدان النامية.

في الولايات المتحدة، ترمى نسبة 30% من الغذاء سنويًا (أي ما يصل قيمته إلى 48 مليار دولار).

يقدر أن نصف المياه المستخدمة في إنتاج هذا الغذاء تهدر أيضًا لأن الزراعة هي أكبر نشاط بشري مستهلك للمياه.

تهدر الأسر بالمملكة المتحدة ما يقدر بنحو 6.7 ملايين طن من الغذاء سنويا، أي حوالي 21.7 مليون طن من الغذاء المشترى، وهو ما يعني أن 32% من الطعام المشترى لا يؤكل، وتجمع السلطات المحلية معظم هذا (5.9 ملايين طن أو ما نسبته 88%) ويمكن تجنب إهدار 4.1 ملايين طن من ذلك الغذاء (أو ما نسبته 61%) لو توافرت إدارة أفضل له، في الولايات المتحدة، تأتي النفايات العضوية في المرتبة الثانية من مكونات مدافن القمامة التي تعد أكبر مصدر لانبعاثات غاز الميثان.

المضار الاقتصادية والصحية والبيئية

هدر الأغذية لا يضر بمصالح الفقراء في العالم فقط، ولكنه يضر أيضًا باقتصادات الكثير من الدول، فتكاليف هدر الطعام تبلغ نحو 750 مليار دولار سنويًا، وهدر الأغذية سبب رئيس من أسباب استنزاف الموارد الطبيعية، وفي مقدمتها الماء، لأن الزراعة هي أكبر نشاط بشري مستهلك للمياه، وفيه كذلك هدر وتضييع لموارد الطاقة التي تستخدم في إنتاج الطعام، والتي تستخدم أيضًا في التخلص من الأطعمة المهدرة أو إعادة تدويرها.

ومن المضار الاقتصادية لهدر الأغذية، واستهلاك كمية زائدة وكبيرة منها، تكاليف العلاج من السمنة والأمراض المرتبطة بها كالسكري والضغط، والتي تصل إلى مليارات في بعض الدول مثل الولايات المتحدة، فتكاليف علاج السمنة هناك تزيد على 150 مليار دولار سنويًا، هدر الأغذية واستهلاك كميات كبيرة منها له مخاطره الصحية والبيئية، والمخاطر الصحية تتمثل في السمنة والأمراض المرتبطة بها لدى الكثيرين. وفي المقابل معاناة أكثر من مليار نسمة من الجوع في أماكن كثيرة من العالم.

والمخاطر البيئية تتمثل في تأثير النفايات على الصحة العامة، وبخاصة نفايات الأطعمة والمشروبات لأنها سريعة التلف والتعفن، وتصدر عنها روائح كريهة ناهيك عن التلوث البصري، وإنتاج النفايات له آثار سلبية على البيئة، والتخلص من النفايات له أيضًا آثار جانبية، وعملية التخلص من النفايات عملية معقدة تحتاج إلى تقنيات متطورة وتكاليف اقتصادية باهظة لا تتوفر للكثير من الدول.

العلاج، هدر الأغذية مشكلة متعددة الجوانب، وأخطر ما فيها تأثيرها المباشر والسلبي على الفقراء الذين يعانون من الجوع والذين تجاوز عددهم المليار نسمة.

وهناك جملة من الحلول المقترحة لمعالجة مشكلة هدر الأغذية ومنها:

أولًا: التوعية بأهمية خفض معدلات الاستهلاك بشكل عام، واستهلاك الطعام بشكل خاص، لحين الوصول إلى حالة من التوازن بين احتياجات الأفراد على مستوى العالم. وهذا التوازن يضمن حياة صحية خالية من الأمراض لمن يملكون الكثير من المال والطعام، ويضمن بقاء ملايين البشر على قيد الحياة.

ثانيًا: المبادرات الشخصية والجماعية التي تهدف إلى الحفاظ على الطعام وإيصاله للمحتاجين، ومنها مشروعات "حفظ النعمة" التي يتم فيها جمع الطعام المتبقي وإعداده لتوزيعه على الفقراء، ومنها مشروعات جمع المنتجات والأطعمة التي تتخلص منها المطاعم والفنادق أو الشركات لسبب أو لآخر، وإعدادها في شكل وجبات وتقديمها للفقراء.

ثالثًا: قيام الحكومات بدورها في سن التشريعات والقوانين التي تُجرم هدر الأغذية، وتلزم الشركات بتقديم فائض الأغذية لديها للمؤسسات الخيرية.

ثلث طعام العالم في سلة المهملات وأكثر من 800 مليون يعانون الجوع.. فما الحل؟

يكتسي الحد من الهدر الغذائي أهمية بالغة في وقت كشفت فيه جائحة كوفيد-19 عن هشاشة سلاسل الإمداد الغذائي العالمية. فقد واجهت الكثير من المتاجر الكبرى في جل دول العالم صعوبة بالغة للحفاظ على أرففها ممتلئة في ظل تهافت المستهلكين على الشراء والتخزين بداية الجائحة.

وأشار تقرير أممي إلى أن ما يتراوح بين 720 و811 مليون شخص في العالم قد عانوا من الجوع عام 2020، أي ما يقارب 161 مليونا إضافيا مقارنة بعام 2019. ولم يتمكن في العام نفسه حوالي 2.37 مليار شخص من الحصول على غذاء كاف.

بيد أن نحو ثلث الغذاء الذي يُنتج سنويا في العالم للاستهلاك الآدمي -أي نحو 1.3 مليار طن- إما يفسد أو ينتهي به المطاف في مكبات النفايات، بحسب دراسة أُعدت لحساب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" "FAO" عام 2011.

وأشارت الدراسة إلى أن المستهلكين في البلدان الغنية يهدرون ما يعادل مجمل الطعام الذي تنتجه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (أي 230 مليون طن).

لكن فقدان الطعام وهدره يمثل أيضا هدرا للموارد الطبيعية من مياه وأراض وطاقة وأيد عاملة ورأس مال. وعندما يلقى الطعام في مكبات النفايات ينتج كميات كبيرة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تسهم بارتفاع درجة حرارة الأرض وتفاقم تغير المناخ.

أسباب وحلول، ولفتت الدراسة إلى أن معظم خسائر الغذاء في الدول منخفضة الدخل تنجم عن ضعف البنية التحتية ونقص الخبرة بطرق تخزين الطعام ومعالجته، علاوة على أحوال الطقس غير المواتية التي تعجل بفساد الطعام.

في حين أن سلوكيات المستهلكين وتفضيلاتهم في الدول مرتفعة الدخل، والالتزام بتواريخ انتهاء الصلاحية والإنتاج الصارمة، يسهمان في هدر كميات كبيرة من الغذاء. فقد تُهدر فواكه وخضراوات طازجة بسبب عيوب طفيفة في مظهرها قد لا تؤثر على مذاقها.

ويشغل تقليص النفايات الغذائية وتعزيز الأمن الغذائي حيزا كبيرا من اهتمام الباحثين. وقد عرض تقرير على موقع "ذا كونفرسيشن" "The Conversation" بعض الحلول التي قد تساعد في تقليص النفايات الغذائية والحد من هدر الطعام، منها:

أثبتت الدراسات أن الآفات الزراعية وتقنيات الحصاد غير الفعالة تلعبان دورا كبيرا في مفاقمة مشكلة النفايات الغذائية، ولهذا قد تسهم زيادة الإنفاق على التطبيقات التكنولوجية والبنية التحتية، في هذه المراحل المبكرة من سلسلة الإمداد الغذائي، في الحد من هدر الطعام وتقليص النفايات الغذائية في الدول منخفضة الدخل.

وأشارت دراسة نشرت في دورية "جورنال أوف كلينر برودكشن" "Journal of Cleaner Production" إلى أن الطائرات المسيرة التي تدار بالذكاء الاصطناعي قد تساعد المزارعين في تحقيق الاستفادة المثلى من الموارد المتاحة، والحد من استخدام المبيدات الحشرية التي تؤذي النظم البيئية للأغذية، إذ إن المبيدات تلوث المياه وتؤدي إلى تدهور خصوبة التربة وتلوث العشب.

وثمة فوائد أخرى لاستخدام الطائرات المسيرة في مجال الزراعة، منها زيادة غلة المحاصيل وخفض التكاليف وتحسين صحة المواشي.

برامج حث المستهلكين على تقليص النفايات، تمثل سلوكيات المستهلكين جزءا كبيرا من مشكلة الهدر الغذائي، مما حدا بالباحثين إلى البحث عن طرق لإقناع الأسر بالحد من هدر الطعام الصالح للأكل.

ووضعت دراسة حديثة برنامجا لتقليص النفايات الغذائية يقوم على توفير معلومات لمجموعة من الأسر بالعاصمة البريطانية لندن ومقاطعة أونتاريو في كندا بشأن كيفية التخطيط للوجبات مسبقا، وشراء الطعام وتخزينه وتحضيره واستخدام الفائض من الأطعمة.

وركز الباحثون على أهمية ترشيد الإنفاق وتوفير المال من خلال إبراز حجم الخسائر المالية الناجمة عن هدر الطعام سنويا. إذ استعان الباحثون ببيانات عن كميات النفايات الغذائية التي تنتجها كل أسرة من الأسر المشاركة واحتسبوا القيمة المالية لهذه النفايات. وخلصت الدراسة إلى أن هذه النصائح والمعلومات حثت الأسر المشاركة على خفض كميات النفايات الغذائية التي تنتجها بنسبة 30%.

وبالمثل، طُور نظام جديد يسمى "وينو" "Winnow" يعتمد على الذكاء الاصطناعي للحد من هدر الطعام في المطاعم وزيادة الأرباح. ويتضمن النظام ميزانا ذكيا أسفل سلة النفايات الغذائية وكاميرا تلتقط صور النفايات الملقاة في السلة.

ومن خلال تقنية التعرف على الصور، يميّز النظام أنواع الطعام الملقاة في السلة ويحدد قيمتها المالية وتكلفتها البيئية، ثم يرسل تقريرا للشركات والطهاة لضبط الإنفاق ومعالجة مشكلة الإنتاج الزائد.

الاستفادة من الطعام الفائض، وثمة طرق عديدة للاستفادة من الطعام الفائض وفقا لنموذج الاقتصاد الدائري. فقد تتحول النفايات الغذائية إلى طاقة متجددة عبر عملية الهضم اللاهوائي "Anaerobic digestion". إذ تعمل البكتيريا على تحليل المادة العضوية في غياب الأكسجين، لإنتاج الغاز الحيوي.

وقد يستخدم الفائض من الطعام الصالح للأكل لتحضير أطباق جديدة أو منتجات غذائية جديدة. وقد تأسست شركة "رينيوال ميل" "Renewal Mill" لتحويل النفايات الغنية بالألياف الناتجة عن عمليات معالجة المواد الغذائية (مثل فول الصويا) إلى طحين ليباع بالجملة. وقد تستخدم النفايات الغذائية أيضا كعلف للحيوانات أو سماد حيوي.

فبإمكانك دعم الشركات والمطاعم التي تستخدم الأطعمة الفائضة في منتجاتها أو وجباتها، ووضع جدول أسبوعي لاستهلاك المنتجات الغذائية التي تشتريها بناء على تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية المدون على العبوة، والامتناع عن إلقاء الأطعمة التي لم تذبل تماما في سلة المهملات، وشراء ما تحتاجه فقط من الأغذية، ولا سيما في المناسبات الخاصة والولائم، ولا تبالغ في شراء الثمار المثالية فقط من المتاجر الكبرى، فإن الفاكهة والخضراوات ذات العيوب الشكلية والندوب لا يختلف مذاقها عن غيرها ذات الشكل "المعتاد".

الحد من هدر الطعام يوفر للعالم 405 مليارات دولار سنويا

عندما يدور الحديث عن هدر الطعام على المستوى العالمي، فإن الأرقام تبدو مزعجة ومقلقة ومثيرة للاستياء.

سنويا يفقد أو يهدر أكثر من مليار طن من الغذاء، أي ما يعادل ثلث الطعام المخصص للاستهلاك البشري حول العالم، في وقت لا يزال واحد من كل تسعة أشخاص على المستوى الدولي يعاني نقص التغذية، ويؤدي هذا الفقد أو الإهدار إلى خسائر اقتصادية تقدر بنحو 940 مليار دولار سنويا.

ويقدر الباحثون أن 61 في المائة من نفايات الطعام تأتي من المنازل، و26 في المائة من خدمات الطعام، و13 في المائة من البيع بالتجزئة.

وتشير التقديرات إلى أن الأغذية المهدرة تستخدم 25 في المائة من إمدادات المياه في العالم، وإذا تخيلنا مخلفات الطعام كدولة، فستكون ثالث أكبر دولة في العالم مسؤولة عن الانبعاثات الغازية بعد الصين والولايات المتحدة، إذ يسهم هدر الطعام في إنتاج ثلاثة مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون كل عام، ويبلغ الهدر في الأسماك والمأكولات البحرية 35 في المائة والحبوب 30 في المائة والبقوليات والمكسرات 20 في المائة ومثلها في اللحوم والألبان.

تحتل قضية هدر الطعام أهمية كبيرة لما لها من أبعاد اجتماعية واقتصادية متعددة، فلا شك أن للقضية جانبا أخلاقيا وإنسانيا في ظل تقدير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، بأن هناك نحو 690 مليون شخص عانوا الجوع حول العالم 2019، وسط توقعات بأن ترتفع تلك الأرقام نتيجة الأزمة الناجمة عن وباء كورونا.

يضاف إلى هذا البعد الأخلاقي والإنساني أبعاد اقتصادية شديدة الأهمية والخطورة، حيث أظهرت جائحة كورونا هشاشة سلاسل الإمداد الغذائية العالمية، ويكفي القول إن عديدا من المحال التجارية والمطاعم في كل بلد تقريبا عانى نقص الغذاء خلال ذروة الجائحة، حتى بعد تراجع الوباء نسبيا فلا تزال دول متقدمة مثل المملكة المتحدة أحد أقوى الاقتصادات في العالم تعاني نقص مخزونها من المواد الغذائية، ما دفع أحد المطاعم الشهيرة إلى إغلاق عديد من فروعه لعدم توافر المنتجات الغذائية، التي يقدمها.

كما توقفت مطاعم أخرى عن تقديم بعض الأطعمة الموجودة على قوائم الطعام لديها، ويضج حاليا كثير من المحال التجارية البريطانية بالشكوى من نقص المواد الغذائية أو تقلص مخزوناتها من عديد من المواد الغذائية الأساسية.

وقالت لـ"الاقتصادية" الدكتورة ريث لويس، أستاذة الاقتصاد الزراعي في جامعة ليدز، "نقص الغذاء كان سائدا قبل وقت طويل من انتشار وباء كورونا، لكن تفشي الوباء أدى إلى استفحال الأزمة، وبصفة عامة يمكن القول إن البلدان ذات الدخل المرتفع تهدر قدرا من الغذاء يوازي ما تنتجه جميع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، ويبلغ حجم إهدار الطعام في الولايات المتحدة نحو 40 في المائة بتكلفة سنوية تقدر بـ218 مليار دولار أو 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي".

وتضيف "ما يجب التركيز عليه في تلك القضية يتعلق بتكلفة الفرصة البديلة لوقف عمليات الإهدار، فبحلول 2030 سيمثل الحد من هدر الطعام فرصة اقتصادية بقيمة تراوح بين 155و405 مليارات دولار، عبر تخفيف الضغط على أنظمة إدارة النفايات، وتحقيق مزيد من الأمن الغذائي، وتحقيق مزيد من التنوع البيولوجي".

يشير عديد من الخبراء إلى أن الحديث عن هدر الطعام يبدو في كثير من الأحيان مصطلح عام يساوي بين الجميع دون البحث بشكل حقيقي في جذور وأسباب الهدر، فكثير من الدراسات تشير إلى أن هدر الأغذية الاستهلاكية مشكلة حصرية في البلدان المتقدمة، أما في البلدان النامية، فإن هدر الطعام ينجم أساسا عن سوء عمليات الإنتاج والتخزين والنقل ومن ثم يرتبط أكثر بغياب البنية التحتية أو عدم تطورها.

في هذا السياق، يؤكد لـ"الاقتصادية" الباحث الاقتصادي إيد برنسون، "تفقد البلدان الصناعية والنامية كميات الغذاء نفسها تقريبا، ولكن الجزء الأكبر من الخسائر في البلدان النامية يكون في مرحلة ما بعد الحصاد نتيجة محدودية مرافق التخزين أو قنوات التوزيع غير الفعالة، التي لا تتسم بالكفاءة. أما في البلدان الصناعية، فإن أكبر الخسائر تقع على صعيد البيع بالتجزئة والمستهلكين، فارتفاع المعايير الواجب توافرها في المواد الغذائية يؤدي إلى رفض المحال التجارية والمستهلكين عديدا من الأطعمة الجيدة والصالحة للاستخدام، ولكنها لا تلبي معاييرهم المتعلقة بالحجم واللون".

ويضيف، "يمثل الغذاء في البلدان المتطورة جزءا صغيرا نسبيا من الإنفاق الاستهلاكي، ما قد يؤدي إلى الإفراط في الشراء والتخلص من الطعام بسهولة أكبر، ففي الولايات المتحدة مثلا يهدر المستهلك ما يراوح بين 95 و115 كيلو جرام سنويا من الغذاء، مقارنة بـ 6-11 كيلو جرام في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي جنوب شرق آسيا".

وتشير الدراسات إلى أن الناس تهدر الطعام على أربعة مستويات: المنتج والموزع والبائع والمستهلك. في هذه المستويات يتم التخلص من ثلاثة أنواع من الطعام "الطعام الفاسد، والطعام الذي نعتقد أنه سيئ، والطعام الذي نعرف أنه لا يزال قابلا للاستهلاك لكننا لا نريده".

وعندما يتم التخلص من الأطعمة غير القابلة للاستهلاك، فعادة ما يكون ذلك بسبب مشكلات في التعبئة والتغليف والتخزين والنقل، كما يتم هدر الطعام أيضا، حيث إن المستهلكين والبائعين يخزنون أكثر من طاقتهم في كثير من الأحيان.

وفي المتوسط، فإنه في البلدان المتقدمة يلقي المستهلكون نحو خمس مشترياتهم من المنتجات الغذائية في مكبات النفايات. وكشفت دراسات في هذا السياق أن الطعام السيئ الطعم بشكل واضح لا جدال فيه يمثل أصغر جزء من الطعام، الذي يهدر. وفي المتوسط، فإن نحو 90 في المائة من الطعام، الذي يلقى في القمامة يمكن تناوله بأمان، ومن ثم فأكبر فئة من نفايات الطعام هي الطعام، الذي نعتقد أنه سيئ، ولكنه لا يزال من الممكن استهلاكه بالفعل.

وأوضح لـ"الاقتصادية" فيليب هارلي، الخبير الاقتصادي السابق في منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" تأثير سياسات الحد من هدر الطعام بالقول، "خفض معدلات الهدر سيؤدي حتما إلى وفرات في عمليات شراء الأغذية غير الضرورية لكن من ناحية أخرى، فإن انخفاض الطلب على الغذاء والإنتاج يؤدي إلى فقدان الوظائف. في ألمانيا على سبيل المثال أدت سياسات الحد من كميات الطعام المهدور إلى توفير 30 مليار دولار، لكنها أدت إلى فقدان 600 ألف وظيفة".

وأشار هارلي إلى أن التكاليف المحيطة بهدر الطعام وسياسة الحد منه معقدة، حيث زاد هدر الطعام 204 في المائة منذ 1960 حتى اليوم، ولكن الحكومات والشركات تتخذ إجراءات استباقية بشكل متزايد لمكافحة تلك الظاهرة، ما قد يؤدي إلى تبعات اقتصادية لم تتضح بعد.

اضف تعليق