q
منوعات - تقارير منوعة

هل يمكننا إبطاء الزمن؟

كيف مر الوقت سريعا، عبارة مألوفة تتداولها الألسن، خاصة عندما نشعر بمرور الوقت دون أن تمكن من مجاراته، بيد أن آخرين يشعرون بالزمن بشكل مختلف، فيكون الملل أو تباطؤ الزمن لديهم هو الإحساس المسيطر على شعورهم بمرور الوقت وتسارعه. وبينما تمر ساعات الانتظار ببطء شديد، تمر أيام العطلات بسرعة...

للوقت أهمية بالغة في حياة الإنسان، فالوقت هو العمر والحياة، فالإنسان يُقَدَّر عمره بما يمضي منه من أوقات، فإضاعة الوقت تعني إضاعة العمر، وهي بلا شك خسارة كبيرة، لا شك أن الإسلام قد اعتنى بمسألة الوقت اعتناءً كبيراً، ويظهر هذا الاعتناء في العديد من النصوص الشرعية في الكتاب والسنة التي تحث على اغتنام الوقت، والتحذير من إضاعته، ومما يدل على أهمية الوقت في القرآن الكريم، أن الله تبارك وتعالى قد أقسم في بعض السور ببعض الأوقات، وهي: الليل والنهار، والفجر والضحى والعصر، وقد قال بعض المفسرين بأن (العصر) الذي أقسم به الله تعالى في سورة العصر، هو الزمان كله، وليس فقط آخر النهار، ومن المعلوم أن الله تعالى إذا أقسم بشيء، فإن ذلك يدل على عظمته وأهميته البالغة.

ضمن اطار الموضوع يأتي السؤال المهم، هل ينبغي حذف الثانية "الكبيسة" التي يضيفها الإنسان أحيانا كي يبقى التوقيت الحالي مرتبطا بالتوقيت الفلكي؟، انقسمت البلدان حول هذه المسألة وهي قررت إرجاء مناقشتها إلى العام 2023، ولا تزال هذه المسألة محط جدل منذ سنوات عدة وهي قد أرجئت إلى أجل غير مسمى "بغية توضيح بعض التساؤلات"، وقد اعتمد النظام الحالي للتوقيت في العام 1972 مع مفهوم "التوقيت العالمي المنسق" وهو التوقيت المعتمد في الساعات الذرية الذي يضيف أو يسحب منه الإنسان ثانية تسمى "ثانية كبيسة" كي يبقى متماشيا مع التوقيت الشمسي.

هددت "ثانية كبيسة" بإحداث عطل كارثي في الانترنت، ولكن عكس آخر "ثانية كبيسة"، سنة 2012، استمر الانترنت في العمل بدون أي توقف ملحوظ، رغم مرور الثانية الزائدة الساعة الثامنة من ليل الثلاثاء، علما أن نظام "الثانية الزائدة" اخترع لأجل موائمة التوقيت الذري الدولي مع سرعة دوران كوكب الأرض التي قد لا تكون مستقرة في بعض الأوقات.

جدير بالذكر أن الثانية 61 كان بإمكانها أن تُحدث خللا بأنظمة الكمبيوتر وأن تتسبب في انهيار مواقع الكترونية، وكذلك أن تفسد البرامج التي تقوم عليها السوق المالية. علما أن آخر ثانية كبيسة حصلت أدت إلى أعطال في مواقع الكترونية مثل Reddit وYelp وLinkedIn و FourSquare.

كان من أسباب الأعطال التي أصابت تلك المواقع وحجبتها لساعات، أن البرنامج الذي يتحكم في عدد كبير من نظم الحوسبة لا يتأقلم مع الثانية الكبيسة، ولا يدرك بالتالي إمكانية وجود دقيقة مكونة من 61 ثانية.

لكن رغم ذلك، حتى أفضل الساعات الميكانيكية لم يكن لها أن تناسب معايير أيامنا هذه. فعلى سبيل المثال، تتأخر ساعة جدك بنحو 15 ثانية تقريباً كل يوم– أي ما يعادل دهراً إذا ما قورن ذلك بالدقة التي حققناها بما لدينا من معايير ذهبية حاليا، وهي الساعات النووية، فقد اختُرعت هذه الساعات قبل 60 عاماً، وهي تعمل عن طريق جعل كرة من ذرات السيزيوم تسبح في موجات تعرف بالموجات الصُغريّة (أو أشعة المايكروويف). يتم ضبط هذه الموجات الصُغريّة بشكل يسمح بامتصاصها تماماً من قبل ذرات السيزيوم، ثما يعاد بثّ تلك الموجات من قبل هذه الذرات.

الساعات التقليدية التي تحوز ثقتنا ربما لن تفي بمتطلبات التقدم التكنولوجي الهائل في حياتنا اليوم وغدا، وبحسب هذه النظرية، يحصل ذلك عندما يصل تردد الموجات بالضبط إلى عدد محدد بدقة من الذبذبات في الثانية الواحدة. ولذلك، وبقياس تلك الذبذبات، فإننا نحصل على حركة واحدة لمؤشر الثواني مضبوطة بدقة متناهية، وتستعمل لقياس مرور الزمن؛ وذلك بنفس الطريقة التي يعمل بها رقّاص الساعة الميكانيكية المتأرجح بشكل منتظم.

لماذا يشعر الناس بالوقت بشكل مختلف؟

قيل قديما "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك". لماذا يتسارع الوقت للناس بشكل مختلف؟ وهل للتقدم في السن علاقة في الاحساس المختلف بالزمن؟ هل من الممكن إبطاء الزمن، أو تغيير الإحساس به؟ التفاصيل في الموضوع التالي.

"كيف مر الوقت سريعا"، عبارة مألوفة تتداولها الألسن، خاصة عندما نشعر بمرور الوقت دون أن تمكن من مجاراته، بيد أن آخرين يشعرون بالزمن بشكل مختلف، فيكون الملل أو تباطؤ الزمن لديهم هو الإحساس المسيطر على شعورهم بمرور الوقت وتسارعه. وبينما تمر ساعات الانتظار ببطء شديد، تمر أيام العطلات بسرعة، فما السبب لذلك؟

حاول كتاب "صنع الوقت" للمؤلف البريطاني ستيف تايلور الاجابة عن سر تسارع أو تباطؤ الزمن لدى الناس، ولماذا يملك الناس تصورات مختلفة عن الوقت، وكيف يؤثر ذلك على احساسهم المختلف بالوقت.

يوجد لدى كل إنسان شعور داخلي بمرور الوقت، ويختلف هذا الشعور من شخص إلى آخر، كما أنه يعتمد على الحالة النفسية للإنسان. فعلى سبيل المثال ينقضي الوقت بسرعة بالنسبة للإنسان إذا ما كان غارقا في العمل، بينما يمضي متثاقلا في حالة الملل أو الشعور بالألم، لذلك يلعب العامل النفسي المزعوم دورا مهما في الإحساس بالوقت وفي تعاملنا معه بشكل مختلف.

بالنسبة للأطفال، يستغرق العام وقتا أبديا طويلا، في حين يشكل هذا العام لمحة سريعة في سن الشيخوخة، وبحسب الموقع الإلكتروني الألماني SWR-wissen والذي يعني بالمواضيع العلمية، فقد تم توثيق هذه الظاهرة، كما أنه يمكن تفسيرها بشكل علمي.

من الناحية النظرية الوقت حقيقة ثابتة، فالدقية هي نفسها للكبير أو الصغير، بيد أن الإحساس المختلف بها يرجع إلى العديد من العوامل. وأرجح بعض العلماء يرجعون هذا الأمر إلى عملية حسابية يبتكرها عقل الإنسان معتمداً على الفترة التي عاشها من حياته، فالعام الواحد يمثل ثلث الحياة بالنسبة لطفل في الثالثة من عمره، في حين تمثل هذه السنة جزءا بسيطا من حياة عجوز في التسعين من عمره، ما يعنى أن إدراك عقل الإنسان لمرور الزمن مسألة تتناسب بشكل طردي مع عمره.

في أعوام حياة الإنسان الثلاثين الأولى، تحدث له الكثير من الأمور، فهو يذهب إلى المدرسة، والجامعة، ويبحث عن عمل، ويلتقي بالأصدقاء، ويبدأ بالتعرف على الجنس الآخر، ويكتشف ويطور ميوله ومواهبه. في فترة التقدم في العمر أو الشيخوخة فإن المتغيرات التي تحدث للإنسان نفسه أقل بكثير مما هو في السابق، ويعتبر التكرار والروتين هي السمة الغالبة. لذلك يقول الخبراء أنه كلما انشغل الدماغ بمعلومات أكثر وبشكل مكثف يمر الوقت بشكل أبطأ بالنسبة له، بينما قد يحدث الانشغال بالأمور الروتينية. فكلما زادت المعلومات الجديدة التي نأخذها، يمر الوقت بشكل أبطأ وهذا الأمر يفسر الاحساس المختلف بالزمن بين الأطفال والبالغين.

القدرة على إبطاء الوقت، بحسب الكاتب تايلر فإن المرة الأولى التي نشهد فيها شيئًا ما يكون مكثفًا. بعد ذلك يبدو الامر مألوفا بالنسبة لنا. وفي حين يواجه الأطفال العديد من الأشياء للمرة الأولى، فإن البالغين على دراية بمعظمه. لذلك يسوق الخبراء نصائح من أجل إبطاء الزمن أو على الأقل وقف الشعور بتسارعه:

صنع تجارب جديدة: هوايات مختلفة، تجارب لم تعشها بالسابق، السفر إلى أماكن جديدة. فكلما زاد عدد الذكريات عن أمر ما أو تجربة جديدة أو رجلة جديدة فإننا نشعر أنها كانت أطول من غيرها.

لا تنفق الكثير من الوقت على الاستهلاك السلبي: تضييع الوقت بما هو غير مفيد، مثل تصفح الهاتف المحمول، لعب الورق، التلفاز، وغيرها من الأمور التي تساهم في تضييع الوقت، ثم تتفاجأ بعدها كيف مرت الساعات دون أن تشعر بها.

عدم الانشغال بالماضي، والذكريات الرتيبة، هذه الأمور كلها مر بها المخ سابقا، وهي تعتبر تضييعا للوقت بالنسبة له، من المهم إذا التركيز على الحاضر، وليس الماضي أو المستقبل الذ يعيش فقط في خيالنا.

جدل الثانية "الكبيسة" يؤجل الى 2023

جاء في بيان صادر عن منظمة تابعة للأمم المتحدة أنه "لا بد من دراسة بعد أكثر التداعيات والتطبيقات المرتبطة باعتماد سلم معياري جديد للوقت"، ومن المرتقب تقديم تقرير في هذا الخصوص إلى المؤتمر العالمي للاتصالات الراديوية في العام 2023.

ويعود قرار إضافة الثواني إلى المركز المعني بدوران الأرض الذي يتخذ في باريس مقرا له التابع للهيئة الدولية لدوران الأرض والنظم المرجعية. ويتم الإعلان عنه قبل ثمانية أسابيع على الأقل، بحسب ما شرح سنجاي آشاريا الناطق باسم الاتحاد الدولي للاتصالات لوكالة فرانس برس.

ومنذ العام 1972، تمت إضافة 26 ثانية، آخرها في 30 حزيران/يونيو الماضي. وتجري عادة هذه الإضافات إما في الأول من كانون الثاني/يناير أو في الأول من تموز/يوليو. ولم يتم بعد إلغاء أي ثانية حتى اليوم.

ويتباطأ دوران الأرض على المدى الطويل بسبب جاذبية القمر والشمس المسؤولة عن ظواهر المد والجزر، أما الساعات الذرية التي تستند إلى الذرات لقياس الوقت، فهي جد دقيقة بحيث أنها لا تتحمل سوى ثانية إضافية واحدة كل 300 مليون سنة، لكن مفهوم الثانية الكبيسة لا يلقى استحسان جميع البلدان، فالولايات المتحدة وفرنسا مثلا تؤيدان إبطاله باعتباره جد معقد، في حين أن بلدانا أخرى مثل بريطانيا تطالب بالحفاظ عليه، وقد تسببت إضافة ثانية كبيسة في 30 حزيران/يونيو 2012 بمشاكل في الشبكة العنكبوتية، لا سيما في خواديم المتاجر الإلكترونية، ولا تجري أيضا خلال مواعيد إضافة هذه الثواني أي عملية إطلاق صواريخ.

دقيقة "مكونة من 61 ثانية" كادت تدمر الانترنت

قال موقع Reddit أنه وجد حلا لهذه المشكلة، وقال مكيني بلاونت، رئيس الهندسة بالشركة "مهندسو Reddit عملوا بجد ليقللوا من وقت التوقف المحتمل،" وذكر أيضا "نحن نتعاون مع خبراء من ميادين أخرى لتخفيف أي تأثير محتمل للثانية الكبيسة على أنظمتنا"، قال موقع LinkedIn أنه استعمل نظاما اخترعه غوغل بعد الثانية الكبيسة لسنة 2005 التي جعلت بعض أنظمته لا تقبل الأوامر. يضيف غوغل تدريجيا مليات من الثانية على ساعات مزودات الكمبيوتر في اليوم الذي يتوقع أن تحدث فيه ثانية كبيسة، وذلك لتجنب أي مشكل. ولكن يبقى هذا الحل فقط لتقليل الضرر.

تزامنت الثانية هذه السنة مع وقت افتتاح الأسواق الآسيوية. ولتجنب الكارثة المحتملة، أجريت التبادلات الثلاثاء إما في وقت مبكر أو في وقت متأخر. سبب حدوث الثانية الكبيسة هو التبدل المستمر لطول اليوم والسنة. فلدى البراكين والهزات الأرضية القابلية على إبطاء دوران الكرة الأرضية التي تتأثر أيضا بجاذبية القمر والأجرام السماوية الأخرى.

حدثت 26 "ثانية كبيسة" منذ فرض هذا النظام سنة 1972، في حين تحاول بعض المجموعات التخلص منها، سيصوت ممثلو الدول في اجتماع اتحاد الاتصالات العالمي في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم على إلغاء هذه الممارسة. يقول المعارضون للثانية الكبيسة إن فائدتها لا تفوق الحوادث التكنولوجية التي تحدثها.

الساعات الأكثر دقة التي تتحكم في عالمنا

تتأخر حاليا أفضل الساعات وأكثرها دقة ثانية واحدة كل 300 مليون سنة. والاختلافات الضئيلة جداً في توقيتها تغير العالم الذي نعيش فيه. الصحفي في بي بي سي ديفيد روبسن يبحث في هذا الأمر، الوقت من ذهب، وكان ذلك المثل أكثر وضوحا في 3 يونيو/ حزيران عام 2013، في الساعة العاشرة إلا 15 جزءا من الألف من الثانية تماما، بحسب التوقيت الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية.

فبسبب خلل ما في دقة الساعة، نشرت وكالة رويترز للأنباء من دون قصد بيانات تداول تجارية قبل أوانها بذلك الجزء الضئيل من الثانية، وكانت النتيجة هي حصول عمليات تجارية بقيمة 28 مليون دولار أمريكي، حيث بدأت الأجهزة الآلية الخاصة بالمعاملات التجارية في عملية التداول قبل أن تتاح الفرصة للآخرين لكي يتحققوا من الأمر.

لقد وصل التقدم التقني الآن إلى مستوى يمكن فيه حتى للاختلافات الضئيلة جداً أن تتسبب في وقوع خسائر باهظة الثمن، مما يدفعنا صوب عهد جديد من ضرورة ضبط الوقت بدقة كبيرة، ويمكن لأدقّ الساعات أن تضبط الوقت لـ300 مليون سنة دون أن تخطئ ولو لثانية واحدة – وليست هذه بأي حال من الأحوال الحدود النهائية. بحسب البي بي سي.

فيمكن لمثل هذه الساعات أن تؤثر على كل شيء؛ بداية من الأسواق المالية وإلى خاصية النظام العالمي لتحديد المواقع (جي بي إس) الموجود في سيارتك. كما أنها ربما تتيح لنا اختبار المادة التي يتكون منها الكون نفسه، كانت التحسينات التي تجرى على ضبط الوقت في صلب التقدم الاجتماعي دوماً، وذلك منذ أن توقفنا عن قياس مرور الزمن اعتماداً على حركة الشمس، على سبيل المثال، أحدث اختراع الساعة الميكانيكية ثورة في مجال ارتياد البحار. فقد أتاحت هذه الساعات للبحارة أن يستدلوا على خطوط الطول، وبالتالي وفرت المحرّك اللازم لعصر الاكتشافات والاستعمار. كما أنها دعمت تقدم علم الفلك، حيث أصبح باستطاعة مراقبي النجوم أن يقيسوا مسار الأجرام السماوية بدقة متناهية.

التردد المضبوط

اليوم، توجد إحدى أكثر الساعات النووية دقة في "المختبر الفيزيائي الوطني" في تيدّينغتن بانجلترا. إنها تتأخر لثانية واحدة كل 138 مليون سنة. لكن تفوقت عليها ساعة أخرى في العام الماضي، لتجعلها في المرتبة الثانية، وهي الساعة التي توجد الآن في "المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا" في بولدر، بولاية كولورادو الأمريكية؛ إذ تتأخر هذه الساعة لثانية واحدة فقط كل 300 مليون سنة، كان السرّ يكمن في تبريد تلك الساعة إلى درجة النيتروجين السائل، إذ يقلل ذلك من الأخطاء الصغيرة التي يمكن أن تحدث، كما يقول ستيفن جيفيرتس، من المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا. إلا أن هذه الساعة ليست من النوع الذي يمكنك تعليقه على أحد جدران منزلك؛ فهي بحجم غرفة تقريباً.

وفي الحقيقة، تعمل هذه الآلة نفسها بدون واجهة مثل بقية الساعات: فهي تُستعمل عوضاً عن ذلك لقياس أخطاء الساعات الذرية الأخرى، ولكي يتمكن العلماء من وضع معايير أكثر دقة لتلك الساعات، تشكّل مجموعة من هذه الساعات النووية شبكة يمكنها، مجتمعة، تحديد الوقت الرسمي في جميع أنحاء العالم. من المؤكد أننا نستفيد من تلك الشبكة حتى بدون أن ندرك ذلك. وتساعد الساعات النووية في قياس ترددات موجات الراديو التي تستعملها شبكات التلفزيون، على سبيل المثال، وفي هذا الوقت، يعمل ما يعرف بنظام "التموضع العالمي" (جي بي إس) عن طريق قياس التأخر الطفيف للإشارات المرسلة من أقمار صناعية متعددة؛ وعن طريق قياس تلك التأخيرات المتتالية، يحسب النظام المسافة والموقع على الخارطة. لم يكن كل ذلك ممكناً لولا الساعة النووية التي تقيس أقل الفروقات الزمنية الممكنة، ولا تكمن المشكلة غالبا في ضبط الوقت فقط، بل في تقاسم المعلومات أيضا– كما بيّنت شاشة رويترز للأنباء في المثال السابق.

ويشير ليون لوبو، من المختبر الفيزيائي الوطني في بريطانيا، إلى أن معظم اقتصاديات زمننا الحالي تقودها "مداولات عالية التردد" – وذلك باستخدام أنظمة تلقائية تُجري عمليات التداول في أجزاء من الثانية. المشكلة هي أن توقيت ساعات كل مؤسسة يختلف قليلاً عن غيره، ويقول لوبو: "عندما تصل إلى مستوى يحتسب فيه الوقت بأجزاء من الثانية، فلن تجد مؤسستين بنفس دقة التوقيت. إذا كانت ساعة المتلقي مقتدمة على غيرها، ستبدو البيانات وكأنها وصلت قبل أن تغادر المصدر الذي خرجت منه." ويستطيع المتداولون عندها أن يستغلوا تلك الفروقات الزمنية لصالحهم ليجنوا الأرباح.

مع أنه يمكن لإشارات الأقمار الصناعية، المستعملة في نظام الجي بي إس، أن تساوي بين تلك الفروقات الزمنية، إلا أنها عرضة للقرصنة أيضا، ويقول لوبو: "بإمكانك أن تشتري أجهزة التشويش على إشارات نظام الجي بي إس. ويمكن لهذه الأجهزة– بسعر 20 جنيه استرليني للجهاز- أن تخترق الحظر الذي تفرضه المدن (على بعض الشوارع)"، أحياناً، لا يكون التهديد مقصوداً؛ ربما يستعملها سائقو تسليم البضائع لإخفاء طرقهم الخاصة الملتوية عن مديريهم، على سبيل المثال، لوضع حلٍّ لهذه المشكلة، يوفر "المختبر الفيزيائي الوطني" شبكة أسلاك تمتد تحت الأرض تربط كل مؤسسة وفروعها بساعتها النووية – أي أن كل مكتب من مكاتبها سيستخدم نفس مصدر قياس الزمن لضبط الوقت. ويتم تزويد هذه الخدمة، حسب قول لوبو، في "شبكة مظلمة" – أي أنه لا يمكن نقل إشارات أخرى عبر تلك الأسلاك حتى لا تخترق.

وبهذه الطريقة، يصبح تزويد خدمة "الوقت" كأية خدمة عامة أخرى– مثل الكهرباء، والإنترنت- والتي ستحتاج إلى طلب للتزود بها. ويشرح لوبو هذه الخدمة بالقول: "فجأة، أصبح لدى المستهلك شبكته الخاصة به، فتصله خدمة الكهرباء، وخدمة الوقت عبر جدران مسكنه– وكل ما عليه هو استعمال هذه الخدمات"، خلال عقد من الزمن، ربما ستبدو أفضل ساعاتنا النووية اليوم وكأن الزمن قد عفى عليها، كما حدث لساعات أجدادنا القديمة. فبدلاً من مادة السيزيوم، يتجه العلماء الآن إلى مواد أخرى مثل مادة السترونتيوم التي يمكن إثارتها بالضوء المرئي. حتى أنهم وجدوا ذلك أكثر دقة.

ويشير لوبو إلى الحساسية العالية لهذه الساعات لدرجة أنها ستُمتحن بمعادلات الفيزياء المذهلة التي وضعها ووصفها العالم ألبرت آينشتاين في "نظرية النسبية". تكهّن آينشتاين بأن قوة الجاذبية سيمكنها الإبطاء من سرعة مرور الزمن. فعلى سبيل المثال، يمر الزمن أسرع قليلا كلما كنت في مكان أعلى، ونعلم بالفعل أن الساعات النووية تتأثر قليلا بهذا عند وضعها في ارتفاعات شاهقة مقارنة بمستوى سطح البحر – إلا أن دقة تلك "الساعات الضوئية" محسوسة في الحال، حتى عبر أي ارتفاعات طفيفة، يقول لوبو: "يكفي ببساطة رفع ساعة ضوئية لسنتيمتر واحد لتغيّر من ذبذبتها."

بهذه الطريقة، تصبح مقياساً للجاذبية، ويمكن استخدامها كمسبار لكشف أعماق الأرض – لاكتشاف تجمعات النفط أو الغاز التي قد تغير من قوة الجاذبية الأرضية في موقع محدد.

ويقول لوبو: "هذه هي التطبيقات ذات التأثير الهائل التي ستظهر للعلن"، ويعتقد جيفيرتس أن هناك احتمال أيضا لحدوث أمور غير متوقعة. فماذا لو وجدنا تغيّراً في ذبذبات تلك الساعة بشكل ضئيل عبر الزمن؟ "سينتابك القلق، لأن قوانين الفيزياء نفسها ستكون متغيرة،" حسب قوله – بخلاف ما نفترضه منذ زمن طويل بأنها ثابتة.

إذا كان تاريخ دقات عقارب الساعة يعلّمنا شيئاً، فهو يخبرنا أن كل خطوة إلى الأمام قد أحدثت ثورات متعددة هنا وهناك – من ارتياد البحار، إلى أنظمة الجي بي إس، مروراً بالهواتف الذكية. فهل ستسبب أحدث أجهزة قياس الزمن ثورات بنفس الشكل؟

حتى ساعة بيغ بن...تخطئ

تبين ان اشهر ساعات العالم بيغ بن التي تعلو برج البرلمان البريطاني قد تخطئ ولو نادرا اذ انها دقت قبل...ست ثوان، ويبدو ان بيغ بن كانت تدق بشكل مبكر هكذا منذ 15 يوما تقريبا قاطعة برامج "بي بي سي" الاذاعية و"بي بي سي وورلد سيرفيس" التي تستخدم هذه الدقة مباشرة، وقال ايان ويستوورث احد ثلاثة خبراء ساعات في برلمان ويستمنستر لهيئة "بي بي سي" "لا نعرف كيف حدث الامر. انها ساعة عائدة الى 156 عاما (..) وقد تخطئ احيانا"، وتابع يقول "تصورا انكم تقودون سيارتكم 24 ساعة في اليوم 365 يوما في السنة في السنوات ال156 الاخيرة"، واوضح "ينبغي ادخال تغير تدرجي جدا يقضي باضافة قطعة نقدية قديمة من فئة +بيني+ لتسريع الساعة او ازالة بعض الوزن لابطائها".

والعملية دقيقة جدا اذ ان محاولات التكييف الاولى ادت الى تأخر في الساعة، واوضح ويستوورث "كنا نضطر الى الصعود الى البرج كل يوم تقريبا لضبطها" مشيرا الى ان خبراء الساعات يصعدون عادة ثلاث مرات في الاسبوع، وبني برج بيغ بن في اطار اعادة بناء ابنية البرلمان من قبل المهندسين المعماريين تشارلز باري واغوستوس بوغين اثر حريق كبير في العام 1843، وثمة روايتان لتفسير اسمها. الاولى تفيد ان الاسم يشير الى بنجامين هال المهندس الذي يرد اسمه على الجرس. اما الثانية فتفيد ان الساعة سميت بيغ بن تكريما لبن كاونت وهو ملاكم من الوزن الثقيل اشتهر في العام 1850 والسنوات التالية.

أساليب مبتكرة للتكيف مع ساعات الليل الطويلة

تمتد فترات الليل في البلدان الاسكندينافية لساعات طويلة يوميا خلال الشتاء ما يترك اثره على الطبيعة كما على البشر الذين يضطرون الى ابتداع اساليب للتكيف مع الوضع، ففي اوسلو وستوكهولم وهلسنكي، تبدو اشعة الشمس خجولة في الفترة الممتدة بين تشرين الثاني/نوفمبر وشباط/فبراير إذ أن الشروق يحصل عادة قرابة التاسعة صباحا ولا يتأخر الغروب كثيرا عن الثانية والنصف بعد الظهر، وطوال هذه الاسابيع الباردة، سرعان ما يصبح النهار في هذه المدن مجرد طيف عابر.

وفي المناطق الاسكندينافية البعيدة عن هذا الخط الافتراضي الجامع بين العواصم الثلاث، تعد فترات سطوع الشمس اكثر ندرة. ففي مدينة كيرونا الواقعة في منطقة لابي القطبية، تغيب الشمس لأيام طويلة في الفترة القريبة من الانقلاب الشتوي، هذا الشتاء الاسكندينافي الموحش ينعكس على الحالة النفسية للسكان الذين يجدون صعوبة في التأقلم مع طول ساعات الليل، بيرغيتا اورلينغ سويدية لم تنجح بعد في تقبل هذا الليل الاسكندينافي رغم أنها باتت في الخمسين من عمرها. وتقول "كل شيء رمادي بالكامل. والبرد قارس".

وبما أن التحكم بالظروف المناخية في بلدها مهمة مستحيلة بالنسبة اليها، أوجدت هذه المرأة الشقراء ما يشبه الصيف الاصطناعي في مركزها للعناية الشخصية في ستوكهولم، ويضم هذا المركز "غرفة للشمس" تتيح لروادها الاستمتاع بحرارة استوائية مع التحكم بجهاز تنظيم الحرارة الذي يتم ضبطه عند مستوى 35 درجة مئوية اي ما يفوق الحرارة الخارجية بحوالى 30 درجة، ويستفيد زوار هذا المركز من فرصة الاستلقاء على كراس طويلة مع الاستماع الى هدير الموج والتمتع بصور لمناظر شواطئ رملية.

هذا الصيف الذي تقدمه بيرغيتا في مركزها يفوق بفعاليته الأدوية المهدئة بالنسبة لكثيرين، فلدى خروجهم من المركز، ينظر الزوار التواقون لبعض النور ببعض الاستغراب الى الأشخاص الذين يفرطون في النوم. ويعود رواد المركز بخدود وردية مع جرعة نشاط تساعدهم على مواجهة الليل الطويل للشتاء الاسكندينافي، وتكلف الجلسة في هذا المركز عشرين يورو للساعة الواحدة من دون امكان استرداد المبلغ من هيئة الضمان الاجتماعي، وفي هذا الاطار، تساعد مستويات الضوء المنبعثة بتركيز قوي من المصابيح الموجودة في الغرفة على تخفيف تركيز الميلاتونين التي يتم تخزينها في غياب أشعة الشمس. هذه المادة المعروفة بـ"هرمون النوم" تعتبر مسؤولو بدرجة كبيرة عن شعور الوهن الذي يصيب ملايين الأشخاص المقيمين في هذه المناطق على مشارف شهر كانون الاول/ديسمبر، ويقول المعالج النفسي بابا بيندسي إن ما لا يقل عن 90 % من السويديين يعانون هذه الحالة المعروفة بالاضطرابات العاطفية الموسمية.

اضف تعليق