q
إذا كان هناك صراع بين المصلحين والظالمين، فإن أول شيء يهدف له الفاسدون والظالمون هو أن يحطموا كرامة الإنسان ويسلبوها منه، لكن الأنبياء في مواجهة ذلك كانوا يعملون على رفع قيمة الإنسان عاليا، لذلك قضية عاشوراء كما هي صراع بين الحق والباطل هي صراع بين الكرامة والإذلال...

ماهو المقصود من مفهوم الكرامة في الآية القرآنية (ولقد كرمنا بني آدم...)، وماهو ارتباط العقل بمفهوم الكرامة؟ وماذا يعني استلاب الكرامة، وماهي مظاهر هذا الاستلاب؟ ماذا يعني قول الامام الحسين (ع): وهيهات منا الذلة؟ وما هو ارتباط مفهوم الكرامة والذل بالسلطات الحاكمة؟ كيف نستفيد من نهضة الامام الحسين (ع) في تحقيق الكرامة في المجتمع؟ وكيف تؤثر الشعائر الحسينية في بناء الكرامة ورفع الذل؟

مفهوم الكرامة في الاسلام يعني تكريم الإنسان بكونه أفضل المخلوقات، وهي قيمة ذاتية لأنها تشريف من الله سبحانه، ولا يمكن لأي أحد ان يقوم بسلب هذه الكرامة، لأنها تعبر عن فلسفة وجود الانسان وجوهره، كما في الآية القرآنية: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).

الكرامة هي هبة الله سبحانه للإنسان، وتعبير عن الهدف من وجوده، وبهذا التفضيل والتشريف الذاتي، لا يمكن لأي أحد ان يقوم بسلب هذه الكرامة، فالأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام) كانت رسالتهم حماية هذه الكرامة وتحقيق الغاية من وجوده.

وإذا كان هناك صراع بين الحق والباطل وبين المصلحين والظالمين، فإن أول شيء يهدف له الفاسدون والظالمون هو أن يحطموا كرامة الإنسان، وينزّلوا من قيمته ويسلبوها منه، لكن الأنبياء في مواجهة ذلك كانوا يعملون على رفع قيمة الإنسان عاليا، لذلك قضية عاشوراء كما هي صراع بين الحق والباطل هي صراع بين الكرامة والإذلال.

ارتباط العقل بمفهوم الكرامة

إن من أهم عوامل التشريف والتكريم التي انعم الله بها سبحانه على الإنسان، منحه العقل، لذلك فضله حسب قول المفسرين، أي اعطاه العقل وبه يعيش الإنسان في الدنيا ويحاسب في الاخرة، فالعقل هو الحجة الباطنة على الإنسان كما أن الانبياء والرسل هم الحجة الظاهرة، فعن الامام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام): (إِنَّ لِلّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ: حُجَّةً ظَاهِرَةً، وَحُجَّةً بَاطِنَةً، فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَئِمَّةُ، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ).

لذلك فإن العقل والكرامة مترابطان لا ينفكان، لابد ان يكون هناك احترام للعقل وأن لا يتوقف العقل عن العمل، فبالعقل يفكر الانسان ويهتدي، وتكون لديه معرفة وعلم تجاه واجباته ومسؤولياته الإنسانية، لذلك الكرامة تعني العقل وتعني ان الله سبحانه يحاسب الانسان لأن الحجة ألقيت عليه، ونستطيع أن نقول بأن الانسان الذي لا يستخدم عقله، فإنه سُلبت منه كرامته، فهو لم يستعمل عقله بنفسه أو مُنع من استخدام عقله.

قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌): (إِذَا بَلَغَكُمْ عَنْ رَجُلٍ حُسْنُ حَالٍ، فَانْظُرُوا فِي حُسْنِ عَقْلِهِ؛ فَإِنَّمَا يُجَازى بِعَقْلِهِ).

هناك قضيتان، قضية الكرامة، وقضية الحرية، الأخيرة تنبع من إحساس الإنسان نفسه، أي من وعي ذات الإنسان، ولكن الكرامة هي جوهر الإنسان ووجوده، فالذي يقوم بعملية تعطيل هذه الكرامة من خلال التثقيف التضليلي والقمع والظلم ومنع الإنسان من التفكير، وعندما تُسلب الكرامة تنتفي عزة الإنسان، فيصبح ذليلا، هذه هي فلسفة الحكم الجائر التي تقوم دائما على سلب الكرامة من الإنسان وتجعله يعيش ذليلا.

استلاب الكرامة ومظاهره

الاستلاب هي عملية سلب الكرامة بتخطيط منهجي، للسيطرة والهيمنة على الإنسان، فيصبح خاضعا بلا قيمة، وتوجد أشكال متعددة للاستلاب، منها الجسدي، مثلا حين يوضع الإنسان في السجن، وهناك استلاب نفسي يحطم الإنسان نفسيا، في عملية الاستهزاء والسخرية وتحطيم شخصيته، كذلك يوجد استلاب ثقافي، يقوم على التضليل عبر التثقيف الذي يؤدي الى تنميط أفكاره والتحكم بسلوكياته واسقاطه في مستنقع الانحراف.

الاستلاب الاخلاقي

هناك استلاب أخلاقي حين يوضع الإنسان في حاضنة مليئة بالشرور والرذائل، أي لا تتوفر له فرصة لكي ينمو بطريقة صحيحة حتى ينشأ على الفضائل الجيدة، ولكنه ينشأ في حاضنة مليئة بالرذائل كالسرقة والكذب والخيانة وشرب الخمر والانحراف الجنسي، فإن هذا كله يمثل استلابا اخلاقيا لكرامته.

وعن الامام علي (عليه السلام): (لكل شيء فضيلة وفضيلة الكرام اصطناع الرجال). ومنهج اللئام استلاب الفضائل وترسيخ الرذائل وتدمير الشخصية ومسخها.

الاستلاب عملية منهجية يقوم بها البعض من الذين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا، يرتشفون الغرائز والشهوات، ليس لديه إيمان بالمسؤولية وبالحساب في الآخرة ولا بالضمير والفطرة الإنسانية، يريد ان يعيش حياته على الغرائزية والحيوانية، ولايكتفي بنفسه بل يقوم بعملية فرض الاستلاب بهذه الطريقة لإفساد الآخرين.

وهذا النوع من الاستلاب خطير جدا لأنه يحطم كرامة الإنسان بسلب هويته الفطرية، لذا نلاحظ اليوم انتشار الانحراف الأخلاقي بشكل كبير في بعض المجتمعات، بسبب وجود مؤسسات هائلة تقوم بإيجاد حاضنات شريرة تختص في عملية الاستلاب الأخلاقي، فترى الانسان يفقد الإحساس بقيمته، ذليل وليس لديه عزة ولا إنسانية، فيعيش منفردا في عالم منعزل وخاص به، بلا أي إحساس ولا أي شعور بوجوده ولا بوجود الآخرين، وفقدان أي تفاعل او تعاطف او مشاعر تجاههم.

ان الأنظمة الرأسمالية بالخصوص، تسعى الى جعل الانسان مجرد سلعة ومستهلك للسلع، لذلك تقوم تلك الأنظمة ومؤسساتها المعنية بعملية ضخ ثقافي سيء، حتى يؤدي ذلك الى استلاب فهم الانسان ووعيه وتفكيك قدرته على الادراك الواعي. فيبقى الإنسان مستلَب الكرامة، ومستهلِكاً، يأكل ويشرب ويشتري ويستهلك بشكل دائم، كما أن الرأسماليين ذاهبون الى أمور ابعد في هذا المجال، باستلاب المشاعر الانسانية، فالكرامة مرادفة للشعور، حيث يشعر الانسان بوجوده وانتمائه وهويته، لذلك يذهب الرأسماليون الى عملية استلاب كامل، فيصبح مجرد كائن مادي يسيطرون عليه ويحولونه إلى مستهلِك دائم، وبالنتيجة تتنامى أرباحهم في هذا المجال.

الاستلاب السياسي

بعض الأنظمة الاستبدادية تقوم بعملية مسخ لهوية الإنسان، وتجعله خائفا، وهذه أسوأ مراتب الاستلاب، حيث الهيمنة التامة التي تجعل الإنسان خائفا، ويردد ترانيم الخوف، خاضعا للحاكم الذي يتباهي (أنا ربكم الأعلى) فيصبح ذليلا للسلطان الذي ينازع الله في سلطته، فالطاغية يريد أن يجعل البشر بلا كرامة، يمحو هويتهم الإنسانية فيجعل بعضهم كذابا أو خائنا او منافقا او نماما، يعمل ضد أصدقائه وعائلته ومجتمعه. مما يجعله بؤرة لكل الرذائل.

الاستلاب الثقافي

في قضية الامام الحسين (عليه السلام) نواجه تحدٍ كبير في عملية الاستلاب الثقافي، حيث تقوم جهات في ضخ ثقافات وسلوكيات ممنهجة، فيهيمنون بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وهذا يؤدي الى استلاب الهوية، لذلك نلاحظ ان جميع الطغاة يعملون ضد القضية الحسينية، لأنها تؤدي إلى حماية هوية الانسان وتحمي كرامته، لذلك نسعى في ايام عاشوراء لتجديد بناء الكرامة الانسانية، والوقوف أمام الاستلاب الثقافي، من خلال عملية البناء الثقافي واستثمار القيم الحسينية العظيمة. والشعائر الحسينية من مظاهر التعبير عن الهوية والشعور بالوجود والانتماء والإحساس الاجتماعي.

هيهات منا الذلة

قال الإمام الحسين (عليه السلام): (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنين وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).

إن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) هي نهضة في مواجهة الإذلال الذي مارسه يزيد بن معاوية، فالطغاة لكي يحكموا الناس يسلبون كرامتهم وعقولهم وقدراتهم على التفكير والشعور، والقدرة على فهم مسؤولياتهم بالحياة، فيزيد اراد ان يذل الإمام الحسين (عليه السلام) لكن الإمام لا يمكن لا يُذَل، بل هو نموذج ومثال عظيم للكرامة الانسانية وارتقاء العقل الانساني.

إنه النموذج والمثال الكبير الذي يقتدى به، ويمثل القمة في مواجهة هذه الذلة، لقد اراد يزيد ان ينتقم من الإسلام ومن رسول الله (ص)، بأن يذل الامام الحسين لكن (هيهات منا الذلة) وقد استشهد (عليه السلام) في مواجهة الاذلال، فهو النموذج الكبير لنا في عملية بناء الكرامة الانسانية، وعدم القبول بالذل.

يقول الإمام الحسين (عليه السلام): (الدعي ابن الدعي)، أي أنه ليس لديه شرعية، ولا يمكن القبول بحاكم ليس لديه شرعية، وإذا قبلت بحاكم ليس لديه شرعية، معنى ذلك أنك قبلت بالذل، لان القبول يعني الخضوع والخنوع، ولا يمكن للإنسان الكريم القبول بأن يكون تابعا للأدعياء، لكن للأسف الشديد يوجد كثير من الناس يسقطون أمام الحاكم الظالم، فيكونوا من اعوان الظلمة، ففي بعض الأحيان يحتقر الانسان ذاته، ويفتقر للشعور بالكرامة والعزة، لذلك يستسلم ويبرر ذلك بالقول (اريد ان اعيش، فإذا أواجه هذا الحاكم معنى ذلك لا استطيع ان أعيش).

كذلك يجب على الانسان ان لا يخضع لمنطق القوة، أي (يخاف السلة) هذا يعني انك تتنازل عن مبادئك في مقابل الخوف من هؤلاء المجرمين المنحرفين، لكن على الانسان أن لا يخاف ولا يقبل بالذل، ويقول الإمام (عليه السلام) ايضا: (يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنين)، هذا هو النظام العام، عدم القبول بالذلة، فالنظام الكوني كله والنظام الاجتماعي الصحيح يحتاج الى قيادة صالحة، تحترم كرامة الانسان وتناضل من اجل حمايتها.

كرامة الانسان تتحقق من خلال (وحجور طابت وطهرت)، الطهارة المعنوية وعدم الفساد، (إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي)، لكن توجد لدينا اليوم مشكلة، حيث ينغمس بعض الناس في حب الدنيا واللهاث وراءها، ولا يهمهم السقوط في المنزلقات الخطيرة ومخاطر الانحراف الشديد. حب الدنيا ينتج سلب كرامة الناس وعزتهم وانسلاخ شعورهم بوجودهم الانساني، ويتسبب بصعود كل انواع الفساد، السياسي، والاداري، والاخلاقي، والاقتصادي، عملية تؤدي الى تدمير خصائص البشر وتحويلهم الى اذلاء، غرقى في مستنقع الفساد المسيطر والمتفشي.

الامام الحسين (عليه السلام) يناضل ويجاهد ضد هذا الفساد، من خلال طرح الطهارة كأساس في شرعية الحاكم، وكشف حقيقة الدعي ابن الدعي، الذي ولغ في الفساد والافساد، لذلك لابد ان نعرف معنى الشرعية والطهارة، ولا نقع في المنزلقات التي تؤدي بنا الى الفساد، او في الأمور التي تخالف الطهارة النفسية والفكرية والأخلاقية والثقافية.

ويقول الامام (عليه السلام) أيضا: (أنوف حمية ونفوس أبية)، إن الانسان اليوم يمشي مطأطأ الرأس، في الوقت الذي يجب عليه ان يمشي مرفوع الرأس، ويشعر بكرامته في المجتمع، إنه يشعر بالذل لأنه يعيش في ظل حاكم مثل يزيد، او في ظل حاكم فاسد فاجر ليس عنده اي قيمة اخلاقية وانسانية ولا يؤمن بالله. في ظل مثل هذا الحاكم، لا يمكن للإنسان أن يرفع رأسه لأنه يعيش في مجتمع تشرب بالذل، لكن الامام الحسين (عليه السلام) يريد ان يكون الانسان مرفوع الرأس، عزيزا كريما، فيقول: (من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام)، أين الكريم من اللئيم، لا يوجد قياس فيما بينهما، فالإنسان كتلة من المثل والقيم الكريمة التي كرمه الله سبحانه بها، لكن هذه القيم تُنزَع عنه في ظل الحاكم اللئيم.

واللئيم هو الشخص الذي يحب نفسه فقط، وهو الاناني الذي لا يفكر إلا بنفسه، والطاغية اناني مطلق لا يحب مصالح الناس يريد ان يستحوذ عليهم ويحكمهم ويستعبدهم، وقد عبر (عليه السلام عن رفضه لاستلاب الكرامة وفرض الذل بقوله: (لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد)، فالعبودية في ظل اللئام تعني البؤس والشقاء وهيمنة التخلف في مجتمع مستعبد.

الكرامة في الدساتير

في جميع الدساتير القانونية الدائمة التي وضعتها الدول في العالم، تؤكد دائما في المقدمة على أن هذا الدستور وُضِع لحماية الكرامة الانسانية، وهي قضية فطرية، تعني ان يكون للإنسان الحد الادنى من العيش الكريم، والمقصود بذلك ضمان رزقه وسكنه وصحته وتعليمه وحياته وأمنه وغذائه، هذا كله يشكل العيش الكريم، وكل الامور التي يحتاجها الانسان لضمان حرياته.

حاولت الدول أن تحمي الكرامة الانسانية من خلال البنود التي وضعتها في الدساتير، وحماية حرية الناس، لكن للأسف الشديد اغلبها كُتبت ضد الناس، وقد استخدمتها الحكومات من اجل تحطيم الكرامة الانسانية باسلوب مباشر وغير مباشر، حيث يعيش الانسان ذليلا في ظل قوانين تستلب كرامته، في حين أن غاية القانون هو خدمة الانسان وليس لاستعباده والتحكم به.

يقول المراقبون ان الدول والسلطات الحاكمة، دائما تتحول تدريجيا الى نوع من العصابة الحاكمة او الدولة العميقة، من اجل السيطرة على مرافق الدولة كافة، ومن ثم تستخدم القوانين والدساتير للتحكم بالناس، وهم يدّعون بأنهم يسعون لبناء دول ديمقراطية، لكن الذي يحدث بالعكس تماما.

في كثير من الدول اليوم، هناك انتهاكات كبيرة ومذابح جماعية، منها ما شاهدناه في افغانستان، وفي افريقيا ودول اخرى، وهناك دول تلتزم الصمت من اجل مصالحها الخاصة، لذلك هذه الدساتير مجرد هيكل وشكل ومظهر، لكي يقولوا اننا لدينا دستور وقانون، ولكن في واقع الامر ليس هناك اي احترام للكرامة الانسانية.

هناك اليوم مئات اللاجئين يموتون في البحر المتوسط غرقا، يذهبون في موجات هجرة الى اوروبا بعد أن يصور لهم انهم هناك سيعيشون بكرامة، لكنهم البحر يسرق احلامهم، لماذا لا يتم اصلاح دولهم؟ ولماذا هناك أنظمة ودول تدعي حقوق الانسان ساكتة عمّا يحدث للشعوب في ظل هذا البؤس الذي يعيشه الناس، هذا الذي يحدث كله إذلال مبرمج للإنسان، وهناك قصص عن الذل تقشعر لها الأبدان.

تحفيز الكرامة في المجتمع

ان رسول الله واهل بيته (ص) جاهدوا من اجل تحقيق كرامتنا، وناضلوا من أجل هذا الهدف، واستشهد الامام الحسين (عليه السلام) لفضح الطغاة والظالمين، لذلك لابد ان نحمي هذه الكرامة، ولا نرى انسانا ذليلا يعيش أمام أعيننا، ولا فقيرا يعيش في ذل، ولا نرى انسانا يمارس ضده العنف.

إذا اردت ان يتربى ابنك بكرامة لا تضربه، بل عامله بأسلوب جميل، وأقنعه بأسلوب لطيف، حاوره وحاول ان تصلحه وتأدبه بطريقة جميلة، العنف يمثل انتهاكا لكرامته، كذلك لابد للزوج ان يحترم زوجته ولا يعاملها بعنف، سواء كان عنف لفظي او معنوي او جسدي، عليه ان يحترمها ويحترم كرامتها، هذا هو العمل التربوي الاسري الذي يُنتج لنا انسانا كريما يشعر بقيمته الذاتية.

في المدرسة كذلك، لابد للمعلم ان يعلم الطالب على مفهوم الاحترام، لأنه مفهوم عظيم جدا، وما أعظم ان الانسان يتعلم مفهوم الاحترام منذ صغره، فإذا تم احترام الإنسان منذ صغره فإنه يحترم الجميع طيلة حياته، لذلك نقول لابد ان نجعل من مدرسة الامام الحسين (عليه السلام) مدرسة لتربية الكرامة بكل ما تحمله من قيم ومعنويات إنسانية عالية.

دور الشعائر الحسينية في بناء الكرامة

الشعائر الحسينية حركة اجتماعية ذاتية يتفاعل فيها الانسان مع قضية الامام الحسين (عليه السلام)، وهذا التفاعل الوجداني الذاتي تجعله يتربى على معنى الكرامة الانسانية، لذلك ترى الانسان الحسيني لديه بطولة وعنده شعور بوجوده وانتمائه ولابد ان يطور هذا الانتماء وهذا الشعور بشكل اعظم، ويستثمر هذا الانتماء من اجل بناء العزة في المجتمع.

الشعائر الحسينية عملية تربوية مستمرة لبناء كرامة الانسان، وليست مجرد عملية شكلية، وانما هي تفاعل عميق مع واقع فكري وعقائدي، وقضية كبيرة هي قضية الامام الحسين (عليه السلام)، فالإنسان الذي يعيش مع هذه الواقعة، ويفهم فلسفة مواجهة الامام الحسين (عليه السلام) لقضية الذل وتحقيق الكرامة، سوف يتفاعل معها تفاعلا شديدا، ومن ثم تنغرس في عقله ووعيه وتنظّم سلوكه وينشأ على العيش بكرامة ورفض الذل.

فالشعائر طريق مهم لنا لبناء الكرامة عند الانسان، وشعوره باحترامه الذاتي وتنمية الاحترام الاجتماعي، وكما لاحظنا في وقت الوباء أن اصحاب المواكب والحسينيات كان لهم اعمال تطوعية في مساعدة الناس. لان الشعائر الحسينية هي عطاء دائم، بلا مقابل لهذا العطاء، عطاء بلا حدود ينعكس على داخله، فالعطاء هو اهم عناصر بناء الكرامة الاجتماعية المستدامة.

* نص حوار من مجموعة حوارات بثت على قناة المرجعية في أيام عاشوراء 1443

اضف تعليق