q
منوعات - بيئة

فيضانات وحرائق وأعاصير: التأثيرات المتسلسلة للظواهر المناخية المتطرفة

وانعكاساتها على أهداف التنمية المستدامة

لم يعُد خافيًا أن التغير المناخي يقف وراء الظواهر المناخية المتطرفة، ويشتدُّ تطرُّفها يومًا بعد يوم: من العواصف وموجات الجفاف، إلى الفيضانات والأعاصير. ومع تسارُع وتيرة الاحتباس الحراري على ظهر كوكبنا، تتزايد احتمالات وقوع هذه الظواهر، التي تمتدُّ تأثيراتها عبر أنظمة بيئية واجتماعية عدَّة...
بقلم: ماركوس رايخشتاين، وفيلِكس رايدي، ودوروثيا فرانك

لم يعُد خافيًا أن التغير المناخي يقف وراء الظواهر المناخية المتطرفة، ويشتدُّ تطرُّفها يومًا بعد يوم: من العواصف وموجات الجفاف، إلى الفيضانات والأعاصير. ومع تسارُع وتيرة الاحتباس الحراري على ظهر كوكبنا، تتزايد احتمالات وقوع هذه الظواهر، التي تمتدُّ تأثيراتها عبر أنظمة بيئية واجتماعية عدَّة؛ فموجة حارة واحدة، مثلًا، كفيلة بإشعال حرائق الغابات، التي يترتب عليها تلوث الهواء، الذي يتسبَّب بدوره في إحداث أضرار جسيمة بالصحة العامة. كما أن تدمير المحاصيل بفعل الجفاف ربما ينتُج عنه تذبذُب في أسعار الغذاء، وهو ما قد يُؤجِّج الاضطرابات الاجتماعية، أو يزيد من معدلات الهجرة.

ومع ذلك، فالملاحَظ أن غالبية الدول لا تكاد تلتفت إلى هذه التأثيرات المتسلسلة (التي يُطلَق عليها أحيانًا "تأثيرات الدومينو" domino effects) لدى وضع استراتيجياتها الرامية إلى الوفاء بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDG) بحلول عام 2030.

في عام 2015، حدَّدت منظمة الأمم المتحدة 17 هدفًا لجهود التنمية المستدامة، تتراوح من "القضاء التام على الجوع" (الهدف الثاني)، إلى إتاحة "طاقة نظيفة وبأسعار معقولة" (الهدف السابع)، إلى إقامة "مدن ومجتمعات محلية مستدامة" (الهدف الحادي عشر). وكثير من البلدان التي تعمل جاهدة على تحقيق هذه الأهداف لا تُولِي تبعات الظواهر المناخية المتطرفة ما تستحق من اهتمام. إذا نظرنا إلى ألمانيا، التي تُعَد دولة رائدة في دفع قضية المناخ على أكثر من صعيد، على سبيل المثال، لوجدنا أن استراتيجيتها للتنمية المستدامة لعام 2018، التي تقع في ستين صفحة1، لم يَرِد بها ذِكر كلمة "disaster" (التي تقابلها في العربية كلمة "كارثة") سوى مرة واحدة فقط. وليس فيها من تحليل للعواقب التي قد تترتب على زيادة وقوع هذه الظواهر.

صحيحٌ أن قطاعاتٍ عريضة باتت أكثر وعيًا بما للتغير المناخي من تأثير يجعل الحرائق، والفيضانات، وموجات الحَر، والعواصف أكثر تواترًا، وأشد ضراوة، إلا أن هذا الوعي لم ينعكس بالقدر الكافي في تغيير السياسات، أو مناهج البحث العلمي2.

جانب من المشكلة يتمثل في طريقة النظر إلى هذه القضية؛ فالكوارث المستقبلية تبدو غير حقيقية في أعين صانعي القرار. وقد رأينا كيف افتقرت حكومات كثيرة إلى الجاهزية اللازمة لمجابهة الجائحة، رغم أن العلماء حذّروا – على مدى سنوات - من حتمية تفشِّي وباء عالمي، على غرار ما رأينا في جائحة "كوفيد–19"، وأن حدوث ذلك إنما هو مسألة وقت3. ومن العقبات الأخرى التي تعوق سبيل التقدُّم في هذا المضمار، الافتقار إلى الحوكمة على المستويين المحلي والدولي، فضلًا عن تحديات التواصل. وحتى الآن، لم يتوصَّل المجتمع البحثي إلى تطوير النماذج متعددة التخصصات التي يتطلّبها قياس حجم هذه الكوارث المتلاحقة.

ونتيجةً لذلك، فإن كثيرًا من المحاولات الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة سوف تتداعى، كما تتداعى القصور المبنية من الرمال، لدى أول هزة تتعرض لها. ولنا في الجائحة الراهنة خير مثال: انظر كيف عطَّلت التقدم على سبيل الجهود العالمية الهادفة إلى القضاء على الفقر والجوع، وتوفير تطعيمات الأطفال، والتعاطي مع ملف غياب المساواة في التعليم، ومتابعة التقدم المُحرَز في قضايا المرأة، إلى غير ذلك من القضايا والملفات4. ولما كان الأمر كذلك، فيتعين أن تكون جهودنا الدولية أكثر صلابة في مواجهة مخاطر الاحتباس الحراري، وهي مخاطر متغيرة، إلا أنها متصلة بعضها ببعض.

على أنَّ الاستعداد الجيد لا يقتصر على الإمكانات المادية والهندسية، وإنما يتعداهما إلى المعرفة والقدرة على التنبؤ. ومما يدعو إلى الأسف أن الطرائق التي تتصل بها ظروف الطقس المتطرفة، ويعتمد بعضها على بعض، من بين المسببات المحتمَلة لوقوع كوارث مستقبلية5،6. زِد على ذلك أنها من أكثر الظواهر التي لم تُدرَس بشكل ملائم، رغم أنها تمسُّ العلوم الاجتماعية والطبيعية بجميع جوانبها.

إذا كان الحال كذلك، فما العمل؟ على الباحثين أن يعملوا على تطوير نماذج يسهُل على صنَّاع السياسات فهمها، بحيث يتسنَّى لهم الانتفاع بها. كما ينبغي أن تُعاد صياغة أهداف التنمية المستدامة ومؤشراتها، كلما أمكن ذلك، على النحو الذي يكفل عدم تأثرها بموجات الحَر، وحرائق الغابات، وموجات الجفاف، والفيضانات، والتدفقات الطينية، إلى غير ذلك من ظواهر. وما أحوج الساسة إلى أن يفطنوا إلى أهمية الاستثمار في الإجراءات الاحترازية لمواجهة هذه الكوارث، والتعامُل مع تبِعاتها.

إدراك المخاطر

في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية، المنعقد في عام 1992، أقرَّ الحاضرون بما للظواهر المناخية المتطرفة من تأثيرات جسيمة على التنمية. وتكرَّرَتْ الإشارة إلى هذه الحقيقة في "اتفاقية سنداي الإطارية عن الفترة 2015 – 2030"، وهي اتفاقية دولية تهدف إلى "الحد من مخاطر حدوث الكوارث على مستوى العالم، والوقاية منها". ورغم ذلك، لم يُحرَز على هذا الصعيد سوى تقدُّم محدود.

غير أن العالَم لا يخلو من النماذج الناجحة في الاستعداد لمواجهة الكوارث؛ فحواجز الفيضانات المُقامة في هولندا، ومدينة فينيسيا الإيطالية، مصمَّمة على نحوٍ يجعلها تقي تلك البقاع من أي ارتفاع مستقبلي لمستوى سطح البحر. إلا أن فكرة الفيضان الناجم عن ارتفاع مستوى سطح البحر أقرب إلى التصوُّر، وأيسَر على الفهم، من تأثيرات الظواهر المعقدة والمتراكبة، التي تتعارض في بعض الأحيان مع الافتراضات الحدسية البسيطة، وقد يتصل بعضها ببعض على نطاقات ممتدة زمانيًا ومكانيًا (انظر: المعلومات الإضافية).

ولْننظر، مثلًا، إلى الأمطار الغزيرة التي هطلَتْ في عام 2018، بعد انقضاء شهر واحد على حرائق الغابات التي اندلعت في المنحدرات الواقعة جنوبي كاليفورنيا، والتي تسبَّبَتْ في تدفقات طينية مدمِّرة. ومن الأمثلة الأخرى على تلك الظاهرة، أن يحلَّ شتاء مطير، يكثُر فيه نمو النباتات؛ وهو الأمر الذي قد يوفر بيئة خصبة لاندلاع حريق هائل، إذا ما أعقَبَ ذلك الشتاءَ صيفٌ حار وجاف، تكون له أشجار الغابات المتنامية بمثابة الوقود7. كما أن إجراءات الحماية من أخطار فيضانات الأنهار تستلزم أن يُؤخَذ فيها بعين الاعتبار حسابات الجفاف وتدفُّق المياه على حدٍّ سواء؛ وذلك لأن المواد الجافة التي تنطوي عليها مصدَّات الفيضانات يمكن أن تنكمش وتتشقق، ومن ثم يختلُّ اتزانها8.

وهكذا، يظهر جليًا أن ظروف الطقس المتطرفة يمكن أن تُطلِق حلقةً جهنمية من التأثيرات السلبية، تشمل الطبيعة، والاجتماع، والاقتصاد. ولنا أن نرى في موجات الجفاف والفيضانات التي ضربت موزمبيق في أواسط العقد الأول من هذا القرن مثالًا على ذلك؛ فقد أتَتْ على البِنَى التحتية والمحاصيل في ذلك البلد، وكان لها تأثير متسلسل طال المساكن، وفُرص العمل، والتعليم، والأواصر الاجتماعية. وعلى أثره، اضطُرت أُسَرٌ كثيرة إلى بيع منازلها، أو أراضيها، أو إلحاق أطفالها بسوق العمل، في محاولة للتغلب على تبِعات تلك الكارثة التي حلَّت بذلك البلد الأفريقي. وفضلًا عن الآثار المباشرة، كانت لهذه الكارثة تداعيات بعيدة المدى، انعكسَتْ على مستوى الدخل، والرفاه العام؛ فقد تراجع معدل استهلاك الغذاء على المستوى الوطني بنسبة تزيد عن الربع، وارتفعَتْ معدلات الإصابة بالأمراض بين الأطفال في المناطق التي غمرها الفيضان إلى أربعة أضعاف المعدلات الطبيعية، كما انخفضَتْ معدلات الالتحاق بالمدارس انخفاضًا هائلًا، وزادت معدلات الفقر بمقدار 17.5 نقطة مئوية9.

وعلى الرغم من ذلك، لم تلقَ هذه التداعيات - التي ألقَتْ بظلالها على أنظمة متعددة - اهتمامًا أكاديميًا مكثَّفًا إلا في السنوات القليلة الأخيرة. وأما ما لها من جوانب اجتماعية، فلم نُلِمَّ بها الإلمام الكافي حتى الآن10.

نماذج معدَّلة

غالبية النماذج المعمول بها حاليًا غير قادرة على التنبؤ بتلك التعقيدات؛ ذلك أنها لا تُظهر التفاعلات التي تتمُّ فيما بين الأنشطة الزراعية، والأنظمة الإيكولوجية، وأوضاع الأُسَر المعيشية، والشركات، والمؤسسات المالية، وكذا العوامل ذات الصلة بالترابط الاجتماعي، والحوكمة. حريٌّ بهذه النماذج أن تتعرَّض صراحةً لتلك التفاعلات، وأن تضع تقديرًا كَمِّيًّا لآثارها الممتدة، وغير المباشرة.

ليس خافيًا أنَّ هذا النهج ينطوي على صعوبة بالغة، إلا أن عمليات "النمذجة المستنِدة إلى الوكيل" agent-based modelling يمكن أن تساعد كثيرًا على التغلُّب عليها. وفقًا لهذه المقاربة، توضع نماذج للتفاعلات التي تتمُّ فيما بين الوكلاء المستقلين (سواء أكانوا أفرادًا، أم مؤسسات، أم جماعات) بينما يتعاملون مع الظروف المتغيرة. والحقُّ أنَّ هذه النماذج طالما وُجِّهَ إليها نقدٌ مفاده أنها على نحوٍ من التعقيد وعدم اليقين يجعل من الصعب الخروج منها بنتائج موثوق بها. ومن جهتنا، نرى أن هذه الطريقة في سبيلها نحو بلوغ مرحلة النضج، بفضل ضخامة البيانات المتاحة، والتطورات التي طرأَتْ على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعاظُم القدرة الحاسوبية.

وقد تبيَّن أن هذه النماذج تصلُح للتعامل بأثر رجعي مع الأنظمة الأبسط التي اتَّسمَتْ بها المجتمعات الأقدم نسبيًا. ومن الأمثلة على ذلك، طريقة تعامُل أهل مدينة كاهوكيا مع موجات الجفاف المتكررة11 التي اجتاحَتْ الجزء الغربي الأوسط من قارة أمريكا الشمالية بين عامي 900 و1200 ميلادية. كما أظهرَت هذه النماذج قدرةً عالية على تقدير المخاطر الناشئة من الفيضانات العارمة في النمسا؛ فقد مكَّنَت الباحثين من وضع تصوُّر لتأثيرات الفيضانات على قيمة المباني والبنية التحتية، وكذلك على القدرة على الإقراض، والتمويل الحكومي – وجميعها عوامل قد تعوق مساعي إعادة الإعمار بعد الكارثة12.

"من حسن الحظ أننا – فيما يتعلق بتقييم المخاطر – لسنا في حاجة إلى إعادة اختراع العجلة".

وبقطع النظر عن الأدوات المستخدمة، يجب أن يتجه مزيد من الباحثين إلى وضع تخطيط للأنظمة الاجتماعية المعقدة، استنادًا إلى البيانات الاقتصادية، وكذا البيانات الإحصائية المضمَّنة في التعدادات السكانية. يستلزم هذا النهج وجود بيانات متناغمة، وعلى درجةٍ عالية من الاستبانة (على مستوى دولة أو ولاية)؛ غير أن المتاح من هذه البيانات، في واقع الحال، عادةً ما يكون غير كافٍ. فمن الضرورة بمكان أن يصاحب الجهود الحثيثة المبذولة في جمع "البيانات الضخمة" big data عملٌ بحثي نوعي، ينهض به باحثو العلوم الاجتماعية (ومن بينهم علماء الأنثروبولوجيا، والاقتصاد، والآثار، والمؤرخون)، على أن تُراعَى فيه الخصوصية الثقافية، وخصوصية المكان.

يلعب علم البيانات والذكاء الاصطناعي أدوارًا متزايدة الأهمية فيما يتعلق بالاستعداد لمواجهة الكوارث، والتعامل معها، والتعافي منها. ومن ذلك، على سبيل المثال، أن تحليل صور الأقمار الصناعية، وغيرها من بيانات رصد الأرض، تُسهم في تحديد الأماكن التي يمكن إيصال المساعدات الإنسانية إليها تحديدًا دقيقًا، وبأقصى كفاءة ممكنة، كما يدعم الذكاء الاصطناعي أنظمة الإنذار المبكر، وتقييم المخاطر. ولعلّنا نجد مثالًا على هذا التفاعل ما بين البيانات الدقيقة، والنماذج المُحكَمة، والحكم الرشيد في التعامل مع إعصار "أمفان" Amphan، الذي وقع في شهر مايو من عام 2020، وما انطوى عليه ذلك من إنذار مبكر، ورفعٍ لدرجة التأهُّب، وإجلاء لنحو ثلاثة ملايين شخص في الهند وبنجلادش قبيل وصول الإعصار. والباب مفتوح على مصراعيه أمام مساعي تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتسخيرها للتنبُّؤ بالمواقع المعرَّضة لمثل هذه الأخطار على المدى البعيد.

تحسين المؤشرات

بالإضافة إلى الجهود المبذولة في تطوير النماذج، ينبغي على الباحثين كذلك أن يُسهموا في إعادة صياغة مؤشرات أهداف التنمية المستدامة، على النحو الذي يعزز قدرتها على تتبع التقدم المُحرَز على طريق تحقيق تنمية مستدامة، وتقف على أرض صلبة.

ولكي تكون المؤشرات فعّالة، يَلزَم أن تأخذ في الحسبان قابلية التأثُّر، وقابلية التغيُّر. فمن بين معايير قياس النجاح في تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة (القضاء التام على الجوع)، على سبيل المثال، مؤشر تقلبات أسعار المواد الغذائية. يبيّن هذا المؤشر مقدار الانحراف القياسي حول متوسط أسعار الحبوب، والخضراوات، وزيت الطعام، ومنتَجات الألبان، واللحوم، والسكر. ومن ثم، فإنه يأخذ بعين الاعتبار مدى ضمان توافر الغذاء، واستقراره من عام إلى آخر، وخلال العام الواحد؛ علمًا بأن هذا العامل يتأثر بالأحوال المناخية المتطرفة. تكمن أهمية القدرة على قياس التغيُّر في الوقوف على تأثيرات الندرة المؤقتة للغذاء، التي تلقي بتبعاتها على الفقراء أكثر من غيرهم، وذلك بالنظر إلى أنهم ينفقون شطرًا كبيرًا من دخلهم على الغذاء. غير أن هذا المؤشر لا يصدُر بصفةٍ دورية إلا على المستوى الوطني، وليس على المستوى الإقليمي أو المحلي، رغم ضرورة تحديد التغيُّر الحادث على هذين المستويين.

ومن الجدير بالملاحظة أن غالبية أهداف التنمية المستدامة الأخرى، ومؤشراتها، تتجاهل قابلية التأثُّر وقابلية التغيُّر تجاهلًا تامًا. وهناك معايير (مثل "نسبة المسطحات المائية الآتية من مياه محيطة ذات نوعية جيدة" و"المتوسط السنوي لمستويات الجسيمات الدقيقة") لا تقاس إلا في صورة متوسطات سنوية. وهكذا، فإن إضافة معايير لقياس قابلية التغيُّر ستكون بمثابة خطوة أولى ضرورية نحو الكشف عن النقاط المعرَّضة للخطر في هذه الأنظمة، وتتبع التغيرات التي تطرأ عليها، بينما تتسارع وتيرة الاحترار العالمي.

على مدار السنوات القليلة الماضية، حاول الباحثون رسم مخطط لشبكة التفاعلات بين أهداف التنمية المستدامة، أطلقوا عليه مخطط "ساستينوم" Sustainome (انظر الشكل 1 من المرجع 13، على سبيل المثال). إن عملًا مهمًا كهذا سوف يسهم في فهم أوجه التكامل والتعارض بين أهداف التنمية المستدامة المتعددة في الدول المختلفة. وبالتوازي مع هذه المساعي، ينبغي المزج بين مؤشرات أهداف التنمية المستدامة – وكذا مؤشرات "سِنداي" Sendai للحد من مخاطر الكوارث – للحصول على مؤشرات مركَّبة، قادرة على التنبُّؤ بالمخاطر النظامية. إننا بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد من أجل فهم كيفية إنجاز ذلك، واستكشاف النماذج والبيانات التي قد تعيننا على بلوغ تلك الغاية.

استثمار موجَّه

إن تطوير نماذج لقياس المخاطر المتداخلة، تتَّسم بالواقعية، وتستطيع تتبُّع مواطن التأثُّر، والتعبير عن هذه المخاطر رقميًا، لهو أمر بالغ الأهمية، من شأنه أن يساعد صانعي القرار والمستثمرين على تحديد أي القنوات تستحق أن يوجهوا إليها أموالهم واهتمامهم.

انظر، مثلًا، إلى الباحثين الذين يركزون على استحداث محاصيل زراعية أعلى في قيمتها الغذائية، في محاولة للمساعدة على تحقيق هدف "القضاء التام على الجوع". إنهم يحتاجون إلى معرفة ما إذا كانت موجات الجفاف المستقبلية سوف تؤدي إلى فشل مساعي إنتاج هذه الأنواع المستحدثة، وأي هذه المحاصيل، أو توليفاتها، أو الممارسات الزراعية سوف ينعكس بالسلب على التنوع البيولوجي، واستقرار النظام الإيكولوجي، وكذا على المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة، الذين يقدَّر عددهم حول العالم بنحو 500 مليون، وذلك على نحوٍ يؤثر على أهداف التنمية المستدامة الأخرى. سوف تُسهم نماذج الأنظمة، التي تزوَّد ببيانات مستمَدة من عمليات الرصد المباشر، في تحديد أي العوامل ينبغي تعديلها، بما يعزز مرونة تلك الأنظمة، وقدرتها على الصمود.

قد يجد الساسة صعوبة في أن يبرروا للناخبين الإنفاق على إجراءات تعزيز مرونة الأنظمة الإيكولوجية؛ وذلك لأنها، في الغالب، لا تعود بمردود فوري، كما أن توقيت تلك الكوارث المستقبلية، وحجمها، يظلان في حُكم المجهول. بيد أنَّ الجائحة الراهنة تخبرنا أن الكلفة ستكون أكثر ضخامة على المدى البعيد، إذا نحن تقاعسنا عن الإنفاق الآن14.

في تقرير صدر عام 2019، يتناول الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وُجد أن زيادة الاستثمار بنسبة 3% عن المعدلات المعتادة في مجال البنية التحتية في ثلاثة قطاعات (هي قطاعات الطاقة، والمياه والصرف الصحي، والنقل) من شأنها أن تجعل هذه القطاعات أقدَر على الصمود في مواجهة الظروف المناخية المتطرفة. وجاء في التقرير أن كل دولار أمريكي يُستثمَر في هذه القطاعات سوف يحقق – في المدى البعيد - عائدًا يبلغ نحو الأربعة دولارات، وسوف يتعاظم ذلك العائد كلما ازداد المناخ تطرفًا15.

ثم إن هذا التطوير للبنية التحتية سوف يحُول دون حدوث أضرار مباشرة، وما قد يترتب عليها من تعطيل للأنشطة الاقتصادية. ففي مدينة هامبورج الألمانية، على سبيل المثال، قُدِّر حجم الاستثمار في إجراءات الحماية من الفيضانات، عقب العاصفة العاتية التي ضربت المدينة عام 1962، بنحو 2.2 مليار جنيه إسترليني (2.6 مليار دولار أمريكي)؛ ما جنَّب المدينة خسائر تزيد قيمتها على عشرين مليار جنيه إسترليني منذ ذلك الحين (انظر: go.nature.com/3sx8ren).

ومن حسن الحظ أننا – فيما يتعلق بتقييم المخاطر – لسنا في حاجة إلى إعادة اختراع العجلة؛ فهو نشاط متجذر في مجال التأمين، كما هو الحال في التعامل مع أخطار الزلازل. أما التحدي الآن فيكمن في نمذجة المخاطر المتغيرة، والآثار الممتدة لظواهر الطقس المتطرفة، التي صارت محتومة في هذا العالَم الآخذ في الاحترار، بالإضافة إلى قياس تلك المخاطر، والقدرة على التعامل معها. وكلما عجَّلنا بذلك، كانت النتيجة أفضل.

اضف تعليق