q

كصخرة صماء.. جثم الحزن فوق صدره.. مرا علقما هو طعم الصبر.. لقد تجرعه مذ كان صغيرا بل رضعه مع لبن أمه.. وقد تسلح به طيلة فترة حياته مع قومه وأذاهم (فالصبر سلاح الأنبياء). اتهموه بأقسى النعات ساحر.. كذاب.. مجنون.. شاعر وكاهن.. حتى قال: (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت).. مع كل هذا الألم، لم يهتز صرح الايمان في قلبه قيد أنملة.

وكان عزاءه الوحيد هو نزول الوحي عليه وتصبيره على أعباء الرسالة التي أثقلت كاهله..

إلا أن الوحي قد انقطع عنه منذ 40 يوما.. والحزن ينمو.. يكبر.. تتلاطم أمواجه.. يزيده تعيير المشركين للمسلمين بالضعف والفقر.. وهو لا يفتأ يسأل نفسه.. هل انتهت مهمتي ؟! يغترسه الحزن!! كيف والرسالة لم تكتمل بعد؟!

بينما كان ينوء بنفسه.. نزلت همسات السماء.. عذبة باردة كماء زلال على قلب محمد الظامئ.. وتتوالى الآيات.. لتصعد الأمل في نفسه ثم تبشره بأجمل بشرى وبالفرج القريب.. "فإن مع العسر يسرا.. إن مع العسر يسرا"

جميل هو أسلوب القرآن الكريم الذي تكون آياته لا تختص بشخص النبي وزمانه.. بل تأتي بصورة قاعدة عامة.. فمفهوم الآيات واسع ويستوعب كل ألوان المعاني.

فتعتبر سورة الانشراح- مثلا- مسكنا لكل أنواع الاوجاع من المشاكل والازمات المتعسرة في حياتنا والتي لاتنفع معها (حبتا بانادول) لإزالتها أو تخفيفها..

وهي حقيقة علمية مجربة من علم الطاقة لأثر هذه السورة في علاج القلق والاضطراب.

وورد في فضيلتها عن النبي الاكرم(ص): أنه قال:

من قرأها أعطي من الاجر كمن لقي محمدا مغتما ففرج عنه.

لا ريب.. أن آيات هذه السورة (وورد عن أهل البيت (عليهم السلام) ما يدل على ان سورة الانشراح والضحى هي سورة واحدة فوجب قراءتهما معا في الصلاة) مدعاة للتأمل وأخذ العبرة.. لكننا نتوقف قليلا عند آية فإن مع العسر يسرا.. لعمق معناها رغم بساطة كلماتها.. ومازاد أهميتها هو تكرارها.. ونادرا ما تتكرر آية وراء آية في القرآن الكريم.. وقد قال (صاحب الميزان) في تفسير موضع التكرار، أنها للتأكيد والتثبيت.

تطبع هذه الآية في قلب الانسان شعور السعادة!!

ذلك الحلم الجميل الذي تلهث وراءه كل البشرية.. وقد سلك الكثير طرقا عديدة للنيل بها.. فما وجدوا الا سرابا يحسبه الظمآن ماءا.. بعد ان انزلوا حاجاتهم بواد غير ذي زرع!!

فاستعانوا بوسائل مازادتهم الا بعدا.. وغفلوا عن بوصلة عظيمة تشير دائما الى السعادة وهو القرآن الكريم!!

فكتاب الله يزخر بما لايحصى من المفاتيح الذهبية لباب السعادة.. بالتأكيد سعادة الدارين وللأمور المادية والمعنوية.

كل سورة بل كل آية هي دليل يقودنا للسعادة ومنها آية: ان مع العسر يسرا..

فالسعادة تكمن فيها بجانبين:

أولا: في الأمل والتفاؤل من الله بالانفراج بعد الضيق واليسر بعد الكرب لرسوله الأكرم (ص) وبالتبعية لكل مؤمن ومؤمنة.. فهو وعد الهي وخطاب لكل الخلق ولفتة لطيفة الينا من رب رحيم كريم..

فالتفاؤل محور السعادة.. وهو يبعث في النفس البشرية أثرا طيبا بالأمل في الغد القريب وأن الأمور ستجري على مايرام وفي ذلك يقول الحديث الشريف (تفاءلوا بالخير تجدوه).. وقد قيل قديما: الانسان المتفائل سعيد.

ثانيا: وهو جانب جميل وعميق.. نستلهمه بتأملنا لكلمات الآية المباركة حيث تقول: ان (مع) العسر يسرا وليس (بعد)..

فالأمر ليس تناوبا وتعاقبا كما نظن.. فدوام الحال من المحال..

بل الآية تشير الى معنى ادق وهو أن السعادة وليدة الشقاء والنجاح ابن الفشل!! فالسهولة والصعوبة يسيران معا..

ومن رحم الألم تولد المعجزات كما يقولون.

أي اننا إذا أردنا بلوغ السعادة والمقام العالي فلن يتاح لنا ذلك بسهولة ولن تأتي الينا بطبق من ذهب او عن طريق الصدفة!! يجب ان نعبر طريق الشدائد والصعاب ونثخن بالجراح جراء اشواك هذا الدرب الطويل.. وهو قانون إلهي في غاية الروعة وكل قصص الناجحين والعظماء والاثرياء في العالم على طول التاريخ تؤكد هذه القاعدة وهم لم يقطفوا ثمار نجاحاتهم الا بعد ان ذاقوا الضيم والأذى، حتى وان كانوا غير مؤمنين.. فسنة الله في الحياة هي هكذا وكما يقول الشاعر: بصرت بالراحة الكبرى.. فلم أرها تنال إلا على جسر من التعب.

فطريق النجاح والسعادة معبد بالعقبات التي لابد ان نتجاوزها لنصل الى غاياتنا وأهدافنا..، وما أروع النجاح بعد التعب، وما ألذ الطعام والشراب بعد الصيام، وما أجمل الفرج بعد الظلم والجور..

فلولا الأمل بظهور صاحب العصر(عج) لما عشنا حتى اليوم ونحن نتصبر بنداء السماء.. إن مع العسر يسرا.. بعد ان ضاقت بنا الدنيا والأمل بالظهور يكبر بعد ان اشتد الظلام وهذه الآية اوكسجين من السعادة تعيننا على مر الانتظار.. وقال الرسول الاكرم (ص): اشتدي.. أزمة ! تنفرجي.

اضف تعليق