q
قد يتسبّب قرار مجلس النواب بحلّ نفسه في السابع من تشرين الأوّل 2021، تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية المبكرة في العاشر من الشهر ذاته، في إرباك أو تعطيل أو الغاء عملية اعداد ومناقشة ومصادقة مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2022، ويسري ذلك على التوقيتات والإجراءات والاتجاهات والمحتوى...

قد يتسبّب قرار مجلس النواب بحلّ نفسه في السابع من تشرين الأوّل/اكتوبر/2021، تمهيداً لإجراء الإنتخابات النيابية المبكرة في العاشر من الشهر ذاته.. في إرباك أو تعطيل أو الغاء عملية اعداد ومناقشة ومصادقة مشروع قانون الموازنة العامة الإتحادية للسنة المالية 2022، ويسري ذلك على التوقيتات والإجراءات والإتّجاهات والمحتوى والسياسات والإستراتيجيات ذات الصلة بهذه الوثيقة الإقتصادية – السياسية، الحسّاسة والخطيرة (والمُحدَّدة تفصيلاً بموجب أحكام القوانين النافذة المُنظَّمة لهذه العملية). ويمكن ايضاح ذلك من خلال ما يأتي:

أوّلاً: أهم أحكام قانون الإدارة المالية الإتحادية رقم (6) لسنة 2019، ذات الصلة بعملية اعداد الموازنة العامة الإتحادية

- المادة -4- ثالثاً: تعد وزارة التخطيط ووزارة المالية الاتحاديتان خلال شهر آيار من كل سنة (أي بعد شهر من الآن) "المباديء التوجيهية" في ضوء أهداف السياسة المالية، مع توضيح المعالم الإقتصادية الرئيسة المستندة إلى خطة التنمية الوطنية، والمؤشرات الواقعية للإقتصاد الكلي.

- المادة-6- اولاً: تتولى وزارة المالية الاتحادية استلام التقديرات المقترحة للموازنة الجارية للسنة اللاحقة(وهي هنا سنة 2022)، ومناقشتها خلال شهر تموز من كل سنة(أي بعد ثلاثة أشهر من الآن).

المادة-8-: يقدم وزيرا التخطيط والمالية الاتحاديان الى لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس الوزراء (أو ما يحل محلّها في مجلس الوزراء)، في مطلع شهر آب من كل سنة (أي بعد أربعة أشهر من الآن)، مشروع قانون الموازنة لدراسته، وتقدّم اللجنة التوصيات الى مجلس الوزراء في مطلع شهر ايلول من كل سنة (أي بعد خمسة أشهر من الآن، وقبل اجراء الإنتخابات، وتحوّل الحكومة الى حكومة "تصريف أعمال" بشهر واحدٍ فقط)!

المادة-9- (وهذه مادة مهمة جداً، أرجو ملاحظتها وقراءتها بإمعان): تعد وزارة التجارة بالتنسيق مع البنك المركزي العراقي "خطة التجارة الخارجية"، وتقوم برفعها الى مجلس الوزراء لمناقشتها وتوحيدها مع مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية، خلال شهر تموز من سنة اعداد الموازنة (أي بعد ثلاثة أشهر من الآن).

المادة-10-أ: يعد البنك المركزي تقريراً عن "موازنة النقد الأجنبي"، و"خطة عرض النقد الوطني"، ويقوم برفع "التقرير والخطة" الى مجلس الوزراء للمناقشة والتوحيد مع مشروع قانون الموازنة خلال شهر تموز من سنة اعداد الموازنة (أي بعد ثلاثة أشهر من الآن).

المادة -10-ب (وهذه مادة مهمة أيضاً، أرجو ملاحظتها، وفهم محتواها بعناية شديدة): تعد وزارتا التخطيط، والعمل والشؤون الإجتماعية "موازنة النوع الإجتماعي"، وتقومان برفعها الى مجلس الوزراء لمناقشتها وتوحيدها مع مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية، خلال شهر تموز من سنة اعداد الموازنة (أي بعد ثلاثة أشهر من الآن).

المادة-11-: يتولى مجلس الوزراء مناقشة مشروع قانون الموازنة واقراره وتقديمه الى مجلس النواب قبل منتصف شهر تشرين الأول من كل سنة (أي قبل حلّ مجلس النواب لنفسه بأسبوع واحد !!!).

ثانياً: الخلاصة والاستنتاجات

استناداً لما تقدّم، أود أن أبيّن ما يأتي، مع الاحتفاظ بحقّي في طرح الأسئلة (التي ليس لديّ معلومات كافية ودقيقة عنها) على من يعنيهم أمر الإجابة عنها بالتفصيل:

1- كيف سيتم اعداد الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2022، في ظلّ الظروف السياسية - الانتخابية التي يعيش العراق صراعاتها المريرة منذ الآن ؟ كيف ستقوم بذلك حكومة ستكون في خلال اشهر قليلة حكومة "تصريف" أعمال؟ من يقرّر ويحدّد توجهات ومحتوى السياسات؟ متى ستظهر نتيجة الإنتخابات؟ متى سيتشكّل مجلس النواب القادم؟ متى سيتم تشكيل الحكومة القادمة؟ وبالتالي متى سيتم اعداد ومناقشة واقرار مشروع الموازنة العامة لسنة 2022؟؟

2- ماهي، وكم هي، الكلف الإقتصادية والإجتماعية التي سيتكبدها العراق (حكومة ومواطنين ودولة) جرّاء التأخير في انجاز الموازنة العامة للدولة لسنة 2022؟ وهل بإمكان العراق، والعراقيين، احتمال ذلك لمرّتين متتاليتين في أقلّ من عام؟

3- بالنسبة للمادة-4- ثالثا- من قانون الإدارة المالية المشار اليه في أعلاه.. على ماذا سنعتمد في اعداد "المباديء التوجيهية" للسياسة المالية؟ على أي "خطة"، وعلى أي "وثيقة"؟ هل سنعتمد على "خطة التنمية الوطنية 2018-"2022، أم على "الورقة البيضاء"؟ وهل هذه "الخطط" و"الأوراق" مُلزمة لرئاسة الحكومة القادمة، ولوزراءها الجدد، التي قد تكون لها "خططها و "اوراقها" الخاصة بها، في بلد تفتقر سياساته وخططه (على الدوام) الى عنصرين مهمين في الإدارة الكفوءة والحكم الجيد، وهما الإلتزام والإستدامة (أيّاً ما كانت هوية الحاكمين القادمين)؟

4- بالنسبة للمادة-9-ذات الصلة بـاعداد "خطة التجارة الخارجية"، وتوحيدها مع مشروع الموازنة العامة .. كم هو عدد الذين يعرفون بهذه الخطة؟ كم عدد الذين اطّلعوا عليها؟ ومتى تمّ اعدادها وتوحيدها مع مشروع قانون الموازنة، وكيف؟ ضعوا أمامكم قانون الموازنة العامة لسنة 2022، وارشدوني الى خطّة كهذه رجاءً.

5- أين هو ذلك النصّ القانوني (الموجود في قانون الإدارة والمالية والدين العام السابق، رقم 94 لسنة 2004، القسم 6)، والذي كان يُلزم الحكومة بتقديم "الحسابات الختامية" للموازنة الاتحادية للسنة السابقة، كشرط لإقرار مشروع الموازنة العامة للسنة اللاحقة؟ هل اختفى هذا النص من أحكام قانون الإدارة المالية الإتحادية رقم (6) لسنة 2019، واذا كان الأمر كذلك، ترى لماذا، وكيف؟

6- بالنسبة للمادة -10- أ، ذات الصلة بـاعداد "موازنة النقد الأجنبي" و"خطة عرض النقد الوطني"، فإنّني أتمنى أن أرى هاتين الفقرتين موحدتان (فعلاً) مع مشروع قانون الموازنة، وواضحتان جداً فيها، لكي لا يُبخس دور البنك المركزي في اعداد الموازنة، بالتنسيق مع وزارة المالية، بقدر تعلّق الأمر بهذا الموضوع.

7- بالنسبة للمادة -10- ب، ذات الصلة بـاعداد "موازنة النوع الإجتماعي"، وتوحيدها مع مشروع قانون الموازنة، فإنّني أرى أنّ هذا لم يتم العمل به اطلاقاً . فالموازنة العامة في العراق منذ عام 1921 ولغاية عام 2021 هي موازنة "بنود" تقليديّة، وليست موازنة "مستجيبة للنوع الإجتماعي" (GRB) Budgeting Responsive Gender، وأزعم أنّني "أفهم" هذا الأمر جيداً بحكم عملي سابقاً(2014) كخبير وطني مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة UN WOMEN بهدف اعداد موازنة مستجيبة للنوع الإجتماعي في العراق.

ومع شديد الأسف لم يتم تحقيق ذلك لأسباب كثيرة لا يتسّع المجال لذكرها الآن. وليس هذا هو أوّل ولا آخر اخفاق في تطوير واختيار منهج جديد لإعداد الموازنة العامة في العراق، فقد سبق ذلك اخفاق لجنة "عليا" تشكّلت في مجلس الوزراء منذ عام 2012 للتحضير لتطبيق موازنة "البرامج والأداء"، وتمّ اعادة تشكيل هذه اللجنة أكثر من مرّة من قبل الحكومات المتعاقبة (وأعتقد أنّ لجنة كهذه ما تزال موجودة الى الان)، ومع ذلك لانجد بين أيدينا الآن (رغم هتافات "الإصلاح المالي")، غير موازنة بنود بائسة (عفا عليها الزمن).

ثالثاً: ما هو الحلّ؟

اذا كان الاستنتاج الرئيس (استناداً للأسباب المذكورة تفصيلاً في اعلاه)، هو عدم امكانية أعداد الموازنة العامة لسنة 2022، واقرارها في التوقيتات المناسبة، واللازمة، لوضعها موضع التطبيق، فإنّ لا حلّ آخر أمامنا (للحدّ من التداعيات الخطيرة لذلك) غير اللجوء الى أحكام قانون الإدارة المالية الإتحادية رقم (6) لسنة 2019 ذات الصلة بالتعامل مع حالات كهذه، وهي:

1- المادة -13- : في حال تأخر اقرار الموازنة العامة الاتحادية حتّى 31 كانون الأول من السنة السابقة لسنة اعداد الموازنة، يُصدِر وزير المالية اعماماً بالصرف بنسبة 1/12 فما دون من اجمالي المصروفات الفعلية للنفقات الجارية للسنة المالية السابقة، على اساس شهري، ولحين المصادقة على الموازنة العامة الإتحادية من قبل مجلس النواب.

2- المادة -13- ثالثاً: في حال عدم اقرار مشروع قانون الموازنة العامة الإتحادية لسنة مالية معينة، تُعَد البيانات المالية النهائية للسنة السابقة أساساً للبيانات المالية لهذه السنة، وتُقدّم الى مجلس النواب (وهذا يعني هنا مجلس النواب الجديد) لغرض اقرارها.

أعتقد أنّ هذا هو ما سيحصل.

مجلس نواب "قديم" – "مُستنسَخ" - "جديد" ..

وموازنة عامة "قديمة" – "مُستنسخة" - "جديدة" ..

وكلّها "صالحة" للإستخدام في كل "دورة نيابية"، و في كل "سنة مالية"، وفي كل "موازنة عامة اتحادية".. إلى أن يقضي الله، أمراً كان مفعولا.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق