q

لشهر رمضان خصوصية تميزه عن سواه من شهور السنة الاخرى، فهذا الشهر الفضيل يحمل معه تفاصيله وسماته الخاصة، فالواقع أن كل الشهور الاخرى متشابهة تقريبا، ليس لها اجواء تميزها عن غيرها، ولكن هذا الشهر الكريم، له طقوس وفعاليات متنوعة، معظمها يجري بعد الافطار، فالسمة الغالبة لهذا الشهر، تتمثل برغبة الناس بالتجمع، في أماكن العبادة والمراقد المطهّرة، وايضا بالحضور في الأندية والصالونات الثقافية الرسمية والأهلية على حد سواء، فضلا عن الحضور في المجالس والاستماع الى الخطب الوعظية التي تزيد من وعي الناس وتمسكهم بدينهم، بمعنى يوجد في هذا الشهر الكريم توجّه جماعي لاستثمار أجوائه وأوقاته في زيادة الوعي الجمعي، ثقافيا ودينيا وسياسيا، وفي جميع المجالات الاخرى للحياة.

فقد اعتاد الصائمون ان يرفّهوا عن أنفسهم بعد ان يقضوا نهارا شاقا مع العطش والجوع، والصوم هنا ليس عن الطعام فقط، بل الصوم الجوارح والحواس ايضا، ففي رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) -لامرأة صائمة تسب جارية لها، فدعاها النبي (صلى الله عليه وآله) لطعام فامتنعت لكونها صائمة – (فقال –ص-): كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟! إن الصوم ليس من الطعام والشراب، وإنما جعل الله ذلك حجابا عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول يفطر الصائم، ما أقل الصوام وأكثر الجواع.

لذلك يحتاج الصائم ان يعيش اجواء هذا الشهر بصورة عميقة بعد نهار الصوم الطويل، لذلك تكثر في هذا الشهر صالونات عديدة تقدم فيها برامج متعددة الاهداف والمضامين، وفي الوقت نفسه، تنشط الاتحادات والمنظمات، وتقدم هذه الأروقة المتنوعة أمسيات ما بعد الافطار، وهي تُعنى في الغالب بتوعية المجتمع ومضاعفة فهمه لما يدور حوله من تطورات متسارعة، لاسيما في الجانب السياسي وسواه، ومثل هذه الاجواء هي التي ينبغي ن نعيشها في شهر رمضان المبارك، ولكن في حقيقة الامر هذه الصورة لم تكتمل كما ينبغي لها أن تكون، بمعنى ثمة نوع من الضمور والتلكّؤ في قيام الصالونات والمنظمات بدورها كما ينبغي، بل هناك جهد شبه معدوم، للنشاطات الرمضانية، لاسيما السياسية منها، إذ تغيب المبادرات التي ينبغي أن تتبناها في مثل هذا الشهر، شخصيات تُعنى بتطوير الوعي الجمعي، لأسباب ربما يعزوها البعض الى حالات أمنية تلقي بظلالها على حركة الناس ونشاطهم المتنوع في هذا المجال أو ذاك.

ولكن لابد من استثمار هذا الشهر بما يعمق أواصر المحبة ويزيد من فرص السلم الاهلي والتعايش واحترام التنوع والاختلاف، وترسيخ المنهج التعددي، وربما تكون للجوانب الامنية عاملا معوقا لإقامة بعض النشاطات الرمضانية، ولكن لا ينبغي أن تنعدم هذه الفعاليات او تشحّ، لأننا نعيش هذا الشهر الكريم واجوائه مرة واحدة أو شهرا واحدا في السنة، وهناك حضور في اماكن العبادة والاستماع الى المحاضرات الدينية، وهو أمر متعارف عليه ومتواصل منذ سنوات بعيدة، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا الاطار، لماذا غابت المجالس الرمضانية التي تساعد الناس بكل مستوياتهم المتباينة على ترسيخ منهج الصيام الشامل، ونعني به صيام الجوارح والحواس مقترنا بالصيام عن الطعام؟

وثمة سؤال آخر في هذا المجال لماذا تغيب المبادرات الفردية والجماعية كما كانت في شهور رمضان الماضية على غير المتعارف والمعتاد، بمعنى حتى في الاحياء والمناطق الشعبية، كانت تعقد ندوات ثقافية للتوعية بمبادرات افراد يحرصون على التوعية المجتمعية، فأين غابت هذه المبادرات ولماذا؟؟ هذه الاسئلة التي نطرحها الآن تشكل هاجسا لكثير من المعنيين بالمزايا الكبيرة التي تميز شهر رمضان عن سواه، لذلك لابد من البحث عن الاسباب الحقيقية التي تحد من تواصل الانشطة المتنوعة في هذا الشهر الكريم، وهو الشهر الذي تتفتح فيه عقول الناس واذهانهم، وتتحرك نحو طلب الوعي بصورة جماعية.

لا شك أننا لا نغالي في طرح هذه التساؤلات، لأننا نرغب استثمار هذا الشهر بصورة صحيحة، فالصوم لا يعني اننا لا نأكل الطعام ولا نأخذ الماء فحسب، الصوم هو فرصة نموذجية لمعرفة مدى قدرتنا على التحكم بأنفسنا، ومدى سيطرتنا على غرائزنا، وجوارحنا كافة، لهذا لا بد من الربط بين الصوم عن الطعام والشراب والحواس والجوارح معا، مضافا الى ذلك الأهم بخصوص البحث والسعي الدائم والعميق عن الوعي الذي يجنبنا الوقوع في اخطاء قد تبدو بسيطة لكنها تصبح مدمرة في آخر المطاف، بطبيعة الحال، ولا شك ليست هناك مغالاة في طرح هذه التساؤلات، لأن واقع الحال يشير الى هذا التلكؤ، وعلينا جميعا، وأعني بذلك من يهمهم أمر الوعي الجمعي والفردي واستثمار شهر رمضان من اجل التصحيح الأفضل، لذلك يتوجب على جميع المعنيين البحث عن الاسباب والمشكلات التي تعيق استثمار هذا الشهر المبارك، واجوائه النموذجية التي تشجع على استقبال المعلومة وفهمها والتعامل مها بصورة صحيحة ومن ثم توظيفها بالطرق السليمة لبناء حياة مستقرة منتجة ومبدعة.

وقد يطرح بعضهم آراء اخرى ربما تؤكد على المعوقات التي تحد من التعامل مع شهر رمضان وفقا لأجوائه ومزاياه، فربما توجد مشكلات جدية في هذا المجال، ولكن لابد من وضع التصورات الواقعية والخطوات العملية المناسبة التي تكفل استمرارية التوعية والدمج بين الصيام عن الطعام والشراب وصيام الحواس والجوارح في هذا الشهر، فالغاية هي تنقية الذات وتشذيب النفس من ادران الغرائز المنفلتة.

لذلك يقول احد الكتاب (ان لشهر رمضان المبارك ميزة خاصة لرسول الله وأهل بيته - صلوات الله عليهم-، فانهم قد رسموا لنا الطريق الواضح لكيفية استقبال شهر رمضان المبارك وكيفية الابتعاد عن كل ما يخل في صحة الصيام في هذا الشهر العظيم)، كذلك نحن نحتاج في هذا الشهر أن نقيس قدرة التحمّل لنا في مواجهة المصاعب، ومشقة الصوم والجوع وضبط الجوارح وما شابه، فقد وردعن الإمام الصادق (عليه السلام): أفضل الجهاد الصوم في الحر.

اضف تعليق


التعليقات

السيد عبدالغفار
مصر
شهر البركه شهر القران2015-06-28