q
الدستور هو البنية الفوقية المتحكمة بكل مفاصل النظام السياسي، وتأتي الرغبة الشعبية بتعديل الدستور بسبب مشاكل العملية السياسية وحالات التحاصص والتقاسم المحاصصة السياسية والمكوناتية التي نجمت عن فهم بعض المواد الدستورية، ورغم أن هذا المطلب التي تحد من المحاصصة والفساد وما شابه، من أهم مطالب الاحتجاجات...

تشكلت لجنة تعديل الدستور العراقي لسنة 2005 قبل أكثر من عام وأربعة أشهر تقريبا، وكان من المفترض أن تنجز أعمالها خلال فترة ستة أشهر فقط، وتقدم إلى رئاسة الجمهورية ومن ثم إلى البرلمان وبعدها تعرض على التصويت الشعبي، جاءت اللجنة كمطلب شعبي تحت تأثير حركة الاحتجاجات التي اندلعت في عام 2019 كمخرج لإصلاح النظام السياسي ومخرجاته ومنها العملية السياسية.

يعد الدستور هو البنية الفوقية المتحكمة بكل مفاصل النظام السياسي، وتأتي الرغبة الشعبية بتعديل الدستور بسبب مشاكل العملية السياسية وحالات التحاصص والتقاسم (المحاصصة السياسية والمكوناتية) التي نجمت عن فهم بعض المواد الدستورية، ورغم أن هذا المطلب -أي التعديلات الدستورية- التي تحد من المحاصصة والفساد وما شابه، من أهم مطالب الاحتجاجات ولا يزال ضرورة ملحة إلا أن عملية تسويف كل مجريات عمل اللجنة والمصادقات والرغبة السياسية داخل وخارج البرلمان لا تشير إلى أي نية صادقة في إجراء التعديل.

وهناك جملة أسباب تقف حالة دون تحقيق أي تعديل دستوري منها: ما يرجع إلى الدستور نفسه، حيث أن أي تعديل سوف يصطدم بالمادة (126) والمادة (142) التي حددتا آلية أي تعديل يجري على مواد الدستور، واشترطت أن يخضع التعديل لاستفتاء الشعب وأن لا يتم رفضه من قبل (ثلثي ثلاث محافظات عراقية)، وهذا يعني شبه استحالة أي تعديل في الدستور العراقي 2005 وهو بذلك قد يصنف على الدساتير المعقدة في التعديل أو ما يطلق عليه بـ(الدساتير الجامدة).

والسبب في وضع هذه المواد وغيرها الكثير خلال أيام كتابة الدستور في عام 2005 هناك مخاوف أرادت المكونات أن تحقق أحلامها من خلال الدستور، فأصبح لدينا دستور واهتم بالشكليات وإلى جانب حماية الحقوق والحريات، ومسألة الفصل بين السلطات، وحدد صلاحيات الرئاسات الثلاث، وشكل نظام الحكم، ومسألة التداول السلمي للسلطة، إلا أن لجنة كتابة الدستور آنذاك كانت تعبر عن مخاوف مكوناتها لاسيما في حفظ الحقوق القومية والدينية، والمشاركة في كل مفاصل العملية السياسية، والغموض في الصلاحيات سواء ما بين الحكومة والإقليم أو ما بين الحكومة والمحافظات في إطار الإصلاحيات اللامركزية الممنوحة وفق الدستور النافذ.

وبالتالي تشكل المخاوف والخلافات السياسية والمكوناتية سبباً آخرا في عدم تعديل الدستور لسنة 2005، وذلك رغبة منها في استمرار المنافع الممنوحة دستوريا وغياب الرؤية الوطنية وتقوية الدولة الوطنية الموحدة المستقرة، إذ أن الطوائف والمكونات الدينية والقومية والعرقية ينظر أحدهما إلى الآخر بكم هائل من المخاوف، يتداخل فيها خوف الماضي، وأرق الحاضر، وقلق المستقبل، وهذا ما أشار إليه الزعيم الكردي مسعود البرزاني في أكثر من مناسبة من أن السُنة يخشون المستقبل، والشيعة يخافون من ماضيهم، وليس لديهم ما يخشونه في المستقبل لأنهم يشكلون الأغلبية، أما نحن الأكراد -والحديث للبرزاني- فإننا نخاف من الماضي والمستقبل.

عقدة إنعدام الثقة والمخاوف هذه انعكست سلبا على كل مجالات إدارة الدولة، وأزمة في السلطة التي تقودها قوى كان يجمعها هدف إسقاط النظام الاستبدادي السابق وكانت تشكل قوى معارضة كان من المفترض أن تحل كبديل وطني ديمقراطي هدفها الأول بناء الدولة، إلا أن أزمات السلطة المشكلة من قبل قوى المعارضة تظهر بصورة جلية وفجة مع كل انتخابات نيابية ومن ثم اختيار الرئاسات الثلاث.

وإلى جانب المخاطر الأخرى كهشاشة الدولة، التي يشوبها عدم الاستقرار وتصاعد انعدام الأمن بين الحين والآخر، وعدم الرغبة في أي إصلاح حقيقي ينهض بالدولة من الواقع المأساوي الذي يعيش فيه أبناءها، وبالرغم من الدعوات السياسية والشعبية والدينية إلى إجراء التعديلات الدستورية التي تقوي النظام السياسي وتجاوز أزماته إلا أن اللجنة التي تشكلت آنذاك على أنها وإن أنجزت بعض التعديلات أبزرها المادة التي تشير إلى ماهية الكتلة الأكبر وأن التعديلات التي جرت على الدستور هي أن تتكفل الكتلة الفائزة في الانتخابات بتشكيل الحكومة واختيار وزرائه وبرنامجه الحكومي، وليس الكتل البرلمانية كما هو عليه الحال في الانتخابات السابقة، والسبب وراء تأخر تشكيل الحكومة واستمرار المحاصصة، ومجلس النواب يتكفل مهمة التصويت على رئيس مجلس الوزراء وكابينته الوزارية وبرنامجه الحكومي مرة واحدة.

وبالتالي اللجنة تشير إلى استحالة تمرير التعديلات داخل مجلس النواب ومن ثم عملية التصويت، ونيل الثقة من كل المحافظات العراقية وفي حالة رفض من قبل ثلاث محافظات تبطل التعديلات، وفي هذا السياق أشار عضو اللجنة النائب يونادم كنا، لإحدى الوكالات: "إن لجنة التعديلات الدستورية في رئاسة الجمهورية، ليس لها الحق في اتخاذ أي قرار، وإنما هي ترفع المقترح إلى مجلس النواب، وهو الذي يوافق أو يرفض ذلك"، وبين أن تعديل الدستور، بحاجة إلى تصويت في البرلمان العراقي، ثم إجراء استفتاء شعبي في عموم العراق، على أن لا يرفض من ثلاث محافظات، كما من الصعب جدا إجراء أي تعديل على الدستور في الوقت الحاضر، هذا التعديل ممكن العمل به بعد إجراء الانتخابات المبكرة.

ومما تقدم، نستطيع القول: "إن رأي اللجنة يعبر عن عملها وقراءتها أيضا للمشهد السياسي إذ أنها حتما اصطدمت بجدار المكوناتية السياسية والمحاصصة الحزبية من جانب، وأن اللجنة وإن ضمت مستقلين وبعض الخبراء في مجال القانون الدستوري، والعلوم السياسية إلا أنها هي بحد ذاتها جزء عن المكونات السياسية التي لا تريد مغادرة ما يمكن أن نسميه باللادولة في العراق من جانب ثاني".

وعليه، وبعد مرور ما يقارب عاما كاملاً وأربعة أشهر، نستطيع القول: إن اللجنة لم تحقق ما كان يصبو إليه الشارع المنتفض وعموم أبناء الشعب العراقي في إجراء الإصلاحات الدستورية التي قد تغير من شكل النظام السياسي وتنضج من الديمقراطية، وتفرز قيادة منتخبة قوية ومقتدرة وقادرة على حل المشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي يمر بها البلد.

وعليه أن التعديلات الدستورية لا ترى النور للأسباب المذكورة، كما أن الإصلاح لا يبدأ بصورته الحقيقة إلا من الدستور نفسه كونه يمثل مقدمة أساسية لكل الإصلاحات لبنية النظام السياسية والسلطات الثلاث والتشريعات والقوانين الإجرائية المنظمة لعمل مؤسسات الدولة بصورة تعزز من قيم الوطنية والمواطنة وبناء الدولة الديمقراطية القوية القائمة على القانون واحترام الحريات وحقوق الإنسان لكل مواطنيها والمقيمين فيها.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2021Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق