q
اجراء الانتخابات في العام القادم او الآن ليس هو الأمر المهم، بل الاهم من ذلك هو حجم الوعي الذي يحمله المواطن والذي يكون عامل مؤثر من اجل الإسهام في عملية التغيير المنشود، اما اذا بقي حال الناخب كما عهدناه في الانتخابات السابقة فان إمكانية التغيير اشبه بالمستحيلة...

اوفى مصطفى الكاظمي بجزء من وعوده التي قطعها امام ابناء الشعب العراقي حين تسنم رئاسة الحكومة في شهر أيار المنصرم؛ ذلك بتحديده موعد اجراء الانتخابات المبكرة، التي كانت من اهم مطالب المتظاهرين الذين راح منهم المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى.

الكاظمي وبهذا الإعلان اراد إثبات حسن نيته في تنفيذ برنامجه الحكومي، القائم على ركيزة أساسية هو إكمال قانون الانتخابات من قبل مجلس النواب ومن ثم الذهاب نحو الانتخابات المبكرة، وهذه الخطوة يراها الشعب وتحديدا المنتفضين المنفذ الوحيد للخلاص من الطبقة السياسية التي جثمت على صدور العراقيين منذ تغيير النظام ولحد اللحظة.

لو اردنا ان نتفحص قرار السيد الكاظمي من زوايا متعددة، نجده يحمل ابعادا اخرى لا ترى بالعين المجردة بالنسبة للأشخاص الذين يتصفون بقصر نظرهم وعدم تفهم لقوانين اللعبة السياسية، فهو اراد بالدرجة الأساس ان يضع الكتل السياسة على المحك امام الشعب العراقي.

ويجبرهم على الانصياع لإرادته مستفيدا بذلك من حالة عدم الرضى والنفور التام من الأحزاب السياسية التي نهبت خيرات البلد، وتقاسمت مناصبه فيما بينها، أضف الى ذلك حالة الدمار والتخريب التي لحقت بالبنى التحتية وعدم النهوض بالقطاعات الصناعية والاستثمارية وكذلك الزراعية واقتصار الاهتمام فقط على الجانب النفطي كونه يمثل المحفظة المالية التي لا تنضب.

بمجرد ان أعلن الكاظمي موعد اجراء الانتخابات القادمة كانت هنالك ردة فعل من بعض الاوساط السياسية؛ ذلك لان التوقيت لا يخدمها وهي تعيش حالة انقسام على نفسها وتشتت داخلي، نتيجة الاحداث التي حصلت بالبلد منذ احداث تشرين وما عقبها والخاص باختيار رئيس الحكومة وتشكيلها.

هذا التشظي الداخلي جعل من بعض الأطراف تحاول عرقلة اتمام الانتخابات في الموعد الجديد، اذ تتمنى تأجيلها لحين موعدها المقرر في عام 2022، ومن الطبيعي ان تحرك من اجل ذلك نفوذها وجيوشها لتظليل الرأي العام بعدم توافر الأرضية الخصبة لإجراءها بموعدها الجديد الذي حدده رئيس الحكومة.

ان الرهان على مسألة الوقت من قبل الكتل السياسية، قد يكون رابحا، فمن المحتمل ان تردهم هوة الخلافات فيما بينها وترمم الصدع الذي حصل ومن ثم تعود المياه الى مجاريها، وهذا ما يحصل في الدورات الانتخابية السابقة، مما يؤدي الى حصد كميات كبيرة من الأصوات، ما يمكنهم الهيمنة على القرارات وتمرير القوانين من عدمه تحت قبة البرلمان.

وفي هذه الحالة سيبقى (نفس الطاس ونفس الحمام) ولم يتبدل شيئا في الخارطة السياسية، بينما قد يكون عامل الوقت خسارة بالنسبة للأحزاب؛ كون الناس تفهمت لما حصل في العراق منذ تغيير النظام، وعرفت نوايا جميع المشاركين بالعملية السياسية، بالنتيجة فان التأخير بإجراء الانتخابات سيزيد السخط عليهم.

بعض الكتل السياسية طالبت بإجراء الانتخابات في وقت مبكر، والغرض من ذلك ليس من اجل تقديم برلمانا افضل ولا حكومة اكثر قدرة على تقديم الخدمات للمواطنين، بل من اجل تحجيم شعبية حكومة الكاظمي الذي بدأ يتخذ قرارات تصب بمصلحة المواطن وتضر بشعبية الكتل السياسية، ومن هذه القرارات التي لاقت ترحيبا واسعا على المستوى الشعبي هو إلغاء امتيازات رفحاء، وجعل المنافذ الحدودية تحت إشراف قيادة العمليات المشتركة.

مثل هذه الخطوات تدعم مكانة الكاظمي لدى الجماهير وهو ما يقلق الجبهة الأخرى التي تلمح بان الكاظمي هو اداة عراقية لتنفيذ الإرادة الأمريكية في العراق.

لو نعود الى هدف آخر من اجراء الانتخابات في الموعد المحدد، فقد يكون استثمارا للنقمة الداخلية من التدخلات الخارجية لبعض دول الجوار ، وسيقود ذلك الى انحسار او التقليل من شأنها على المستوى الداخلي عبر عدم اختيار أذرعها المشاركين في قيادة مؤسسات الدولة بصورة عامة.

وربما يتم تدارك هذه الأزمة عبر ضخ الأموال لبعض شرائح المجتمع، والقيام بتقديم الخدمات الضرورية للمواطن لكنها متوقفة عن الإطلاق لمثل هذه الظروف، اذ تستخدم كسلوب من أساليب خديعة الأفراد البسطاء الذين تعول عليهم هذه الأحزاب وجعلهم مجاديف للنجاة في بحر السباق الانتخابي.

من اهم إنجازات ثورة تشرين الشبابية هو تشريع قانون انتخابات جديد والتصويت عليه من قبل البرلمان، لكنه لغاية الآن لم يكتمل بصيغته النهائية، وتحديد الموعد الجديد اصبح عامل ضغط على الكتل البرلمانية من اجل أكماله والعمل بموجبه في حزيران القادم.

قد يتحجج البعض بعدم جاهزية البلد من الناحية الفنية لإجراء الانتخابات، لكن اصحاب الاختصاص أجابوا على ذلك بأن الوقت المتبقي وهو ما يقرب من عشرة اشهر كفيلة بان تنهي مفوضية الانتخابات التحضيرات كافة، بما في ذلك الامور اللوجستية والقضايا الفنية الأخرى المتعلقة بتحديث سجل الناخبين واكمال التسجيل البايومتري.

ما يعيشه العالم من ازمة مالية وأوضاع استثنائية بسبب فيروس كورونا وانخفاض سعر النفط، ربما سيؤثر ذلك على اتباع نظم عالمية امينة لمنع التلاعب بنتائج الانتخابات، فكما هو معروف فان الانتخابات تحتاج الى مبالغ كبيرة ومعدات واجهزة مكلفة الى حد ما.

بينما الترحيب الدولي بالموعد الجديد قد يبدد مخاوف تدهور الحالة الاقتصادية بالنسبة لحكومة الكاظمي، فمن الطبيعي ان يتم تخصيص مبالغ لهذا الغرض مقابل تحقيق جزء من أهدافها وهو ابعاد النفوذ الخارجي والنظر الى المعسكر الغربي على انه الصديق الدائم وليس العدو اللدود.

اجراء الانتخابات في العام القادم او الآن ليس هو الأمر المهم، بل الاهم من ذلك هو حجم الوعي الذي يحمله المواطن والذي يكون عامل مؤثر من اجل الإسهام في عملية التغيير المنشود، اما اذا بقي حال الناخب كما عهدناه في الانتخابات السابقة فان إمكانية التغيير اشبه بالمستحيلة.

اضف تعليق