q
يحاول قادة الاتحاد الأوروبي وعلى الرغم من الخلافات والازمات المستمرة بخصوص بعض القضايا والملفات، دعم اقتصاد منطقة اليورو الذي تضرر جراء تفشي فيروس كورونا المستجد، من خلال اتخاذ القرارات والاتفاقات المهمة التي قد تسهم بإنعاش النشاط الاقتصادي، وتوقع البنك المركزي الأوروبي في وقت سابق، بأن اقتصاد منطقة اليورو سينكمش...

يحاول قادة الاتحاد الأوروبي وعلى الرغم من الخلافات والازمات المستمرة بخصوص بعض القضايا والملفات، دعم اقتصاد منطقة اليورو الذي تضرر جراء تفشي فيروس كورونا المستجد، من خلال اتخاذ القرارات والاتفاقات المهمة التي قد تسهم بإنعاش النشاط الاقتصادي، وتوقع البنك المركزي الأوروبي في وقت سابق، بأن اقتصاد منطقة اليورو سينكمش بنسبة 13 بالمئة في الربع الثاني مقارنة مع الربع الأول، وأن ينكمش إجمالا بنسبة 8.7 بالمئة في 2020، قبل أن ينتعش ليسجل نموا بنسبة 5.2 بالمئة في 2021.

وقد أبرم قادة الاتحاد الأوروبي وكما نقلت بعض المصادر، اتفاقا ”تاريخيا“ بشأن خطة حوافز ضخمة لاقتصاداتهم التي تضررت بسبب الجائحة بعد قمة عسيرة استمرت لنحو خمسة أيام. ويمهد الاتفاق الطريق أمام المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، لجمع مليارات اليورو من أسواق المال بالنيابة عن الدول الأعضاء البالغ عددها 27، وذلك في تضامن غير مسبوق في نحو سبعة عقود من التكامل الأوروبي.

ويأمل القادة في أن يساعد صندوق التعافي البالغ حجمه 750 مليار يورو (857.33 مليار دولار) والميزانية المرتبطة به البالغ حجمها 1.1 تريليون يورو لأعوام 2021-2027 في إصلاح أكبر ركود للقارة منذ الحرب العالمية الثانية بعد أن تسبب تفشي فيروس كورونا في توقف الاقتصادات. ووصف رئيس القمة شارل ميشيل الاتفاق، بأنه ”لحظة محورية“ لأوروبا. وحذر الكثيرون من أن فشل الاتفاق في ظل جائحة فيروس كورونا كان سيضع استمرار التكتل محل شك شديد بعد سنوات من أزمة اقتصادية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة. وقال ميشيل في مؤتمر صحفي ”يرسل هذا الاتفاق إشارة ملموسة بأن أوروبا قوة فاعلة“.

وعلى الرغم من قوته الرمزية فإن الاتفاق جاء على حساب تخفيضات في الاستثمار المقترح في الصناديق الصديقة للبيئة، كما أنه لم يحدد شروط توزيع الأموال على دول، مثل المجر وبولندا، يُنظر لها على أنها تنتهك القيم الديمقراطية.

لكن مع تكتل يضم 27 دولة تملك كل منها حق النقض (فيتو) كشفت القمة أيضا عن أوجه قصور في الاتحاد من المرجح أن تعرقل صنع القرار مستقبلا بشأن المال حيث تقاوم دول الشمال الأكثر ثراء مساعدة الجنوب الأكثر فقرا. وقادت هولندا مجموعة من الدول ”المقتصدة“ تشمل النمسا والسويد والدنمرك وفنلندا أصرت على أن مساعدة إيطاليا وإسبانيا وغيرها من بلدان البحر المتوسط التي تحملت العبء الأكبر للجائحة ينبغي أن تكون معظمها على هيئة قروض وليس منح لا ترد. وتواجه خطة التعافي الآن مسارا صعبا محتملا في البرلمان الأوروبي ويتعين أن تصدق عليها جميع الدول الأعضاء وهو ما سيعني إرجاء تحويل الأموال إلى الاقتصادات التي في حاجة ماسة للمساعدة في الوقت الراهن.

نقطة تحول

وفي هذا الشأن رحب مستثمرون بخطوة رئيسية نحو التكامل المالي في الاتحاد الأوروبي من خلال صندوق جديد للإنعاش الاقتصادي اتفقت عليه الدول الأعضاء واعتبرته نقطة تحول في للأصول المالية بالتكتل والتي نكبت منذ سنوات بأزمات الديون وانقسام في الآراء بين الشمال والجنوب. وساهمت تلك الخطوة في ارتفاع العملة الأوروبية الموحدة إلى أعلى مستوياتها منذ عام ونصف العام.

فعلى مدى سنوات كانت أخطار مثل أزمة الديون اليونانية وحكومة شعبوية في إيطاليا تشكك في مزايا الوحدة الأوروبية تثير الخوف في نفوس المستثمرين من اقتراب نهاية منطقة اليورو. ولذا لم يكن مفاجأة أن يتألق اليورو والسندات الحكومية الإيطالية بفعل الآمال في التكامل المالي الأوروبي. وكانت تلك الأصول الاستثمارية تتهاوى عندما تلوح تلك الأخطار في الأفق.

وقال أوجو لانسيوني رئيس وحدة العملات العالمية لدى نيوبرجر بيرمان ”هذه الصفقة أزالت بالكامل تقريبا خطر حدوث تفكك أوروبي وهو أمر كان ماثلا على الدوام في أذهان المستثمرين“. ويقول مستثمرون إن الاتفاق التاريخي بهدف إنقاذ اقتصادات الاتحاد الأوروبي من التداعيات التي نجمت عن فيروس كورونا تبشر بالخير لليورو والأسهم في التكتل الأوروبي في حين أن مستويات الدين المرتفعة بشدة في إيطاليا قد تحد من أي مكاسب أخرى للسندات الحكومية الإيطالية.

وقال كوينتن فيتزسيمونز مدير المحافظ لدى تي.راو برايس التي تدير استثمارات قدرها تريليون دولار ”أحد الأسباب التي تجعلك تتشكك في قيمة اليورو في الأجل الطويل تقلص“. ويعمل فيتزسيمونز على تكوين مركز دائن باليورو منذ ستة أسابيع. وقد تراجعت السندات الحكومية الإيطالية ستة في المئة منذ طرح فكرة حزمة الإنعاش للمرة الأولى في مايو أيار وأدت الانفراجة التي تحققت إلى انخفاض كلفة الاقتراض في إيطاليا إلى أدنى مستوياتها منذ مارس آذار الأمر الذي محا جانبا كبيرا من التداعيات السلبية لفيروس كورونا.

ودفعت تلك المكاسب بعض مديري الاستثمارات إلى جني الأرباح خلال الأسابيع القليلة الماضية لكن آخرين يهدفون لتحقيق المزيد. فقد أبدى بول برين من نيوتن انفستمنت مانجمنت رضاه عن الاحتفاظ بمركزه الدائن متوقعا أن تنخفض علاوة المخاطر التي تدفعها إيطاليا لسنداتها لأجل عشر سنوات زيادة على العائد على السندات الألمانية، وهي علاوة تحظى بمتابعة دقيقة، إلى حوالي 90 نقطة أساس من حوالي 160 نقطة أساس في الوقت الحالي.

ورغم الاتفاق على الصندوق الجديد، لا يزال آخرون يرون أن تراكم الدين المتصاعد من جراء الأزمة يشكل مصدرا للقلق. وقال آندريا يانيلي مدير الاستثمار لدى فيدليتي انترناشيونال الذي جنى أرباح من بيع السندات الحكومية الإيطالية خلال الأسبوعين الماضيين ”في النهاية يجب ألا تلقي بكل ثقلك بسبب صندوق الإنعاش“. ومن المرجح أن يكون للصندوق أثر كبير على جبل الديون الإيطالية لأن الاستفادة الصافية التي ستتلقاها لا تمثل شيئا بجانب الانفجار الذي ينتظر معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي والذي قد يقفز إلى 159 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي صعودا من مستوى 134.8 في المئة في 2019.

ودفع ذلك الاحتمال كيفن جاو رئيس وحدة الدخل الثابت من السندات السيادية على المستوى العالمي لدى يو.بي.إس لإدارة الأصول إلى تقليص مركزه في السندات الحكومية الإيطالية قبل شهر تقريبا. وهو لا يفكر في الإقبال عليها مرة أخرى إذ يرى أن احتمالات صعودها أكثر من ذلك لا تذكر. وقال بنك مورجان ستانلي إنه يتوقع أن يفوق أداء الأسهم في منطقة اليورو أداء نظيراتها على المستوى العالمي بنسبة عشرة في المئة بقيادة أسواق الأسهم الإيطالية والإسبانية في الأساس. بحسب رويترز.

أما بالنسبة لليورو فقد قال مستثمرون إنهم اختاروا ألا يتوسعوا في مراكزهم الدائنة لكنهم أضافوا أن الخطوات صوب التكامل المالي تعزز وضع اليورو في الأجل الطويل وتزيد من إغراء شرائه كعملة للاحتياطي. وهذا يعني أن اليورو سيحقق مزيدا من المكاسب عندما يجد المستثمرون أسبابا جديدة لزيادة حجم مراكزهم. وقد بدأت بعض ملامح هذا الوضع تظهر في الأفق. فقد قال فاسيليوس جكيوناكيس الرئيس العالمي لاستراتيجيات الصرف الأجنبي لدى لومبارد أوديير الذي كون مركزا دائنا باليورو ”على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي لا يزال لديك وضع سياسي صعب مشوب بالفوضى وغياب أي تحرك محكم لمعالجة كوفيد-19“. وأضاف ”هي عاصفة شديدة على الدولار (الأمريكي) وقوة دفع شديدة لليورو“.

تداعيات العزل

على صعيد متصل أعلنت المفوضية الأوروبية في وقت سابق، أنها تتوقع تراجع إجمالي الناتج الداخلي في منطقة اليورو بنسبة أسوأ مما كان متوقعا في مطلع مايو/أيار، إذ قالت إنه سيتراجع بنسبة 8,7% في العام الجاري قبل أن يتحسن في 2021 بنسبة +6,1%. وقال نائب رئيس المفوضية الأوروبية فلاديس دومبروفسكيس في بيان إن "التداعيات الاقتصادية للعزل أفدح مما توقعنا في البداية. لا نزال نواجه مخاطر عديدة بينها موجة ثانية من الإصابات" بكوفيد-19.

وكانت بروكسل قد توقعت في مطلع مايو/أيار تراجع إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 7,7% في 2020 ثم انتعاشا عام 2021 يبلغ +7,4%. وأكد المفوض الأوروبي للاقتصاد باولو جنتيلوني أن "هذه التوقعات تظهر الآثار الاقتصادية الكارثية لهذا الوباء". وهناك ثلاث دول متضررة بشكل خاص من الركود هي إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، مع تراجع إجمالي الناتج الداخلي بأكثر من 10% في 2020.

وستشهد إيطاليا تراجع إجمالي الناتج الداخلي لديها بنسبة 11,2% في 2020 قبل أن يتحسن في 2021 (+6,1%)، فيما سيتراجع في إسبانيا بنسبة 10,9% في 2020 ثم يتحسن في السنة التالية ليصل إلى +7,1%. أما في فرنسا فيمكن أن يتراجع بنسبة 10,6% هذه السنة ثم ينتعش ليصل إلى 7,6% العام التالي. في المقابل كانت ألمانيا بين الدول التي حدت من الخسائر، إلى جانب لوكسمبورغ ومالطا وفنلندا، مع تراجع إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 6,3% هذه السنة وانتعاش بنسبة 5,3% في 2021. بحسب فرانس برس.

وقالت المفوضية في بيانها "في الفصل الثاني من عام 2020 يفترض أن يتراجع الإنتاج الاقتصادي أكثر مما كان عليه في الفصل الأول". وأضافت "لكن المعطيات الأولى بالنسبة لمايو/أيار ويونيو/حزيران تشير إلى أنه تم تجاوز الأسوأ. ويرتقب أن يتسارع الانتعاش في النصف الثاني من العام على الرغم من أنه لا يزال غير كامل وغير متساو بين دولة عضو وأخرى".

من جانب اخر قال معهد إيفو الاقتصادي إن الاقتصاد الألماني سيتعافى تدريجيا بعد تراجع تاريخي بسبب جائحة فيروس كورونا وسيعود على الأرجح إلى المستوى الذي كان عليه العام الماضي بحلول نهاية 2021. ويتوقع إيفو أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي 11.9 بالمئة في الربع الثاني من العام مقارنة مع الفترة من يناير كانون الثاني إلى مارس آذار قبل أن ينمو 6.9 بالمئة في الربع الثالث و3.8 بالمئة في الربع الأخير هذا العام. وقال إيفو ”من الآن فصاعدا تتحسن الأمور تدريجيا مرة أخرى“، لكنه أضاف أن الوضع ضبابي بسبب الجائحة ورد الفعل السياسي تجاهها.

توقعات وخسائر

الى جانب ذلك قالت الحكومة السويسرية إن ناتجها الاقتصادي قد يخسر أكثر من 100 مليار دولار بسبب تداعيات جائحة فيروس كورونا. وتتوقع الحكومة أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي حوالي 652 مليار فرنك سويسري (687.26 مليار دولار)، انخفاضا من 712 مليار فرنك في توقعات ديسمبر كانون الأول. وبالنسبة للعام 2021، أصبح من المتوقع تسجيل 688 مليار فرنك، انخفضا من توقع سابق عند 725 مليار فرنك.

وقال الاقتصادي رونالد إندرجاند ”على أساس نصيب الفرد، فإن التراجع سيكون سيئا على غرار منتصف السبعينيات إن لم يكن أسوأ.. سيستغرق التغلب على هذا الوضع سنوات. لن يعود الاقتصاد للمستوى السابق إلا بحلول 2022“. وكان إندرجاند يتحدث بعد أن توقعت أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية تراجع الاقتصاد 6.2 بالمئة في 2020، ثم تعافيه على نحو متوسط في 2021.

من جانب اخر قال البنك المركزي البلجيكي إن اقتصاد البلاد مقبل على ثلاث سنوات من الفاقد في النمو بسبب جائحة كوفيد-19، إذ سيخفق التعافي في 2021 و2022 في تعويض انكماش متوقع بنسبة 9 في المئة هذا العام. وقال البنك المركزي البلجيكي إن الناتج المحلي الإجمالي في سادس أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو سيهبط تسعة بالمئة هذا العام، يعقبه نمو بنسبة 6.4 بالمئة في 2021 و2.3 بالمئة في 2022. وسيكون الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2022 منخفضا بنحو أربعة بالمئة عما كان مفترضا قبل ضربة فيروس كورونا.

وقال محافظ البنك بيير فونش في مؤتمر صحفي عبر دائرة تلفزيونية مغلقة ”تحتاج أن تعود إلى الحرب العالمية أو إلى الثلاثينيات من القرن الماضي لترى تراجعا من هذا النوع.“ وقال البنك إنه سيكون هناك على الأرجح بعض الأثر الدائم من الأزمة - إفلاسات وتحول من البطالة المؤقتة إلى المنتظمة وعدم عودة التجارة إلى سابق عهدها. وقدر البنك تكلفة الإغلاقات من منتصف مارس آذار عند 47 مليار يورو (53 مليار دولار) من حيث الفاقد في الدخل. بحسب رويترز.

وقال فونش إن رد الفعل تجاه الأزمة من حيث الدعم الاقتصادي يعني أن التراجع الاقتصادي لن يكون كما كان في الثلاثينيات من القرن الماضي. ومن المنتظر أن يرتفع دين بلجيكا، وهو بالفعل عند حوالي 100 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، إلى نحو 120 بالمئة بسبب ارتفاع الانفاق العام وتراجع النمو.

على صعيد متصل قال البنك المركزي إن اقتصاد إسبانيا قد ينكمش بأقل من المتوقع هذا العام لكن بالرغم من ذلك سيكون الركود أسوأ ثلاث مرات تقريبا من الركود القياسي المسجل في 2009 أثناء ذروة الأزمة المالية العالمية. وأضاف البنك المركزي أن الاقتصاد قد ينكمش ما بين 9 بالمئة إلى 11.6 بالمئة في 2020 بسبب تداعيات فيروس كورونا على البلد المعتمد على السياحة. والسيناريو السابق للمركزي الإسباني كان انكماشا من 9.5 بالمئة إلى 12 بالمئة. ويتوقع المركزي الإسباني أن يبدأ الاقتصاد بالتعافي في النصف الثاني من هذ العام وأن يسجل الناتج المحلي الاجمالي في 2021 نموا من 7.7 بالمئة إلى 9.1 بالمئة مقارنة مع تقدير سابق للبنك يتراوح من 6.1 بالمئة إلى 8.5 بالمئة.

اضف تعليق