q
يولد الإنسان في عائلة يتخيل كلّ حوله سيكونو ألاكثر لطفاً، وإذا به يُفاجأ بأبٍ قاسٍ يتلقى أنواع العنف اللفظي والبدني، ومقابله مرأة التي يجب ان تملأ المكان رقةً وحنانَا الا انها تقع أسيرة لزوج فاحش القول والفعل، وتبقى ظاهرة العنف الأسري أو الإرهاب المختبئ وراء جدران المنازل من أصعب المشكلات تشخصيًا ومعالجة...

يولد الإنسان في عائلة يتخيل كلّ حوله سيكونو ألاكثر لطفاً، وإذا به يُفاجأ بأبٍ قاسٍ يتلقى أنواع العنف اللفظي والبدني، ومقابله مرأة التي يجب ان تملأ المكان رقةً وحنانَا الا انها تقع أسيرة لزوج فاحش القول والفعل، وتبقى ظاهرة العنف الأسري أو الإرهاب المختبئ وراء جدران المنازل من أصعب المشكلات تشخصيًا ومعالجة وخروجها من المنزل قليل؛ وهذا ما يجعل علاجها أو الحد منها غاية في الصعوبة، واليوم مع جائحة كورونا واغلاق الاسر ابواب بيوتها ازدات هذه الظاهرة وبدأت تطفوا على السطح أكثر من قبل.

يعرف العنف هو إجبار الإنسان على القيام بتلك التصرفات اللامنطقية نتيجة شعوره بالألم لما تعرض له من أذى، فلا يجد وسيلة إلا تدمير الأشياء والممتلكات، ويعرف العنف الأسري بأنه ظاهرةٌ مجتمعيةٌ منتشرةٌ عبر العالم وفي كل مكان، يقوم بها شخصٌ يعاني من مشاكلَ نفسيةٍ أوعقدٍ داخليةٍ تخرج عن طريق العنف والإكراه والقمع والسيطرة، فقد قيل إن من يعامل الآخرين بدونيةٍ شخصٌ تلقى معاملةً فوقيةً من آخرين.

ألاشكال وألانواع

- العنف الجسدي: يكون باستخدام القوة في التعامل مع الضحية، فقد يكون بالضرب المبرح أو الرفس أو اللطم أو العض أو الحبس في غرف مظلمة أو الحمام أو التهديد بالسلاح، أو تكليف بأعمال قاسية شاقة لا تناسب الشخص.

- العنف النفسي: هو إهانة الشخص وتحقيره سواء كان ذلك بصورة انفرادية أم أمام الناس، والتعمد بجعل الشخص في صورة دنيئة فلا يسمع إلا اللعن والشتم والتعيير والكلام الجارح والصراخ ويحرم من سماع ألفاظ جميلة وعبارات راقية، ويمنع من أي شيء محببًا لديه فيمنع من رؤية أقاربه وأصدقائه والاتصال بالمجتمع.

- العنف المالي: يتجه الشخص المعنف باستخدام المال كوسيلة ضغط وإيذاء على الفرد وذلك بأن يجعل الشخص يعيش في حاجة دائمة للمال فلا يُعطى ما يفي بحاجته، أو أن يتسلط الزوج على مال زوجته فيأخذ راتبها مثلًا، ولكل صورة من هذه الصور تأثيرها بشكل أو بآخر على نفسية الطفل أو والدته ولكن بالتأكيد أعلاها وأشدها خطورة العنف النفسي.

العراق

اثار وباء العنف الاسري المخاوف لدى المجتمع العراقي من الانفلات غير المسبوق في ظل غياب الاجراءات التي تمنع تفكك الاسرة خلال الظروف الصعبة الموبوءة بالازمات وسط ارتفاع حالات الانتحار يوما بعد يوم دون اجراءات حقيقية ملموسة من الحكومة والجهات المعنية لاحتوائه، وقال ناشطون بحسب (الزمان) ان (العنف الاسري بدأ يجتاح المنازل دون سابق انذار مما يشكل استمرار ذلك خطرا على حياة الافراد داخل المنزل في ظل غياب الرادع او ايجاد معالجات تسهم بحل لغز المشكلات التي تواجه العوائل للقضاء على هذا الوباء الذي اضحى يفتك بالاسرة ويفككها نتيجة الظروف الموبوءة بالازمات).

ورأى الناشطون ان (هذه الظاهرة بحاجة الى جهود كبيرة تساعد على احتواء الازمة قبل تفشيها بين المجتمع وتصبح عادة لا يمكن السيطرة عليها لان اغلب المشاكل الحالية يمكن ان تحل ببساطة او بردع الاشخاص المتجاوزين ومحاسبتهم حتى لا يفكر الاخرين بأتباع ذلك) وتؤكد المنظمات الأممية العاملة في العراق أنه خلال أسبوع واحد أحصيت تقارير عدة منها اغتصاب امرأة من ذوي الاحتياجات الخاص، واعتداء زوجي وانتحار امرأة جراء العنف الأسري وقيام امرأة بإشعال النار بنفسها للسبب ذاته وكذلك أذية النفس بسبب الإساءة الزوجية المتكررة والتحرش الجنسي بشخص قاصر وغيرها من الجرائم ذات الصلة.

منذ بداية الحجر المنزلي، ازدادت نسبة العنف المنزلي في العراق بنسبة 30 في المئة وحتى 50 في المئة في بعض الأماكن، بحسب تأكيد مدير الشرطة المجتمعية العميد غالب عطية وعزت إدوارد ذلك إلى أن (الحجز المنزلي حرم الآلاف من أصحاب المهن من أعمالهم وعائداتهم وكذلك توقف المدارس وبقاء الأطفال في المنازل واحيانا تؤدي الأمور الأكثر تفاهة إلى نقاشات تثير شرارة العنف).

وتمنح المادة 41 من قانون العقوبات العراقي للزوج الحق في تأديب الزوجته وألاطفاله والمعلمين لتلاميذهم في حدود القانون لكن رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان قد اكد لا وجود لمسوغ قانوني اوشرعي يبيح ممارسة العنف بحق افراد الاسرة وان القانون يعد تلك الاعتداءات جريمة يعاقب عليها وقال خلال لقائه وفدا نسائيا ان (القانون ينص على معاقبة مرتكب جريمة العنف الأسري أياً كانت صفته في الأسرة، إذ لايوجد مسوغ قانوني أو شرعي يبيح ارتكاب؟ هذه الجريمة التي تعامل مثلها مثل بقية الجرائم التي يعاقب عليها القانون) واضاف (اصدرنا توجيهات الى المحاكم المختصة بتسهيل اجراءات تسجيل شكاوى العنف الأسري واتخاذ الاجراءات القانونية السريعة والرادعة بحق من يرتكب هذه الجريمة اضافة الى تسهيل اجراءات حصول المرأة على حقوقها في موضوع النفقة وحضانة الأولاد).

مصر

على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، تزايدت حالات العنف الأسري، وتنوعت أشكال الاعتداء من الآباء أو الأقارب على أطفالهم، بين التعذيب الجسدي والاغتصاب والقتل، في وقائع بدت غريبة على المجتمع المصري، وأثارت ضجّة كبيرة لدى الرأي العام، وكان ضحاياها والمتورطون فيها ينتمون إلى شرائح اجتماعية مختلفة.

وبحسب موقع "مصراوي" بالأرقام، كيف ارتفعت جرائم العنف الأسري ضد الأطفال خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت أكثر شراسة وعنفًا، ولماذا تحول حصن الأمان الأول للأبناء إلى التهديد الأكبر لحياتهم؟ وما النتائج التي حققتها الجهود والمبادرات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لمواجهة هذه الظاهرة، قبل عام، شهدت محافظتا الدقهلية والمنيا، واقعتين متشابهتين لقتل 4 أطفال لم تبلغ أعمارهم الـ5 سنوات على يد آبائهم، الأولى كانت على يد أبّ ألقى بطفليه في ترعة أثناء اصطحابهما للاحتفال بعيد الأضحى بأحد الملاهي، مبررًا فعلته بأنه كان يمر بضائقة مالية "قتلتهما ليدخلا الجنة"- وفقًا لاعترافاته أمام النيابة، فيما كانت الواقعة الثانية على يد أم عشرينية ألقت طفليها في ترعة بإحدى قرى محافظة المنيا، ولكن شاهدها أهالي القرية واستطاعوا أن ينقذوا أحدهما، وأرجعت الأم السبب إلي وقوع مشاجرة مع زوجها.

استقبل خط نجدة الطفل 4240 بلاغًا واستغاثة من ممارسة العنف الأسري بأشكاله ضد الأطفال، كان نصيب الأطفال الذين لم يتجاوز عمرهم 10 سنوات من هذا العنف 2793 بلاغًا، بنسبة 65% من بلاغات العنف ضد الأطفال، بحسب صبري عثمان، مدير عام خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، وتمثلت أغلبها في حالات تعذيب بحجة التربية والتقويم، مؤكدًا أن الفترة الأخيرة سجلت نسبة كبيرة من ممارسة العنف الأسري ضد الأطفال.

ويؤكد مدير خط نجدة الطفل، أن ظهور محافظة الدقهلية بين المحافظات التي يتعرض أطفالها للعنف، أصبح ملحوظاً، لا سيما بعدما سجلت المحافظة 5 وقائع قتل وتعذيب للأطفال على يد آبائهم في الفترة الأخيرة، وذلك بسبب غياب الوعي لدى الأهل في التعامل مع الأبناء وكيفية تربيتهم، في الفترة من يناير 2018 إلى يوليو 2019، تلقى خط نجدة الطفل 363 ألف استغاثة بحسب الدكتورة عزة العشماوي، الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة، منها 26 ألف و932 من حالات الأطفال المعرضين للخطر والناجين من العنف الذين قدمت لهم خدمات إحالة للجهات المختصة وكذلك دعم نفسي.

ارتفعت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 4.7٪‏، مقارنة بآخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2015، فزادت النسبة إلى 32.5٪‏، وفقًا لبحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2017- 2018، بعد أن كانت 27.8 % عام 2015، وفي دراسة أجراها برنامج حماية الطفل بمنظمة "يونيسيف مصر" عام 2016، أكدت أن 50% من الأطفال في مصر يتعرضون للعنف الجسدي، ويُعد العنف النفسي أكثر الأشكال شيوعًا التي يتعرض لها الأطفال بنسبة 70% في المنزل، أما بالنسبة للعنف الجنسي للأطفال والممارسات المختلفة كالتحرش والاغتصاب فبلغت النسبة 55% من الأطفال الذين تعرضوا للعنف الجنسي، إلا أن هذه النسبة ارتفعت إلى 93% من الأطفال الذين تعرضوا للعنف.

أرقام صادمة عالمياً

الصين: سجلت ارتفاعا في عدد حالات العنف الأسري ، وصل في بعض الأماكن إلى ثلاثة أضعاف المعدل السابق، وذلك بعد أسابيع فقط من إجراءات العزل الصارمة، وفي ألمانيا كشفت الإحصائيات أن امرأة واحدة على الأقل تصاب بجروح جسدية كل ساعة في المتوسط على يد شريكها.

فرنسا: ارتفع في ظرف أسبوع واحد معدل العنف الأسري إلى 32% منذ بداية الإغلاق في شهر مارس، مما دفع السلطات إلى الإعلان عن سلسلة من الإجراءات لمساعدة النساء على التبليغ عن تعرضهن للعنف ، وفي الأرجنتين، بلغت الزيادة في شكاوى العنف المنزلي منذ بدء إجراءات الإغلاق حوالي 25%، وفي قبرص وسنغافورة ارتفعت شكاوى العنف الأسري بنسبة 30 إلى 33% على التوالي.

الأمر الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن يطلق نداء عالميا لحماية النساء في المنازل، في وقت يتفاقم فيه العنف المنزلي والأسري خلال فترة الحجر الصحي الناجمة عن تفشي كورونا، ودعا لاتخاذ تدابير لمعالجة الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي ضد النساء والفتيات، والمرتبطة بتداعيات تفشي فيروس كورونا .

العالم العربي: وفي العالم العربي جاءت أولى التصريحات الرسمية التي تعكس تعاظم العنف المنزلي على ضوء تفشي فيروس كورونا من لبنان، فقد صرحت قوى الأمن الداخلي بالدولة أن الخط الساخن المخصص لتلقي شكاوي العنف الأسري شهد ارتفاعا في عدد الاتصالات التي وصلته بنسبة 100% في شهر مارس من العام الحالي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وتعمق أثر هذه التبعات الاقتصادية مع إجراءات الإغلاق وتعطيل الأعمال بسبب فيروس كورونا ، إذ تتحدث نساء عدة عن الضائقة الاقتصادية التي بها أسرهن، وعن زيادة حدة التوتر في العلاقات المنزلية، وارتفاع معدلات العنف نتيجة وجود أفراد العائلة في مكان واحد طوال اليوم، بجانب ضغوط انقطاع مورد الدخل الرئيسي لها.

وأكد عدد من الخبراء أن العنف الأسري عاد إلى الواجهة من جديد مع فرض الحجر المنزلي ، الأمر الذي لا يمكن تجاهله حيث إنه لا يطال الزوجة أو الزوج فحسب بل الأطفال أيضا، ولحل هذه المشكلة وضع الأطباء خطوات بسيطة قد تساهم في إنقاذ حياة، وتجنب تفاقم العنف الأسري ، نوضحها فيما يلي.

يؤكد الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، إن أزمة الخلافات بين الأزواج بدأت عند فرض الحظر أسبوعين، حيث كان الأزواج سعداء بالحظر لرؤية أبنائهم والجلوس معهم فترة طويلة وأنها فرصة لن تتكرر، ولكن عندما طالت الفترة الزمنية بدأ العمل يتوقف وخسر البعض وظائفه، وبدأت الضغوط تزيد من طلبات المنزل، الأمر الذي شكل ضغطا نفسيا وتوترا، مما خلق مشكلات عديدة بين الزوجين.

ويوضح استشاري الطب النفسي، أن الوباء وضع العلاقات الأسرية على المحك، فعلى الرغم من تواجد العنف الأسري بالفعل لكن تزايد بشكل مخيف خلال فترة كورونا، وتواجد الأزواج والأبناء في البيت يزيد من سلبيات وانتشار العنف ما يؤدي إلى حدوث أضرار جسيمة خطيرة وصدمات نفسية مثل بعض السلوكيات التي تؤثر على نفسية أفراد الأسرة في المستقبل، وذلك يحدث نتيجة انحدار الوعي والتنوير التربوي.

أول الطريق لانحراف الأبناء؟

القسوة في المعاملة والضرب المبرح والتفنن في إنزال العقوبات النفسية والجسدية والحرمان من العطف والحنان من المشاكل التي يتعرض لها الأبناء في المنازل، مما يخلق بيئة أسرية غير صحية عند غياب التراحم والترابط، ويضيع على إثرها الكثير من حقوق الأبناء والنتيجة جو أسري متوتر ينتظر لحظة الصفر، والتي غالبا ما يكون التفكك وضياع الأبناء والباحث في أحوال الأبناء والفتيات من المراحل العمرية المختلفة في بعض الأسر يجد آثار العنف الأسري حقيقة تؤكد أن الأبناء اليوم يواجهون ضغوطات مختلفة من الوالدين أو من الظروف التي تفرضها الحياة على الأسرة ككل، خاصة مع التوسع في وسائل الإعلام المرئي، وانتشار الرفقة غير الصالحة، وانشغال الوالدين بالعمل، وبالتالي غياب الرقابة من قِبَلهما، والنتيجة علاقات فاترة تحتاج إلى إعادة النظر فيها·

قضية العنف الأسري وضرب الأبناء مع اتساع الظاهرة في الآونة الأخيرة، حيث أصبحت خطرا يهدد أمن واستقرار المجتمع، أن العنف الأسري يعكس آثاره السلبية على شخصية الطفل، فيتحول لشخص عدواني، غير مكترث بمشاعر الآخرين، ويبدأ بالتعدي على زملائه ومعلميه في المدرسة، ويصبح شخصا مخربا وغير محافظ على المرافق العامة ويخرج عن اللوائح والقوانين بشكل مستمر وأضافت الشاطري أن من آثار العنف المنزلي ضد الأطفال تراجع التحصيل الدراسي للطفل حيث ينشغل تفكيره حول كيفية تطوير سلوكه العدواني للتخريب وإيذاء زملائه في المدرسة وخارجها ويطمح دوما لخلق الفوضى في الفصل الدراسي·

التربية المنزلية ودورها في التغيير

الأسرة تحتل مكانة رئيسة على صعيد تربية وتنشئة أفرادها، لذلك فيه تلعب دوراً حيوياً في تشكيل شخصية أطفالها في المراحل العمرية المختلفة لذا تعتبر الأسرة محدداً أساسياً للصحة النفسية للفرد والمجتمع، (إنّ الاضطرابات السلوكية والإمراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته والرجل في مستقبله، تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للأبوين كالخلافات الزوجية التي تخلق الجو العائلي المتوتر الذي يسلب الطفل الأمن النفسي)، لذلك فقد أولى علماء النفس الأسرة أهمية خاصة، واضعين في اعتباراتهم ما للأسرة كبناء ونظام من تأثير فعال على نمو وتقدم أعضائها، لهذا فالتربية المنزلية لها دور كبير في تعليم أفراد الأسرة من جيل الصغار وخاصة الذكور على المفاهيم العلمية والايجابية في التعامل مع النساء وتغير الصورة النمطية تجاه المرأة، (تعزو عوامل العنف الأسري إلى غياب قيم وممارسات الحوار في الأسرة وانتقال هذه الممارسات على صعيد الحياة العامة، بدليل أننا غالبا ما نقاطع المتحدثين قبل أن يكملوا طرح وجهات نظرهم أو لجوء البعض منا إلى تجنيد قدراته لإثبات خطأ رأي المقابل بالإضافة إلى تأثير أنماط التنشئة الاجتماعية التي تلقاها الوالدان فإذا كانت سوية تنعكس حتما على أنماط إدارتهم للأسرة بصورة ايجابية أما إذا كانت سلبية فإنها ستغرس بذور العنف الأسري لديهم في الأسرة الحالية لهم).

الأسرة هي أول مؤسسة اجتماعية يتعامل معها الفرد، ولها تأثير بالغ في رسم الإطار العام لمعالم الشخصية وتلعب هذه المؤسسة دوراً حيوياً ومهما في التنشئة الاجتماعية لأفرادها، وعندما تكون علاقات أفرادها عنوانها المحبة والتفاهم ستكون الحياة الأسرية خالية من التعقيدات والخلافات وبذلك ستنمو شخصية الفرد فيها وتشق طريقها نحو الاتجاه السليم وبالتالي نجد أن الفرديصبح أكثر مرونة وأكثر قابلية للتكيف والتوافق الاجتماعي، بينما إذا اضطربت العلاقة بين الأم والأب ونشبت النزاعات الأسرية داخل الأسرة الواحدة تحولت هذه الأسرة إلى مرتع خصب للمشاكل وبيئة مهيأة للاضطرابات خصوصا إذا صاحبها سلوك العنف أو بعض السلوك العدواني بأنواعه.

ويرى العالم النفسي كارل أن مفهوم الفرد لذاته تراكمي بمعنى انه توجد علاقة موجبة بين التقدم في العمر وبين مفهوم الذات، فإذا تكون للطفل مفهوم ذات ايجابي فانه سيستمر معه طوال حياته والعكس صحيح وهو يرى أن الإنسان يبدأ في تكوين مفهوم الذات عنده من المراحل العمرية المبكرة، كما يرى أن الذات قابلة للتغير والتعديل وأنه بالإمكان تغيير شخصية الفرد عن طريق تغيير مدركاته أي مفهومه لذاته حيث هنالك علاقة بين تقدير الذات وظهور السلوك العدواني فتقدير الذات من أهم الخبرات السيكولوجية للإنسان و مستوى تقدير الذات هو الذي يدفع بنا لارتكاب بعض السلوكيات فعندما يكون تقدير الذات منخفض عند الطفل فإنه قد يسلك سلوكيات عدوانية وتشير نظرية التعلم أيضا إلى أن السلوك الإنساني مهما كان بسيطا أو معقدا يخضع في غالبيته إلى عوامل مكتسبة لذا من المهم جداً أن نكثر من التعزيزات الايجابية لسلوك الطفل كالتعاون والثقة والأمن وأبعاده عن كل المفاهيم السلبية كالانطواء والعدوان، بشرط أن تكون تعزيزاتنا منطقية أو موضوعية.

العنف ووظائف الدماغ

دراسة التي نشرتها الدورية الأمريكية للطب النفسي "أميركان جورنال أوف سيكاتري" ترجح أن استمرار التعرض للعنف لمدة طويلة، في أثناء فترة الطفولة، يُحدث خللًا دائمًا في الألياف العصبية بالمخ، التي تتشكل في أثناء العقدين الأولين من حياة الإنسان، وهو ما يُحتمل أن يدفع الشخص إلى الانتحار، ووفق الدراسة، يمكن توضيح الأمر على نحوٍ علمي مبسط، فلو تخيلنا أن الشكل الأمثل لعمل الدماغ يعتمد على إطلاق إشارات كهربائية تُعَدُّ بمنزلة رسائل لأعضاء الجسم، حينها ستكون الخلايا العصبية هي ساعي البريد الذي يسافر مسافاتٍ طويلة لنقل الرسالة، ويقوم في هذه الحالة بتسليمها لساعٍ آخر "خلية عصبية أخرى"، وهكذا حتى تصل إلى مناطق الجسم.

الطريق الذي يصل بين الخلايا العصبية يسمى "محورًا عصبيًّا"، وللحفاظ على سلامة الرسالة "الإشارة الكهربائية" جرى عزل "المحور العصبي" وحمايته من خلال إحاطته بمادة دهنية بيضاء يطلق عليها "مايلين"، هذه المادة تتكون خلال مرحلة الطفولة، وتتراكم تدريجيًّا في عملية تُعرف باسم "ميليناتيون"، في إشارة إلى تشكيل مادة "المايلين"، ثم تستمر في النضج حتى سن البلوغ المبكر.

أدمغة المنتحرين

تشير دراسات سابقة اعتمدت على فحص بالرنين المغناطيسي لأدمغة أفراد تعرضوا لإساءة معاملة في مرحلة الطفولة، إلى ملاحظة وجود مادة بيضاء غير طبيعية، وهي في الغالب عبارة عن مليارات الألياف العصبية من مادة "المايلين المكدسة" لكن، تبقى هذه الملحوظة مبنية على تصوير لا يوضح أي تفاصيل عن هذه الخلايا وكيفية تكوُّنها، ولا عن الجزيئات التي تأثرت من جَرَّاء التعرض للعنف، وبحثًا عن إجابات لهذه الأسئلة، وبفضل وجود عينات لأدمغة أناس فارقوا الحياة في بنك "دوجلاس بيل" بكندا، ووجود بيانات عن حياة أصحاب الأدمغة وظروفهم المعيشية، تمكن الباحثون هذه المرة من مقارنة عينات أدمغة ثلاث مجموعات مختلفة من البالغين، الأولى كانت لـ27 شخصًا انتحروا بعد معاناة مع الاكتئاب، وبالطبع كان لديهم تاريخ من سوء معاملة الطفولة بشكل حاد، أما المجموعة الثانية فتكونت من أدمغة 25 شخصًا كانوا يعانون من الاكتئاب وانتحروا، ولكن لم يكن لديهم تاريخ من التعرُّض لسوء المعاملة في أثناء طفولتهم، أما المجموعة الثالثة فكانت لأدمغة 26 فردًا لم يعانوا أمراضًا نفسية ولا تاريخًا من الاعتداء على الأطفال.

ماضينا يشكل حاضرنا

تكشف الدراسة أن "المحنة التي نتعرض لها في مرحلة مبكرة من الحياة، قد تعطل بشكل دائم مجموعةً من الوظائف العصبية في القشرة الحزامية الأمامية للمخ، تؤدي دورًا بارزًا في عمليات صنع القرار وإدارة المشاعر والعاطفة"، موضحةً أن "الفريق البحثي ينوي استكشاف مزيد من الأسرار حول هذا التأثير من خلال الإجابة عن أين ومتى وكيف يحدث هذا التأثير على مستوى جزيئات الدماغ خلال مراحل التطور"، اكتشف الباحثون أيضًا وجود زيادات في أقطار عدد من المحاور العصبية، ما يعني أن حدوث هذه التغيُّرات سيؤثر على وظيفة أجزاء من القشرة الحزامية والهياكل تحت القشرية، مثل اللوزة ونواة "أكومبنز accumbens" وغيرها من مناطق في الدماغ ترتبط بعملية التنظيم العاطفي وما له علاقة بالثواب والعقاب، وهو ما سيتبعه تغيُّر في المعالجة العاطفية عند مَن تعرضوا للاعتداء خلال مرحلة الطفولة".

الحد من الظاهرة

فيما وضعت الدكتورة نانسي توفيق استشاري العلاقات الأسرية، بعض الحلول للحد من العنف الأسري في ظل تفشي فيروس كورونا والحجر المنزلي، مؤكدة أنه يجب على الأسرة أن تكون واعية وعلى قدر كبير من المسئولية في تصدير الصورة الإيجابية في تلك الفترة لأبنائهم، حيث إن الإيجابية والتفاؤل طاقة تنتقل من شخص لآخر، وهذا أفضل للقدرة على استيعاب طاقة الأطفال التي أصبح من الصعب تفريغها إلا في المنازل، فليس هناك متنزهات أو نواد أو مدارس، فكل تلك الأماكن كان لها دور في تفريغ طاقات الأطفال.

........................................................................................................................
المصادر
- نون بوست
- مركز النماء لحقوق الانسان
- الاهرام
- مصراوي
- الزمان
- صحيفة الاتحاد
- للعلم

اضف تعليق