q
ان التطورات المتسارعة في المشهد العراقي، والتي نتج عنها الاختيار الكاظمي، تجعل الكثير من الأسئلة تطرح نفسها وتبحث عن اجابات منطقية، فما الذي جعل تلك الكتل تتوافق عليه في الوقت الحالي، بينما هي ذاتها رفضت تسميته في الفترة الماضية؟، تضفي هذه التساؤلات المفتوحة احتمالات وسيناريوهات مكررة الحدوث...

يبدو في الأفق القريب تلوح بوادر حل لازمة تشكيل الحكومة العراقية بعد اعتذار عدنان الزرفي، وتكليف مصطفى الكاظمي بدلا عنه، اذ حضي الأخير بتوافق الكتل السياسية الشيعية بالإجماع، ومن المؤمل ان يقدم الكابينة الحكومية بأسرع وقت ممكن، نظرا لما يعيشه البلد من تأخر ملموس في تنفيذ القوانين المشرعّة من قبل مجلس النواب العراقي.

فالاتفاق السريع بين الكتل السياسي على تقديم الكاظمي، على الأرجح تم لكونه شخصية وسطية يتمتع بمقبولية بين الأوساط السياسية، لاسيما الجهات التي رفضت بشدة تكليف الزرفي الذي يُحسب على الكفة الأمريكية، وسيعمل على تضيق الخناق على الكتل الموالية الأخرى.

ان التطورات المتسارعة في المشهد، والتي نتج عنها الاختيار الأخير، تجعل الكثير من الأسئلة تطرح نفسها وتبحث عن اجابات منطقية، فما الذي جعل تلك الكتل تتوافق على الكاظمي في الوقت الحالي، بينما هي ذاتها رفضت تسميته في الفترة الماضية؟.

لم نستبعد ان الفرقاء السياسيين فضلوا ان يكرروا نفس السيناريو الذي استخدم في تكليف رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، اذ تم الاتفاق عليه ليكون المُنفذ الأمين لمشروعاتهم وخططهم القائمة على مصلحة الأحزاب الشخصية، والمبتعدة جل البعد عن تحقيق المنفعة الوطنية، فاذا كان همهم المواطن والوطن كما يزعمون فلماذا لم يتم تمرير الاشخاص الذين تم تكليفهم من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح.

من ايجابيات التكليف هي ان الشخص الذي تم اختياره جاء من خارج العباءة السياسية التي حكمت العراق منذ سقوط النظام العراقي على أيد قوات التحالف ولغاية الآن، ان الذي دفع بان تحصل هذه المتغيرات قد يكون الحراك الشعبي الذي أندلع في اكتوبر الماضي، وهو الذي جعل الكتل السياسية تفكر بهذه الطريقة لإسكات الأصوات الصارخة من جهة، وتنصيب رئيس حكومة على مقاسهم من جهة اخرى.

او قد يكون هذا الاختيار بمثابة الصحوة المؤقتة للكتل السياسية الشيعية، التي ارادت ان تحفظ ما تبقى من ماء وجها، الى جانب إثبات موقفها وإعادة هيبتها امام الشركاء السياسيين الذين حاولوا لعدة مرات تمرير مرشح رئيس الجمهورية برهم صالح، والذي وصفه البعض منهم بالتعدي على المواد الدستورية.

نحن الآن بحاجة ضرورية لملأ الفراغ الذي ضرب العملية السياسية العراقية منذ شهور، وكذلك بحاجة الى شخصية تقف بمسافة متساوية من الطرفين الأمريكي والإيراني، ليتمكن من المضي قُدما بالاتجاه الصحيح، فان العراق عانى ما عانى في الفترات الماضية، فلم يتمكن بعض الرؤساء من مسك العصى من المنتصف، فنراهم اما ذهبوا بتجاه الدولة الجارة او بالتقرب من الدولة العظمى الولايات المتحدة الأمريكية.

لا حظنا في عملية التكليف ان الشارع المنتفض منذ اشهر، هُمش دوره في التكليف الحالي، نتيجة لتفشي وباء كورونا الذي منح السلطات القدرة على التحرك بمساحة معينة من الحرية، ويمكن ان نقول المماطلة واستثمار عامل الوقت بالشكل الأنسب، في كل مرة نشاهد الشارع يصعد من عملياته الاعتراضية، بينما هذه الضغوطات اختفت بشكل كبير وهو ما جعل الكتل تشعر بالراحة النسبية، وتفصيل الثوب السياسي على مقاس المرحلة الحالية.

اما بالنسبة للعوامل الخارجية فاختيار الكاظمي لاقى ترحيبا من قبل ايران التي لم تبدي اي اعتراض مثلما كان موقفها مع سلفه المعتذر، في حين وصف البيت الأبيض وعلى لسان وزير الخارجية ماك بومبيو بالرائع، اي من الممكن ان يكون الكاظمي نقطة التقاء الغريمين، وقادر على احداث تقارب بين وجهات النظر.

فبعض المراقبون يتحدثون عن وجود نوايا خفية من قبل المستفيدين من ابقاء حكومة عبد المهدي، تتمثل بعرقلة ولادة حكومة جديدة تصحح الأخطاء التي وقعت بها الحكومة الماضية، بالإضافة الى إظهار الخلل الذي رافق إدارة مؤسسات الدولة في تلك الحقبة.

وجود الكاظمي على رأس الحكومة القادمة، ولكونه جاء من خارج رحم الأحزاب المشاركة، فمن الممكن سيكون الرجل العنيد الذي لا يروق له تصرفات الكتل، ولم تتمكن من ان تجعله علكه ترميه ذات اليمين وذات الشمال لتطحنه رحى السياسيين بالكيفية التي يرونها مناسبة لمضغ الكعكة.

اضف تعليق