q
السكون الذي نراه في الشوارع يقابله صخب يفوقه بكثير في البيوت جراء المشادات الكلامية والخلافات الأسرية التي ارتفعت وتيرتها مؤخرا، ففي بعض الدول الموبوءة مثلا التي صدرت هذا الفيروس الفتاك الى بقاع العالم، نجد النساء تناشد الجهات الدولية لتخليصهم من الظلم الذي لحق بهن...

النساء هبة الله الجميلة التي بوجودها تكتمل اناقة كل مكان، ويعم الفرح والسعادة حيثما وجدت تلك المخلوقة الشفافة، فبدونها تصبح الأيام متشابهة، وتخيم عليها الرتابة في كثير من الأحيان، ولا يقل أهمية عن ذلك الشيء ما يقومون به الأطفال، فهم ايضا أيقونة السعادة والجمال في كل منزل، يجلبون البهجة بصراخهم، ويعكرون الأجواء حينما يتألمون، فهم مصدر الفرح والحزن في ذات الوقت، ولا يمكن الاستغناء عنهم مثلما النساء بالنسبة للرجال والحياة العامة، فهما كما غيرهم من الأشياء الاساسية لديمومة الحياة الأسرية الناجحة والقائمة على المبادئ السليمة التي تحكم النظام الأسري بصورة عامة.

لكن ومع شديد الأسف فان النساء والأطفال من أكثر شرائح المجتمع يتعرضون الى التعنيف من قبل الآخرين، ولذلك بذلت العديد من المؤسسات المحلية ومنظمات المجتمع الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة والطفل لكنها لم تتمكن من الحد من هذه الظاهرة المتفشية بشكل كبير ولا تقتصر على مجتمع دون آخر.

اذ لا تزال هذان الشريحتان تعانيان القسوة والعنف والمعاملة غير اللائقة، فهم يواجهون بشكل يومي الاسلوب الساخط من رب الأسرة الذي لم ينفك عن محاسبتهم وتوجيه اللوم لهم على أتفه الأسباب ربما من الممكن حلها دون اللجوء لتلك الأساليب البالية التي تبتعد كثيرا عن التعامل الحضاري والمناسب مع التقدم الكبير الذي يشهده الوعي العام لدى الأفراد.

نسبة العنف هذه وبحسب دراسات رسمية أعدت من قبل مراكز الأبحاث، اثبتت ارتفاعها بشكل مخيف خلال الأشهر الثلاث المنصرمة، والسبب يعود بذلك لتواجد الآباء في المنازل بعدما ضرب فيروس كورونا اغلب دول العالم، قادما من الصين الى إيران، متخذا من البشر وسيلة للتنقل المريح.

فهو تمكن من جعل الشوارع تخلو من المارة، وأغلقت أبواب الفنادق، وخيم الهدوء على الأماكن السياحية، وضاعف من جهود الطواقم الطبية والأمنية التي فرضت حظرا للتجوال وقطعت حبل الوصل بين البلدان والمدن في البلد نفسه، كما فرض تقييدا على الزيارات العائلية، وقلل من فرص اللقاء بالأصدقاء وزملاء العمل.

البقاء في المنازل بحد ذاته يجعل من الحالة النفسية تسوء الى ابعد الحدود، فماذا تفعل بالفرد اذا اجُبر على البقاء مع فقدانه لفرصة عمله جراء الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم؟، دون شك ستعمل على تهديم جبل الصبر لديه وتأخذ بيده نحو انهيار الأعصاب وافتقاد السيطرة على الانفعالات والتصرفات الشخصية.

فهنالك دراسات اشارت الى ارتفاع نسبة العنف ضد الابناء والنساء الى مئة وثمانين بالمئة في لبنان، التي تعاني ايضا من تدهور أوضاعها الاقتصادية منذ أشهر بسبب اندلاع الاحتجاجات الشعبية الرامية لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، عبر تخفيض نسبة الضرائب ورفع مستوى الدخل لديهم.

فالسكون الذي نراه في الشوارع يقابله صخب يفوقه بكثير في البيوت جراء المشادات الكلامية والخلافات الأسرية التي ارتفعت وتيرتها مؤخرا، ففي الصين مثلا التي صدرت هذا الفيروس الفتاك الى بقاع العالم، نجد النساء تناشد الجهات الدولية لتخليصهم من الظلم الذي لحق بهن.

فأثبتت الدراسات ارتفاع حالات الطلاق في الأشهر الأخيرة، ما يعني وجود انعكاس حقيقي على الواقع الأسري في الصين وغيرها من البلدان التي زارها الفيروس واطال المكوث بها ومن بينها الدول العربية التي وقفت الى جانب الدول العظمى في مواجهة الأزمة وتقليل الخسائر الناجمة من ذلك التفشي.

من عوامل تمادي الرجال بأفعالهم هذه الفترة هو انغلاق المؤسسات الرسمية المتعلقة بفض النزاعات والخلافات فيما بين الأزواج، ما حتم على الزوجات المكوث ببيت الأهل، بينما يتخلى الازواج عن الواجبات الزوجية والحقوق تجاه نساءهم، فهم تيقنوا ان محاسبتهم غير ممكنه في الظرف القائم ولم تتمكن النساء من تحريك ساكن.

هذه الحالة زادت من ركام الأسى والحيرة في نفوس الأمهات القابعات في منازل الآباء، وبذلك تأجل موعد محاسبة الأزواج الذين تجاوزوا حدود المعاملة الطيبة بحق الزوجة والأطفال، وقد يكونوا اصابتهم الراحة باتباعهم ذلك الاسلوب العدائي، وجعلهم يشعرون بالراحة المؤقتة والطمأنينة المزيفة والقائمة على بؤس الآخرين.

جميع القوانين السماوية والوضعية لا تسمح باستخدام العنف ضد اي مخلوق كان ليس النساء والأطفال فحسب، فكل الأديان بما فيها الدين الإسلامي حرم الاعتداء على الأفراد وحفظ للإنسان كرامته ومكانته في المجتمع فلا يصح ان تسلب هذه الحقوق ويعيش الفرد دونها غارقا في بحر من الإذلال وعدم الاحترام والاحتقار.

هذه الظاهرة لم تكن وليدة الحين، بيد ان من قام بإنعاشها هو ظهور هذا الوباء الذي أصبح يشكل عبئا كبيرا على البشرية برمتها وليس فقط على النساء والأطفال، ولكنه قد يكون سببا لتظافر جهود المجتمع الدولي من اجل الخلاص بشكل نهائي من ظاهرة العنف الأسري الذي راح ضحيته الملايين من ابناء آدم.

اضف تعليق