q
لبنان كغيرها من الدول التي لا تزال تمرر فيها بعض الارادات الخارجية، فمن غير المعقول ان تترك إيران الاوضاع تسير دون رغبتها او خلافا لضمان المحافظة على نفوذها، فهي لا تريد ان تأتي شخصية خارج إطار توجهاتها وغير مستعد لخدمة مصالحها، في المقابل امريكا لا تريد ايضا لهذا النفوذ...

في عشية الاعلان عن تكليف الوزير السابق حسان ذياب أدركت حكومة البيت الابيض مدى اهمية تدخلها في تسوية الامور وضمان تحقيق قدر من الهيمنة على القرار السياسي في لبنان.

الاوساط السياسية في لبنان منشغلة بزيارة وكيل وزارة الخارجية الامريكية هيل، زيارة تحمل الكثير من الدلالات في المضمون والتوقيت فهي تأتي بعد ساعات من تكليف الوزير السابق حسان ذياب بتشكيل حكومة جديدة، وعلى الرغم من تأكيد هيل على عدم تدخل بلاده في الشأن الداخلي اللبناني الا انه حاول تحديد ملامح الحكومة الجديدة.

بعد أكثر من خمسين يوما على انطلاق الحراك الشعبي في لبنان وبعد استقالة سعد الحريري وما تبع ذلك من على اسماء رشحت لخلافته، لتشكل الحكومة المقبلة، وما ان أعلن عن اسم المرشح الجديد حتى هبت حملة احتجاجات الى الواجهة.

هذه التطورات السياسية تزامنت مع وصول وكيل وزارة الخارجية الامريكية للشؤون السياسية ديفيد هيل الى بيروت حيث التقى مجموعة واسعة من المسؤولين اللبنانيين، في خطوة تثبت ان لامريكا الدور الابرز في وضع معالم لبنان الجديد.

على وقع حراك الموفد الامريكي بدأ الرئيس المكلف حسان ذياب جولته على رؤوساء الحكومات السابقين تمهيدا الطلاق جولة مشاورات مع الكتل السايسية قبل الشروع برسم خارطة مجلس الوزراء الموعود الذي وعد ان يكون من المتخصصين.

ورغم التصريحات الاخيرة لرئيس الحكومة الا ان حدة الغليان الجماهيري لم تخمد، امر ينذر بصعوبة مهمة التأليف، لاسيما في ظل تأكيد بعض القوى السياسية عدم مشاركتها في الحكومة، علاوة الى تصعيد الشارع المنادي بمكونات حكومية من خارج الطبقة السياسية.

حيث انتقل لبنان لمرحلة جديدة ومهمة في نفس الوقت، امام رئيس الحكومة واقع معقد فالمهمة هي أكبر من مهمة شخص، اذ تتطلب تظافر الجهود من اجل الخروج من المأزق الذي يعيشه منذ سنوات.

في الوقت الراهن لبنان يحتاج الى تشكيل حكومة تتسم بادنى درجة من الحرية لتتمكن من ممارسة ادوارها وايجاد الحلول للمشاكل التي اثقلت كاهل البلد وجعلته يتخلف عن بقية البلدان العربية.

كما ان الطبقة السياسية اللبنانية بحاجة الى الوعي بخطورة المرحلة الآنية، وحساسيتها وما عليهم فعله لمواجهة الظروف القاهرة التي يمر بها البلد، اذ من المفترض ان يكونوا على معرفة بحجم المؤامرة التي تحيط ببلدهم وماهو مخطط له من اجل جذبهم لمنطقة معينة دون الرغبة من الذهاب اليها.

هذا الترشيح جوبه بالمعاراضة التي اخذت كتلة المستقبل مهمة التصدي لها، حيث اصبحت من اشد المعارضين للمرشح الجديد، اذ تقول ان من حقها عرقلة سير الحكومة طالما لم يتم اشراكها في التشاورات التي تم بموجبها اختيار الرئيس الجديد.

الواقع اللبناني لم يتخطى لغاية اللحظة العقدة الطائفية وبالتالي فان لكل طائفة حق في المساهمة في اختيار وتشكيل الحكومة القادمة، لكن في ذات الشان حاولت الجماهير الثائرة من اخفاء هذه النزعة وجعل المصلحة الوطنية هي من تتصدر الموقف دون منافس آخر، بغية الوصول الى بر الامان وترك الماضي الى الوراء والشروع بمرحلة جديدة، ضامنة لان تحقق لابناء الشعب طموحاتهم وامانيهم.

الصراع بين الكتل السياسية منذ عقود في لبنان لم يأتي بجديد للمواطن اللبناني وهو ما جعل الشارع يخرج من سكونه ويتبع الاسلوب الثوري حرصا منه على عدم ضياع مستقبل الاولاد الذي بات غير واضح المعالم في ظل التجاذبات الاخيرة، وهذا ما تمكن الحراك الشعبي تحقيقه، والتقليل من سطوته وجلب رئيس حكومة قادرة على خلق التوازن بين الطبقات السياسية.

الأحاديث الدائرة بين الطبقات السياسية تتركز حول الحصص والاشخاص الذين من الممكن ان يقودوا العملية السايسة في البلد، ولم تتطرق للبرامج التي سيعمل عليها الاشخاص وتنفيذها خدمة للحراك الشعبي المندلع منذ اقل من شهرين، وهذا بالتأكيد يجعل من الخوف يشق طريقه نحو نفوس الجماهير التي خرجت من اجل وضع النقاط على الحروف.

لبنان كغيرها من الدول التي لا تزال تمرر فيها بعض الارادات الخارجية، فمن غير المعقول ان تترك إيران الاوضاع تسير دون رغبتها او خلافا لضمان المحافظة على نفوذها، فهي لا تريد ان تاتي شخصية خارج إطار توجهاتها وغير مستعد لخدمة مصالحها.

في المقابل امريكا لا تريد ايضا لهذا النفوذ ان يستمر وتحاول بأساليب مختلفة للتقليل منه، فتارة تعزف على الوتر الاقتصادي وتضع المساعدادت المالية مرهون بموافقتها على سير الامور في الداخل اللبناني، الذي لا ترغب بأن يذهب كثيرا صوب الجانب الايراني، وتارة اخرى تحذر من انهيار البنية الاجتماعية نتيجة تراجع بعض القطاعات كالصحية والتربوية....الخ.

فمن الصعب ان تشكل حكومة لبنانية دون ممثل يدين بالولاء لايران، كما لا يمكن ان تمرر الكابينة الحكومية دون معارضين لهذا النفوذ وبما يصب بمصلحة البيت الابيض، وهنا تكون المهمة امام رئيس الحكومة الحالية تتسم بالشاقة الى حد ما.

من الارجع ان تتفق المكونات السياسية المتصدية للعملية الساسية في لبنان على مبدا المصلحة الوطنية، وترك المصالح الحزبية وما يعقب ذلك من تحقيق مصالح دولية خارجية، فلا بد ان تنتهي المناكفات ويقف الجميع صفا الى صف من اجل إسعاد المواطن الذي نهش من جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وكذلك السياسية.

اضف تعليق