q
إذا كانت الرياضة البدنية تمنح الإنسان الحيوية وتنمي قدراته الحركية ولياقته الجسدية، فإنّ القراءة رياضة ذهنية تنشط المخ وتحميه من الكسل والخمول العقليين اللذين يصيبان الإنسان حين مشاهدته التلفاز، إذ أثبتت الأبحاث الحديثة أنّ القراءة تنشط الخلايا الخاملة او الساكنة في المخ بينما لاتفعل مشاهدة...

إذا كانت الرياضة البدنية تمنح الإنسان الحيوية وتنمي قدراته الحركية ولياقته الجسدية، فإنّ القراءة رياضة ذهنية تنشط المخ وتحميه من الكسل والخمول العقليين اللذين يصيبان الإنسان حين مشاهدته التلفاز، إذ أثبتت الأبحاث الحديثة أنّ القراءة تنشط الخلايا الخاملة او الساكنة في المخ بينما لاتفعل مشاهدة القنوات او ممارسة ألعاب الحاسوب ذلك.

وقد قام علماء أعصاب بريطانيون مؤخراً، وفقاً لماتناقلته وسائل الإعلام، بإجراء أبحاث على مجموعة متطوعين عن تأثيرات مطالعة الكتب والصحف الورقية على القدرات الذهنية للإنسان، بدفع ٍ من مراقبتهم إتساع التقنية المعلوماتية في الحياة، ما أدى الى إتساع مساحة مشاهدة الأفلام والاستماع الى الكتب الصوتية وممارسة الألعاب الالكترونية على حساب مطالعة الكتب والصحف الورقية.

وجد العلماء أن الدم، خلال القراءة، يتدفق إلى مناطق في المخ مسؤولة عن التركيز واستقبال المعلومات، بينما لايصلها الدم في أثناء مشاهدة القنوات التلفازية او ممارسة الألعاب الالكترونية. كما توصل العلماء الى أن الجسم يؤدي وظائف تختلف هي الأخرى باختلاف الهدف من القراءة وطريقتها، فوظائفه إذا كانت القراءة بقصد التسلية تختلف عنها فيما لو كانت بهدف التركيز، فهذا الأخير وإن كان يشكل ضغطا على المخ إلاّ أنه يفيده بصفته تمرينا له، وبذلك تكون القراءة بتركيز محفزة لقدرات المخ.

وأثبتت تلك الأبحاث أيضاً أنّ قراءة الإنسان كتب الأدباء الكبار والجيدين تساعد في تحسين مداركه وقدرته على صياغة أفكاره بشكل سليم.

إنّ ماتوصل اليه العلماء في أبحاثهم يفسر مانلاحظه من محدودية أفق التفكير وضعف المفردات اللغوية والحوارية لدى الكثيرين ممن لايولون القراءة إهتماماً ، ونحن هنا لانقصد أي قراءة، بل تلك التي تدور حول كتب ثرية المحتوى، إذ ندرك جميعا أن كتباً فكرية وأدبية وعلمية تتطلب قراءتها تركيزا، كي يستفيد قارئُها منها، بينما قراءة كتب ذات محتويات سطحية او بسيطة او لاتتطلب تركيزا او تفكيرا او تحليلا، لاتشكل قراءة فاعلة تعود بالنفع على صاحبها.

قد يجوز لنا تشبيه فعل القراءة الواعية على مخ الإنسان وتفكيره خلال سنوات حياته، بخط بياني يتصاعد فيه عمل ونشاط خلايا المخ ويتطور تفكيره بشكل مستمر. وحيث أن العقل هو مجموعة معارف يستحصلها الإنسان من خلال تجاربه الحياتية، فإنّ القراءة الواعية هي تجربة إيجابية بحد ذاتها، وإنّ مرافقة كتاب واحد ثري المحتوى ترفع التفكير درجة، على سبيل المثال، ومن ثم يرتفع درجة أخرى مع قراءة كتاب هادف آخر، وهكذا الى أن تتسع مدارك الإنسان باستمرار مع كل رحلة قرائية، مثلما تتبلور الشخصية وتنضج أكثر بعد كل تجربة حياتية.

ولعلّ القارئ الواعي يدرك بنفسه مثلما يلاحظ الآخرون، التطور الفكري الذي يطرأ عليه تدريجيا، فيرى أن أفكاره ومفرداته تتغير وتتطور بمرور السنين، وأن أفق تفكيره في شبابه ، أوسع مما كان في فتوته، وفي كبره أوسع مما كان في شبابه، وهذا يعود، الى جملة أسباب، لعلّ القراءة في مقدمتها.

ومن المؤكد أنّ لا أحدَ منا يرغب بأن يجلس بين أناس آخرين يتحدثون في موضوع ثقافي مثلاً، ويجد نفسه كالأبله لايفهم مايقال ولايعرف ماذا يقول، لذا يكون تفادي هذا الموقف المحرج بالقراءة المستمرة والمختارة بعناية.

كما إنّ النتيجة الحسنة الأخرى التي تؤدي اليها القراءات أنها تزيد من رصيدنا اللغوي وتجعل أسلوبنا في الحديث أدق وأجمل وأكثر إقناعاً، وهو مايكسبنا هالة من الجاذبية في عيون الآخرين، ويُمَكننا من التعبير عن أفكارنا ووجهات نظرنا بوضوح أكبر، ويجعلنا مؤثرين إيجابيا في المجتمع والحياة.

وعليه، ندعو شبابنا وشاباتنا الى الإهتمام بالمطالعة والمواظبة عليها، لأن تجاربها تعود عليهم بالنفع، حين يجدون بين الأغلفة تجارب وحيوات تؤثر فيهم وفي مداركهم وتنقل وعيهم من حال او درجة الى أخرى عليا، لاسيما وهم يتحركون بين عوالم تصيبهم بالدهشة، ماكانوا يتصورون أنهم سيعرفونها او يلجون اليها قبل مرافقة كتاب غزير المحتوى، وهو مالايحققه إدمان مشاهدة التلفاز وممارسة ألعاب الحاسوب والهاتف النقال والأنترنت، فهذه تسطح التفكير لأنها لاتدعو لتشغيل خلايا الدماغ كما تفعل القراءة، كما إن الإفراط في مشاهدة البرامج التي لاتدعو للتفكير الى درجة الإدمان قد يعطل، ليس التفكير فقط، وإنما القيم الجميلة التي تستبدل بأخرى غير عميقة بفعل التسطح الفكري والفقر الثقافي والجوع الروحي، سيما إن القراءة غذاء للروح والقلب كما هي غذاء للعقل، بينما الانغماس المفرط في نتاجات تكنولوجيا الإتصال يُضعف الجانب الروحي للإنسان وعلاقاته بالآخرين.

وعلى العكس من كل إفراط في الحياة، قد يؤدي الى نتائج عكسية، فإنّ الإفراط في القراءة العميقة والجادة، ينتج عنه وعي أكبر وأفق أوسع، فخذوا الكتاب رفيقاً ينفع دائما ولايضر أبداً.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق